الخميس، 25 يوليو 2013

وصفة للنجاح


هل تستطيع أن تعطي صاحبك -كهدية- كعكة ناقصاً منها قطعة أو قطعتين؟ هل تقبل أن يهديك أحد تلك الكعكة؟ سأفرض بأنك رفضت وأجبت بلا، لأنك لو وافقت سيكون ذلك هو سبب فشلك، لأنك قبلت بالفتات، بشيء ناقص وغير كامل.
النجاح أيضاً، لا يمكنه أبداً أن يقبل منك «عمل ناقص» أو كعكة ناقصة القطع، فما هي إذاً الوصفة التي يقبل بها النجاح؟ وما هي مقاديرها؟ كتب عنها الكثير، وجربها الكثير، بطرق أكثر وبمقادير مختلفة ومتنوعة. وهنا سأكتب عن الوصفة التي يُلاحظ «طبخها» من قبل الكثير من عظماء البشرية وأبدعهم عند قراءة سيرهم الذاتية، وسأبدأ بالمقادير:
أولاً: الرغبة الشديدة في النجاح، والمحاولة عن طريق كل السبل الأخلاقية والقانونية.
ثانياً: وهو أحد أهم المقادير وأصعبها، اختيار هدف معين يسعى الشخص لتحقيقه في حياته.
ثالثاً: بعكس ما يعتقده الكثير، هذه الوصفة لا تحتوي على عنصر العبقرية، إلا أنها لو وُجدت لن تضر.
رابعاً: العمل بجد والاجتهاد من أجل النجاح وعدم الاستسلام، وهذه المكونات بالذات تشكل أكثر من %90 من كعكة النجاح!
خامساً: الموهبة مطلوبة في الخلطة، والمقصود هنا هي الموهبة التي اكتسبها الإنسان نتيجة لبيئته والظروف التي وُضع فيها، فميسي لم يكن ليفوز بالحذاء الذهبي وبحب عشاق كرة القدم لو أنه ما لعب كرة القدم منذ سن الخامسة في النادي الذي أداره والده.
سادساً: القدرة على التخيل، تخيل الأهداف والنجاح والوصول، وكيفية تحقيق كل ذلك، بالإضافة إلى التخيل الداخل في تطوير المهارات والقدرات، فقد قال ألبرت أينشتاين: «المنطق يأخذك من أ إلى ب، أما الخيال فيأخذك إلى كل مكان».
وأخيراً، اقتناص الفرص، أو ما يسميه البعض بالحظ.
إذا وفرت هذه المقادير، ستكون قد اجتزت ثلاثة أرباع الطريق إلى النجاح، ولن يكون عليك سوى خلطها مع بعض لتقطع الربع الأخير، وعندها فقط سيُقبل النجاح عليك لأن كعكتك كاملة القطع، صحيحة المقادير. والأمثلة كثيرة لمن جربوا هذه الوصفة، فمن كان ليعتقد بأن موظفاً صغيراً اسمه أحمد ديدات يعمل في شركة أثاث في جنوب إفريقيا سيصبح في يوم ما أحد أشهر دعاة الإسلام لولا عمله وجده؟ ومن كان ليعتقد بأن محاسباً بسيطاً حمل اسم رفيق الحريري سيصبح يوماً رئيس وزراء بلده لولا اقتناصه للفرص؟ إرادة، تخطيط، عمل، خيال وحظ! هذا ما ستحتاجه لو أردت النجاح فيما تحب أو فيما تعمل، وكل ما عدا ذلك من عبقرية وتشجيع وإلهام وموهبة فطرية أو إلهية، يُعد ثانوياً بالنسبة للعناصر الأولى.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 18 يوليو 2013

لا تقم بعملك!

