الأحد، 30 يونيو 2013

الانسحاب الكبير.. لرجل كبير

أهي من المصادفة أن يكون شهر يونيو من عام ١٩٩٥ الذي قاد صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى سدة الحكم، هو نفس الشهر الذي يتنازل فيه عن الحكم لولي عهده عام ٢٠١٣؟ طبعاً لا! فلا توجد في السياسة صدف، فماذا لو كانت هذه الصدفة تتعلق بسياسة دولة كاملة بشعبها وأرضها؟ المتابع للأخبار القطرية الخارجية والداخلية، يعلم كما أعلن صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في عام ٢٠١٠ لصحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية أن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى يدير %85 من شؤون الدولة، ويعلم أيضاً أن حضرة صاحب السمو الشيخ تميم منذ تولى ولاية العهد في ٢٠٠٣ وهو ناشط في شتى الملفات المختلفة الرياضية والاقتصادية والثقافية في الدولة ورئيس لعدد منها.
تسليم صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني السلطة لنجله حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لم يكن تدريجياً فقط، بل كان مصحوباً بثقة خطوات ثابتة، جعلته يكتب في السجل الرسمي لزوار الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر ٢٠١٢ بأن تلك الزيارة التي ترأس فيها الوفد القطري ستكون المرة الأخيرة التي يقوم فيها بهذه المهمة وتلك الزيارة، وتزيد المواقع التي ذكرت هذه الواقعة -ومنها الجزيرة- أن بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة تفاجأ بالملاحظة، وسأل عن مغزاها إلا أنه لم يحصل على جواب مباشر.
لم يكن التنحي عن الحكم بالمصادفة، كما لم يكن تسلم الشاب الأربعيني لمقاليد الحكم في أواخر القرن الماضي بالمصادفة، ولم يكن أيضاً شهوة بالسلطة كما عبر البعض وقتها، بل كان ذلك من «مصلحة الوطن التي أملت علينا أن نعبر به إلى مرحلة جديدة». وكان ذلك الشاب وقائل العبارة السابقة هو صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني.
من زار قطر قبل ١٨ سنة يعرف أن قبل قنوات الجزيرة العالمية، لم يكن هنالك سوى قناة قطر وإذاعتها، وأن قبل جامعة جورج تاون وكارنيجي ميلون وغيرها من الجامعات العالمية في قطر، لم يكن هنالك سوى جامعة قطر الوطنية. من زار قطر في النصف الأول من التسعينيات يعلم بأنه قبل متحف الفن الإسلامي والبنايات ذات الطوابق الكثيرة والأشكال الهندسية الجميلة التي ترسم وتلون منظر كورنيش الدوحة، لم يكن هناك سوى فندق الشيراتون وشارع طويل يصل به إلى المطار.
من عرف قطر عام ١٩٩٥، يعلم أن صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني تسلم الحكم وسلمه لمصلحة الوطن، فقفز بقطر إلى الساحات الإعلامية والثقافية والسياسية خاصة الاقتصادية، عندما ضاعف من حجم الاقتصاد القطري ووصل به إلى ١٩٢ مليار دولار، بعدما كان في بداية حكمه يساوي ٨ مليارات دولار فقط. هذا الارتقاء الاقتصادي نقل دخل الفرد القطري السنوي من ١٦ ألف دولار في عام ١٩٩٥ إلى ١٠٠ ألف دولار عام ٢٠١٢، مما جعل القطري الأعلى دخلاً في العالم.
علق الدكتور عزمي بشارة بعد خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى يوم الأربعاء، قائلاً: «انزعج البعض عندما تسلم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الحكم، وانزعجوا أيضاً عندما تركه!»، وكان تعليقه حول الطريقة التي تسلم فيها الشيخ تميم الحكم، حيث إنها لم تكن لمرض الشيخ حمد أو لموته كما جرت العادة في الملكيات التي ينتقل الحكم فيها وراثياً.. تنازل الشيخ حمد كان لرغبته في ضخ دماء جديدة شابة، طامحة للتغيير وإنتاج الأفكار الخلاقة كما قال سموه في خطابه الذي سلم عبره السلطة، وكما فُهم من حديثه في ٢٠١٠ في المقابلة المذكورة سابقاً، عندما قال: «يوجد جيل من الشباب قادم. أحياناً أستشعر أنهم لا يشعرون بالسعادة من عملنا معهم.. هم أكثر حماسة ينبغي أن أقول هذا».
من أول قرارات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى استحداث عدد من الوزارات، كانت وزارة المواصلات والرياضة، والاتصالات، والتخطيط التنموي، والتنمية الإدارية، بالإضافة إلى تغيير عدد من وزراء الدولة، مما يؤكد عزمه على وضع بصمته الخاصة على سياسات الدولة، وإكمال مسيرة التقدم التي بدأها صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، فهو الذي قال: «تغيير شخص الأمير لا يعني أن التحديات والمهام قد تغيرت بالنسبة للدولة».
ودع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى والده صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مرتين في خطابه الأول، مرة عندما شكره على إنجازاته، ومرة ثانية عندما شكره على ثقته بالشباب وإيمانه بهم، مما جعله يترجل من على خيل الحكم في عز مجده، وهو واثق بأمان خطوته، ونحن بدورنا نشكر ونودع بكل حزن وحب باني دولة قطر الحديثة ورائد نهضتها صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ونستقبل بأيد واثقة وقلوب كلها أمل بإكمال مسيرتنا الوطنية، أميرنا حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.

