الخميس، 23 مارس 2017

الاستثنائيون

كما أن لكل فشل قصة ونهاية، لكل نجاح قصة وبداية. واعتدنا عند روايتنا قصص نجاحنا أو قصص نجاح غيرنا، الحديث عن أنفسنا أولاً كسبب للنجاح، فنقول: وُفقنا بسبب عملنا الدؤوب، أو قدراتنا، أو مواهبنا، أو تحملنا للصعاب التي واجهتنا، أو غيرها من الخطابات التي نكون فيها البطل الرئيس في قصصنا. لمالكوم جلادويل صاحب الكتب الشهيرة (Blink: the power of thinking without thinking وThe tipping point: how little things can make a big difference)، وجهة نظر مختلفة.
عبر كتابه «Outliers: the story of success»، يتحدث جلادويل عمّن يسميهم «The outliers» أو «الاستثنائيون»، وعن كيفية نجاحهم، والطريق الذي وصلوا به لمراكزهم العالية. لم يكن نجاحهم جهداً فردياً وحسب، كما شدد على كلماته. النجاح العائد على الكبار، أمثال: بيل جيتس، وبيل جوي، وستيف جوبز، وفرقة ذا بيتلز، كان نتاج عوامل كثيرة، مثل: الفرص، والبيئة، والمجتمع، والعائلة، والتعليم، والمال، والثقافة، والجغرافيا، والاقتصاد. هؤلاء بعض من ذكر قصصهم في كتابه، ولأوضح فكرته أكثر، سأروي قصة دورثي فون غير الوارد الإشارة إليها في كتابه.
دورثي فون كانت أول أميركية من أصول إفريقية، تشرف على فريق عمل في مركز لانجلي للأبحاث في ناسا. كيف وصلت لذلك المركز؟ القصة التقليدية للنجاح ستكون روايتها على هذا النحو: عملت فون بشكل دؤوب ليل نهار حتى رقيت من موظفة إلى مشرفة، في وقت هُمشت فيه النساء، وخاصة الأميركيات من أصول إفريقية. وهذه هي الحقيقة، نوعاً ما، فالسيدة فون علمت نفسها وغيرها من الموظفات في قسمها -قبل ترقيتها- لغة البرمجة «فورتران»، ولكن ما ساعدها أيضاً كان وجود الأجهزة الجديدة من «BMI» في محل عملها، وقدرتها على الوصول إليها والتدرب عليها. بمعنى: هل كانت عالمة الرياضيات فون لتصل وتترقى لو استعصى عليها الوصول إلى هذه الأجهزة، أو لو أنها عملت في مكان آخر، أو في مكان لا يتوافر فيه هذا النوع من الأجهزة الحديثة؟ بالطبع لا، حيث إن نجاحها مجموع عملها الجاد في المكان والزمان المناسبين، بالإضافة إلى خبرتها وعلمها وعملها الواسع في الرياضيات، سابقاً!
دارت أفكار مالكوم جلادويل في رأسي، وأنا أتذكر عمالقة مصر في بدايات القرن العشرين. من طه حسين والعقاد إلى أم كلثوم وإحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ ورشدي أباظة وسعاد حسني وفاتن حمامة، وغيرها من الأسماء الكبيرة الكثيرة التي ما إن نتذكرها حتى نقول: مصر ولادة! أياً كان قائل هذه العبارة، فهو كان قد وصل إلى استنتاج جلادويل قبله، حيث إنه لم يرجع النجاح لأصحابه بل لمجتمع وبيئة مصر!
عناصر الواقع تصنع الإنسان، بقدر ما يصنع هو الواقع. واليوم نرى توافر جميع الإمكانيات والفرص للمجتمعات العربية، وخاصة الخليجية، من تعليم ممتاز وعال إلى الثقافة والمال، وحرص وفهم الناس لأهميتهم.. كل ما تبقى هو العمل الجاد الدؤوب من الانسان، كي يولد «الاستثنائي» من بيننا.



