الثلاثاء، 28 مارس 2023

الغضب لله!

 


يذكر أحمد الشقيري في كتابه (أربعون) قصة رجل، سمع عن قوم يعبدون شجرة، فغضب و قرر أن يذهب ليقطع الشجرة. و في طريقه، أتاه الشيطان في هيئة رجل، و قال له: ما دخلك بهم! اتركهم و اذهب إلى بيتك، و ستجد عشرة دراهم تحت وسادتك في كل صباح! رجع الرجل إلى بيته، و وجد المال في الأيام الأولى، ثم انقطع المال. فغضب الرجل و ذهب ليقطع الشجرة، فلقى الشيطان نفسه في طريقه، يسأله: إلى أين ذاهب؟ قال الرجل: أنا ذاهب لقطع الشجرة. فقال الشيطان: قبل أن تقطعها سأقطع يدك! فقال الرجل: مالك لم تقل هذا الكلام بالأمس؟ فرد الشيطان: بالأمس كان غضبك لله، فلم أستطع منعك إلا بالحيلة، أما اليوم فغضبك للدراهم، فلي عليك سلطان!

يستشهد الشقيري بهذه القصة، ليُوضح بأن الغضب الذي يجتاح البعض اتجاه الدين في بعض المرات، قد لا يكون منبعه الدين في الواقع، بل النفس، كما يحصل عندما يغضب البعض غضباً عارماً عند الإساءة إلى النبي محمد صلى الله عليه و سلم، و لا يغضبون أو يستاؤون عندما تتم اهانة أنبياء الله موسى و عيسى عليهما السلام رغم قوله تعالى: (لا نفرق بين أحد من رسله) (سورة البقرة:٢٨٥). فيكون السبب الحقيقي وراء الدفاع عن رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، كونه نبي الإسلام العربي، وليس خالصاً لوجه الله!

و كما يحصل عندما يستنفر البعض لمساعدة دولة مسلمة قريبة بالمسافة-ولو بكلمة-عندما يصيبها مصاب ما، أما الدولة المسلمة البعيدة، فبعيدة عن القلب و العين و المساعدة، رغم كل المصائب و المشاكل التي تواجهها. الدولة الأولى، قريبة منا و قد تكون من الدول التي نزورها و نسمع عنها دائماً، أما الدولة الثانية فبعيدة و منسية!

على الانسان أن يتعمق في مشاعره، و أن يراجع نفسه. عندما يغضب، هل يغضب لنفسه.. لغروره.. أم لله و في سبيل الإحسان؟ هل غضبه حقيقي أم مصطنع؟ هل هو غاضب لأجله أم لله؟ عندما يستاء، ما سبب استيائه الحقيقي؟ عندما يشتم أحد ما الإسلام أو العرب هل سيغضب لأن أحد ما طعنه في هويته، أم سيغضب لأنه يخاف الله و لأنه انسان؟ هل سيغضب الغضب ذاته أو على الأقل سيستاء لو قام أحد ما بسب المسيحية أو الأفارقة أمامه أم أنه سيصمت و سيدعي عدم سماع شيء؟

ابحثوا في أنفسكم عن أسباب غضبكم الحقيقية. و من ثم غيروها، و تغيروا إلى الأفضل.

اغضبوا لله.. استاءوا لأمور أكبر منكم، مثل الأخلاق و القيم و المبادئ المتينة و العظيمة. لا تغضبوا من أجل أنفسكم و غروركم الصغير. هذا العالم أكبر منكم، و أكبر من النفاق و الغرور، فالغرور و النفاق يسقطان في النهاية، و يبقى الله عز وجل.. و الدنيا.. و القيم الجللة!

 

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر



الثلاثاء، 21 مارس 2023

فن المحادثة

 

 

الانطباع الأول مصيري. غالباً هو ما سيحدد طبيعة علاقتك مع الشخص أو المجموعة التي تقابلها. و الانطباع الأول مُكون من مزيج المظهر و المحادثة و لغة الجسد و تعابير الوجه و اليدين.. و أهم عنصر بينهم هو المحادثة.. طريقة حديثك مع الشخص أو المجموعة.

و المحادثة مهمة سواء أكانت مع شخص تقابله للمرة الأولى أو كنت مع مجموعة من أصدقائك أو وسط مؤتمر أو مع زملائك في الجامعة أو مع أحد أقرباء أصدقائك.

للمحادثة فن، عند اتقانه تسهل الحياة، و تُفتح الأبواب للمرء، فالدنيا علاقات، و كلما زادت علاقات المرء الاجتماعية تيسر وضعه!