الخميس، 27 يونيو 2013

جسدان و روح

(١)
للإنسان جسدان، جسد أُجبر عليه يكون محدوداً وفانياً، ويتكون من شكله وحركاته وسكناته الخارجية، وجسد اختياري لا محدود وأبدي، عبارة عن كل ما يغمره في الداخل من أحاسيس وأفكار وأسفار وخيال وخبرات.

(٢)
امتلاك الإنسان جسدين هو ما يميزه عن باقي الكائنات الحية، التي وإن كان بعضها يملك ردود فعل خارجية، فإنها لا تملك مثلها داخلياً، كالإنسان. وهذا ما يجعل الإنسان الذي يعبد جسده الخارجي، أقرب إلى الحيوان، الذي لا يرى في نفسه سوى جسد يزوده بالنزوات، ويفرغ منه الشهوات، وبذلك كان الجسد الداخلي هو الفاصل الذي يمنح الإنسان المرتبة الأسمى التي خُلق لها، ما بين عناية بالجسد الخارجي في حدود الحاجات، والاهتمام بالجسد الداخلي بلا قيود.
وبالتالي فإن الإنسان له عينان وأنف وأذنان ولسان في داخله كما هو الحال في خارجه، وحواسه من الداخل أقوى، وذات فاعلية أكبر. فعينا الداخل، بصر وبصيرة.. وتحملان ذاكرة تغرقهما في تفاصيل اتخاذ القرارات وبناء الأحكام، وهذا ما جعل هيلين كيلر المرأة الصماء الكفيفة البكماء، تجوب العالم، وتحصل على شهادة الدكتوراه، بالإضافة إلى تأليفها الأدبيات وإلقائها المحاضرات.

(٣)
كم من عجوز ترى في نفسها شابة، تهوى الرقص والسهر والسفر حول العالم؟ كم من فتاة بدينة ترى في نفسها بنتاً جميلة القوام، تستطيع ارتداء ما تريد من الملابس، دون تلقي تعليقات جارحة؟ نحن عبارة عن احتمالات نختارها لأنفسنا، بعضنا يختارها بحسب مقاس مظهره، وبعضنا يجتاز الشكليات ليختارها لنفسه بحسب المقياس الذي يرى أنه يستحقه، فالعجوز التي تسهر وترقص وتسافر، تختار ما تراه لنفسها، وليس ما يراه الآخرون مناسباً لها، والفتاة البدينة التي تعتقد بأنها لا تستحق ارتداء الملابس التي تظهر أنوثتها، لا تأبه بالتعليقات السلبية، لأنها لن تهتم أصلاً بنوع الملابس التي تلبسها، بعكس من ترى في نفسها فتاة جميلة تستحق ذلك، مثل الفتاة المراهقة في فيلم «الغالية» precious، والتي رغم العنف الجسدي واللفظي التي عانته من أبيها وأمها إلا أنها كانت ترى نفسها روحاً جميلة تستحق هي وأولادها كل الحب والجمال في مستقبل أفضل.