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الثلاثاء، 21 مارس 2017

حقائق بديلة

أكثر ما يُشتهر به السياسيون هو الكذب. ولم تزد كيلين كونواي مستشارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الوضع إلا سوءاً. عبارتها المشهورة «الحقائق البديلة» التي دافعت بها عن كذب المسؤول الإعلامي للبيت الأبيض شون سبايسر، خلقت حالة من السخرية الممزوجة بالغضب والتحدي المستمر في أرجاء الولايات المتحدة الأميركية. لماذا أقول إنه تحدٍ «مستمر»؟ لأنه كان قد بدأ مع الانتخابات الرئاسية الأميركية، وقيام المرشحين بتراشق الاتهامات والإشاعات الصحيحة والكاذبة جنباً بجنب. ومع وصول المرشحين الديمقراطي والجمهوري، كلينتون وترمب، للمناظرات النهائية، كثر الكذب حتى احتار جمهور الناخبين بين كلينتون وترمب. 
وشعر فريق كلينتون بحيرة الناخبين بعد تناقص شعبيتها في الاستطلاعات، بسبب الإشاعات التي أطلقها ترمب حولها، فقامت بعمل خدمة في موقعها الإلكتروني لدحض كل الأكاذيب الخارجة من فم ترمب.
كل الإشاعات والاتهامات والتراشق الإعلامي الذي حصل في الانتخابات الأميركية، أعادني لمشهد في فيلم «Our Brand is Crisis» تشدد فيه الممثلة ساندرا بولوك على أهمية وخطر الإشاعات، وأنه ليس من المهم أن يصدق الناس الإشاعة السيئة المتعلقة بالمرشح السياسي، المهم أن تلتصق به.. بذلك فقط، ستضره كثيراً. وعلى أن الأوضاع وقت الانتخابات الأميركية الأخيرة كانت قد وصلت مرحلة جديدة من السوء والدناءة، إلا أنها خلقت، كما أرى، حالة صحية من الوعي والرغبة في البحث عن الحقيقة والحقائق لدى الأميركيين وغيرهم. مواقع مثل http://www.factcheck.org اتسع مجال انتشارها ووصولها للناس. وفي العديد من الولايات الأميركية، بدأ المعلمون من المرحلة الإعدادية وحتى المرحلة الجامعية بتعليم طلابهم كيفية معرفة الأخبار الحقيقية من الأخبار الكاذبة. ويكفي أن ينظر المرء إلى بعض تغريدات دونالد ترمب القديمة ليرى ردود الناس، وبحثهم الحثيث حول مدى صوابها من عدمه.
أتمنى أن تصل هذه الحالة من الوعي إلى مجتمعات «الواتس آب» و»البرودكاست». هذه المجتمعات المؤمنة بكل ما يأتي به «الواتس آب»، وكأنها كتب منزلة من السماء! فلا يقوم أفرادها بالبحث حول حقيقتها وأصلها وفصلها، بل ويدافعون عنها أمام الآخرين وكأنها خرجت من تحت أيديهم هم!
هناك حسابات عربية على «تويتر» لدحض الإشاعات والأخبار الكاذبة، ولكن ذلك غير كاف لمئات الملايين من متحدثي اللغة العربية. الحل يكون في وضع الأدوات في أيديهم من وقت دخول المدرسة، ليتمكنوا هم أنفسهم من الشك فيما يسمعونه ويقرؤونه ويرونه، وليحاولوا مطابقته مع الواقع والمنطق. هل هو صحيح؟ هل هو واقعي؟ هل هو منطقي؟ ولماذا؟ وهل هناك مصلحة في عدم البوح بالحقيقة والحقائق؟ وما السيناريو الأصلح أو الأقوم لهذه الحالة أو الصورة أو الفيديو أو الوضع؟
في أوضاع الشك فقط، يمكننا أن نسأل عن حقائق «بديلة».


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


عن الفاشلين الذين نجحوا

(مقدمة)
هذه المقالة ليست عن الناجحين الذين فشلوا مراراً و تكراراً حتى حققوا أحلامهم و شهرتهم و جمعوا أموالهم الطائلة.. هذه المقالة عن الفاشلين الذين نجحوا..

(قصتا فشل)
في أربعينيات القرن الماضي، قامت السيدة فلورنس فوستر جنكنز بحجز قاعة كارنيجي في نيويورك، لتحقق بذلك حلمها بالغناء فيها. فلورنس باختصار، سيدة كرست حياتها وأموالها الموروثة من والديها في سبيل الغناء والموسيقى. كانت رمز دعم الموسيقى والفنانين في نيويورك.
ومع ذلك، كانت هي والجمهور في قاعة كارنيجي على موعد مع الفشل الذريع.
بعدها بسنوات، طلع على الساحة الفنية مخرج شاب باسم إد وود.. إد وود لم يختلف عن فلورنس كثيراً، كان رجلاً يحمل حلماً أكبر من قدراته، ولكنه لم يكن أكبر من شغفه ورغبته في النجاح في مجال الفن والسينما.
منذ صغره، وَلِع «إد» بالسينما والتصوير، حتى إنه كان يهرب من المدرسة ليذهب لدور عرض الأفلام. وكانت فرحته كبيرة بكاميرا الكوداك المهداة إليه في عيد ميلاده الثاني عشر. كتب إد وود العديد من الروايات والأفلام، ومثّل وأخرج وأنتج أفلاماً كثيرة.
فاز إد وود، وفاز فيلمه Plan 9 from outer space بجائزتي أسوأ مخرج وأسوأ فيلم في التاريخ. ولم تبعد فلورنس فوستر جنكنز عنه كثيراً، فقد قال عنها نقاد وقتها ووقتنا إنها من أصحاب الأصوات السيئة في الغناء على الإطلاق! ورغم ذلك، مشاهدات أفلام إد وود هي من أعلى المشاهدات. كما أن تسجيل حفلة فلورنس في قاعة كارنيجي، هي من أكثر التسجيلات المطلوبة في تاريخ حفلات القاعة!
قبل أن تقلّب الصفحة عزيزي القارئ، صدقني عندما أقول لك إن هذه المقالة تشجيعية وتحفيزية، ولكنك لم تقرأ الكلمة الأخيرة بعد.
فلورنس فوستر جنكنز وإد وود هما من الفاشلين الذين نجحوا.. فشلوا في مجالاتهم التي اختاروها، ونجحوا بسببها أيضاً بشغفهم وحبهم ومتابعتهم لها. نعم، كان صوت فلورنس سيئاً إلى درجة كتابة أحد النقاد عنها: «فلورنس قادرة على غناء أي شيء.. ما عدا النوتات!». نعم، كانت أفلام «إد» فاشلة في جميع النواحي، السيناريو والإخراج والإنتاج وحتى التمثيل، ولكن كليهما أثرى مجاليهما في الأخير. فلورنس كانت داعمة للموسيقى والغناء في نيويورك بوقتها ومالها، مما أدى إلى ازدهار المشهد الفني في زمنها.. و»إد» عبر عن أفكار جديدة من منظور مختلف في أفلامه. كلاهما تبع أحلامه. كلاهما حاول، وإن رأى البعض أنهما فشلا في النهاية. هؤلاء البعض الذين يرون فشل فلورنس و»إد» في حياتهما العملية، لا يفهمون بأن العبرة لم تكن يوماً بالنجاح فقط، بل بالمحاولة أيضاً، والركض وراء الشغف والأحلام. أو كما قالت ميريل ستريب وهي تؤدي دور فلورنس فوستر جنكنز في الفيلم الذي يحمل الاسم نفسه: «قد يقول الناس إنني لم أستطع الغناء، ولكن لن يقول أحد إنني لم أغنِ!».



