الثلاثاء، 23 ديسمبر 2014

ما لا تعرفه عن المتحف الإسلامي

ما يعرفه البعض من المقيمين في قطر، سواء أكانوا مواطنين أم غيرهم عن متحف الفن الإسلامي، لا يتعدى كونه تحفة معمارية عالمية تزين كورنيش الدوحة، بجانب عدد من البنايات والناطحات الأخرى الجميلة، وحتى هذه المعلومة يأخذونها ناقصة بناء على الظاهر، فلا يعرفون أن مصمم المتحف استوحى عمارة البناء من ميضأة بن طولون الموجودة في جامعه في القاهرة، والتي تختلف عن المتحف بأن الأخير بلا قبة، كيلا يخطئه الناظر ظناً بأنه مسجد.
البعض الآخر تمتد معلوماته حول الأحداث والفعاليات والمسابقات التي يقيمها المتحف كل حين وآخر، لا يعرفون بأنها كلها وسائل يستعملها المتحف للوصول إلى غاياته وأهدافه في التوعية حول الفن الإسلامي، وترسيخ الثقافة المتحفية في المجتمع القطري.
ما لا يعرفونه أن دور المتحف أكبر وأسمى بالمسابقات التي يقيمها للمدارس وللطلبة والكتب والجوائز التي يوزعها عليهم تارة، والدورات وورش العمل المقامة للموظفين والزوار تارة أخرى. لا حدود لما يقدمه المتحف من علوم وفن وثقافة، فهو أكبر من حجارة تسند أعمالاً فنية، وجدران تحتوي قصصاً تاريخية، هو مؤسسة تنشر الفن والثقافة الإسلامية، وتُعمق الثقافة المتحفية في مجتمع يحتاج إلى جذور حقيقية تساعده على النمو أكثر وأكثر.
يساعد متحف الفن الإسلامي عبر ما يقوم به من مسابقات على زراعة الثقافة المتحفية في المجتمع، وبرأيي يجب ألا يقتصر ذلك على متحف الفن الإسلامي فقط أو المتاحف الأخرى القابعة تحت مظلة هيئة متاحف قطر، وإن كان بمساعدتهم، بل يجب أن تمتد الجهود والأيادي من جميع الوزارات والهيئات ومؤسسات الدولة لترسيخ هذه الثقافة، ولا يضر إن وُجدت جائزة على غرار الجائزة التي تُعطى للجهات الأفضل في تنظيم اليوم الرياضي الرسمي للدولة.
الروح أيضاً تحتاج إلى تدريب وتمرين كي تكبر وتتمدد، وليس الجسد فقط، ورياضة الروح ألا تتوقف عن التعلم أبداً.
مقالي هذا واختياري لنشره في يومنا الوطني، يوم التأسيس العظيم ليس صدفة ولا اعتباطاً، بل فخراً وتكريماً لجهة قدمت وأنا متأكدة بأنها ستقدم الكثير والأكثر لقطر وشعبها في المستقبل، وكل عام وقطر وأهلها في أمن وسلام، ومن أفضل إلى أفضل.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


السبت، 13 ديسمبر 2014

يوميات قارئ عربي

يقول بأسف:
لم أكن يوماً بالقارئ، ولكني وجدت نفسي بعد تزايد أعباء الحياة ومشاغلها أشترك لسنة في إحدى أكثر الصحف الورقية انتشاراً في الدولة،. اشتركت أولاً لكي أطلع على الإعلانات الصالحة والطالحة -وأهم من هذا وذاك الرخيصة- التي تحملها الصحف في طياتها، وثانياً لكي أقرأ العناوين الرئيسة لأفتح الأحاديث الجانبية في العمل والمقهى مع الأصحاب والزملاء، فلا يهم قراءة مضمون الخبر ما دمت أستطيع الرقص حوله متفلسفاً.
وجدت نفسي بعد فترة من الزمن أتصفح الجريدة إما عن طريق الصدفة أو لحظات استلقاء صحون الطعام عليها، حيث شدتني عناوين مقالات تارة وتارة أخرى استمتعت بقراءة أخبار قصيرة حول العالم، بعد ذلك قمت بقراءة الأخبار وبعض المقالات قبل أن أغلف الأكل بالجريدة، أو أمسح المرايا والأشياء بها. من هذه اللحظة بدأت علاقتي بالقراءة اليومية للصحف الورقية والإلكترونية، ولكني لم أتعرض للكتب للأسف، لا لم أكن بذاك القوي الشجاع.
أصبحت أردد الشعارات والمقولات الرنانة التي اكتشفت مؤخراً بأنها تُروى منذ عقود بلا أذن سامعة ولا قلب مؤمن. آمنت بالوحدة العربية، وكرهت التطبيع، وصوّت لمن ظهروا في الصحف وهم يحيون الفقراء ويلعبون مع الأطفال ويعملون مع العمال. آمنت بثقافة الحوار ولكن لسبب لا أعرفه عندما حاولت محاورة الكثير من الشخصيات العامة وغيرها في «تويتر» استعملوا في مواجهتي خاصية المنع «البلوك». لم أعد أتوقف عند العناوين الرئيسة، بل تعديت ذلك للقالب، حتى اهتممت بأعداد القتلى والجرحى، ولكني لم أسال نفسي يوماً -وإن أثرت بي الأخبار- عن أسمائهم وأعمارهم ومهنهم.
يقول بلا أسف:
لم أعد أقرأ الصحف لا الورقية ولا الإلكترونية ولا حتى تلك التي اشتركت بها لألفّ الخضراوات والفاكهة. لماذا؟ لأني حفظت الأخبار وعرفتها عن ظهر قلب، أعرف ما حصل ويحصل وسيحصل، والفرق الوحيد بين الآن وغداً بأن الأعداد ستتغير فقط، القتلى والجرحى والانفجارات تزداد، والحروب تتفرق، والمفاوضات تستمر، والكبار يلعبون، والصغار يماطلون، والماء يتلوث، والأكل يمرض، والأسعار تطير، والفرص تموت، والهمم تهبط.
أسفي الوحيد المستمر بأني لست بذاك القوي الشجاع الذي سيتحمل جبروت كتاب وسلطة قلم.