(٤)
لا يجب أن يكون الاختيار ما بين الانغماس في لذات الجسد الخارجي أو حبس النفس في محراب الجسد الآخر. لكلٍ وقت وحين ومساحة، فهما جسدان في روح، ولا يستطيع الإنسان العيش في جسد منهما دون الآخر، أو بجسديه الاثنين في الوقت نفسه بأقصى طاقتيهما، لأن الموازنة واجبة، وإلا سيتشتت الإنسان وستتبخر قدراته، إن حاول الوصول لها كلها في وقت واحد.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.

الخميس، 20 يونيو 2013

الحياة في فيلم

(البداية)
الفيلم أداة كالقلم، ترسم المَشاهد وتكتب الحوارات في ذهن المُشاهد، وهي أداة أقوى من القلم، لأن ما يُشاهد يصعب نسيانه أكثر مما يُقرأ، وإن كان القلم هو ما يتحكم حقيقة بمصير الفيلم، سواء أكان ذلك من ناحية السيناريو أو النقد، أو حتى عبر توقيع يهدف إلى إيقاف عرض أو تصوير أو توزيع الفيلم.

(الحدث)
الخبرات والجمال والخيال، منابع تغذي الفيلم، وتجعله سفير صُناعه للمتلقي، الذي يذهب إلى السينما أو يشتري فيلماً على «دي في دي»، في أمل أن يكون قد اشترى تجربة أو مفهوماً حول ما يجب أن تكون عليه الحياة، لأن الحياة مركبة ومعقدة، ومهمة توقع أحداثها يقع على عاتق إبداع الفنانين والكتاب. والحياة أشبه بالأفلام الكوميدية، التي رغم إضحاكها للجمهور طوال ساعتين إلا أنه يوجد فيها دائماً ذاك المشهد اليتيم الذي يدور حول رحيل حبيب أو فقدان صديق أو خسارة مال أو وقوع ظلم، يصيب المشاهدين بالأسى والحزن، وهذا المشهد بعكس الأفلام الكوميدية، يتكرر بكثرة في الحياة، فلا يحدث مرة، بل مرتين وثلاثاً أو أكثر، فيكون الحزن هو الإطار الأكبر للحياة لا الضحك والمزاح.
الأفلام التي تحكي المغامرات تشبه كثيراً الواقع أيضاً، مع اختلاف النهاية، ففي الواقع هناك من يظل طوال عمره باحثاً عن كنز ما بصوره المختلفة: صديق، حبيب، مال، سلطة، عائلة أو غيره، لأنه لا مغامرة دون بحث، ومن لا يبحث لا يعيش، مثله مثل الشجرة التي تخرج من البذرة دون أن تسأل جذورها عن أصلها أو دون أن تبحث وتسأل الريح عن أسرار المدن التي زارتها وأخبار رفيقاتها المنحدرين من نفس شجرة العائلة. شجرة كهذه، لن تفعل شيئاً في دورة حياتها غير الوقوف، والموت كما هي.. واقفة.
من جهة أخرى، أفلام الرعب تخبرك كثيراً عن طبيعة الإنسان، الذي يشاهد فيلماً يعلم أنه سيرعبه في وقتها أو حتى بعد انتهائه من الفيلم بأيام، ورغم ذلك، يكمله حتى النهاية متشبثاً بكرسيه أو بمن يجلس بجانبه. الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يشاهد الدم في كل مرة بإرادته، وبدلاً من ابتعاده عن المشهد الدموي، يقترب بعين مفتوحة وأخرى نصف مغمضة حتى يكاد يلمس مجرى الدم!
لا نحتاج في أيامنا هذه أفلام رعب جديدة، لا من هوليوود ولا من بوليوود، لأنهم لن يقدروا على إخراج أي فيلم رعب جيد يضاهي أفلام الرعب التي تحدث لدينا في العالمين الإسلامي والعربي، من أفغانستان وباكستان حتى ليبيا وتونس. ولا أقصد بقولي هذا التقليل من شأن ما نواجهه من صعوبات أو ما نتحمله من موت ودمار، بل توضيح فكرة أن الرعب الذي يدب في نفس جماهير أفلام الرعب لا يساوي شيئاً عند كمية الرعب التي تسيطر على سوري ينام ويصحو على أصوات المدافع والصواريخ، أو ليبي وجد نفسه بالمصادفة في وسط مواجهة بين قبيلة مسلحة وقوة عسكرية خاصة أرسلها النظام!

