الخميس، 26 يوليو 2012

امرأة من سيشيل

سيشيل عبارة عن دولة مكونة من أرخبيل، تقع في المحيط الهندي، وتعتبر من القارة الإفريقية جغرافياً، ومن القارة الآسيوية من حيث السكان. وأنا لم أزر أياً من جزر هذه الدولة، ولكني رأيت المناظر الحسنة منها عندما شاء الله أن أتبادل المقاعد في الطائرة البريطانية المتجهة من لندن إلى الرياض، ومن ثم إلى الدمام، مع امرأة أرادت الجلوس بجانب ابنها، وإن فصل بينهما ممر في الطائرة. جلست بينها وبين أمي أتمعن في سمارها، وعباءتها وحجابها المحكم، ثم حكمت على الفور بأنها خليجية، ولكنها كما علمت بعد كلامي معها لم تكن، بل كانت من سيشيل.
بادرتها أمي الحديث عن الطائرة وساعات التأجيل، وأجابتها تلك المرأة بابتسامة وبصوت خفيض اعتذرت عن خفضه ولم تخبرنا السبب الذي عرفناه بعد ذلك ألا وهو أنها صائمة. صامت هي وابنها طوال الرحلة التي تأخرت عن موعدها ساعتين، والتي بسببها كنا متواجدين في المطار مذ الصباح الباكر. رغم رخصة الإفطار التي منحها الله للمسافرين ورغم المشقة، صامت وضحكت معنا وطلبت من ولدها مساعدتي في حمل حقيبتي ومني أنا وعائلتي زيارتها في منزلها، ومع ذلك لم تترك قرآنها الذي قرأت منه في الرحلة.
تركت هذه المرأة في نفوسنا أثراً جميلاً بسبب ابتسامتها اللامعة وأخلاقها السمحة التي يجدر بنا محاولة التحلي بها، خاصة في رمضان، ورغم ذلك لا نجعلها أخلاقاً ذات طابع سنوي تلحق به فقط بل أخلاقاً خالدة، تستقر في نفس من يعطيها ومن يتلقاها.



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الأربعاء، 25 يوليو 2012

الفاروق.. في رمضان

أصدر مسلسل عمر، الذي يدور حول قصة عمر بن الخطاب، الكثير من الضجة قبل أسابيع طويلة من عرضه، أي الكثير من الدعاية، فحتى الدعاية السيئة هي دعاية أولاً وأخيراً، وأقول سيئة، لأنه صدر حول المسلسل الكثير من اللغط والفتاوى وأحكام التحريم التي ذكر أصحابها تبريراتهم.
مما قالوه كان: «يجب منع عرض المسلسل لأن بعض الممثلين والممثلات فيه غير حسني السمعة». هل المسلسل عن الممثلين أم عن الفاروق؟ ولنفرض أننا أتينا بممثلين حسني السمعة والسيرة، هل سيُجاز بعد ذلك عرض المسلسل؟
قالوا أيضاً: «يجب منع عرض المسلسل لأنه قد يسيء إلى صورة الفاروق ويشوه تاريخه». وهل يجوز الحكم على المسلسل دون مشاهدته! هل يجوز الحكم على أي شيء دون تجربته؟
قالوا أيضاً: «لا يجوز تجسيد صورة الفاروق». ولا أعرف حديثاً شريفاً أو آية قرآنية تحرم ذلك! ثم ماذا عن فيلم الرسالة والحسن والحسين وخالد بن الوليد وكل الصحابة الذين تم تجسيدهم في مسلسلات سابقة؟! هل استجد التحريم؟ أم أن حملة الهجوم هذه استهدفت مسلسل عمر بالذات لأسباب غير المصرح بها؟!
عمر بن الخطاب الخليفة الراشدي المبشر بالجنة، صاحب الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، من أعظم رجال تاريخنا الإسلامي، ومن المؤسف عدم معرفة الكثير من الأجيال الحاضرة به، إما لأنها لا تقرأ أو لأنها غير مستعدة لذلك. فليكن إذن المسلسل باباً لهم لدخول حياة الفاروق والاطلاع على عبقريته، وليكن حكمنا على المسلسل بعد عرضه.

خاتمة:
مهم جداً أن نتذكر الأحداث التي حدثت في الأسابيع الماضية في الوطن العربي، من مجازر النظام السوري وتقدم للجيش الحر في سوريا، وحراك سياسي في مصر، وانتخابات في ليبيا، وغيره كثير، ونذكرها هنا لأن البعض ترك هذه الأحداث الرئيسة وركز على الأحداث الثانوية، ومنها مسلسل عمر، الذي يبقى في النهاية -مهما كثرت أسباب تحريمه وجوازه- مسلسلاً جُله تمثيل وممثلون!
يجب علينا أن نعطي الأهمية للأولويات، ونترك ما دون ذلك لمن يشاء.