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 4 ديسمبر 2014

اعترافات كاتب أسبوعي

تخصصي في القانون يجعلني أحلل كل كلمة، وكل «أل» شمسية وقمرية، وكل آل يبدأ فيها الاسم وغير الاسم، وكون الكتابة جزءاً من هويتي التي أعرف نفسي بها ويفهمني غيري عبرها، تزيد عملية التحليل بي، وأرجو ألا يكون ذلك مملاً لمن يقرأ ويحاول على الأقل أن يعبر إلى ما قبل آخر كلمة أنهي بها مقالي، لأنها ستأخذه عنوة إلى الكلمة الأخيرة.
ما سأدلي به اعترافات لأني سأدلقها من وعاء «قلبي القارئ» قبل أن يكون «كاتباً»، ولأن التشدد في اختيار الكلمات والأفكار عند البدء بالكتابة يتحول مع الوقت إلى علاقة احترام تجاه القلم والورق، فتتكسر بعض الحواجز، ويبقى بعضها الآخر، وما سأقوله هي سيول تعدت عدداً من هذه الحواجز.
إذاً فهذه اعترافات كاتب أسبوعي لا يكتب يومياً بل مرة أو مرتين أو أكثر بقليل في الأسبوع، ودائماً بعقل مليء قبل أن يتوافر الحبر، وإلا فلا حبر ولا مقال، وهذا أول اعترافاتي.
أعترف أيضاً، بأني أعامل نفسي بيني وبيني كقارئ ومتلق، وسأظل أقرأ عن الكتابة وأصولها كأي علم أو فن آخر ولو بعد ثلاثين عاماً، لأن الإنسان أياً كان عمله كتلة متغيرة، وأن نختار كيفية تغيرنا أفضل من أن نُجبر عليه.
أعترف أني عندما أكتب أكثر من مقال في أسبوع واحد أقرر أن أترك أحدها أو بعضها بحسب الحال لأيام أخرى على طريقة مقالك الأبيض ليومك الأسود، أي الأسبوع الذي لا يزورني فيه الإلهام على شكل أغنية أو فيلم أو شخص أو نقاش عقيم أو عبارة ترويجية لمنتج لن أشتريه أبداً أو أي شيء آخر، ولكن عندما يأتي ذاك الأسبوع المشؤوم أحبط وأشعر بأني مزيفة، فلا أرسل المقال القديم وأشرع في كتابة مقال في نفس يوم التسليم، كيلا أشعر بزيفي أمام نفسي قبل من يقرؤني. أنتهي من المقال الجديد فأشعر بتعب شديد، ولكنه أهون من شعوري بالزيف، فالزيف مقبرة المبدع وإن كانت ذات زينة، ولو رجعنا لتاريخ الكتاب العظماء لرأيناهم يحكون عن تجاربهم وعلاقاتهم ومشاكلهم ونجاحاتهم، وكان ذلك فعلاً ما صنعهم، أي حقيقتهم التي بهرجت النفس الإنسانية التواقة إلى الفن والإبداع.
أعترف بأنني لا أكتب دوماً ما أعنيه بشكل واضح، وهذا في محاولة مني لإثارة القارئ الذي قد يفهم أكثر من فكرة يكرهها جميعها أو يحبها كلها أو يتقلب بينها، كما يتسلق القارئ نزولاً أبيات قصيدة. أعترف بذلك إلا أنني أكتب دائماً ما أؤمن به وإن كان مختلفاً أو مخجلاً أو غير متوقع لأنها الحقيقة دائماً، والحقيقة أمّ كل شيء إلا أنها ابنة الكاتب الذي يجب عليه ألا يتخلى عنها، فيهذبها ويخرجها في أحلى صورة، صورتها التي يعرفها الله بها.
أعترف بأن الوصول في الكتابة يعني عدم الوصول، فلا يسهل شيء مع الوقت إلا اعتياد الكتابة كما يعتاد الطبيب السماعة التي يضعها حول رقبته، ويبقى ما عدا ذلك صعباً، كالتشخيص وسؤال المريض ووصف العلاج، فمرة يسهل اختيار عنوان المقال، ومرة يصعب إيجاد مضمون يشد القارئ، ومرة يخرج الاثنان بولادة عسيرة، ومرات محظوظات ينزل الاثنان كسيل جارف يعرف من أين يخرج وأين يتوقف.
إن شعرتم بأن الاعتراف لمن لا يعرفونكم شخصياً سهل، ستتأكدون بأنني كتبت مقالي هذا في ساعة، وإن ظننتم بأنه صعب ستعرفون بأنني استغرقت أكثر من يومين وترددت أيضاً عند تسليم المقال، ولكنني ككل كاتب أسبوعي، فاتني الوقت ولم أرد أن أخدعكم ولا أن أخرج لكم خالية الوفاض.



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية 



القارئ: الجندي المجهول

عندما قلب الروائي الياباني هاروكي موراكامي نمط حياته كي يصبح الكاتب الكبير الذي هو عليه اليوم، قال إنه خسر بعض الناس وأغضب الكثير منهم، نتيجة التغييرات التي قام بها إخلاصاً لقلمه، وأنه فضل قولاً وفعلاً علاقته بالقراء على أي علاقة أخرى في حياته، فخصص الصباح للكتابة وما بعد ذلك لأي نشاط آخر يشغل تفكيره عن التفكير، كالقراءة أو الركض أو التنزه وحده، لينهي يومه بالنوم مبكراً. حرصه على الكتابة وعلى علاقته بقرائه جعله يتغاضى عن المناسبات الاجتماعية وينسى أو يتناسى الرد على من يحاول الاتصال به، إخلاصاً لمن يحاول هو نفسه أن يتصل بهم عبر كلماته.
ما أكثر المبدعين الشبيهين بموراكامي، فهناك تولستوي الذي اعتزل حياة المدينة وحياته الاجتماعية المزدحمة، وحتى عائلته في أحيان كثيرة، منصرفاً إلى الريف بين الزرع والمزارعين ليفكر ويكتب. أفهم أهمية ما يفعلونه لأنفسهم ولقرائهم، وأعترف بأني لا أملك ربع شجاعة موراكامي ولا نصف شجاعة تولستوي في التضحية واعتزال الناس من أجل الناس، وأن كل ما أملكه هو بعض أوقات في الأسبوع أقضيها في الكتابة عن مواضيع قد تهم قراء كثراً في أسابيع وأقل منهم في أسابيع أخرى، ولكن كل لحظات توتر تسليم المقال في الوقت المناسب، وفي القالب المميز والمضمون الممتاز تمر عند وصول رد واحد فقط من أي قارئ، سواء أكان برد إيجابي أو تعليق ينتقد فيه فكرة ما، سواء أكان مسؤولاً يعارض ما كتبته، مثل أكبر الباكر في مقال له رد فيه على ما كتبته من انتقادات للخطوط الجوية القطرية، أو مسؤولاً يوضح ويزيد على ما وصفته، مثل أحد مسؤولي الشفلح الذي وضح بأن لديهم مجموعات دعم كتلك التي وصفتها في أحد مقالاتي. كل فكرة تعارض أو تؤيد أخرى مهمة، سواء أكانت لي أو لغيري، وكل رد يغير، فيبني أو يهدم لأن الكاتب وإن كان يكتب لنفسه أولاً يكتب لغيره ثانياً وثالثاً ورابعاً وأخيراً، لأن فيه من الناس وفي الناس الكثير منه، وإن لم يرغب بالاعتراف بذلك.
تحية لكل القراء، تحية إلى أرقى أنواع الجنود المجهولين الذين يجعلون من الكتاب من هو مشهور ومعروف ومسموع ومؤثر، لعائلة أبقى ولمجتمع أفضل ولدولة أقوى ولعالم أكثر إنسانية. شكراً لكل قارئ جعل من الحرب سلاماً، ومن الخلاف اختلافاً، ومن الحب ديناً، ومن الألم حكمة، ومن القلم سلاحاً يستشهدون به عند القدرة، هذا المقال لكم وإن كان بلساني.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الجمعة، 21 نوفمبر 2014