في كتاب ١٢ قاعدة للحياة، يتكلم جوردان بي. بيترسون عن المحادثة، و كيف أنها تكون ناجحة عندما تكون غير مملة، فلا أحد يرغب في التحدث أو الاستماع إلى شخص ممل. و المحادثة المؤثرة هي التي تكون إما ممتعة أو حقيقية. المحادثة الممتعة هي التي تجعل الشخص الذي تحادثه يضحك أو يبتسم على وقع قصصك و أحاديثك أو نكتتك، أما المحادثة الحقيقية، فهي التي تسرد وقائع أو أحداث أو أحاديث أو قصص أو معلومات حقيقية تحصّلت عليها من مصدر موثوق. و تكون المحادثة حقيقية أيضاً عندما تكون عميقة المعنى.. بمعنى أنها قد تحتوي على بعض الفلسفة أو التفكر أو التأمل أو التعبير عما يختلج في النفس أو الروح.

إذاً، لتتقن فن المحادثة، يجب أن يكون حديثك ممتع أو حقيقي أو كلاهما معاً! و لكنك يجب أيضاً أن تكون مستمع جيد لمن أمامك و حولك. يجب أن تعطي غيرك مساحة في المحادثة للحديث، أو كما قال ديل كارنيجي: "لتكون متقناً لفن المحادثة، يجب أن تكون مستمع جيد. و لتكون مثيراً للاهتمام يجب أن تكون مهتماً بمن هو أمامك".

المتحدثين البارعين يضيئون الغرفة.. يجمعون الناس حولهم، و يسلبون تركيزهم دون أن ينتبهوا! من منا لا يرغب في أن يكون ذاك المتحدث الذي يتجمهر الناس حوله ليسمعوا ما يقوله؟ هذه ميزة لا يملكها الكثير، و من أهم الأشخاص الذين يمتلكون هذه الموهبة هو الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما المتحدث البارع مع الناس، سواء أكان ذلك من على منبر أو وجهاً لوجه معهم. موهبة أوباما ليست عصية على أحد.. هي لا تستلزم سوى التدريب على فن المحادثة و تمرس لغة الجسد و تعابير الوجه و اليدين.. ابدأ بالأولى و ستلحق بك الأخرى!

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الثلاثاء، 14 مارس 2023

استحموا بالطبيعة!

 

الانسان يسترخي بطرق عديدة.. البعض يسترخي بالرياضة.. البعض بالاستلقاء و مشاهدة التلفاز.. البعض بالخروج من المنزل.. البعض بالسفر، و البعض يسترخي بكل هذه الطرق معاً! و من السبل الجميلة للاسترخاء.. الاستحمام بالطبيعة.. (NATURE BATHING) أو ما يسميه اليابانيين بالاستحمام بالغابة (FOREST BATHING)، و هي تقنية قديمة عندهم للاسترخاء عبر الاتصال بالغابة. و يُقصد بذلك المشي ببطء في الغابة و الاسترخاء عبر التواجد فيها و تشربها و التأمل و التفكر فيها. و اليابانيين يحصرون هذا النوع في الاسترخاء بالغابة لأنها الطبيعة السائدة في بلادهم، و لكني أجد بأن هذا النوع من الاسترخاء يمتد إلى أبعد من الغابة.. و يصل إلى الصحراء و الشلالات و الشواطئ و الجبال و التلال و الأودية و البحيرات. من قال بأن الاستحمام بالطبيعة يجب أن يكون في الغابة فقط؟ بالطبع اليابانيين طوروا هذه الطريقة للاسترخاء كما يناسبهم و يناسب بلادهم، بل وصلوا إلى مرحلة أن وضعوا برامج كاملة للاسترخاء عبر الاستحمام في الغابة، و يكون البرنامج عبر الذهاب إلى طبيب عضوي و نفسي يكشف على الزبون و من ثم يضع له برنامج خاص للاسترخاء و المشي في الغابة مع مرشد خاص!

الاستحمام بالطبيعة، هو فعل آتاه العرب منذ أزمان بعيدة، و منهم نبينا الكريم محمد صلى الله عليه و سلم، عندما كان يعتزل قومه كل ليلة في غار حراء في جبل النور في مكة. الغار الذي تحيط به الجبال و السماء الصافية من كل اتجاه. و الاستحمام بالطبيعة كفعل باعث على الاسترخاء هو الاتصال بالطبيعة، بكل حواسنا عبر المشي البطيء و التأمل فيها و تشربها بأعيننا و آذاننا و حاسة الشم و اللمس و حتى التذوق إن أمكن. فيكون عبر التفكر و التأمل و المشي بالطبيعة و تنفسها و تشربها تماماً. و قد يرى البعض بأنها تشبه التأمل MEDITATION ، و لكنها تختلف عنه أو قد تكون نوعاً من أنواع التأمل و لكنها ليست التأمل الذي نعرفه. ففي التأمل نحن ننظر إلى دواخلنا، و نركز على أنفسنا و طريقة تنفسنا و نفعل ذلك بلا حركة، و لكن في الاستحمام بالطبيعة، نحن نركز على الطبيعة لا أنفسنا، و يمكننا خلال ذلك المشي أو الجلوس أو لمس الأشجار أو تسلق الصخر و غيرها من الأفعال التي لا تتطلب حركات كثيرة في الطبيعة.