لماذا تموت المهن والحرف في الدول العربية؟ تموت لأن معظم العاملين يفعلون أقل مما يُطلب منهم في عملهم أو يقومون بعملهم كما هو فقط. فلا يضيفون إليه ولا يبدعون ولا يُجددون، كالطبيب الذي يعالج المرضى بما يعرفه ولا يبحث عن أدوية لأمراض أخرى غير معروفة العلاج.
تموت المهن والحرف لغياب الحوافز المالية والمعنوية.
وتموت بسبب مقابلة أصحابها بعدم الاحترام والتقدير، سواء من الدولة أو من الأفراد.
تموت لقلة وعي العرب، الذين يعتقدون بأن المحامي أفضل من المعلم، وأن المعلم أحسن من السباك، والسباك أشرف من عامل النظافة. تموت لأن الناس ينسون أن كل من سبق ذكرهم مهمون ويقدمون خدمات جليلة وعظيمة لكل من الوطن وقاطنيه الذين لا يمكنهم الاستغناء عن أي عامل، سواء أكان معلماً أو سباكاً أو عامل نظافة.
تموت المهن والحرف لأن الطبيب يقول إنه يعمل في مجال الطب لا في مجال الشفاء، والمحامي يُبين بأنه يترافع في القضايا لا يدافع عن المظلومين.
تموت المهن والحرف لغياب الشغف والحب، والعيش من أجل العمل، لا العمل من أجل العيش.
ماتت المهن والحرف لأننا نقول: «قم بعملك!»، وقد نزيد عليها: «وأنت ساكت!».
تموت المهن والحرف لأسباب كثيرة، كلها مرتبطة بالقائمين عليها، إن هم أحيوها حيت، وإن هم أماتوها لفظت أنفاسها الأخيرة، وللدولة أيضاً دور في ذلك، فهي إما داعمة لأصحاب المهن والحرف، وإما مهملة لهم، وفي الوطن العربي بالذات، تُميت الدول المهن والحرف، ولا يقوم أيضاً أصحابها بفعل مخالف، بل يشاركون في الدفن والتأبين، مما ولد أعداداً ضخمة من الشباب المحبطين، غير القنوعين، العاطلين عن العمل، الذين يأبون أن يشقوا ويتعبوا في سبيل حرفة لا تُحترم، أو لا تُقدر، أو من أجل مهنة يكون العائد منها أقل من المصروف عليها معنوياً ومادياً.
وصلنا إلى المكان الذي نحتاج فيه أن نقول قم بعملك، وأكثر. لا تشعر بأن الزمان أو المكان يضيقان الخناق عليك. افعل أكثر مما يُطلب منك لأن هذا ما سيدفع بك للأمام، وبسرعة أيضاً، أما إن بقيت على حالك ولم تتطور أو تُطور ما حولك، ستبقى في مكانك وفي دورة وظيفية بطيئة، قد ترفعك مع الوقت وقد تبقيك في محلك، وبالتالي عليك أن تعطي أكثر كي تأخذ أكثر، وعندما تأخذ أكثر، تذكر من أعطاك، كيلا تمتنع عن العطاء بعد الشعور بالاكتفاء والرضا.

كلمة أخيرة:
من أجل شباب مقهور اختير له طريقه، ومن أجل أصحاب المهن وكل الحرفيين والأجيال القادمة، والأجيال العاثرة، علينا أن نتحرك كي نصل إلى الدول النشطة وأن نقول: لا تقم بعملك إن كنت تراه في صورة عائد مادي وحسب، لا تقم بعملك إن لم تكن هنالك عوائد أخرى بجانب المادية، تجعلك تعود كل صباح إلى مقر عملك مرة أخرى. لا تقم بعملك إذا لم يبق هنالك شغف وحب وشوق بينك وبينه. لا تقم بعملك إلا إذا شعرت بأنك ستضيع من دونه، وعندها فقط، قم بعملك وتذكر قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.

و اختلفنا!