لماذا نفعل كل ما نفعله؟

تخيل نفسك في أربعينيات أو خمسينيات القرن الماضي وأنت تجلس في مقعدك في حفلة لعبدالحليم أو أم كلثوم منتظراً أن يطربوك بأغان لم تسمعها من قبل، ولكنك تعرف بأنها ستصبح أغانيك المفضلة لعمر كامل.
تخيل نفسك تشاهد فيلماً عرفت من دعايته بأنه سيجعلك تتأثر، ومع ذلك ومن أجل ذلك دخلته باختيارك ومع من تحب. تخيل نفسك مُقدراً أو بين العائلة والأصدقاء أو بعافية وصحة أو ذا مال وجاه أو عاشقاً ومعشوقاً، أياً كان ما تطمح إليه، تخيل شعورك لحظة وصولك إليه. هل تخيلت؟ الآن كل ما عليك أن تفعله هو أن تنسى اللحظة وتتذكر هذا الشعور جيداً لأنه سيكون غايتك الجديدة وكل ما عدا ذلك هو وسيلة، سواء أكان صديقاً يشد على يديك عند حاجتك له، أو صلاة تبكي في سجودها وتمسح دموعك في ركوعها أو رواية تبعثك مؤمناً متأملاً أو سقوطاً تعود لتقف بعده كالنخلة وسط صحراء ضاعت فيها واحة أو أكثر.
والآن بعد أن تخيلت وعرفت ما سيكون لو شئت، ابدأ بوضع نفسك في مواقف تجعلك تصل إلى تلك الحالة الكبرى من السعادة والقناعة والسلام مع النفس والغير بعد الرضا والابتهاج. اجمع من حولك من تحب ومن يحبك ومن يرفعك ومن يدفعك ويساعدك، وبعثر داخلك الخوف والتوتر والإحساس بالدونية واختر الثقة والكبرياء والاندفاع والشجاعة وحب نفسك ثم حب الغير. اجعل طريقك معبداً بهذه المشاعر ووجهتك هو ذاك الشعور الأسمى الذي يجعل من الإنسان كائناً خارقاً استطاع أن يصل إلى أعلى طاقاته وأقوى ضرباته وأطول أوقاته. الطريق مهم والوجهة مهمة وكل يستند إلى الثاني في رحلة الإنسان الطويلة لتحقيق ذاته كي يصل إلى شعور يصنعه من أول ومن جديد.
«لقد تعلمت أن الناس قد تنسى ما قلته لهم أو فعلته بهم ولكنهم لن ينسوا أبداً ما جعلتهم يشعرون به!». هذه الكلمات القوية كانت للشاعرة مايا أنجلو التي لم توصلها أفعالها وإيمانها بقضايا سامية ومصيرية إلى ذاك الشعور الغني والعميق، بل جعلتها تشعر أيضاً بأهمية الشعور الذي يخلقه الناس فينا سواء أكان مؤذياً أو مصلحاً، بانياً أو هادماً، صاخباً أو هادئاً، جامداً أو ليناً، ساقطاً أو راقياً، فخماً أو متسولاً، أي إحساس وأي شعور يُفرح أو يبكي بحسب الموقف وبحسب أشخاص الموقف. أي إحساس مهم ولكن الأهم هو أن يكون شعوراً في سبيل الرضا والمحبة والسلام والدفء والجمال، أي ذاك الملاذ الأخير.


جواهر بنت محمد آل ثاني 
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 13 نوفمبر 2014

مقال غير توجيهي

تدور قصة فيلم «مقبول» أو accepted حول مجموعة من الشباب لم يتم قبولهم في أي جامعة قدموا طلبات تسجيلهم فيها. تبدأ القصة مع إنشائهم لجامعة وهمية كيلا يخيبوا ظن آبائهم، ولكن الوضع يتطور ليجدوا أنفسهم أمام مجموعة كبيرة من «المرفوضين» أمثالهم، وهم يطلبون الدخول إلى الجامعة التي أنشأها الطلاب. رغم أن مشكلة رفض الطلبة من دخول الجامعات لأسباب عدة موجودة في كل مكان ومهمة ويجب التعرض لها، إلا أن معرض حديثي سأتناوله من جانب مختلف، ومختلف هو ما يجب أن أكون.
سأبدأ من حيث انتهى الفيلم، من مشهد يقول فيه الدكتور للطلبة في يوم التوجيه «orientation day»: «اليوم ليس يوم التوجيه orientation بل هو يوم عدم توجيهكم «disorientation day» لقد تم توجيهكم طوال حياتكم، والآن حان الوقت ليتغير ذلك». بهذه العبارة التي قالها الدكتور ضاحكاً مع الطلبة انتهى الفيلم الكوميدي، ولكنها لم تكن بالمزحة ولا بالسخافة، بل فلسفة يتم طرحها وتعلمها في كليات الفلسفة تحت أسماء الشك وعدم الإيمان ومرات كثيرة تحت مسمى الإيمان نفسه، لأن ضياع المرء وإيجاده طريقه بنفسه أفضل مائة مرة من أن يدربه أحد على الطريق فيحفظه وهو مغمض عينيه عن كل ما سواه، في الحالة الأولى سيصل مؤمناً، أما في الثانية سيصل بعد أن تم تلقينه إيمان غيره.
نعيش خطأ لا يتعلم ولا يتحمل الصحة، منذ بداية حياتنا يتم توجيهنا من الإجبار على المشي والكلام إلى دخول المدرسة وتعلم الرياضات أو العزف على آلة موسيقية أو تعلم لغة أخرى، وفي حالات كثيرة لا تكون الاختيارات خاطئة، ولكنها غير مناسبة للشخص نفسه، لأن ميوله مختلفة ويجبر على ميول غيره لأسباب نفسية أو اقتصادية أو لاعتبارات اجتماعية أو سياسية. يعلموننا ماذا نحب وماذا نكره. من نحب ومن نكره. ماذا نريد وماذا سنتجنب. ما نقتنع به وما نرفض الاستماع إليه. يعلموننا ويوجهوننا ويسيروننا على ما يشتهون وما يريده المجتمع وما عرفه الآباء والأجداد، بدل أن يعلمونا كيف نحب، ولماذا نحب، ولماذا نكره، وكيف نتعلم بأنفسنا وبأدواتنا وأساليبنا، ولماذا سنتجنب، ولماذا سنقتنع، وكيف سنستمع لما نكره أو غير ما نألفه، وكيف سنتقبل ونتفهم، ولماذا نفعل كل ذلك.
هذه الفلسفة ليست مقتصرة على الفلاسفة ولا المثقفين الواعين حيث يتحدث عنها -وإن لم يكن بشكل مباشر في بعض الأحيان- فقهاء الإسلام المعتدلون الذين يحضون على إعمال العقل وزحزحة الفكر وعدم الخضوع لأي مبدأ أو فتوى بلا سابق اعتبار واعتمادها بـ «آمين»! هذا ما نحتاج البدء منه والرجوع عليه، خاصة في عالم انتشرت فيه الدواعش في الهشيم!

ملاحظة:
بغض النظر عن عنوان المقال، أقول لكم إن الهدف منه هو توجيهكم إلى عدم التوجيه.



