الثلاثاء، 6 يونيو 2023

ريح عقلك!

 

 

قدرت دراسة حديثة بأن الانسان يفكر بأكثر من ٦٠٠٠ فكرة في اليوم. و لا أعرف إذا كان العاملون على هذه الدراسة قد احتسبوا عدد الأحلام و الردود و الخطط و السيناريوات التي تمر في أذهاننا أيضاً من ضمن هذه الأفكار! و لكني أصدقهم في كونها أكثر من ٦٠٠٠ فكرة في اليوم، بل و قد تكون أكثر! فأنا-و أظن بأن الغير يشاركني ذلك-من الناس التي تبدأ تفكيرها في بعض الأحيان أثناء نومها، فيختلط الواقع مع الحلم، و أشك بأني نائمة أو أنني بين النوم و اليقظة! و هذا الشيء من أكثر الأمور المتعبة للإنسان و عقله، بل و قد يتركه في حالة من التوتر و القلق الذي يصعب عليه التخلص منه!

التفكير الزائد عن اللزوم أو المفرط (Overthinking)، قد يضر الانسان إن سيطر على حياته بل و قد يُقصر من عمره! و في كلية هارفرد الطبية، تم فحص أنسجة من خلايا دماغ أشخاص توفوا في أعمار ٦٠ و ٧٠، و قارنوها بدماغ أشخاص توفوا بعمر ١٠٠ و ما فوق، فوجدوا بأن المعمرين يمتلكون نسبة أعلى من البروتين المهدئ للدماغ! إذاً، فكثرة التفكير تستهلك هذا النوع من البروتين و تقلل من نسبته في الدماغ، مما قد يؤدي إلى عمر أقصر بالإضافة إلى الإصابة بشتى أنواع الأمراض مثل القولون العصبي و الأمراض العقلية و إضرابات الشهية، و غيرها من الأمراض التي تستنزف جهد و طاقة الانسان!

في بعض الأحيان، يكون الانسان عدو لنفسه. و بكثرة التفكير، قد يصبح الانسان أكبر عدو لنفسه. و عليه ألا يصل إلى هذه المرحلة، أو على الأقل أن يخفف على نفسه، فأكثر الأفكار التي نفكر بها لم تحصل بعد و قد لا تحصل أبداً! و بعضها وُلد و سيموت في مخيلاتنا فقط!

هناك بعض الأمور التي يستطيع كل شخص منا القيام بها للتقليل من التفكير الزائد. و منها المشي، و لكن دون أن يكون هناك هدف من المشي، أي ألا تمشِ مثلاً، كي تفكر بما قاله لك زميلك اليوم في العمل و كيف ترد عليه. امشِ لمجرد المشي. تخلى عن أفكارك الأخرى، و تأمل طريقك. انظر إلى السماء. عدْ الأشجار من حولك. اقترب من الطبيعة و دعها تداوي رأسك!

و تستطيع أيضاً أن تتأمل أو أن تذهب إلى حصة يوجا لتسترخي و تحرك جسدك ببطء و سلاسة، أو أن تمدد جسدك على طاولة المساج-ببساطة-و تستريح في الجاكوزي!

و من الأمور السهلة التي يستطيع أي شخص القيام بها، هو مشاهدة التلفاز. افتح على أي مسلسل أو فيلم رومنسي أو كوميدي أو عائلي أو حتى مخصص للأطفال، و تابعه. ستلهي عقلك و تشغله بمشاهدة لا تتعبه، كلها ضحك و رسائل هادفة بسيطة لا تجهده!

كما تستطيع-وهذه من الأمور المحببة لي-أن تأخذ قيلولة وسط اليوم! بعض الدراسات تقول بأن القيلولة ذات العشرين دقيقة يومياً، قد تمد في عمرك! كما سيبان أثرها على مزاجك و راحتك، و صحوتك من بعدها و أنت مرتاح و نشيط! و إن لم تستطع النوم، يمكنك فقط أن تستلقي و تغمض عينيك و ألا تفعل أو تفكر أو تقول شيئاً لعشرين أو ثلاثين دقيقة. هذا بدوره كافي في أن يمدك بالهدوء الفكري الذي تحتاجه!

ارفق على نفسك. ريح عقلك. اهتم به كي يهتم بك في أعوامك البعيدة. و كي تفعل ذلك لا تفكر زيادة عن اللزوم، و لا تخدره زيادة عن اللزوم، كن وسطاً و اتزن، بعقل!



جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...