الاثنين، 15 أبريل 2019

ضغط الهوية الذكورية

معظم الرجال في المجتمعات العربية، يواجهون مشكلة حقيقية عندما يتعلق الأمر بهويتهم الذكورية، وهم لا يواجهون هذه المشكلة وحدهم، نظراً لأن النساء أكبر المتأثرين بها.
المعضلة التي أقصدها، هي حيرة هؤلاء الرجال حول هويتهم الذكورية وما يرتبط بها، فهم يربطون رجولتهم بذكورتهم، وفق تعاليم المجتمع وعاداته وتقاليده، فلأنهم ذكور، تكون الطريقة الوحيدة كي يصبحوا رجالاً، هي أن يتصرفوا طبقاً لما رباهم عليه المجتمع العربي، فالرجل لا يبكي، الرجل يجب أن يكون قوياً دائماً، ولا يعرض ضعفه للآخرين، وإن كان ذلك لعائلته، الرجل حاسم ولا تُرد كلمته، الرجل يأخذ حقه بالطيب وبالقوة، الرجل لا يتردد، الرجل لا يكسر وعوده، الرجل لا يفصح عن مشاعره أو يتحدث عنها، استناداً إلى أن الرجال أفعال لا أقوال.
قد يظن البعض أن ما سبق لا يسبّب للرجل أي حيرة حول هويته الذكورية، ولكن الواقع غير ذلك، ماذا يحدث عندما يعبّر رجل ما عن مشاعره لزوجته أو عائلته؟ ماذا يحدث عندما يبكي الرجل أو يقرر استخدام الطرق الودية عندما يتم الاعتداء على حق له؟ ينظر إليه المجتمع نظرة استنكار ويصرخ فيه: أنت لست رجلاً! بل وأكثر من ذلك، ماذا يحصل عندما لا تبكي امرأة أو عندما تأخذ حقها بالقوة؟ يتم النظر إليها كرجل، ويُقال عنها في كثير من الأحيان: امرأة بألف رجل!
هذه الحيرة حول الهوية ولّدها المجتمع، الذي ربط بعض الأفعال الحسنة والسيئة بكون الذكر ذكراً، فالأفعال الحسنة مثل الالتزام بالوعد ليست مقصورة على الذكور، والأفعال السيئة أيضاً مثل عدم التعبير أو الإفصاح عن المشاعر ليست مقصورة على الذكور، ولكن هذا ما جرى عليه العرف في المجتمع، بحيث أصبح كثير من الذكور عند قيامهم بعمل ما، يصيحون بأنهم رجال وحسب! عندما يطالبهم أحد بتبرير قيامهم بذلك الفعل.
هذه الحيرة ولّدها المجتمع، عندما صنّف الأفعال على أن بعضها لا يجوز إلا للذكور، وبعضها الآخر محرم عليهم، وعلى أنها تكون للمرأة فقط.
كثير من الرجال في مجتمعاتنا العربية لا يعرفون أنهم في حيرة من هويتهم الذكورية إلا عندما يخرجون من مجتمعنا إلى مجتمعات متسامحة أكثر حول الهوية الذكورية، فنجد الرجل العربي يقف متعجباً عندما يلقى رجلاً آخر مثله يعتني بطفله وحده في مطار ما، أو عندما يشاهد رجلاً يبوح بمشاعره لشخص في الشارع أو في مطعم ما، هذه الأمور مثلاً ليس لها دخل في تكوينه كرجل، ولكن مجتمعنا نجح في ربطها بهويته الذكورية، وفي اعتمادها كمعيار لكونه رجلاً.
نحتاج في مجتمعاتنا إلى تخفيف الضغط على الرجل، وعدم ربط الرجولة بالهوية الذكورية، عبر جمع الترسبات العربية وإلغائها، وزرع بذور جديدة متسامحة أكثر في أطفالنا، تسمح لهم بالتعبير عن هويتهم الحقيقية بدون إلحاح أو ضغط معاني الرجولة وربطها بالذكورة، ولنا في سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- الأسوة في ذلك، وقد كان من أكثر الرجال عاطفة وحساسية وتعبيراً عن مشاعره لغيره، سواء أكان لعائلته أو أصحابه عليهم رضوان الله.


جواهر آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...