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الجمعة، 3 مارس 2017

العلاقة في مقالة

عندما أفكر في كيفية تكوّن العلاقة الإنسانية بين شخصين طبيعيين، أجدها تقترب كثيراً من طريقة ولادة المقالة. نظرة، كلمة، أغنية، نقاش، فيلم، إعجاب، حركة، همسة، طعام، شراب، صلاة، وأي شيء آخر له القدرة على تحريك إحساس الإنسان. هكذا تولد المقالة وعلاقات الأصدقاء والأحبة، أما العلاقة العائلية فيُوجدها الدم والتربية والبيئة الواحدة. وكل نوع من أنواع العلاقات له ما له وعليه ما عليه من قواعد وأحكام، حتى في الفئة نفسها. نعم، حتى في العلاقات الإنسانية تتعدد الشروط والأحكام، وقد تختلف هذه الشروط والأحكام في العلاقات مع الأصدقاء، كل على حدة، فيجد المرء نفسه مثلاً يقول لصديق له أسرار لا يستطيع البوح بها عند صديق آخر، ويلجأ إلى الصديق الآخر في أسرار ثانية لا يستطيع البوح بها أمام الصديق الأول.. وهلم جراً!
تبقى العلاقات الإنسانية، رغم تعقيداتها، أهم ما في الحياة، هي ما قد تملأ حياة المرء بغيوم التعاسة، وهي ما تجلب السعادة. تجذب العلاقات الإنسانية التعاسة في حال بنائها على أسس غير صحية أو أخلاقية، أو في حال شعور الإنسان في العلاقة بأنه لا شيء، وأنه لا يستحق شيئاً أو يستحق أقل بكثير من الفتات المعطى له. وتهدي العلاقات الإنسانية السعادة حال توافر الاحترام والمودة والرحمة. فأهمية العلاقات تكون في تبادل المشاعر الإيجابية، سواء أكانت الشفقة أو التعاطف أو الحب أو حتى مشاركة الشخص الآخر في كره أو مقت شيء أو شخص ما.
وعلى كثر تعقيدات العلاقات الإنسانية، إلا أن طرق المحافظة عليها وعلى أصحابها أسهل. البعض يحافظ على علاقاته باستمرار المصالح المتبادلة، والبعض يحافظ عليها بالاحترام والأفعال الخالقة للذكرى الحسنة.
العلاقات لا تستمر بكثرة الحديث واللقاء، بهذه الطريقة تستمر العلاقات السطحية، العلاقات تكبر وتنمو وتُبنى على المشاعر والأحاسيس المتبادلة، والرغبة على التواجد في المواقف السيئة قبل الجيدة. العلاقات تؤسس على الأفعال، فعلاقة صديقين فرقتهم طرق الحياة وكان بينهم موقف نبيل واحد قبل ٢٠ سنة، أقوى من علاقة اثنين يتبادلان الأحاديث والأخبار يومياً، الأولى علاقة حقيقية، وإن اختفى أحد أطرافها اليوم، أما الثانية فلن تتكشف حقيقتها إلا وقت الضيق والحاجة.
بسبب المشاعر تتكون العلاقات الإنسانية. الإنسان لا يريد أن يكون وحيداً في عالم وحيد، وبسبب العلاقات الإنسانية يسعد الإنسان أو يحزن، وكل ذلك في يده وقلبه وعقله.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...