(١)
أنت تريد، وهو يريد، والأعلى منكم صوتاً، سيفعل ما يريد. والمقصود هنا ليس الأعلى صوتاً في صناديق الاقتراع، بل في حشد الجماهير والصراخ. ليست المشكلة أن كل شخص يرغب في فعل ما يريد، ولكن في البعض الذي لا يريد الآخر أن يفعل شيئاً حتى وإن كان عين ما يريده!
(٢)
الخوف هو المحرك الطبيعي لأي حزب أو جماعة أو طائفة في بداية طريق الديمقراطية. الكل يريد قطعة من الكعكة بعد أن كان محروماً منها. الكل يريد أن يصبح جزءاً من الطاولة التي يتم تداول شؤون الدولة عليها. وهذا حقهم، ولكن ما ليس من حق أحدهم هو رمي الكعكة كي لا تصبح صالحة للأكل بعد أن قضم القطعة الأكبر منها، وما ليس من حق أحدهم أيضاً تكسير الطاولة على رؤوس الجالسين والاحتفاظ بالجزء السليم لنفسه.
السلطة التي يتم تداولها والاحتفاظ بها بهذه الطريقة، سلطة مريضة، لا يمكن أن تُولد أبداً، دولة مستقرة.
(٣)
في ثقافتنا العربية نتعامل مع المختلف وكأنه حشرة يجب سحقها، حيث لا وجود إلا لأفكارنا ومعتقداتنا. في ثقافتنا العربية، نتعامل مع الإقصاء وكأنه أمر مسلم به، فما إن يخطب زعيم بشأن الانتخابات، مثلاً، حتى يؤكد على استحالة إقصاء أحد، ولكن ما إن ينتهي السباق حتى نكتشف بأن من تريده الجماعة الحاكمة، هو الخيار الوحيد الباقي.
كان كل ذلك ليمر مرور الكرام في زمن سابق بلا إعلام ولا وسائل تواصل اجتماعية، ولا كاميرات معلقة في كل مكان، أما الآن، فالتعامل مع متغيرات العصر بما درجت عليه الثقافة العربية، سيخلق حروباً أهلية!
(٤)
التعامل مع الآخر وتقبله ثقافة لا تستورد بل تُولد عن طريق ما يساعد به الشعب، وتراكمه الدولة من عمليات تعزز العدل والمساواة والحرية والقانون. تأتي بعد هذه العمليات كلها، الديمقراطية. وهي أيضاً لا تأتي دفعة واحدة، بل دفعات يسلمها الزمن للشعوب، عبر السلطة الحاكمة. اختلفنا، ورغم ذلك تسامحنا مع الآخر وتقبلنا ما يعتقده، حيث إن ذلك حقه، وحقنا عليه. هذه الصورة التي نتمنى الوصول إليها يوماً ما في وطننا العربي.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.

