الخميس، 24 ديسمبر 2015

ما تغير و لم يتغير

1-
قضيت الأشهر الماضية وأنا أجمع مقالاتي المكتوبة في صحيفة «العرب» القطرية وغيرها من المواقع الإلكترونية، وعن طريق فعلتي هذه رجعت إلى أربع سنوات مضت عندما بدأت الكتابة الأسبوعية المنتظمة. 
وقتها، ملكت في كل شهر -بل وربما كل أسبوع- نَفَساً متغيراً كنفَس طباخ دؤوب يمضي أوقاته يجرب الوصفات الجديدة. 
ومثل الشيف العامل على الأكلات المبتكرة، أتمنى أن يكون نفَسي تطويرياً متطوراً لا متغيراً، وحسب. 
هذا اهتمام الكاتب الجدي الأول: تطوير نفسه وغيره، لا اختزال نفَسه في نفْسه، بل وضع نفْسه تحت خدمة وأمر نفَسه الكتابي.



أحب حديث للإنسان هو حديثه حول ذاته وحديث الناس عنه، ولهذا يتمسك الناس بالأبراج، ولهذا يحب الناس الإنسان المنصت المستمع ويقدرونه ويرونه إنسانا اجتماعيا بل ومتحدثا بارعا!
وعند قراءتي لمقالاتي القديمة شعرت بهذه الأحاسيس وأكثر، فاغتبطت حيناً، وغضبت حيناً، وقلقت في أحيان أخرى، وابتسمت في بعض المواضع، وحزنت مرة ومرات، واجتاحني كل ما سبق وأكثر في مرات أخرى.
وجدتني أقرأ ما كتبته عن قضايا ومواضيع لا تزال مطروحة حتى الآن، مثل التعليم وتخبطه والبنية التحتية وغرقها والازدحام المروري واختناقاته، والمال العام الذي يصبح بطريق أو بآخر مالاً خاصاً!
وغيرها من المعضلات «المنشورة» في مقالات تصلح «لإعادة النشر» غداً، لأنها لم تنشف بعد!
ويبدو أنني في محاولتي لجمع كتاباتي كنت أجمع ذاتي وصفاتي أيضاً مما أحبه وأكرهه، فلقيت حرصي على الفن والعناية به في قطر وخارجها -خصوصاً في العالم العربي-لأن الفن بوابة التعبير والارتقاء والرفعة. 
كما شددت على أهمية الثقافة والتربية عليها منذ الصغر، حيث إنها مدخل الانفتاح والتبسط وتقبل الرأي والرأي الآخر. 
ولم يصعب علي ملاحظة تعلقي بكل ما يرتبط بالقراءة والكتابة لأني أقر بأثرهما علي وأهميتهما في قلبي. 
ولربما كانا من الأسباب الأولى في تغيري الدائم. وليس أوضح من التدليل على ذلك، سوى إجابتي الجديدة دائماً على سؤالي الأزلي لنفسي: 
لماذا أكتب؟

٣-
الميت هو الثابت، لا يتغير فيه شيء، فلا يجري فيه دم ولا يدب فيه أوكسجين.. والإنسان الحي هو بالضرورة متغير، وعليه فقط أن يختار ما يُغير وما لا يغير في نفسه إن أراد أن يستفيد من حياته لأقصى حد.. 
ولن يضيره مراجعة نفسه من حين لآخر، فيعيد النظر في قناعاته وأفكاره وما جرته عليه تجاربه وتجارب غيره المتقاطعة معه، فالتطوير هو المفتاح «إن كان القفل يحمل مسمى التغيير».

