الجمعة، 23 سبتمبر 2016

هذا مؤمن و ذاك كافر!

هذا مؤمن و ذاك كافر!



قد يحدث بأن ينفجر بركان أو ينهار مبنى على مقيميه فيتطوع أحدهم بتلفظ عبارة: هذا من غضب ربي عليهمأو أن يرى أحدهم رجل ناجح أو غني أو مشهور غير مبتسم في يوم ما، فيقول: الله يأخذ و يعطي! في إشارة إلى أن الله أعطاه المال أو الصيت أو أياً كانت الميزة المرئية، و أخذ منه سعادتهأو أن ينزل مطر على دولة فقيرة، فنسمع أحدهم يصرح بأن الله ينزل عليهم المطر رحمة بهمماذا إذاً عن الدول التي لا يزورها المطر؟ و ما حال هذه الدول الفقيرة عندما تتحول فيها الأمطار إلى فيضانات؟ ما الحكم هنا لأصحاب المقولات السابقة؟
على الأرجح لديهم ردود جاهزة يرمونها يمنة و يساراً كأحكامهم الأخرى مثلهذا مؤمن و هذا كافربل و امتدت الأحكام إلى التعليق حولنية شخص قد لا يعرفونه كقولهم: يبدو من شكله بأنه يخاف ربه!
كلنا نطلق الأحكام. أنا أطلق الأحكام في معرض حديثي هذا على مطلقي الأحكام، لكن الأحكام التي يلقونها ليست عادية مثل المتمحورة حول صفات الشخص مثل كونه غير اجتماعي لأنه لا يخرج كثيراً أو غيرها من الصفات غير السيئة بالضرورة.. الأحكام التي يطلقونها تدخل في دين الشخص و غيبيات يستحيل على أي انسان معرفتها أو التحقق من صحتها مثل رحمة الله و الجنة و النار و نية الشخص و مقاصده و إيمانه.
هل الأحكام الصادرة عنا نتيجة تربية دينية في بيئة اجتماعية محافظة جداً؟ هل هي بسبب عبارات توارثناها و سمعناها دائماً من آبائنا و أجدادنا؟ هل توجد أسباب أخرى لهذه الأحكام التي و إن لم ينطق بها بعضنا فالأكيد بأنها طرأت لا إرادياً داخل عقله؟
الدين لا علاقة له بالأحكام المسموعة كل يوم تقريباً، هنا و هناك في عالمنا العربي. تعاليم الإسلام تنص على أن رحمة الله تسع كل شيء، و أن لا أحد أفضل من أحد إلا بالتقوى. و حتى الإيمان، صلة داخلية بين العبد و ربه، لا يوجد من يعرف حقيقة هذه الصلة و تبعاتها إلا الله. و لنا في بغي اسرائيل التي غفر الله لها لأنها سقت كلباً، عظة و عبرة. و هذا يقودني إلى إبداء حسن الظن و الابتعاد عن رمي آرائنا في الناس و إلصاقهم بها قسراً. و لا أفضل من حديث أحد الصالحين حول حسن الظن ختاماً، عندما قاللو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمراً لقلت ربما سُكبت عليه. و لو وجدته واقف على جبل يقول: أنا ربكم الأعلى لقلت يقرأ الآية!