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

عشاق التاريخ

لا أقصد روميو وجولييت ولا قيس وليلى ولن أتحدث عنهم، ولكني قد أعرج عليهم، وأنا أتكلم عن عشاق من نوع آخر. عشاق رُزقوا حب الورق والقلم، أو أجبروا عليه لحب أو مال أو شهرة أو سلطة أو جاه أو خوف ممن أجبرهم على الكتابة. عشاق يحملون في قلوبهم حباً مزدوجاً، الأول ثابت وهو للكتابة سواء أكان باختيارهم ومن طابع فطرتهم أم لم يكن، والثاني حبٌ يتملكهم باختلاف كل كاتب وذائقته ومدى سماحه له بالتأثير عليه، فمنهم من كان عاشقاً لنفسه، فصاحب كبار الشأن في المجتمع والمشاهير ليكتب أولاً عن نفسه وحياته والمواقف التي تصادفه أكثر من كتابته عنهم، ومنهم من عشق التاريخ، فسرد في كل ما كتبه جزءاً من التاريخ ليجعل ما يكتبه جزءاً من التاريخ، ومنهم من عشق الحب، فبدا جل كلامه خرافياً جميلاً أدبياً، وينتهي أغلب هؤلاء الكتاب إلى مرتبة الشعراء، ومن لم يفعل منهم حاول أن يتشاعر! ومنهم من عشق الألم حتى ظن بأنه لن يكتب إلا به، فقام باستنزاله على نفسه! ومنهم من عشق الكتابة من عشقه للعمل الذي يمارسه سواء أكان محامياً أو مهندساً أو موظفاً عاماً اكتشف القلم والورقة بالمصادفة في وقت فراغه، ومنهم من عشق غيره بشغف جعله يضيع في الكتابة ليوصل ما يريد قوله أو ما يريد نسيانه، ومنهم من هام بالحياة أو الموت -كلهم على نفس درجة التأثير- فكتب ليصل بسرعة إلى ما يحب أن يخشاه.
كليوباترا وأنطونيوس وروميو وجولييت ليسوا أكثر أهمية ممن كتب عنهم، بل العكس من كتب عنهم هو العاشق الحقيقي الذي سيتذكره التاريخ. ورغم اختلاف كل كاتب هوى وذائقة عن الآخر، إلا أنهم جميعهم يعشقون الفن ويعيشونه وإن لم تنضح كلماتهم به، فالفن هو سر العشق الأبدي لأنه يبعد الضجر عن ظاهر الأشياء.
كل ما يسعني أن أختم به هو ما قاله الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن آل سعود في قصيدة المراية: «كلنا عشاق لكن كل واحد له حكاية..».

جواهر بنت محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 30 أكتوبر 2014

هل تقدر على الإبحار؟

الناس أنواع.. هناك من يختار العوم في كل اتجاه جنوباً مرة وشمالاً مرة، وهناك من يقصد أن يسبح عكس التيار في كل حين ليثبت شيئاً لنفسه أو لغيره أو لكليهما، وهناك من يترك نفسه لهوى التيار كالسمكة الميتة. أسوأ الأنواع هو من لا يسبح أساساً لخوفه من الماء أو الغرق أو المجهول، فيبقى على اليابس ممضياً عمره بين كثبان رملية قاسية بعلة الأمان والسلامة والاحتياط، رغم أنه لو جرب حظه وقفز في الماء لوجد نفسه سباحاً هائلاً. هذا النوع من الناس لا تبعدهم المسافة عن البحر بل الخوف، نسوا أن أجدادهم وأجداد أجدادهم عاشوا فيه وتربوا فيه وأكلوا من خيراته، وشربوا من الأماكن التي أوصلهم إليها. نسي هؤلاء صبر وجلد أجدادهم أيام عيشهم في مدن بلا ماء، حارة الجو، جافة الأرض، تقسو فيها الحياة ويضرب فيها الممات. نسوا أنهم خلف من لفظ الخوف لكي يعيشوا، تركوا الخوف وراءهم في السلم والحرب، عند التجارة ووقت العبادة، أيام الجوع وأوقات الأمن. فما بال هؤلاء يخافون أن يعيشوا كي لا تقال كلمة من الناس أو لأنهم يألفون ما هم فيه أو لكسل وعجز فيهم؟ ما بالهم يختارون أن يكونوا سمكاً صغيراً، بينما في وسعهم أن يكونوا قروشاً سريعة ومتأهبة وفتاكة؟ ما بالهم يرفضون أن يعيشوا والوجود بحد ذاته مجازفة ومخاطرة؟ ألا يعرفون أن مذاق الحياة اللذيذ يكمن في أن يفعلوا كل شيء بشكل كبير وإن كان صغيراً؟
لا يختار البحر أصدقاءه ولا عشاقه، ولكنه يختار ضحاياه، تارة لأنه يشعر بخوفهم وتارة لأن الصدف جاءت بهم إلى جوفه وحيدين ومستسلمين، الحياة تفعل بمن تقابله الشيء نفسه، من ينظر إليها بعين خائفة ترد عليه بعين شامتة، والعكس صحيح كما كتب نجيب محفوظ: «من يحتقر الحياة تحترمه».
ألا يزال خوفك يشغل تفكيرك، ويشعل شعرك ويأكل أظافرك؟
لا تخف إذا كانت الحياة اختيارك.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الأحد، 26 أكتوبر 2014

هكذا يجب أن تكون الحرب على داعش



لا يختلف اثنان على دموية ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية في العراق و الشام أو كما يختصره البعض بداعش. يظهر داعش لمنتسبيه كتنظيم-أو على الأقل يتوهمون على أنه كذلك-اما خارج هذه المنظومة باستثناء الجهات التي انشأت داعش، يُنظر اليه و كانه غول ات لاكل الاخضر و اليابس او شبح لا يظهر الا عندما يدير الناس ظهورهم ليأخذ عمرهم، و لا عجب ان يظن الناس بداعش هكذا عندما يسرق اعمار ابنائهم بتجنيدهم في حرب لا تعرف مع من او ضد من و عندما لا ينشر هذا التنظيم سوى مقاطع فيديو لمرتزقة يهددون دول و شعوب آمنة و طائفيين يذبحون ناس بريئة بابشع الطرق بسبب طائفتهم او ديانتهم.
يجب علينا ان نعرف الوحش الذي نواجهه ممثلا بالارهاب و ذيله داعش كي نعرف كيفية التخلص منه بقطع الرأس لا الذيل، و لكي نحل المشكلة لا يجب علينا ان نعترف بوجودها فقط رغم اهميه هذه الخطوة بل يجب ان نعرف اسبابها كي نحل المشكلة من جذورها فلا يظهر لنا في المستقبل تنظيم جديد يشبه داعش و لكن باسم اخر.
الحقيقة ان داعش لم تخرج من الظلام مثل الغول-على الاقل حرفيا-و لم يُولد من بطن جنية، بل ظهر نتيجة اخطاء متراكمة في الإقليم، تجاهلناها لمدة طويلة حتى عادت لتصيبنا في مقتل. داعش كانت سبب فراغات امنية في العراق و سوريا و لبنان و تخاذل في مواجهتها ليس من قبل حكومات هذه الدول وحدها رغم خصوصية وضع كل دولة على حدى بل من حكومات العالم عامة و حكومات الدول الاسلامية و العربية خاصة التي يختلط في بعضها البعض و يختلف و يتشابه فيها النسيج الديني و الطائفي و الاجتماعي، و لهذا السبب تماما و بسبب هجوم جماعات طائفية على بريئين و عدم قيام السلطات المختصة بحمايتهم، برز افراد يرغبون بالانتقام و يستجيبون لخطابات تحريضية يتم القائها للاسف في الاغلب من على منابر المساجد. سبب اخر مرتبط بمنشأ داعش و السبب السابق، هو تراخي الحكومات العربية و الاسلامية بشكل عام في تعاملهم مع المتطرفين، فمنابر المساجد و حتى الجامعات يساء استخدامها لتجنيد الشباب الابرياء و استدراجهم من كل مكان حتى وصل الحال الى قيام اهالي بعض المدن بالتصدي لهؤلاء المحرضين و المتطرفين كما حدث في الاردن و تمير السعودية.
الحرب على داعش لا يجب أن تكون محصورة على قصف المناطق التي تفيد الإستخبارات وجوده فيها، لأن حتى ذلك قد ينشأ عنه خطأ و بالتالي يتم قصف الأبرياء كما يحدث في باكستان و اليمن، الحرب على داعش يجب أن تبدأ بقتل جذور هذا التنظيم المسخ و سيساعد على ذلك الإسراع في تكوين المركز الدولي لمكافحة الإرهاب الذي اقترحته سابقاً السعودية، و مشاركة الدول العربية و الإسلامية فيه، و خاصة الدول المشاركة في إجتماع جدة اليوم. هكذا يجب أن تكون الحرب على داعش حتى لا ينتشر هذا التنظيم في المستقبل أو تنظيمات مشابه له في الفراغات المتساقطة من ليبيا إلى اليمن.