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 17 ديسمبر 2015

لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا

لا شيء يبقى على حاله، الأفكار والأشياء والأحوال، جميعها تتغير وتتحول وتلتبس وتتلاشى وتتدهور وترتفع وتهوي وتتجمع وتتفرق، لتكون للناس الدنيا والحياة كما يجب أن تكون.. هذا ما جال خاطري وأنا أستعيد أفكاري "المسبقة" حول الرجال والنساء من حاملي الجنسية الفلبينية ممن أراهم حولي في كل مكان. وأنا لا أعرف عن الفلبينيين إلا بشاشة روحهم وحالة دولتهم الاقتصادية وواقع استقدام الدول العربية لهم للعمل في جميع أنواع الوظائف، بالإضافة إلى تحدث أغلبيتهم اللغة الإنجليزية إلى جانب لغتهم الأم.
تشكَّلت نظرتي من جديد نحو الفلبينيين بعد قراءتي لرواية الكويتي سعود السنعوسي "ساق البامبو"، لا أعرف لو كانت نظرتي الجديدة شخصية أو عاطفية، ولكني شعرت بأني أفهمهم وأقدرهم أكثر، خاصة بعد قراءتي لتاريخ الفلبين ونضالات رجاله.
سُميت الفلبين، لمن لا يعرف، نسبة إلى الملك الإسباني فيليب الثاني، وهي من أكبر الدول المصدرة لعمال الملاحة البحرية عالمياً، وقد كانت تُعتبر ثاني أغنى بلد في شرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية ليتدهور اقتصادها بعد ذلك في عهد الديكتاتور فرديناند ماركوس.
ومن الفلبين إلى الهند، يستخف الكثير بقدرة "الدولة الديمقراطية الأكثر ازدحاماً بالسكان في العالم" بحسب الإحصاءات. ومن رحم الهند، خرج الرؤساء التنفيذيون لأقوى وأكبر شركات العالم مثل جوجل ومايكروسوفت وبيبسي وماستر كارد! وهذا ليس بغريب على دولة حاربت الاستعمار وانتصرت، والآن تملك واحدة من أقوى اقتصادات وجيوش العالم.
بالنسبة للكثير من الناس، التصنيفات والأفكار المعلبة مسبقاً كوجبة سريعة هي كل ما يملكون تقديمه، فتجدهم يعلقون حتى بخصوص الصينيين فيتندرون حول أشكالهم وصعوبة التفريق بينهم للتشابه الظاهر! ويضربون بتاريخهم وحاضرهم ومخططاتهم المستقبلية عرض الحائط! وكأن كل ما يهم هو ما يعرفونه عنهم ويتوقعونه منهم! هؤلاء أنفسهم يرفضون أن ينظر إليهم الغير بعين واحدة لا ترى واقعهم ولا تحاول أن تفهم ماضيهم. ترفض هذه الفئة أن ينظر إليهم الغير كأغنياء جهلة، ولكنهم يقبلون بأن ينظروا لغيرهم كأغبياء محتاجين!.
بعد أحداث باريس الأخيرة المؤسفة عبَّر الكثير من المسلمين عن براءة الإسلام من أفعال داعش كما فعلوا سابقاً مراراً وتكراراً. وأعجبني قول قرأته لأحدهم يأسف فيه لما حدث في فرنسا، ويعلق حول البعض ممن يحاولون جاهدين ليؤكدوا "للآخرين" بأن المسلمين ليسوا إرهابيين. وبحسب كلامه إذا اعتقد هؤلاء أن المسلمين الذين يزيد عددهم عن مليار فرد إرهابيون فهذه مشكلتهم وليست مشكلة المسلمين، لأن اعتقادهم وفكرتهم المسبقة تدل عن جهل وتعصب ورفض للعقل والمنطق، فهم لا يعرفون و لا يريدون أن يعرفوا . وهذه صفات من يوزعون الكارنيهات المليئة بالصفات "المختارة من قبلهم" لأي طائفة من الناس دون أن يسألوهم أو يحاولوا معرفتهم أولاً. هم ببساطة، كما قلت، يعرفون و لا يريدون أن يعرفوا.

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الخميس، 10 ديسمبر 2015

لماذا يهمنا الأدب؟

سيشعر بأهمية الأدب من تربَّى عليه وتَشرَّبه، وقرأ هنا وهناك لنجيب محفوظ وفيكتور هيوغو وهاروكي موراكامي وكافكا ولوركا. سيشعر بأهمية الأدب من يعتنق أمله بأمل بورخيس الذي قرَّب الجنة من المكتبة أو المكتبة من الجنة. وسيشعر أيضاً بأهمية الأدب من يسمع أو يشاهد الكاتب ألبرتو مانغويل وهو يتحدث بشغف عن القراءة والكتب.
في المقابل، لن يشعر بأهمية الأدب من يقضي أيامه بين واتساب وتويتر وإنستجرام. ولن يشعر بالأدب من يحصره في الأفلام الجديدة المُنتجة في هوليوود، والتي يكون بعضها مبنيا على رواية أو مُستخلصا منها، وإن كان ذلك فاتحة طريق -أو خيرا في هذه الحالة- للبعض الذي قد يبدأ بالاطلاع على الأصل.
يسلبنا الأدب لأسباب عديدة، أولها أثره الإنساني على قارئه ومتابعه. فقد نربط ما بين أنفسنا وما بين شخصية قرأناها، وقد نقول إنها تشبهنا أو تناقضنا، وقد نحكم عليها بالموت في ذاكرتنا أو الخلود لأنها إما تخالف قيما ما نعرفها، أو توافق تعاليم تربَّينا عليها، وقد نتعلم من الأدب أن هناك من يشبهنا في مواجهاته، أو أن حياته أصعب مما عرفناه من ألم وحزن ويأس، فنتصبر ونحتسب، بل قد نفرح لأن آلامنا هينة، وجراحنا أقل من جراح شخصية مشهورة قرأنا سيرتها الذاتية.
ومن ناحية ثانية، الأدب يشعل مخيلاتنا بصور وأفكار وأحاسيس لم نكن لنختبرها لولا القراءة. ويخلق أراضي ومساحات جديدة لممارسة الخيال، والتخيل الذي قال عنه آينشتاين إنه أهم من المعرفة، دون أن ننسى أن الخيال هو أحد الخواص التي تميز الإنسان عن الحيوان. 
وقد أصدر بعض علماء الأعصاب في عام 2006 دراسة علمية تشير إلى أن الكلمات تؤثر على خلايانا الحسية، فإن قرأنا مثلاً جملة «ركض كصرخة عالية التردد» ستتأثر خلايانا الحركية، بل ربما السمعية نتيجة التشبيه! وهذا دليل على تأثير الخيال في الأدب، وتأثير الأدب في الخيال، وترابطهما بأجزاء كثيرة تترك بصمتها في النهاية على القراء. 
وبسبب الخيال أيضاً يُقال دائماً: «اقرأ القصة أو الرواية قبل أن تراها على التلفاز أو في السينما كفيلم أو مسلسل»، لأن ذلك يحرم العقل من التخيل والتفكير وبناء الأحكام المسبقة والتحليل، حيث إن المسلسل أو الفيلم يصوران كل شيء بحسب التصور المسبق للمخرج أو المنتج أو كاتب السيناريو أو جميعهم بحسب الأحوال.
من جهة أخيرة، الأدب ينشر الأفكار، بل المعرفة، لأن الكاتب والأديب الجيد لا يكتب إلا بعد بحث حثيث، وقد يكون في كتاباته تأريخ للماضي أو استشراف للمستقبل أو حفظ للحاضر من الضياع أو التحريف.
أهمية الأدب قد تكون في تجميل الأشياء أيضاً أو تقبيحها أو ملء فراغ عميق داخل القارئ. يطول شرح هذه الأهمية، ولكن كما أن القراءة شيء وفهم ما قُرأ وتحليله شيء آخر، فإن فهم أهمية الأدب شيء والشعور بها شيء آخر.. لن يصل إليها إلا من يسعى وراءها.



جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 3 ديسمبر 2015

مرايا

1 -
 قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث جميل: «إن الله جميل يحب الجمال!»، هذا التصريح تُرى إثباتاته في كل مكان وكل مخلوق، ابتداء من الطبيعة وانتهاء بالإنسان.. إعجازات الخالق مرئية في تفاصيل الجِمال والخيول، وفي ألوان الجزر الاستوائية وقمم الجبال الجليدية.. وإعجازات الله المسموعة تُحرك الأرواح والأفئدة، كقوله تعالى: «وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ». وعرجون النخل هو العود الذي يحمل التمر، وما إن ييبس حتى يتقوس ويصفر كالمحاق والهلال في أول وآخر منازل القمر.. أي جمال يضاهي إبداع كهذا؟.

2 -

من يحاول قراءة شخصية جيكوب في رواية التشيكي ميلان كونديرا «فالس الوداع»، سيحبه لنبالته وعمق تفكيره ووطنيته أو سيكرهه لظاهر نبالته وضحالة تفكيره وجبنه!، وسواء أكان القارئ منتمياً للفريق الأول أو الثاني، سيقف بالتأكيد مثلي في النهاية عندما يواجه جيكوب الجمال، ويشك في الحقيقة التي عمل من أجلها طوال حياته، هل كانت كافية؟ لماذا إذاً شعر بالندم على اكتشافه للجمال فجأة؟، لماذا تحسر على مفارقته الجمال في السنين الماضية؟.
المثير أن اكتشاف جيكوب جعل كاميلا تكشف على تصرفاتها ومشاعرها اتجاه زوجها كليما، هل هذا أثر الفراشة أم أثر الجمال؟.
أثر الجمال، يعريه ويوضح أصله وفصله وروحه، لنعرف بعدها بأن السياح يصطفون لرؤية الموناليزا في متحف اللوفر-رغم جمالها العادي- لأن روح اللوحة هو ما يصنع كل الفرق بينها وبين أي امرأة أخرى أكثر جمالاً، وإن كانت حية!.


3 -

تلا إيليا أبوماضي صلاته: «كن جميلاً ترى الوجود جميلا!». في شطره الفلسفي، يلخص الشاعر أهمية الجمال والشعور به.. بالجمال تطيب الروح والنفس والجسد، فالجمال كله خير دائماً، وإن أصبح شراً، فباستخدام الإنسان.. هل يُوجد منظر طبيعي شرير؟ لا، بل إن زلازل وأعاصير عصرنا الحاضر تحدث معظمها بسبب تدخلات الإنسان، من حفر وحروب، وتلويث بيئي.. هل سمعنا موسيقى هادئة شريرة؟ أو رأينا لوحة بديعة شيطانية؟ هل قرأنا كلاما روحيا إبليسيا؟ وإن حدث فيد الإنسان هي الأولى لا إبليس.
أحض من حولي ومن يقرؤني على الفن، وتذوق الجمال وإبداعات الإنسان، وإن لم يكن من يسمعني أو يقرؤني بفنان، لأن الجمال يغير فينا ما لا نستطيع تغييره بأنفسنا.. يغير الجمال فينا الأجزاء التي نمنع الآخرين عن مشاهدتها أو معرفتها.. الجمال من حولنا هو أفضل عقار لمواجعنا، وأشجع مسرح نواجه عليه مخاوفنا.



جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...