الجمعة، 5 يوليو 2013

يوم مثالي

في يوم مثالي، ستصحو وأنت تفكر في أغنية حلوة، تدندنها وأنت تشرب قهوة مرة، ما أن تنهي عليها حتى تفتح كتاباً لشاعرك المفضل، كنت قد وضعته بجانب كرسيك منذ سنين. ستقرأ قصيدة قبل قراءتك للصحف، لأنك تعتقد بأن الإنسان الذي لا يبدأ يومه بالشعر، كالديك الذي لا يعرف جمال رفرفة أجنحة الطيور.
ستغلق الكتاب مبتسماً لفكرة أو ذكرى زرعها الديوان في ذهنك، لتفتح الحاسب كي تتصفح الصحف اليومية، وخاصة تلك الصحف التي تعرف بأن القائمين عليها يبحثون عن المصدر قبل الخبر، فهذا برأيك ما يصنع الصحافي الجيد.
ستقرأ عن السياسة لأنك تهتم بها بحكم قوميتك العربية، وستقرأ عن الفن لأنك تراه مسرحاً للحياة، وستقرأ عن ما تؤمن به وخاصة ما تشك به، لأن شكك هو ما يغذي إيمانك.
ستنهي قراءة الصحف اليومية بمزيج من مشاعر الاستياء والسعادة بعد قراءتك لكل الأخبار السيئة في العالم، والتي معظمها تصب في محيطك العربي، وستتمنى كل يوم أن تبدأ بقراءة الأخبار أولاً قبل عواميد الرأي والأخبار الأخرى، إلا أنك ستصحو في الغد وستبدأ قراءة الصحف ابتداء من الصفحة الأخيرة وصولاً إلى الأولى، لأنها الطريقة التي تعودت عليها والطريقة التي تحبها.
ستنهي قراءة كل الصحف التي تحبها، ثم ستقوم على مهل لتركب السيارة في طريق بلا زحمة سير لتصل إلى مكان عملك مبكراً. ستسلم على زملائك بابتسامتك، وستبدأ عملك ببسملة. لن يقاطع أحد عملك، ولن تقاطع عملك بمهام حياتك الأخرى، لأنك لن تقلق بشأنها في ذاك اليوم، وستقرر بأنك ستفعل كل شيء في وقته، وأن يومك يتسع لكل الأعمال والمهام.
يعطيك مديرك في ذاك اليوم الحق في أن تعطيه أي رأي أو تعليق أو حتى أن تعرض فكرة ما جالت في رأسك وهدفت إلى تغيير أو تطوير عملك.
ستخرج من عملك سعيداً وراضياً عن نفسك بعد أن تلقيت عبارات تشجيعية من رب عملك. لن تشعر بحرارة الجو لأنك ستكون مشغولاً بالاستماع إلى عبد الحليم حافظ والغناء معه، كيف لا وأنت تشعر بأن إحساسه أقوى من أي وتر، وأن ألحان بليغ حمدي تخترق كل المجالات.. حتى تلك التي لا يسودها هواء!
سترجع إلى البيت لترى العائلة متحلقة حول مائدة الطعام، وأنك وصلت في الوقت المناسب كما قالت أمك باسمة بعدما قبلت رأسها. ستأكل معهم وستخبرهم عما حصل مع مديرك. سينصتون ثم سيعلقون ببهجة من كانوا في مكانك. ستتناول الشاي الأخضر معهم بعد ذلك، ولكن هذه المرة أمام التلفاز، وأمام القناة الوحيدة التي لا تتشاجر أنت وعائلتك بشأنها، لأن والدك يحرص على متابعتها طوال اليوم.
ستسرق ساعة من وقتك وستهديها إلى النوم، ولكنك لن تنام أكثر من ذلك، لأن موعداً مع أصدقائك ينتظرك. ستجتمعون مثل كل حين وحين، وستتحدثون عن مواضيع الحياة والسياسة والفن مما سيُفرقكم وأنتم تتساءلون كيف اجتمعتم بالأصل؟ ثم ستتذكر بأن الناس يتشابهون أكثر مما يعتقدون، ويختلفون أقل مما يعتقدون.
سترجع إلى بيتك بسرعة لأنك تُفضل أن تكون عابر كتاب، على أن تكون عابر سبيل في مكان ما، في زمن ما. فالكتاب بلا مكان ولا زمان. لا حدود لجغرافية الكتاب.
ستخلد إلى النوم بعد تذكرك أنك قضيت صلواتك في أوقاتها. ستحرص على الدعاء في ظلمة لا يراك فيها سوى خالقك، ثم ستمر في ذهنك صور وذكريات جميلة. كل ما ستفكر فيه قبل النوم سيكون أنيقاً ورقيقاً حيث إن هذه هي طريقة تعطيرك لوسادتك، لا بالعطور الفرنسية.
ستنام في تلك الليلة، مرتاح الضمير.

***

قد يكون اليوم المثالي الذي قرأته للتو، من النوع الذي تتمناه، وإن اختلفت بعض خياراتك، فلربما كنت لتختار القهوة بدلاً عن الشاي أو تستبدل أغنية عبد الحليم بأغنية لمحمد عبده أو عمرو دياب، ولكنه رغم ذلك سيبقى يوماً خالياً من المشكلات، بدأته بابتسامة وأنهيته في راحة بال. من عساه أن يتمنى غير أيام مثالية يختارها ليملأ بها حياته؟ على كل شخص أن يتصور الأيام التي يريد أن تنتهي عليها حياته، لأن تصوره هو أكمل الطرق التي يستطيع الشخص عبرها الوصول إلى ذاك اليوم المثالي الذي يتمناه، والذي سيكون بالنسبة لمعظم الناس يوماً جميلاً يقضونه فيما يحبون ومع من يحبون. وإن وصلوا إلى ذاك اليوم عليهم أن لا يكرروا أنفسهم بعده، حيث إن الروتين يقتل التشويق والحماسة. في نفس اليوم عليهم أن يتصوروا يوماً جديداً آخر لأن هذا التصور سيبعث فيهم الأمل، ولكن هذه المرة لن يكون الأمل في يوم مثالي، بل الأمل في يوم آخر.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر
 

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...