السبت، 24 يناير 2015

الجواب لك

ما هو الأفضل: أن نعيش العمر سريعاً مبهجاً أم بطيئاً مملاً وطويلاً؟ وهل نشعر بأنه قصير لأننا سعداء وطويل لأننا بؤساء أم نشعر بأننا سعداء لأنه قصير وأننا بؤساء لأنه طويل؟ ماذا كانت وجهة نظر الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمة عندما قال: «سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم»؟ هل تقاس الحياة بالوحدات؟ وحدة الزمن؟ وحدة السرعة؟ أم تقاس بالأعداد والكم؟ أعداد الأشخاص الذين نعرفهم ونلتقي بهم ونمر بينهم؟ وكمّ الأحداث التي نشاهدها ونعيشها ونخلقها وننساها ونتناساها؟
سواء عشت عمراً طويلاً أم قصيراً، ستفكر في الرضا والقناعة والراحة، هل هي إذن عناصر السعادة؟ وما دور المال في طول الحياة وعرضها؟ هل هو عضو أم زائدة؟ هل هو طوق نجاة أم مفتاح في باب؟ وما قصة الأنساب والأحساب والصيت والسمعة والشرف الذي يربطهم الشرق بعضهم ببعض كلآلئ عقد؟ هل تكمن الأهمية أن تكون القبيلة عنواناً لمكارم الأخلاق والمحاسن؟ أم أن تكون المحاسن والمكارم هي عناوين القبيلة؟ وما هدف الشهرة وتسجيل الأسماء والأعمار والسير الذاتية في كتب التاريخ؟ لماذا تريد أن تخلد اسمك واسم والدك؟ ما الفائدة في أن تحتل ربع صفحة أو صفحة كاملة أو حتى عشر صفحات من كتب لن تعرف أبداً إن قرأها أحد؟ وهل تفعل ذلك لنفسك أم لغيرك؟ هل تقوم بذلك لتثبت شيئاً لغيرك أم لتشعر نفسك وكي تشعر بأن كل ما شعرت به يوماً لن يدفن معك وربما فقط سيعيش وإن كان كذكرى هائمة بقرب بيت هزيل معزول يطل على بحيرة؟
أسئلة كثيرة أسألها لنفسي قبل أن يحاول غيري الإجابة عنها، لأنها تساعدنا على المضي في الحياة على الطريق الصحيح كما أتمنى، أو على الطريق البعيد الموازي له في أسوأ حالات الحظ، والأجوبة السابقة التي أكتبها على شكل مقالات لا تجد مكاناً لها اليوم. أسئلة فقط، تنطح أسئلة، وككل مصارعات الثيران، يوجد قتيل ويوجد ناجٍ لا يكون الأول في كل مرة ثوراً، ولا يكون الثاني في كل مرة مصارعاً، ويقف المهرج بين كل فاصلة وأخرى.
ما جوابك على ما قلت؟


