السبت، 30 يونيو 2018

قليلاً من التروي..

ذكر دايف تروت في كتابه «واحد زائد واحد يساوي ثلاثة»، قصة تحطّم طائرة صغيرة كانت مسافرة من الكونغو إلى بلدة اسمها باندوندو، هذه الطائرة رغم حداثتها وخلوّها من العيوب، ورغم تمكّن قائد الطائرة ومساعده وخبرتهما الجيدة، ورغم حالة الطقس الممتازة؛ تحطّمت وهي تحاول الهبوط، وقُتل جميع ركابها العشرين ما عدا راكب واحد.
تم سؤال الناجي الوحيد الذي كان يتعافى في المستشفى عن الحادثة، فقصّ عليهم ما لم يكن بالحسبان.
قال إنه عندما بدأ قائد الطائرة بالهبوط، خرج من مؤخرة الطائرة تمساح صغير، كان قد هرّبه أحد ركاب الطائرة بشكل غير قانوني في حقيبته. وما إن رأت مضيفة الطيران التمساح، حتى أصابها الهلع وركضت إلى قائد الطائرة لتخبره عنه. باقي الركاب أصابهم الهلع أيضاً عندما رأوا المضيفة تركض، فركضوا وراءها إلى مقدمة الطائرة. ومن تلك النقطة، وبسبب اختلال الوزن في الطائرة لكفة المقدمة، وكون الطائرة أصلاً في وضعية هبوط، أصبحت الطائرة في وضع عمودي لا أفقي.
حاول قائد الطائرة رفعها، وحث الركاب إلى الرجوع إلى مقاعدهم، ولكن استعصي عليهم الرجوع بسبب الوضعية العمودية للطائرة؛ مما جعلها تصطدم فوراً بمقدمتها بالأرض..
نجا راكب واحد، ونجا التمساح الصغير، حتى رآه أحد السكان المحليين ثم قتله. لم يعرف بأنه أتى من الطائرة.
طرح تروت هذه القصة في معرض حديثه عن عقلية القطيع أو تفكير القطيع. ويُقصد بعقلية القطيع، الأفراد الذين يلحقون بالمجموعة فيفكرون أو يفعلون أو يقولون ما تقول به الجماعة من دون تفكير، لأسباب عديدة أهمها الخوف والجهل وعدم التفكير أو محاولة البحث عن الحقيقة. ونرى أمثلة كثيرة لعقلية القطيع في عالمنا العربي، خاصة هذه الأيام مع انتشار الأخبار والقصص الكاذبة. فترى أحدهم يصدّق ويؤمن بشيء بشكل أعمى لمجرد أن فلاناً نشر حوله «تغريدة»! وتجد آخر يدافع بشراسة عن رأي مسؤول ما حتى لا يكون «مغرداً» خارج السرب!
أحد أهم أسباب «عقلية القطيع» هو كراهية الاختلاف.. لا أحد يريد أن يكون مختلفاً عن الجماعة؛ لأن ذلك يعني -في العالم العربي خاصة- النبذ من قِبل الجماعة. ولكن هل ذلك يبرر «الجري» وراء الجماعة، وإن كان ذلك خطأ «قاتلاً»؟
حتى الجماعة تحتاج إلى تصويب في بعض الأحيان، فمن سيفعل ذلك إن كان الكل يوافقها في صوابها وخطئها؟
المطلوب من أجل التخلص من هذه العقلية، هو التروّي والبحث عن الحقيقة، وإعمال الفكر، وتقبّل الاختلاف إن حدث، فلا أحد يتمنى مصير ركاب الطائرة. الأكيد أن جميعنا نتمنى النجاة من عقلية القطيع.. ولكن ليس على طريقة التمساح.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الأربعاء، 27 يونيو 2018

ماذا لو...