جواهر بنت محمد آل ثاني

في تاريخ ١١ سبتمبر ٢٠١٤


من يعرف الحب أفضل؟


يتعلم الناس من الحب سحرا و جنون و يتعلم الحب من الناس دروساً و فنون، ما يهم اكثر هو ان يتعلم العشاق من بعضهم البعض، لان هذا هو الحب و اصله و فصله. يبدأ الحب  اما من بحار تعلم، او ميادين تطمئن، في كلا الحالتين تنطلق الرحلة بالاندهاش و المفاجاة و التعلم و التعليم، بعبارة اخرى يبدا شهر العسل الحقيقي. يزدهر الحب في مراحل لاحقة يتملل فيها المحبون او يتشاجرون و يكونون على وشك الفراق، لتكتمل بعدها حديقة القناعة و الود و الرحمة و الاعتياد. يتملك العشاق الان مفتاح حديقتهم السرية، فاما يتركونها لتجف و تذبل و تموت او يزورونها من انفسهم و لانفسهم حتى تكبر الحديقة و تكبر انفسهم و لكن ليس على حساب مشاعرهم.
حقيقة الحب لا يشرحها الادباء و لا يصفها الشعراء و لا يعرفها سوى من جرب في حياته ان يتنازل و ان يجازف كثيرا و احيانا بكل شيء، لا لكي يعرف في قرارة نفسه بانه يحب بل لكي يعلم حبه بما في قرارة نفسه من مجرات و نجوم و كواكب، تحمل احاسيسا واحدة و ان كانت باسماء مختلفة.
الحب لا يشرحه الادباء في رواياتهم و خيالاتهم ليس لان الكتب لن تسعه، بل لانه سيمر عبر الصفحات كالماء البارد، اذا لم يكن القارىء منتبه له.
الحب لا يصفه الشعراء في قصائدهم و عبر سجائرهم لان الدخان يعمي العيون في كثير من الاحيان و في احيان كثيرة يكون دخان بلا نار، فكما سمعت احد الشعراء يقول مرة: "ابقي على نفسي في حالة اشتياق و في ظيم و عذاب لكي يكون شعري افضل".
و الان قل لي، هل ستتنشق ما كتبته انا عبر ورق الجريدة و تثمل بتفاح الشعراء الاخضر، ام ستتبع صلوات العشاق وقت الفجر عندما يتعلق الامر بالحب؟

جواهر بنت محمد آل ثاني


صحيفة العرب القطرية

الخميس، 2 أكتوبر 2014

حبة الحياة

يموت شخص عزيز عليك، يسافر شخص قريب منك، يضيع منك حبك الحقيقي، تخسر عملك الذي تحبه، يبتعد عنك صديقك، لا تجد مكاناً يأويك، أو لقمة تضعها في فمك، أياً كان الموقف الذي وضعت نفسك فيه أو فاجأتك الحياة به، لا تجزع، وخذ مني حبة الحياة.
اقرأ أولاً إرشادات العلبة قبل أن تتناولها وبصوت عالٍ، علك تنجح في إقناع نفسك بابتلاعها مع كل آثارها الجانبية:
ابك قليلاً لو أردت، حتى لو كان ذلك على إيقاعات أغنية حزينة، أو وأنت تحاول مشاهدة فيلم يلهيك عن ما أصابك، فالفن لا يُفرغ طاقات صانعيه فقط، بل طاقات من يشاهده ويحتويه بحواسه أيضاً.
تذكر قيمك ومبادئك، وماذا يأمرك به دينك في موقف كهذا، والصبر وقت النسيان ووقت الذكر، وإن كان الصبر «عايز صبر لوحده»، كما غنت أم كلثوم.
تكلم مع من يهتم بك عند شعورك بالحزن أو الغضب، وخذ رأي من تثق به وبحكمه إن كنت في مشكلة.
حاول أن تشغل نفسك بأعمالك اليومية الروتينية عن مصابك، أو أن تملأ وقتك بجهد تبذله وأنت تبحث عن حل للمعضلة التي تواجهها.
بعد قراءتك للإرشادات، ابلع الحبة، فإن لم تمر عبر حلقك، ابلعها بفكرة أن الحياة تمضي والمشاكل تعبر، وأفعال اليوم تصبح ذكريات الأمس، وكل شخص ضرك سيرجع عليه الضرر، وكل شخص نفعك سيرجع عليه النفع يوماً من الأيام.
هل بلعتها؟ جيد، والآن استمتع بمفعولها المريح والمهدئ، ولمعلوماتك، حبة الحياة ليست كأي حبوب أخرى كالبندول، بل مفعولها دائم لو أُريد لها ذلك، وهذا بالتأكيد ما يريده أي شخص عانى من جرح، أو وقع في مصيبة ظن لوهلة بأنها بلا مخرج وبلا حل.

جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الخميس، 25 سبتمبر 2014

هل اخترت رحلاتك؟

قد تكون تلك اللحظات التي يجلس فيها المرء ليتفكر في حياته، فيما عمله وفيما وصل إليه من أجمل اللحظات أو أسوئها، تكون جميلة عندما يكون قد حقق معظم أهدافه وهو في طريقه لتحقيق المزيد، وتكون سيئة عندما يكون قد خسر كل شيء للتو. أياً كان توقيتها، مراجعة المرء لنفسه وللتغيرات التي حصلت في حياته أمر مهم حتى لو كان ذلك في أحلك الأوقات، لأن هذه المراجعة قد ترجعه على ظهر الحصان مرة أخرى لينطلق في الاتجاه الصحيح، وقد تكون مجرد ترتيب حسابات وأولويات وتغيير لديكور الحياة.
بالنسبة لي، كانت هناك مراحل ورحل متعددة في حياتي، فمرة كانت هنالك مرحلة الإبحار في بحور هوليوود وبوليوود، ومرة كانت رحلة الغرق في محيطات الكتب حتى رجعت إلى الحياة بطوق الكتابة. هذه مراحل سابقة انغمست فيها بالشيء الذي استهواني، سواء أكان فيلماً أو كتابة أو قلماً على ورقة، ولكن هذا لا يعني أنها أشياء لم يصبح لها نصيب في حياتي اليومية الحالية، بل على العكس، ولكن ليس بنفس الإصرار أو الهوى، فالآن بعد مراجعتي لنفسي، أرى أني أُقبل على مرحلة جديدة أرغب فيها بالسفر وتجربة الرياضات المختلفة وتعلم أشياء جديدة كلغة رابعة أو مهارة ما، وهذه الفكرة والإرادة في التغيير بعد التخطيط لمرحلة جديدة وقادمة، تحفز الشخص على أن يفعل ما كان قد صمم عليه، وبالتالي الإنجاز لأنه عرف ثماراً سابقة، وخطط لحدائق جديدة.
تقسيم الحياة لمراحل ورحلات ليس بالأمر الصعب ولا غير المجرب، فالكاتب الإماراتي ياسر حارب كتب مرة أنه في أكثر من فترة في حياته كان قد توقف وقال هذه السنة ستكون للكتابة وتلك ستكون للفلسفة، وقبله الشاعر السوري الكبير نزار قباني الذي عاش طفولته هاوياً للرسم، ومن بعدها عاشقاً للموسيقى حتى وصل إلى بحور الشعر المتلاطمة.
أن تعرف أين أنت ومتى ستصل هو شيء، ولكن أن تفهم حياتك ومراحلها وتخطط لها أولاً بأول هو كل شيء.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الخميس، 18 سبتمبر 2014

لئلا ننسى

«الذاكرة، مخطوطة الروح» قالها أرسطو، وذاكرة الإنسانية هي أثر الإنسان من لغات وفن وأدب وعلم واختراعات واكتشافات وحروب وفتوحات ومؤامرات، وفي جعل الموجود قيماً والقادم أفضل، وأهم ذكريات الإنسانية، وما ساهمت في العديد من ذكرياتها في كثير من الأحيان هي اللغة، التي قدر على أسمائها الإنسان وعجز عنها الملائكة.
تبقى في ذاكرة الإنسانية جميع اللغات المعروفة وغير المعروفة والحاضرة والمنقرضة والصعبة والسهلة، أما ذاكرة الإنسان فلا يوجد فيها سوى اللغات الحالة المتطورة عبر الأزمان حتى اليوم الحاضر، ونفس هذه اللغات يوجد فيها اللؤم والخداع والمرض والجشع، كما يوجد فيها الطيب، وحسن الظن، والصحة، والكرم، وملايين الملايين من المفردات الأخرى التي قد يتطور بعضها وقد ينقرض بعضها الآخر، ما عدا كلمات لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة هي الخير والشر والحب، والحياة، والموت.
تطور اللغة وتغيرها وحتى تلحينها أمر لازم، لأن التغيير سنة من سنن الحياة، واللغة جزء منها، لأنها وحدها كائن حي، يحيا عندما يُوجد، ويكبر عندما يتطور، ويموت عندما ينقرض. تطور اللغة أمر مهم لأنها قد لا تتطور إلى الأحسن بل قد تنحدر إلى الأسوأ، وبالتالي ترسخ في ذاكرة الإنسان ومنها إلى ذاكرة الإنسانية، وما أقصده هنا هو الاستخدام اليومي للغة بطريقة معينة مما يجعلها الطريقة الفصيحة -وليس بالضرورة الصحيحة- للتحدث بهذه اللغة، فتتجذر في الأجيال القادمة من متكلمي اللغة نفسها، فيقول العرب إسرائيل بدل فلسطين المحتلة، ويقولون الجهاديون بدل المتطرفين، أو الإسلاميون بدل الإرهابيين، وهكذا. هذه الكلمات والمفردات التي يتم ترديدها لغواً وخطأً وبلا حساب من قبل مثقفين وغير مثقفين في وسائل التواصل والنشر المختلفة تعلق، كما تعلق شوائب الهواء من غازات في الغيوم، ومع كثرة ترديدها يتم الخلط بين الصحيح والخاطئ منها، وبين أصل الفرع وفرع الأصل، وبين بعض الكل وكل البعض، وبين هذه الكلمة وتلك يتربى جيل يتشرب هذه الكلمات ويراها صواباً لا يأتيها باطل لا من فوقها ولا من تحتها، ومن ذلك تتطور اللغة ويرسخ تطورها في ذاكرة الإنسان والإنسانية.
من أقل واجباتنا أن نحافظ على لغتنا التي ستقوم بتربية أجيالنا على الصحيح والخاطئ. من أقل واجباتنا ألا ننسى.

جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الخميس، 4 سبتمبر 2014

مجموعة الدعم: الخيار الغائب



مجموعة الدعم: الخيار الغائب


نقول عن الشخص الواحد فرد، و الإثنان فأكثر مجموعة أو فريق، أحياناً يظهر تميز الفرد في أي مجال بسبب بقائه لوحده، و أحياناً لا يمكن تبين إبداعه إلا عبر مجموعة تستفزه و تتناقش معه و تحثه على البحث و التفكير كما يظهر ذلك و بشكل جلي خلال العصف الذهني الذي تقوم به أي مجموعة.
من الناحية المهنية و رغم توجه الشركات و خاصة التجارية منها إلى تقسيم العمل إلى مجموعات إلا أنه في الحقيقة لا تفاضل بين الفئتين، فئة الشخص الواحد الذي يقوم بعمله بنفسه بغير فريق يتحاور معه في كل خطوة، و فئة الفريق الذي يتقدم إلي الأمام ككل أو يتراجع مع جميع منتسبيه إلى الخلف، فالفريق قد يحمله شخص واحد في معظم الأوقات و شخص واحد قد يقوم بعمل أفضل مما تقوم به عشر مجموعات مجتمعة، و لكن من الناحية العلاجية أو الصحية سواء كانت صحة الجسد أو النفس أو الروح، العلاج أو الدعم عبر المجاميع أفضل من علاج الشخص الواحد لنفسه و بنفسه.
في مجموعة الدعم يعبر الشخص عن نفسه لأناس يفهمون ما يعانيه، فيروي قصصاً تشبه قصصهم و أخطاء تشبه أخطائهم و يشعر بحزن و ندم يشبه حزنهم و ندمهم. لا أحد منهم يشعر بالشفقة على الآخر لأنهم يشعرون بطريقة أو بأخرى بأنهم مثل بعضهم البعض، فقد يشعر الطبيب بالشفقة على مريض الإيدز، و قد يشعر الممرض بالشفقة على ساكن المصحة الذي يعود مرة بعد الأخرى ليخلص جسمه من سموم المخدرات، و لكن لا يشعر أفراد المجموعة الواحدة بهذا الإحساس في معظم الحالات تجاه بعضهم البعض.
في المجموعة يتلقى الفرد المؤازرة و الدعم من بقية الأعضاء و يقبل على صداقات عهد جديد لا تشده إلى ظلام الماضي بل تدفعه نحو نور المستقبل، و رغم أن البعض يظن هذه الصداقات وقتية و محددة بشفاء المنضم إلى المجموعة إلا أنها في الواقع حقيقية و تأثيرها أبدي غير معلق على الشفاء أو الإستمرار في العلاج لأن مكونها صلب و يتعلق بالقواسم المشتركة بين الأطراف، و أي قاسم مشترك أقوى من اكتئاب أو انفصام في الشخصية أو سرطان أو إدمان على الكحول؟
لدى الغرب مجموعات دعم لكثير من الأمراض العقلية و الجسدية و النفسية و عدد كبير منها أيضاً لأنواع متعددة من الإدمان بل و قد يوجد منها لغير المرضى مثل المجموعات المخصصة لدعم عوائل و زوجات المرضى و التي يجتمعون فيها لعدم بعض و دعم المرضى في عوائلهم و تحسين معاملتهم لهم و معرفة التجارب الأخرى في ذلك السبيل.
في عالمنا العربي تقل أعداد هذه المجموعات بحيث لا تبان إلا في المستشفيات الممتازة التي تعرف أهمية هذه الطريقة في الدعم بل و أكثر في العلاج، قد يرجع السبب في ذلك إلى أن البعض يفضل خصوصية مرضه على الشفاء منه أو أنه يرى في ذلك فضيحة له أو أنه بلا فائدة ترجى أي أنه يعتمد على الأساليب القديمة في العلاج المتمثلة في دواء و نصيحة طبيب.
أياً كان السبب في عدم انتشار مجموعات الدعم في العالم العربي و عدم تبني المستشفيات هذه الطريقة أو حتى عدم قيام الأفراد أنفسهم في المجتمع بتكوين هذه المجموعات إلا أن المجازفة و تجربة الشيء خير ألف مرة من خلق التكهنات و الإفتراضات بشأنه.

صحيفة العرب القطرية
جواهر بنت محمد آل ثاني




ابحث عن أدلتك




ابحث عن أدلتك


(ت)
شدتني صورة مرت علي في تويتر، لرجلان متقابلان بينهما رقم بالكتابة الإنجليزية، أحدهما يدعي بأنه الرقم تسعة و الآخر مصر على أنه ستة. كلاهما على حق من وجهة نظره، و كلاهما يملك الدليل لو طُلب منه الإثبات، و في نفس الوقت كلاهما متأكد من خطأ الثاني. هذا الجدال يمر علينا يومياً، قد نشهده و قد نكون جزءاً منه، لا نقتنع بوجهة نظر الآخر وحسب، و لا نرى كيف يمكن أن يكون على حق رغم أن الحق بين و الباطل بين و نحن نراه بشكل واضح! نرفض أن نضع أنفسنا في حذاء الآخر رغم أن الشيء الوحيد الذي قد لا نختلف فيه معه هو أن لكل قدم مقاس مختلفة!

(أ)
قد تختلف درجات لون المروج من أخضر غامق إلى أخضر معتدل إلى أخضر فاتح إلى أخضر مصفر، و هكذا، و لكن لا يمكننا الإختلاف أبداً حول الأسود و الأبيض رغم أن هناك من قد يجادلك في ذلك حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
لا يوجد ما يبرر قتل المسالم و هو من لم يعتدي على أحد أو كما يُسمى هذه الأيام المدني. في هذه المسائل يوجد الجانبان الصحيح و الخاطئ، فإما أن تكون بيضاء كلها أو سوداء كلها بلا مناطق رمادية، فإدعاء جانب بأنها صحيحة بينما هي في الحقيقة خاطئة غير مقبول و مرفوض تماماً، و لا يبرره أي شيء، لا لون و لا طائفة و لا عقيدة و لا فكر. في هذا النوع من المسائل يوجد حقيقة واحدة، إما أن تراها أو يراها الطرف الآخر، و الأكيد بأن العالم كان ليكون مكاناً أفضل لو رأوها الإثنان معاً!

(م)
مع تزايد التفتح أو الإنغلاق-إن لم يتم استثماره بطريقة جيدة-الإلكتروني على الشبكات الإفتراضية، ارتفعت بالضرورة أعداد الناس الراغبين بإبداء آرائهم إما لإثبات أنفسهم أو لأي سبب آخر، المهم أنهم يفعلون ذلك، و من هذا الطريق يعبرون عن الصورة التي تمر أمام أعينهم عن قضايا معاصرة أو تاريخية أو مستقبلة، و قد تكون هذه الصورة بلا لون أو بيضاء أو سوداء أو رمادية و الأسوأ، أن تكون الألوان مرمية على الصورة بطريقة مبتذلة يُقصد بها حرفية الفنانين! هؤلاء هم نفسهم من يعبرون عن صحة وجهة نظرهم أو خطئها دون دليل أو إثبات و بجهل و تقليد أعمى، و بدل تلوين الرأي بما هو مفيد و نافع، يجعلون الصورة تبدو باهتة بلا طعم و ذوق.

(ل)
من بعد تلقين أجوبة سؤال بيّن صحة العبارة من عدمها مع التعليل، أوجدوا ناقش العبارة التالية مع الأدلة، حيث أن توضيح الصحيح أو الخاطئ دون غيرهما، أصبح غير كافي في معظم الأمور، فلا يوجد جانب واحد للقمر و لا أرضية واحدة لكل البشر، و لكن قد يساعدك أن تملك دليل على ما تقول و تدعي! فإبدأ البحث عن أدلتك.

صحيفة العرب القطرية

جواهر بنت محمد آل ثاني

من أساء لمن؟



من أساء لمن؟


((ت)
تخيل أنك تعيش في قرية احترقت أقرب مدرسة لها، و كنت بالإضافة إلى الآباء في قريتان مجاورتان تستعملون القوارب الخشبية للوصول إليها مع أبنائكم. تخيل ثم أخبرني عن مشاعرك لو زارتك مجموعة شباب و بنات يُعلمونك بأنهم سيتسلقون أعلى جبل في بلدك كي يستطيعون بناء المدرسة من جديد لتتسع لطلاب أكثر بالإضافة إلى بناء مركز في مدينتك لتقيم فيه احتفالاتك و تجذب به السياح لقريتك ذو الإمكانيات المتواضعة.
هل تخيلت؟ هل تخيلت فرحة الآباء و الأمهات بإتاحة فرصة التعليم لأبنائهم و بناتهم؟ هل تخيلت فرحة الشاب الذي خطط لإقامة عرسه في مركز القرية المُراد بنائه؟ هل تخيلت كم وظيفة سيتم توفيرها و كم حياة ستتغير بسبب ذلك؟
و الآن تخيل معي، أن تعود إليك مجموعة الشباب و البنات ليخبرونك بأنهم لن يتسلقوا الجبل، و أنهم لن يستطيعوا بناء المدرسة و لا المركز في قريتك. قالوا لك هذا ثم غادروا بعد أن منحوك بصيص أمل و نور.
قل لي، هل تتذكر ملابسهم أو هيئتهم؟ هل ستهتم بتذكرها أم ستتذكر الدين الذي يتبعونه و البلد التي أتوا منها؟