جواهر بنت محمد آل ثاني

صحيفة العرب القطرية



السبت، 17 يناير 2015

سر العظمة

قالت لي صاحبتي بين أحاديث طويلة وحكايات قصيرة متداخلة في بعضها البعض، إنها في أحيان كثيرة تقود سيارتها بلا وجهة، لساعات تقضيها في التفكير فقط. أُعجبت وتعجبت بما قالت وهنأتها على فعلها، ثم أخبرتها بأنه لأمر جلل وصعب ما تقوم به! فكل المفكرين والفنانين والعلماء والأدباء لم يستخرجوا جواهر عقولهم ويُخرجوا نوايا قلوبهم، وهم يتسكعون من مكان إلى آخر متسولين أي نوع من أنواع الترفيه المضجر والمعاد والمكرر، العظماء فعلوا ذلك بتعبهم وإخلاصهم وبتحملهم العزلة وببقائهم وحدهم طويلاً حتى قطفوا ما أثمروا وأمطروا ما حملوا.
يقول قيرترود ستين: «أن تكون عبقرياً، ذلك سيأخذ منك وقتاً طويلاً. عليك أن تجلس كثيراً دون أن تفعل شيئاً، فعلاً دون أن تفعل أي شيء!». ويقول تشارلز بوكوسكي أيضاً: «البشر يُفرغونني، أحتاج إلى أن أبتعد عنهم كي أمتلئ مجدداً». هو الذي نجده في أغلب رواياته يطلب العزلة عن الناس.
تخيل لو أن مايكل أنجلو لم يجلس طويلاً مراقباً للحجر، هل كان ليخرج لنا منها تماثيله الشاعرية؟ تخيل لو أن أمير تاج السر لم يحبس نفسه في غرف الفنادق لكي يكتب، هل كانت لترى رواياته النور؟ تخيل لو أن هاروكي موراكامي لم يزل مالكاً للمقهى الذي كان يشغل نهاره ومساءه وفجره، هل كانت لتصبح عندها روايته الأخيرة أفضل من روايته الأولى؟ تخيل أديسون بدون صبره وجلده على محاولاته التي وصلت إلى المئات التسع، هل كان ليصل عندها إلى المحاولة الألف، أم كنا لنبقى بلا مصابيح وأنوار في بيوتنا؟
بالنسبة لي، لا أريد ولا أتمنى أن أتخيل كل هؤلاء المبدعين ولا غيرهم من أبناء المستقبل بلا صبر وجلد وعزلة ووحدة وتفكير يزاحم مساحاتهم أكثر من البشر، فالتركيز هو أساس الفكر والإبداع والإنتاج، وهو ما لا يكون عندما يتشتت الذهن، ويزدحم المكان، وتتوالد الأعمال، وترتفع الأصوات.
لا بأس في أن تعزل نفسك عن الناس كي تفكر في نفسك وأحلامك وطموحاتك وخططك وأهدافك وطريقك الذي ستسلكه مع مرافقيك في الرحلة. لا بأس فذلك من حقك، ومن الأفضل أن تجعل تخصيص هذا الوقت روتيناً لك، تجلس فيه وحدك لتفكر وتحلل وتعيد ترتيب حساباتك وملفاتك وتخلص في ذلك من أجل أن تبدع في النهاية.. ككل العظماء.


جواهر بنت محمد بن عبدالرحمن آل ثاني

صحيفة العرب القطرية

المصدر

ما تحتاجه قطر

وحصل ما كنا نتوقع حدوثه دائماً وأبداً.. انخفضت أسعار النفط! سيسأل أحدهم ما علاقة هذا بقطر، وهي التي تشتهر بإنتاج الغاز المسال لا النفط؟ وسأجيب، بأنه فعلاً قطر تنتج 77 مليون طن من 240 مليون طن من إنتاج العالم سنوياً، أي إنها المنتجة الأولى للغاز المسال حتى هذه اللحظة، وإن إنتاجها من النفط محدود ومعظم الآبار غير مكتشفة بعد، إلا أن أسعار الغاز المسال مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأسعار النفط، فما إن تنخفض أسعار النفط، تنخفض تبعياً أسعار الغاز المسال. إلى جانب كل هذا والأهم، دول كثيرة بدأت وستبدأ بإنتاج الغاز، وقد تقوم بتصديره في المستقبل، مما يعني وفرة العرض مقابل اعتدال في الطلب، وبالتالي تدهور أسعار الغاز.
هذا كله سيؤثر في قطر، لن يؤثر على قطر اليوم ولا غداً بسبب فائضات خزانة الدولة المتجمعة منذ سنين وإدارة الدولة الحكيمة لها، ولكن سيؤثر ذلك مع الوقت، وهدفي عبر هذا المقال ليس التخويف، ولكن التحفيز والتشجيع على العمل والمثابرة والاجتهاد لنحافظ على ما وصلنا إليه، عبر طرق بديلة ينتعش بها اقتصاد الدولة عندما تتنوع مصادر الدخل ولا ترتكز على صادرات الدولة من نفط وغاز ومنتجات بترولية. ما تحتاجه قطر يُختصر بريادة الأعمال، نحتاج إلى رواد أعمال مبدعين مُجددين يقتحمون مجال إدارة الأعمال والسياحة والخدمات والتكنولوجيا والتسويق والصناعة والإعلام، وكل مجال به مجال للإبداع والتعبير والإبهار.
يُعرف عن شبابنا خوفه من الانخراط في القطاع الخاص، فكيف ببدء عمل لوحدهم وبأنفسهم؟ هذه الفكرة بدأت بالتغير بشكل تدريجي طفيف كما رأيت عبر الأعوام السابقة، ولكن أتمنى أن يتسارع تغيرها، وأن تسهم الدولة في ذلك عبر استثمارها أكثر في الشباب، بعد أن استثمرت في تعليمهم طويلاً -وقد كان ذلك في المكان المناسب وأفضل استثمار- ويمكن للدولة أن تستثمر فيهم أكثر عبر طرح دورات اقتصادية وفنية وإدارية أكثر، وطرح جوائز تشجيعية، والتوعية حول مدى أهمية ريادة الأعمال ليس للمجتمع فقط ، بل حتى للفرد الذي يطور ذلك كثيراً في فكره وعقليته وشخصيته.
عندما ننظر إلى التاريخ، ومن ثَم إلى ما نحن عليه الآن من نعمة وخير وأمان، يجب أن نتذكر أولئك الأجداد الذين صابروا وصبروا وتحملوا وحاربوا القيظ والغارات المتكررة كيلا يخرجوا ويتركوا أرضهم وساحلهم، نفس الأرض والساحل الذي كافأ أحفادهم بعد زمن بالنفط والغاز، فلنكن الماضي الذي يحافظ على ثرواته من أجل أحفاده، فلنكن الجبال القادرة على حمل الأمانة.

