الثلاثاء، 20 مايو 2014

ارفع رأسك!

شاهدت قبل أيام مضت فيلماً قصيراً يتحدث فيه شاب عن الأجيال الحالية، وكيف أنها تركت الحياة الحقيقية وانتقلت إلى الحياة الافتراضية بكل صورها وأفلامها وحتى أصدقائها! تحدث أيضاً عن الأجيال القديمة التي عاشت حياتها بطولها وعرضها، وعن الأجيال الجديدة التي تلبس النظارة الطبية من المهد وتحمل الآي باد، بدلاً من الألعاب التقليدية، إلى كل مكان، حتى سكتت الحدائق عن أصوات الأطفال.
أثرت في رسالة الفيلم بمعناها «انظر إلى أعلى، واترك هاتفك ولا تدع الحياة تفوتك!». كانت هنالك إشارة إلى أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين نعتقد أنهم أصدقاء -مع احتفاظ كل قاعدة باستثناءاتها- وعلامة تعجب كبيرة إلى جانب الفرص التي تفوت الإنسان يومياً لمجرد أنه يبدي اهتماماً بهاتفه وأجهزته الإلكترونية أكثر من اهتمامه بما يجري من حوله.
الفيلم لم يتجاوز العشر دقائق، لكنه حمل رسائل أطول من هذه الدقائق، وبرأيي يجب أن تُدرس أفكاره في المدارس منذ سن صغيرة أو في البيوت على الأقل من قبل الأهالي، فلا يكفي نهر الأب لابنه بأن يترك الهاتف النقال على طاولة الغداء مثلاً، أو استياء الأم من تصوير ابنتها لكل تفصيل من تفاصيل حياتها ووضعها على مواقع التواصل الاجتماعي، بل يجب توعيتهم لآثار ما يفعلونه على حياتهم وشخصياتهم وخصوصيتهم، وما يفوتهم بسبب أفعالهم أو امتناعهم عن أفعال أخرى، لانغماسهم في العوالم الافتراضية. فمواقع التواصل الاجتماعي، ككل شيء، لها جانبان، سلبي وإيجابي، تركها يعني خسارة توعية واطلاع ومعرفة، وإدمانها يعني تغييب الحياة الحقيقية من أجل الافتراضية، وهو ما سيندم عليه أي شخص عندما يدرك كم الفرص التي فاتته وعدد الأيام التي مضت دون أن يعيشها بأحداثها.
أصدقاؤك الافتراضيين، ليسوا بأصدقاء حقيقين ما لم تربطهم بواقعك، سواء أكان ذلك بلقاء أو بمكالمة أو بإحساس حقيقي، وصورك وفيديوهاتك على مواقع التواصل الاجتماعي بجانب كلماتك، كلها افتراضية ما لم تظهر جانباً حقيقياً من جوانبك، لا جوانب مزيفة من زوايا مغرية، أو لوحات مضافاً إليها ألواناً تجميلية، فكلها تخالف الحقيقة ما دامت لا تعبر عنك، وما يعبر عنك هو كل الحقيقة، وهو ما يساعدك على التقدم والنمو، وكيف تتقدم وتنمو إن لم تترك هاتفك وتنظر إلى أعلى من حين لآخر؟ لن تفعل! ولذلك، عليك أن ترفع رأسك إلى عيون العالم اليقظة!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 8 مايو 2014