(أ)
بسبب وسم في تويتر تم إلغاء رحلة خيرية، كان المشاركون فيها شباب من الجنسين. تم التأثير على الشركة الراعية حتى ألغت دعمها للرحلة قبل إنتهائها و تركت الأمور كلها للشركة المنظمة. إدعى أصحاب الأصوات العالية أن في الرحلة إساءة لقطر و لبنات قطر خاصة، لأن الرحلة تضم بنات و لأن بعضهن لا يلبسن العباءة و لا الحجاب، و أنا أرى بأن إلغاء الرحلة هو أكبر إساءة لكعبة المضيوم التي تقدم الدعم و التبرعات لكل محتاج، و أكبر إساءة للدين الإسلامي الذي يحتمي البعض في الوسم به، لأن الدين ينظر إلى منفعة الناس أولاً و إفادتهم و يُعلي الخير و إن كان قليلاً إن كان به فائدة للناس على الشر الذي قد يصيب الشخص به نفسه إن كان لا يضر به أحداً آخر.

(م)
الرحلة الخيرية لم تتم إلا بموافقة أهالي المشاركين بها، و هي موثقة بالكاميرا و بوسائل التواصل الإجتماعي-أو كانت على الأقل قبل إلغاء الدعم-و ما كنا نراه من تعامل محترم بين المشاركين هو ما كان على أرض الواقع كائن تماماً، فما خطب سفر هذه المجموعة من الشباب معاً، أم نسيتم التاريخ الإسلامي بكل قوافله و غزواته؟ أما بالنسبة لحجاب البنات و العباءة، فالثانية وليدة عادات و تقاليد، و الأولى واجب و حق إسلامي على كل مسلم و هو بالمعنى الواسع اللباس الساتر، و مع ذلك إظهار المسلمة لشعرها لا يُجردها من دينها و عفتها، و عدم لبس الفتاة لعباءة لا يسلبها جنسيتها و وطنيتها.

(ل)
كتب الله على مرتكبي جريمة السب و القذف عقاباً يأتيهم في الدنيا قبل الآخرة، و جعل الله مسألة الحجاب و تركه و السفر دون محرم-رغم وجود من يجادل فقهياً حول إلزامهما-بينه و بين خلقه في الآخرة، فتأمل..

صحيفة العرب القطرية
جواهر بنت محمد آل ثاني







الخميس، 14 أغسطس 2014

وراء ضحك روبن وليامز

توفي الاثنين الماضي الممثل الأميركي الكبير روبن وليامز، الرجل الذي أضحك جمهوره من نساء ورجال وأطفال، وأبكاهم في أدوار رُسخت في الأذهان، في أفلام مثل Mrs. Doubtfire وJumanji وDead Poets Society، وأخيراً الفيلم الذي فاز عن دوره فيه بجائزة أوسكار Good Will Hunting.

نُقل عن السلطات المختصة في ولاية كاليفورنيا أن سبب وفاة وليامز يرجع إلى انتحاره، وهو ما ليس مُستغرباً بين النجوم والمشاهير، ولكن عُد صدمة كبيرة في حالة وليامز، لأن الناس كانت تشاهده دائماً في أفلام الكوميديا والأطفال التي لا تحمل سوى الضحك والمتعة، في الوقت نفسه الذي عانى فيه الاكتئاب ومشاكل أخرى مع الكحول والمخدرات لفترات طويلة. 

ومع ذلك تفاجأ الكثير بالخبر، ربما لأن الأغلب يعتمد على الوضع الظاهر، وبالنسبة لوليامز، استمراره في التمثيل رغم مشاكله الكثيرة كان غطاء لاكتئابه، أو على الأقل جزءاً منه، مثله مثل الطالب المتنمر ضده في المدرسة، والذي قد يشتكي هذه المشكلة لأصحابه أو عائلته أو مرشده الأكاديمي، ولكن يتم التغاضي عن المشكلة أو تأجيلها أو تقزيمها بحجة أنها ليست بكبيرة أو بمهمة، لأن الطالب لا يزال مستمراً في الذهاب إلى المدرسة.

ما إن أعلن عن خبر وفاة وليامز حتى توالت التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي. لم أتوقع أن تكون بعض ردود الفعل الأولى تأكيداً على أن المال والشهرة لا يجلبان السعادة، في إشارة إلى انتحار وليامز، خاصة أن نفس هؤلاء يدعون إعجاباً بالممثل، بل توقعت الترحم عليه برحمة الله التي تسع جميع الناس والأشياء. ولكن هل كان وليامز فعلاً تعيساً؟ 
الأكيد بأن ذلك لن يستطيع تأكيده سوى الأقربين المقربين له. هل كان وليامز سعيداً؟ كتبت في مقالات سابقة عن السعادة، وأنها بالنسبة لناس تكون هدفاً للحياة، وفي دول ترى على أنها حق من الحقوق مثلها مثل الحق في التعبير والحق في الحياة الكريمة، فهل السعادة هدف؟ وإن كانت كذلك لماذا تتنوع إجابات الأطفال بين طبيب ومهندس وغيره إن سئلوا ماذا تريدون أن تصبحوا عند الكبر ولا يقولون نريد أن نكون سعداء؟ هل السعادة حق؟ عندها هل سيكون الناس فعلاً سعداء لو تم إهداؤها لهم مثل بقية الحقوق؟

قلما يعرف الناس السعادة، وما أكثر ما يضعون معايير لها، من مال وشهرة ومنصب وطول عمر وعائلة كبيرة وغيره، ولكن هل تكفي السعادة؟ وإن لم تكن كافية هل تُعتبر سعادة حقيقية؟ في رأيي لا تكون السعادة -بالمعيار الذي يحسبها به الشخص- كافية في بعض الحالات، لأن هناك مشاكل وأموراً أهم يجب مراعاتها والأخذ بها أولاً حتى يتم الوصول إلى السعادة الحقيقية أو على الأقل عدم السقوط في الهاوية. 

هل الرجل الغني ذو المنصب والشهرة والعائلة المحبة، والمريض بمرض ينخر جسده ألماً ليل نهار، رجل سعيد؟ ومتى سيشعر بسعادته؟ وهل سيشعر بالسعادة طوال الوقت أو معظمه؟ وماذا عن الوقت المتبقي؟

في كثير من الأحيان لا تكون السعادة كافية للإنسان للتطلع إلى الحياة أو الاستمرار فيها عندما يُوجد في نفس الوقت مساحة كبيرة من الألم، سواء أكان جسدياً أو نفسياً أو واقعياً، وبالتالي يجب البحث عن أسباب المشاكل التي تواجه الشخص ومحاولة حلها قبل الركض وراء أسباب قد يظن بأنها أسباب السعادة الحقيقية من مال وشهرة وغيره، لأن إهمال هذه المشاكل قد يؤدي إلى مشاكل أكبر من الفشل أو الخوف منه. وفي النهاية لا يسعني إلا أن أودع وليامز بنفس التحية التي ودع بها الطلاب أستاذهم جون كيتنج في فيلم Dead Poets Society، وبقول:»Oh Captain, my captain».

جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...