جواهر محمد آل ثاني

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

مجموعة انسان

ما الذي يجعل الإنسان إنسانا؟ أي ما الذي يميزه عن غيره ويجعله صرحا يتم التعرف عليه فوراً ككيان مميز؟ ما الذي يجعل كل ما يختلف عن الإنسان مختلفا عنه؟ ويجعله هو نفسه مختلفا عن غيره؟
الجواب يكمن في المشاعر التي تنتاب الإنسان، من حب وشفقة وتعاطف وحزن وغضب وحقد وغيرة وقلق وخوف وسعادة وارتياح وتعب واستسلام ويأس. وحتى في هذه المشاعر تفصيل يلحق التفاصيل، فعند العرب مثلاً ١٤ درجة للحب، تبدأ بالهوى ثم الصبوة ثم الشغف ثم الوجد والكلف والعشق والنجوى والشوق ومن ثم الوصب والاستكانة والود والخلة والغرام وحتى الهيام، مرحلة جنون الحب. وفي تفصيل آخر، لا يشبه الحزن مشاعر أخرى تشبهه كالهم والغم والبث والكرب والحسرة. كلٌّ له موقعه وإعرابه.
وكل ما في الكون يشعر. الحيوانات تشعر بالحب والخوف والخطر والشفقة. والنباتات تحس رغم عدم امتلاكها لخلايا عصبية متطورة. والأشياء من ماء وشجر وغيرها تشعر أيضاً. بل والكون نفسه يشعر ويمتلك أحاسيسنا. كيف لا ونحن نملك مكوناته في أجسادنا؟ كيف لا ونحن صورة مصغرة عنه؟
كلنا نشعر ونحس، ولكن ما يجعلنا نحن وهم هم.. هو مجموعة الأحاسيس التي تُضخ وتُخض في داخلنا لنصب بعدها كوكتيلاً نعطيه غيرنا ليشربه أو لنرميه عليه بحسب المزاج الذي أُخرجت معه أحاسيسنا.
الإنسان هو المخلوق العجيب الذي قد يكره شخصا ما ويحبه في الوقت نفسه. هو الذي يُعجب بإنسان آخر ويحتقره في الدقيقة ذاتها. هو الذي قد يمشي إلى موته لأنه شعر بأنه لن يقدر على الحياة لو امتنع عن ذلك. هو الكيان الذي يرتاب من أبناء جلدته ويرتاح للغرباء. هو الذي لا يعرف إلى من يصغي في أحيان كثيرة، وفي أحيان أكثر، يكون الصوت المصغي إليه هو صوت لا يمت إلى صوته الداخلي بصلة.
قد يقول أحدهم بأن المشاعر واختلاطاتها داخلية لا يمكن قياسها بميزان أو حساب، وهذا الرد مقبول ومعقول، ولهذا أزيد على قولي بأن كوكتيل المشاعر الذي يفصل ما بين الإنسان وغيره، يُقاس بالأفعال الخارجية لا الفروضات الداخلية. هل سبق أن رأينا حيوانا يحب ويكره الشخص نفسه؟ أو نبتة تبعد جذورها عن منطقة توجد بها جذور لنباتات سامة وفي الوقت نفسه تبقي فيه أحد جذورها كعربون سلام؟ لم ولن نرى ما يشبه ذلك إلا تحت يد الإنسان. ذاك الكائن يشبه ولا يشبه طبقات الأرض، وعمر الشجر ودوران السماء في الصيف وحمى الشتاء في سيبيريا، وحلاوة الليمون على القطار وكل شيء يناقضه ولا يناقضه. هو في النهاية مجموعة وليس واحدا، هذا الإنسان.




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


«وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ»

في هذه الأيام المباركة نلتفت إلى العبادات خاصة المساجد، بيوت الله وقبلة العبادة الأولى. نرتادها ونعادها، نسلم عليها ونعودها، يعجبنا أحوال بعضها ولا يعجبنا حال بعضها الآخر.
والواقع أن ما لا يروق لنا أكثر مما يحوز على رضانا، وبما أن إصلاح الحال لا يكون إلا بمعرفة الأحوال، سأسرد عليكم ما أعرفه من أحوال المساجد في الدول الإسلامية والعربية.
يكثر بناء المساجد في الدول العربية والإسلامية، الناس لا يتوانون عن ذلك مشكورين طلباً للأجر، ولكن الكثير منهم يقيمون المساجد ثم ينسونها أو يعتقدون أن عملهم انتهى بانتهاء عمل المقاول، وكأنهم لم يقرؤوا قوله تعالى: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ».
معنى العمارة في هذه الآية أشمل من معاني البناء وإقامة المسجد وحسب، ويتعداه إلى معاني الاستدامة والمحافظة عليه بشكل يليق به كبيت لله وزواره. ولأوضح مقصدي أكثر، سأعطي مثالا لمسجد أقامه صاحبه وتركه حتى أصبح عرضة للانهيار أو تعرض لعطل في تصريف المياه حتى أصبح عبئاً على المكان الموجود به بعد أن كان مكانا للراحة، ما مصير أجره الآن؟
مشكلة أخرى مرتبطة ببناء المساجد هو كثرتها في المكان الواحد نفسه، فنجد كما قد سبق للكاتب مشعل السديري الإشارة إليه مسجدا بين كل مسجد ومسجد! والنتيجة، هي فراغ المساجد وتوزع المصلين بينهم وقت الصلاة. أين نجد البنيان المرصوص؟
ولا أنسى المساجد المختلفة لكل مذهب وفرقة. أليس المؤمنون إخوة؟ أليست المساجد لله؟ ألسنا راجعين إلى الله؟
وفي كل هذه المساجد نجد اللافتات المختلفة: النوم ممنوع، ممنوع الأكل والشرب، الكلام ممنوع، والأدهى والأمر أن تغلق بعض المساجد في غير أوقات الصلاة! إن لم تفتح بيوت الله للناس، أي الأبواب ستفتح؟!
على الجهات المختصة برعاية المساجد في الدول العربية والإسلامية الوقوف على عملها، لا تنقصهم الموارد ولكن ينقصهم التخطيط وحسن التدبير.
إذا لم نحرص ونحافظ على المساجد التي نتعلم عبر ارتيادها حسن الخلق والتدبر، فعلى ماذا سنحرص؟!