(النهاية)
في الأفلام، كثيراً ما تختلط التصنيفات، الفيلم قد يكون رومانسياً/كوميدياً، وقد يكون مغامرة/إثارة وقد يكون كوميدياً/رعباً. وأجمل الأفلام في ظني، تلك التي يُدمج فيها الخيال بواقع أبطال يلعبون دور الناس البسيطة الذين نراهم حولنا في كل يوم، ولكن قلما نلتفت إليهم وننظر في دواخلهم بعمق، هذا النوع أبدعه عبقري السينما الإيطالية، فيديريكو فيلليني، الذي فهم حقيقة الفن الذي يقوم على أساس تصوير الإنسان من زاوية الحقيقة، ولكن في إطار خيالي يفصل بين الفيلم الوثائقي الذي يصور الحياة كما هي، والفيلم الروائي الذي يكون أقرب إلى قلم يحمل فوق رأسه كاميرا، تصورنا، وتصور خيالنا، نتحملها ونرغب بها، لأنها تغير في الدنيا، كما تغير كلمات الأدباء وتؤلم قوافي الشعراء.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.

الخميس، 13 يونيو 2013

حول العالم في نصف ساعة!

وأنا أهم بالخروج قبل عدة أيام من مكتب السفريات، قدم لي أحد العاملين هناك مجلة ضخمة فيها عروض طيران لعام ٢٠١٣، مع كل ما تحتويه من تفاصيل عن بلدان العالم والفنادق التي تخدم فيها مع أكثر الأماكن ارتياداً وشهرة. تصفحت المجلة طوال طريق العودة إلى البيت. علمت كل الأماكن التي أتمنى زيارتها يوماً ما، وعرجت على المواطن التي زرتها وأقمت فيها بابتسامة الذكرى. زاد شوقي إلى السفر مع تلك الصور الملونة بالأخضر، والعناوين اللافتة مثل دلهي: المدينة الخالدة! وسيشيل: الجزر التي لم تُدلل بعد! وجنوب إفريقيا: أمة قوس قزح!
شعرت بأنني أسافر فعلاً وأنا أقلب صفحات تلك المجلة من آسيا إلى أميركا، مروراً بأوروبا وأستراليا، ورغم أن شعوري لم يماثل شعور السفر الحقيقي، إلا أن أدوات اليوم، تسمح لنا بالسفر الافتراضي الذي يقارب شعور السفر الحقيقي.
عبر الإنترنت ومواقعه مثل موقع «جوجل» لا يمكنك فقط التجول في شوارع المدينة التي تختارها عن طريق «جوجل إيرث» ولكن يمكنك أيضاً التجول في داخل أماكن مختارة في دول العالم مثل المتاحف الوطنية، ومشاهدة ما تعرضه عبر مؤسسة «جوجل» للثقافة!
لهذا قال المرحوم الأستاذ عباس محمود العقاد: «أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني»، فالحياة كلها أسفار من مكان إلى آخر ومن زمان إلى آخر، وفي أيامه أداة سفرهم المتعارف عليها كانت الكتب، أما الآن فلدينا شبكة الإنترنت والكتب والمجلات والموسيقى والأفلام وحتى اليوجا! ومعظم ما ذكرته كان موجوداً أيام العقاد، ولكنه لم يكن متوفراً للناس، كما هو الحال اليوم. لهذا لا أخاف على من لا يمكنه السفر، وأرثي من يمكنه ذلك، فيقضي نصف يومه نائماً، وربع يومه في الفندق أو الشقة، ليقضي الربع الأخير في المقهى أو المطعم الذي يزوره يومياً!
أجسادنا لا تمنعنا من السفر، عقولنا هي التي تفعل، ولدول العالم حدود، ولعقولنا أيضاً، إن نحن اخترنا ذلك. يمكننا أن نسافر عن طريق القراءة والمشاهدة والاستماع، كما سافر العقاد إلى ألمانيا ليتفلسف، وإلى بريطانيا ليتأدب، رغم أنه لم يطأهما حقيقة، فهو في الواقع لم يسافر خارج مصر إلا لمكة، لكنه نجح في جعلنا نسافر عبر الزمن في عبقرياته، وعبر المكان في دواوينه.
العاجزون هم من يستسلمون لحكم العقل على المكان، أما المغامرون فهم من يشدون على يد الحياة بكل أدواتهم وأدواتها، فيسافرون حول العالم في نصف ساعة إن هم أرادوا، أو أكثر إن هم استطاعوا.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة #العرب القطرية.
المصدر