جواهر بنت محمد آل ثاني

صحيفة العرب القطرية
المصدر

أنصاف حياة

(الأنصاف الأولى)

نعيش أنصاف حياة، مرتاحين وغير مرتاحين، سعداء وغير سعداء، خائفين وغير خائفين، غرقى في بعض الأحيان، وأبطالاً في أحيان أخرى، متوحشين تارة وأليفين تارة، وبين تارة وتارة يبرز معنى الإنسانية.
نحب لكن لا نكمل ما نبدؤه، وإن أكملناه كان كاللوحات الفنية المعلقة في المستشفيات، متشابهة وبلا طعم. نركض وراء العيش كي نعيش، والحياة أصلاً لا تحتاج إلى ركض بل إلى التفاتة وإطراقة. نستنزف صحتنا في العمل والمنبهات والتوتر والسهر والديون والسفر كي نحاول استعادة عافيتنا مجدداً. لا نشعر بالوقت الذي نضيعه بلا عمل إلا عندما لا يبقى لنا وقت لنضيعه. نتعلم كي نستلم شهادة لا تعني إلا أننا أخذنا قسطاً من العلوم في مدة معينة، وسنحتاج إلى غيرها من شهادات الحياة غداً. نتعبد كي نملأ فراغاً يعيش بنا ومعنا، فلا نفلح لأنها محاولات غير مخلصة. نأكل كي نشبع بطوننا بدل أن نغرف لعقولنا ونجمع لأرواحنا. نعمل من أجل مال ومناصب وأسماء، ومن ثم نعمل كي نحافظ عليها، وننسى معنى الاكتفاء. نسأل ومن ثم لا نقتنع، وإذا اقتنعنا وجدنا أنفسنا أمام أسئلة جديدة. نجاوب لنتحدى الأسئلة، فنحن نولد ونموت على أسرة من أسئلة، أكبرها الكون والحياة، وأصغرها دعاء من قلب مؤمن.
هكذا نحن، قاسون في العقوبة وقاسون في العفو، غارقون في الملذات وغارقون في الجشع، يتلذذ سمعنا بكلمة طيبة قيلت عنا، ويتلذذ سمعنا بكلمة سيئة قيلت عن غيرنا. هي أنصاف حياة ربما، ولكن يبقى التناقض الذي يعيشه بعضنا كاملاً كاكتمال البدر، ومزعجاً كشمس الظهيرة.