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


مخاوف

ما الذي يخاف منه الناس؟ ما الذي يجب أن يخاف منه الناس؟ سؤالان متقاربان ومتباعدان بينهما مسافة بلا قياس واضح.
الذي يجب أن يخاف منه الناس، لا يكون بالضرورة ما يخافه الناس فعلاً، ومن له الحق في تحديد ما يجب على الناس الارتعاد منه من عدمه؟ أنا، أم أنت، أم الصفوة، أم ما جرى عليه في المجتمع نفسه؟
يخاف الناس من الموت، والتحدث أمام الجمهور، والحشرات، والأماكن العالية، والضيقة، وغيرها من الأمور والأشياء التي قد نجدها طبيعية أو غير العادية في بعض الأحوال مثل الخوف من الأزرار أو الشموع أو الأشياء والصور التي تحمل فتحات صغيرة متراصة مثل خلايا النحل.
غير المصابين بهذه الأنواع من الخوف أو الفوبيا أو حتى المصابون بها سيعطون إجابات مختلفة على سؤال: ما الذي يجب أن يخاف الناس منه؟ وهذه أجوبة بعض الكتاب: الخوف. الموت. انقطاع العلاقات الإنسانية وتباعدها.
وقد يضيف آخرون الوحدة وفقدان الخصوصية والظلم. وفي رأيي أهم ما يجب أن يخاف منه الناس هو المشاعر السلبية التي تختلجهم من غرور وحقد وخاصة الأنانية. ولا أعني الأنانية الإنسانية الموجودة في جينات الفرد، بل أقصد الأنانية الصاعدة لمعبد تأليه النفس، بحيث يضع الإنسان نفسه في مرتبة فوق الناس، هو ومن بعده الطوفان، يصبح وقتها همه الأول والأخير تحقيق ما يريده على حساب غيره وإن أضرهم ضرراً لا يفيد بعده نفعاً، هذه الحالة هي ما يجب أن يخاف منه الناس، لأنها تأكل الإنسان وتجعل ما حوله يتآكل. لن يبقى صديق في الجوار وستصبح الحياة أكثر وحدة، ويولد في النفس جوع لا يسده شبع ولا آمان ولا مال أو بنون.
ما الذي يجب ألا يخاف منه الناس؟ أسئلة تجر أسئلة في حلقة لا تكف عن الدوران مثلها مثل الحياة. وفي الحياة كل شيء يحتاج إلى سؤال كي يبدأ. كل شعور كل فكرة كل فعل وردة فعل كل ذكرى كل قلب كسر كل خاطرة كل عملية كل مصارعة ثيران كل دعوى قضائية كل جريمة كل فضيلة كل انتخابات نزيهة وغير نزيهة كل لوحة كل فنان وكل مقالة.
بالنسبة لي، أخاف من أن يقرأ ما أكتبه ولا يصل. والحقيقة بأنه يجب علي أن أخاف من ألا أقرأ من البداية وحتى النهاية.




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...