السبت، 8 يونيو 2013

ما أريد قوله!

فكرت قبل أن أبدأ كتابة هذا المقال فيما كتبته سابقاً من مقالات، وفي التحدي الذي يواجهني عند كتابتها، وتحديداً محاولة التقيد بمواعيد تسليم المقالات، وأنا التي أبدأ أسبوعي بورقة بيضاء مصطفة أمامي كالعسكري الذي ينتظر أوامره! ورغم ذلك لا ينتهي الأسبوع إلا والورقة مليئة بالكتابة والرسم والحياة! لماذا؟ لأن كل إنسان لديه «حكاية» يريد أن يبوح بها.
يقول ليهس يناميلا: «نمارس الكتابة لأننا نحاول أن نفهم وليس لأن لدينا فائضاً من الفهم نريد توزيعه على الآخرين».
نكتب لأننا نحاول أن نفهم، لأننا نريد أن نفهم، ونضع أفكارنا في صورة كلمات ونعرضها للغرباء، لأننا نحاول أن نفكر بأصوات عالية، وتحديداً بأصواتهم هم المختلفة النبرة. لا نكتب لفائض في الفهم كما قال يناميلا، ولا لأننا نفهم أكثر، بل لأننا نريد أن نفهم أكثر، بالضبط كما يحاول الفنانون أن يفهموا أكثر عندما يغنون للجماهير، وبالضبط كما يحاول الرسامون أن يفهموا أكثر عندما يلونون ألف وجه في وجه واحد!
لا يملك أحد الإجابة الكاملة، ولكن كل شخص منا لديه قطعة من إجابة الأحجية، وبتجميع القطع نرى الصورة الكاملة المفهومة، وهذه الكتابات هي عبارة عن تجميع للصورة الكاملة، التي نسعى كلنا لرؤيتها يوماً من الأيام.
فماذا إذاً هي حكايتي أو ماذا أريد أن أقول؟
أريد أن أقول إن للكلمة قوة التغيير، لأنها تحثنا على الفهم، وعندما نفهم نختار، وبكل اختيار نتغير ونتحرك في سلم الحياة، إما صعوداً أو نزولاً. أريد أن أقول بأني أكتب لأغير بيدي وقلبي ولساني، وأني أكتب لأقول بأني موجودة وهذا أثري، وأنني أتركه للإثراء لا ليتبعني بسببه الناس. أريد أن أقول إن هذه هي قضاياي وهذه هي اهتماماتي، وهذا هو رأيي، وهذا هو أهم أمر بالنسبة لأي إنسان أن يكون له رأي، وأن يعلنه بشجاعة متى ما كان مؤمناً به!
أريد أن أقول بأنني أحمل كلماتي أحاسيسي وصوتي وصورتي عندما عجز الكثير عن التعبير عن أنفسهم بنفس الطريقة، وأني أفعل ذلك من أجلي وأجلهم، فالكتابة للنفس مهمة وجميلة كلحن لعبد الوهاب، ولكن الكتابة إلى الناس ومن أجلهم أهم وأجمل وتصل بشكل أسرع كعظمة أم كلثوم! بعد قول ذلك، كل ما أريد أن أقوله في كل يوم خميس للقارئ هو: «أنت عمري» بلحن عبدالوهاب ولكن… بكلماتي.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...