في اختصار الحياة

(1)
الحياة بكل اختصار جولة، تختار طريقها ومسافتها ومن تصاحب وتعادي فيها.
جولة عبارة عن خطوة تبدأ بألف ميل، من الفهم والتعايش والعلم والصبر والحب والغيرة وتقبّل المستحيل، واستحالة المقبول، في أحيان كثيرة.
جولة لن ترقى إلى منزلة النزهة، ولن تتسارع إلى خط سباق، لأنه من الأسلم لها أن تعيش في المابين، وسط الطريق، ما بين الصحراء والجنة، حيث السكن الأبدي في أي منهما ضياع، والتجول في برزخهما حلم وعلم في صورة حياة.
(2)
الحياة بكل اختصار بسيطة، ولهذا كل ما تحتاج أن تفعله فيها هو ألا تناقض نفسك، فلا تقول ما لا تفعل، ولا تفعل ما لا تقول!
أفخر بزملائي من الكتاب عندما أراهم يكتبون ما يعتقدونه، ويبتعدون عن إملاء غير ما يفعلونه على الناس، وأتمنى عند قراءتي لكلماتهم أن أكون مثلهم، بلا زيف أو تناقض أو نفاق، لأن الحياة السعيدة تُعاش هكذا، والحياة المتعبة تُعاش بتكلف ونفاق.
وحدهم الشعراء من نتقبل منهم أن يقولوا ما لا يفعلون، لأنهم بقولهم يفعلون أكثر مما يظنون بخيالنا ومداركنا، فيوسعون ما كان ضيقاً ويضيقون ما كان واسعاً، ويجعلون الخطوط المتوازية تتقاطع والخطوط المتقاطعة، تتوازى، وكل هذا وهم يقولون ما لا يفعلون، فكيف لو فعلوا؟
(3)
الحياة بكل اختصار، ما تشعره وتحس به، سواء أكان تفاؤلاً يوقظك كل يوم من نومك، أو إحباطاً لا يجعلك تغادر غرفتك. ما تشعر به يعبر عنك، وعن الحياة بالنسبة إليك.
الحياة ليست أكبر من مشاعرك وأحاسيسك، بل هي ما يمثلها بالضبط، فالإنسان بدون عواطفه، إيجابية كانت أم سلبية، عبارة عن كتلة صماء، صالحة لأي شيء إلا الحياة، وغير قادرة إلا على الموت.
ولا حياة معتبرة إلا بإحساس جميل، تجاه الأشياء، لأنه ما يخلق فيها الجمال لا العكس، الأشياء مهما علت قيمتها وبَعُد مصدرها لا تخلق في الإنسان إحساساً دافئاً ودائماً، بل هو ما يبث فيها إحساسه، سواء أكان جميلاً أو قبيحاً، ولأن الأحاسيس كالعدوى المرضية -مع فارق التشبيه- تعود إلينا لتنتشر مرة أخرى في حياتنا، إحساساً منا وإلينا، مالئاً فراغ الحياة من حولنا، باللون الذي نختاره.
(4)
الحياة باختصار، الفلسفة التي يتعلمها الإنسان كل يوم، والتي آمل أن أكون قد خلقت جزءاً منها فيكم، اليوم.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

المرأة ليست قطعة أثاث

انتقل المثقفون في كواكب أخرى من مناقشة وتحليل وإقرار حقوق الفرد الأساسية في الحياة والتنقل والتعبير إلى دراسة «حق» كل فرد في الحصول على الإنترنت، وحق الفرد في النسيان والموت وغيره! فيما لا يزال «مثقفو» «الأرض القريبة» يتشاتمون حول حرية التعبير، والمشكلة ليست هنا، بل تبدأ في استكثارهم مشاركة المرأة لهم، وغيظهم عند تصدرها للمشهد!
فإن كان الرجل في هذا الكوكب ليس مسموحاً له بالتفوه ببعض الأمور السياسية أو الاجتماعية خوفاً من أي جهة، فالمرأة يجب أن تخاف أكثر، فلائحة الأشياء التي تُمنع عنها أطول وأكبر!
المرأة ليست قطعة أثاث يا سادة، فهي تُفكر وتُحلل وتتكلم وتحلم وتحب! وأياً كان سبب منعها عن التعبير، سواء كان من المجتمع لأنه «عيب»، أو من العائلة كي لا «تحرجهم»، أو من جهة أخرى لأنه ممنوع، فهذا سيمنعها من الكلام فقط، أما الأفعال الأخرى فلا تزال في يدها.
المرأة ليست قطعة أثاث يا سادة، فلا يمكنكم أن تحبسوها وتحببوا لها سجنها وإن كان ذلك في أجمل غرفة في العالم!
المرأة ليست قطعة أثاث يا سادة، وهي بحسب مفهومكم «جوهرة» وكل ما تفعلونه، تفعلونه للمحافظة عليها وعلى العادات والتقاليد وأحكام الدين! ولا أدري كيف تتجرؤون في ادعائكم بأن ما تفعلونه من عاداتنا وتقاليدنا وديننا الشريف! ففي عاداتنا وتقاليدنا وتاريخنا المرأة هي من تكرم ضيوفها من الرجال إن لم يُوجد أحد غيرها في البيت، وهي من تبتاع حاجياته من السوق، وهي من تحرس القرية إذا ذهب الرجال للحرب أو التجارة، وفي ديننا الحنيف ما أكرم المرأة فجعل لها شأناً وعملاً وعادل بينها وبين الرجل، فما فضل الرجل عليها في شيء، رغم قول البعض إن الرجال تم تفضيلهم في مسائل الميراث، وأقول لهم حتى في هذه لم يكن هناك أي تفضيل، لأن الرجل هو المنفق على المرأة، سواء أكان ذلك في بيتها أو في بيت زوجها، والمرأة كل مالها لها!
إن كنتم تريدون المحافظة على المرأة، فعلموها وأدبوها، واجعلوها تواجه العالم أمام أعينكم، لا من ورائكم ولا من خلال فيلم أو عبر كتاب، لا تحولوها إلى كائن خائف بل إلى شخص قوي، يعلم ما سيواجه مقدماً في الحياة، وفي يده كل الأدوات المناسبة.
المرأة ليست قطعة أثاث يا سادة، وإن أصررتم على ذلك، فالأكيد أنها ليست قطعة أوروبية ولا تركية، بل هي من نوع آخر!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...