تشرب الطبيعة و تنفسها من الأفعال التي قد ترسل الدفء و الاطمئنان في داخل المرء، وهي ما أنصح به عندما تسنح للمرء الفرصة. استندوا على الأشجار في الغابات. قفوا على الشواطئ و راقبوا الأمواج. اجلسوا على التلال الرملية في الصحراء. تشربوا الطبيعة، و تنفسوها.. فنحن جزء منها، و هي جزء منا، و باتحاد أجزاء الأرض ترتاح الروح!

 

جواهر آل ثاني

 صحيفة الشرق

المصدر


الثلاثاء، 7 مارس 2023

عن الحب

 

 

الحُب أكبر من أن يشعر به الانسانالحب يجب أن يعيش الانسان به، و فيه، و على أساسهالحب هو ما يجعل الانسان يشعر بأنه أجمل.. و على ما يرام.. و في أفضل حال!

الحب هو الرضا.. و لا يمكن أن يكون غير ذلكإن أحببت شخصاً و كنت غير راضٍ عليه أوغير راضٍ به، فذلك يعني بأنك لا تحبه، لأن حالة الرضا يجب أن تكون متساوية مع حالةالحب.

إن كنت غير راض عليه، فذلك يعني في أغلب الأحيان بأنكما غير متوافقين أو أنك غيرمتقبل لهذا الشخص. و إن كنت غير راضٍ به، فذلك يعني بأنك تنتظر شخصاً آخر.. قد يكونشخصاً مختلف أو شخصاً أفضلالمهم أنه ليس هذا الشخص الذي أمامك و تدعي بأنك تحبه!

الحب هو التقبل.. أن تتقبل الانسان الذي تحبه كما هو، لا أن تحبه و يحبك ثم تطلب منه أن يتغير من أجلك، و إلا ستتوقف عن حبه! أو كما تقول النكتة الدارجة (إذا تحب التفاح، اشتري تفاح! لا تشتري برتقال و تحاول أن تعلمه كل يوم كيف أن يصبح برتقال!).

الحب هو أن تقبل بالإنسان الذي تحبه، تحب مزاياه و تقبل عيوبه، فكلنا عيوب! و أعني بالعيوب التصرفات الخاطئة، فمثلاً إن كان شخصاً لا يعرف كيف يقود السيارة بشكل صحيح، تقبل ذلك، دون أن تنتقده في كل خرجة و دخلة! و إلا قُد أنت السيارة! و العيوب تختلف عن المساوئ، فالمساوئ هي التصرفات السيئة أو المسيئة كأن يكون الشخص قليل الأدب مع النادلين في المطاعم! لا تتقبل هذه الصفة، و حاول تغييرها فيه!

الحب هو الاستسلام.. الاستسلام لمشاعر الاحترام و الثقة و الأمان و المودة و الرحمة، و السماح لهذه المشاعر بأن تطفو على السطح و أن تنمو و تزدهر حتى تُزين الحياة كلها!

الحب هو المشاركة.. مشاركة القصص و الهموم و القضايا و المشاعر و الأفكار و المهام و المسئوليات و الأفراح و الأحزان و العائلات و الأصدقاء و الصحة و المرض! الحب هو أن تشارك من تحب كل ذلك و أكثر! و أن ترغب في مشاركة من تحب كل هذا و أكثر! كما يحصل عندما تجرب شوكولا لذيذة و تتمتم يا ليت فلان هنا ليتذوقها! هذا هو الحب!

الحب هو الاهتمام.. الاهتمام بتفاصيل الشخص.. بسعادته.. بمشاعره.. بما يقلقه و بما قديضايقه و بما يفكر فيه!

الحب هو العمل.. العمل على العلاقة دائماً بين المحبين، كأن لا ينسوا أن يخرجوا في مواعيد غرامية، و أن يخصصوا بعض الوقت لوحدهم دون الأطفال أو الأصدقاء أو العائلة أو العمل. الحب هو أن يعمل الانسان على نفسه، فيهتم بنفسه و يدلعها و يدغدغها و يضحكها و يعطيها الهدايا و بعض من الوقت الخاص لها لوحدها، فحب النفس هذا، هو ما يُكَمِل الحب بين الحبيبين و يُكَبره، و يزيد من احتمالية بقائهم مع بعضهم البعض!

الحب هو الشعور الذي يجعلنا نصل إلى مشاعر أسمى في حياتنا.. إلى مشاعر السلام و القبول. و الوصول إلى حالة الحب أيضاً، مع الله و العالم و الكون و الناس و الحيوانات، يعنيالوصول إلى حالة السعادة. و ذلك يعني إعطاء الكون، الطاقة التي يحتاجها.. و الأخذ منه الطاقة التي نحتاجها.. الحب!

 

 



جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


 

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...