(الأنصاف الأخرى)

نعيش أنصاف حياة، في النصف الأول منها ندعي معرفة ما نريد مستعجلين النصف الآخر، وعندما يحل، نحنّ للأول ونرغب بأشياء وأمور أخرى خلاف الأولى، وبين النصف الأول والنصف الثاني تزدهر المشاعر والأحاسيس الإنسانية لتنجب لنا علوماً وفنوناً وجنوناً وأشياء أخرى كهذا المقال.


جواهر بنت محمد بن عبدالرحمن آل ثاني

صحيفة العرب القطرية

طوق من حياة

- 1 -
مشكلة الجنس البشري أنه ينسى دائماً حقيقة فنائه الأكيد، فلا نحن قادرون على الخلود، ولا نحن قادرون على تأجيل وفاتنا، كل ما نقدر عليه هو الاستمرار بالعيش حتى نموت بطريقة أو بأخرى! هذا أفضل سبيل لبدء أي مقال، صدمة تشدكم لكلماتي، كما تشد الصعقات الكهربائية الميت إلى الحياة مجدداً، فأكملوا القراءة لو سمحتم.
الحياة لا تأخذ استراحة ولا تموت، الحياة تُحيا فقط، وغير ذلك يترك للإنسان، فيعيشها في داخله قبل أن يعيشها بالخارج، لأن مفاتيحها في يده وكما أشار الفنان دايميان هيرست في معرض من معارضه، يستحيل موت جسد من كان عقله حياً، والحياة تعيش في العقل الحي كما أن توقفها للحظة عند تباطؤ نبضات القلب لا يعني الموت، بل يعني انتظارها لتكمل ما بدأته.

- 2 -
أكتب باستمرار عن الحياة ومعانيها ومشاكلها وما تأخذنا منه، وما توصلنا إليه، ولا أعتقد أنني سأتوقف عن ذلك أبداً، لأنها مستمرة، وأهم من ذلك أنها متغيرة ومتلونة.
كتب قلم أحترمه في يوم من الأيام عن «الشعارات» التي يرفعها الإعلام والمؤسسات التجارية من عيش حياتك والعمر مرة وغيرها، مما يجعل الفرد -بحسب الكاتب- يركز على الحصول على السمكة دون الحرص على حرفة الصيد نفسها، أي يجعل الفرد يصب كل اهتمامه على اليوم دون التفكير في المستقبل وعواقبه. مهم أن نعرف أن الشعارات السابقة لا تتعارض مع المستقبل، بل هي ما تبني له في كثير من الأحيان، فمن يعمل اليوم سيحصد غداً. هذا القلم الذي حارب ما أسماه بالشعارات، حارب في ظني ما قد تخلقه هذه الأفكار من تهور وأخطاء إن لم يحطها الإنسان بضوابط وحدود، كالدين والعادات والتقاليد وغيرها. 
كل ما سماه الكاتب بالشعارات هي معانٍ يجب أن نؤمن بها، لأن الحياة عبارة عن فرصة واحدة مليئة بالخيارات لا الوقت، كثيرة الأشخاص لا الحب، ولذلك يجب أن نعيشها طولاً وعرضاً وبأكملها لنحسن استغلالها وبالضوابط التي تحدثت عنها، لئلا نضر أنفسنا وغيرنا.

- 3 -
سيبصر المتشائم الحياة كصندوق باندورا، وسيقبل المتفائل على الحياة كعلبة شكولاتة من محله المفضل إن كان يحب الشكولاتة، وسيعيش العاشق حياته وهو يعتبرها صندوقاً أسود هدفه إيصاله إلى محبوبه. كل سيرى حياته كما يشتهي لا كما هي بواقعها وشخوصها، وهذا ما يخلق الطموح والأمل، وفي نفس الوقت هجران القناعة واليأس.
الحياة، درس طويل وفسحة قصيرة لا يستمر بها حزن، ولا تخلد فيها سعادة، وهذه الحقيقة وإن لم يعرفها البشر بشكل مباشر إلا أنها سبب استمرارهم في الحياة، وما إن يتوقف أي أحد عن الإيمان بهذه الحقيقة حتى يفقد بوصلة الواقع ويضيع مفتاح الحياة فيَعلق بلا مخرج.


جواهر بنت محمد بن عبد الرحمن آل ثاني

صحيفة العرب القطرية

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...