تدور أحداث مسلسل Sense 8 حول مجموعة رجال ونساء ينتمون إلى فصيلة أخرى من الجنس البشري. ولأنهم يرجعون إلى فصيلة تختلف عن Homo sapiens أو الإنسان العاقل، فهم يمكنهم الشعور ببعضهم البعض، من ناحية الأفكار والأحاسيس، وإن اختلفت أماكنهم ولغاتهم. وواحدة من الأفكار التي شدتني في المسلسل، هي فكرة أن ليس لأحد منهم أن يؤذي إنساناً آخر، وهو سيشعر بالألم الذي قد يحل به هذا «الآخر».
ماذا لو عشنا التجربة نفسها؟ ماذا لو كان هناك شيء لا يفرحنا أو لا يحزننا أو لا يؤلمنا، ولكننا شعرنا بهذا الشعور أو ذاك، لأن شخصاً آخر عاشه ومر به؟ ماذا لو انتقل إحساسه إلينا رغماً عن إرادتنا ورغم اختلاف شعورنا؟
لو حدث ذلك، لكان العالم، أفضل بالتأكيد، ولكننا لا نعيش في مسلسل خيالي ذي سيناريو رائع.
الواقع أننا نعيش في عالم يقدس الكينونة الفردية مع انقضاء كل يوم.. أصبح الإنسان لا يفكر إلا بنفسه ونجاحه وحياته، وضعفت العلاقات الاجتماعية رغم ظهور الإنترنت وسهولة التواصل وقلة تكلفة السفر.
ابتعد الناس عن الناس.. أصبحنا غير قادرين على التعاطف.. ما نشعر به عند مشاهدة الأخبار وأعداد القتلى حول العالم لأسباب مختلفة كالحروب والمجاعة وغيرها، هو نفسه ما نشعر به عند القيام بعزاء أحدهم لفقدانه لقريب له، حتى قمنا بتسميته «لواجب العزاء»، أي أننا مجبرين عليه، ولا نقوم به من طيب خاطر وعلى أساس المواساة والتعاطف.
ومع كل هذا، لا يزال هناك أمل في البشر.. يكمن أملنا في التواصل مع بعضنا البعض.. في حرصنا على علاقاتنا القائمة وسؤالنا عن العائلة والأصدقاء، وبناء علاقات جديدة، يُفضل أن تكون مع أشخاص مختلفين عنا في الفكر أو الدين أو اللون أو الجنس أو أي ناحية أخرى تهمنا وتؤثر فينا. هذا النوع من التواصل، قد يقرّب وجهات النظر، ولكن الأهم من ذلك، هو إمكانيته في رفع الجهل والخوف الذي قد نشعر به تجاه الناس، وخلق التعاطف كبديل عنهم.
لنحمي أنفسنا والعالم عبر التواصل ومحاولة فهمنا لبعضنا البعض، سواء أكنت أنا الآخر أم أنت. لنتعاطف أكثر، ولنسقط الجهل والخوف من الآخر!

جواهر بنت محمد بن عبدالرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الثلاثاء، 19 يونيو 2018

مدخل إلى الهوية اللغوية

شاهدت مؤخراً «Manhunt: Unabomber»، وهو مسلسل مبنٍ على أحداث حقيقية. وتمحورت القصة حول محاولة مكتب التحقيقات الفيدرالية في الولايات المتحدة الأميركية (FBI)، الإمساك بأحد أكبر المجرمين الذي أرهبوا الولايات المتحدة الأميركية في أواخر القرن الماضي، حيث كان يقوم هذا المجرم «تيد كازينسكي» بإرسال طرود تحوي متفجرات إلى الجامعات وشركات الطيران، وإلى غيرهم من الضحايا. وفشلت السلطات الأميركية لأكثر من عقد من الزمان في القبض على كازينسكي، حتى نالوا منه في النهاية عن طريق رسائله، حيث استخدموا لغته ولهجته وطريقته في الكتابة في معرفة صفات شخصيته، ومكان ولادته، وعمره، مما دلهم في الأخير على اسمه، وهويته الشخصية.
ربما تبدو اليوم هذه القصة عادية، لكثرة حديث العلماء والأدباء والفنانين عن قوة الكلمة وأفعالها، إلا أن ذلك في وقتها كان حديث جنون، خاصة لمن يقدسون الأدلة الجنائية المادية، إذ كيف يمكن لكلمة الشخص أن تتسبب بالقبض على صاحبها بدون آثار مادية جانبية؟
نحن الكتاب، نعشق الأحاديث المجنونة، وكما أنه لنا كلماتنا وأسلوبنا الخاص، لكل شخص أيضاً كلماته وحروفه وأسلوبه ومخارج حروفه الخاصة، وأكبر دليل على ذلك أنه يمكن لأحد محبي الشعر العربي الحديث أن يقرأ نصاً ما ويعرف -دون أن يخبره أحد- ما إذا كانت هذه قصيدة لنزار قباني، أو فاروق جويدة.
على هذه الأرض لدينا العديد من اللغات المعروفة وغير المعروفة، ولهجات متفرعة من هذه اللغات، ولهجات متفرعة عن اللهجات الرئيسية، وفي ضوء ذلك كله، يولد أشخاص في هذه البيئات المختلفة، فكيف لنا في خضم كل هذا أن نقول إنه ليس لكل شخص منا هوية لغوية مختلفة عن الآخر، كما له هوية صورية (خلقية)، وهوية وظيفية، وهوية عائلية خاصة به؟

الهوية اللغوية مثل «DNA» تختلف من شخص لآخر، وحتى بين التوائم. والحمد لله على ذلك، فلا أتخيل عالماً مُضْجراً أكثر من عالم يتكلم فيه الناس بالأسلوب والطريقة نفسها.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...