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر
نُشر بتاريخ: 2012-07-19

ماذا عن ربيع الفن؟

قبل ديسمبر 2010، كان الفن الوحيد المسموح به في معظم دول العالم العربي هو الفن المقيد، أي الفن الذي يسمح به الحاكم في الدولة، ولكن بعد ثورات تونس ومصر واليمن وليبيا، وأخيراً سوريا، وقيام الكثير من الاحتجاجات التي سادت الوطن العربي، وحولته إلى وطن ثوري، رُفع سقف حرية التعبير، الذي رفع معه بشكل تلقائي سقف الفن، توأمه الروحي، حيث استمعنا إلى موسيقى النصر، وتمتعنا بلوحات الجرافيتي، واندمجنا بمسلسلات، لم تكن لترى النور في عصور مظلمة، سبقت هذا العصر الذي يحمل الطابع الربيعي.
حرية التعبير التي ارتفع صوتها، فسمحت لصوت الفن بأن يصدح، لم تكن لأهل الفن فقط، بل لأهل الدين -رجال الدين- أيضاً، فعلت أصواتهم بعدما كانت مدفونة بجانب الفن الحر.
ووصل مرشح الإخوان المسلمين إلى أعلى منصب في مصر، ليصبح رئيساً للجمهورية، وفاز أعضاء الأحزاب الإسلامية -أو كما تسميهم الصحافة «الإسلاميون»- بأغلبيات ساحقة في معظم الدول العربية التي جرت بها الانتخابات مؤخراً، ولا يزال نجمهم في صعود. والسؤال هنا: هل سيقمع «الإسلاميون» حرية تعبير الفنانين، التي لولاها لما وصلوا إلى مناصبهم اليوم؟ جواب هذا السؤال هو قطعاً لا، أما السبب فهو أنهم لن يقدروا على ذلك وإن أرادوا، فرغم حدوث بعض الحوادث المتفرقة هنا وهناك، إلا أن هذه الحوادث لن تمنع الرسامين من الرسم في تونس، ولا الممثلين من المشاركة في الأفلام في مصر، مثلاً. الشعب اليوم لا يريد فقط، بل يعي، وهذا سلاح في يده ضد أي فئة تريد استغلاله أو حتى حكمه.
قمع الفن -وأعني هنا غير المسيء والبذيء- لن يجعل أحوال الأمة أفضل، بل على العكس، كما أنه تعد على حريات الأفراد الذين قد يختارون طريقه أو حتى التمتع به، ورجال الجماعات الإسلامية الذين يرون في ذلك حلاً، أخطؤوا كما أخطأ من قبلهم الطغاة، فهم اختاروا نيابة عن الشعب، رغم أن هذه الأمور يمكن تركها للشعب، ليقررها بنفسه مباشرة، سواء أراد أن يرى أي أنواع الفن في بيته، أم لا.



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر
نُشر بتاريخ: 2012-07-12



إنما الأمم الأخلاق

المؤكد هو أنني لم أصادف كل الخليجيين أو حتى العرب في لندن، لأنه لا يمكن جمعهم كلهم في مكان واحد أو مقابلتهم جميعهم، إلا بفعل قوة خارقة، وإن حدث ذلك فالأكيد أنهم لن يكونوا على طبيعتهم، كما رأيت بعضاً في الأيام الماضية. 
كرهت ما رأيته من إسراف وتبذير يراه البعض واجباً، حتى يكتمل منظر الجاه والمكانة أمام أقرانهم، ممن يتكلمون نفس اللغة واللهجة قبل الأجانب!
كرهت عبث الشباب والمتشببين، ودورانهم كل ليلة في محاولة اصطياد الجنس الآخر!
كرهت الصورة التي رسمها الكثير من «البتروليين» في أذهان الغرب ثم لونوها بألوان الغباء والاستغفال!
كرهت استيقاظ البعض على مقاهي الشيشة في الظهيرة، وبقائهم فيها، إلى حين إغلاق المقهى ذاك أو المطعم، ليُعاد نفس الروتين اليوم التالي!
كرهت الكثير من التصرفات التي رأيتها، لأنها تعبر عن أخلاق أصحابها، وأصحابها يعبرون عن دولهم، وثقافاتهم، لكن ثقتي التي هُزت في الخليجيين استقرت محلها بعد اهتزازها، لأني أحببت!
أحببت ذاك الطفل الخليجي الذي داس على حذائي، وكان سيسقطني على وجهي، فاعتذر بسرعة وطلب العفو!
أحببت المرأة العجوز التي دخلنا أنا وعائلتي معها المصعد الكهربائي إلا أخي -لضيق المكان ولحيائه- فقالت له: ادخل معنا فأنا مثل أمك! لم ترد هذه الطيّبة أن تجعل أخي أكثر غربة في بلد غريب عنها.
أحببت الشباب الذين حملوا ودفعوا أمهاتهم على كراسيهم المتحركة في الهايد بارك. 
أحببت النساء والرجال الذين حرصوا على ألا يبرحوا الوطن، إلا مع والديهم كي يردوا إليهم القليل من أفضالهم عليهم. 
أحببت هذه الأفعال كثيراً حتى تضاءلت الأمور التي كرهتها، ولم تعد تهمني، لأني عرفت بأن الجيد يغلب السيئ في النهاية، ولا بد لليل العادات، وظلمة الأخلاق، أن ينجلي!



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر
نُشر بتاريخ: 2012-07-05



الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...