الخميس، 24 ديسمبر 2015

ما تغير و لم يتغير

1-
قضيت الأشهر الماضية وأنا أجمع مقالاتي المكتوبة في صحيفة «العرب» القطرية وغيرها من المواقع الإلكترونية، وعن طريق فعلتي هذه رجعت إلى أربع سنوات مضت عندما بدأت الكتابة الأسبوعية المنتظمة. 
وقتها، ملكت في كل شهر -بل وربما كل أسبوع- نَفَساً متغيراً كنفَس طباخ دؤوب يمضي أوقاته يجرب الوصفات الجديدة. 
ومثل الشيف العامل على الأكلات المبتكرة، أتمنى أن يكون نفَسي تطويرياً متطوراً لا متغيراً، وحسب. 
هذا اهتمام الكاتب الجدي الأول: تطوير نفسه وغيره، لا اختزال نفَسه في نفْسه، بل وضع نفْسه تحت خدمة وأمر نفَسه الكتابي.



أحب حديث للإنسان هو حديثه حول ذاته وحديث الناس عنه، ولهذا يتمسك الناس بالأبراج، ولهذا يحب الناس الإنسان المنصت المستمع ويقدرونه ويرونه إنسانا اجتماعيا بل ومتحدثا بارعا!
وعند قراءتي لمقالاتي القديمة شعرت بهذه الأحاسيس وأكثر، فاغتبطت حيناً، وغضبت حيناً، وقلقت في أحيان أخرى، وابتسمت في بعض المواضع، وحزنت مرة ومرات، واجتاحني كل ما سبق وأكثر في مرات أخرى.
وجدتني أقرأ ما كتبته عن قضايا ومواضيع لا تزال مطروحة حتى الآن، مثل التعليم وتخبطه والبنية التحتية وغرقها والازدحام المروري واختناقاته، والمال العام الذي يصبح بطريق أو بآخر مالاً خاصاً!
وغيرها من المعضلات «المنشورة» في مقالات تصلح «لإعادة النشر» غداً، لأنها لم تنشف بعد!
ويبدو أنني في محاولتي لجمع كتاباتي كنت أجمع ذاتي وصفاتي أيضاً مما أحبه وأكرهه، فلقيت حرصي على الفن والعناية به في قطر وخارجها -خصوصاً في العالم العربي-لأن الفن بوابة التعبير والارتقاء والرفعة. 
كما شددت على أهمية الثقافة والتربية عليها منذ الصغر، حيث إنها مدخل الانفتاح والتبسط وتقبل الرأي والرأي الآخر. 
ولم يصعب علي ملاحظة تعلقي بكل ما يرتبط بالقراءة والكتابة لأني أقر بأثرهما علي وأهميتهما في قلبي. 
ولربما كانا من الأسباب الأولى في تغيري الدائم. وليس أوضح من التدليل على ذلك، سوى إجابتي الجديدة دائماً على سؤالي الأزلي لنفسي: 
لماذا أكتب؟

٣-
الميت هو الثابت، لا يتغير فيه شيء، فلا يجري فيه دم ولا يدب فيه أوكسجين.. والإنسان الحي هو بالضرورة متغير، وعليه فقط أن يختار ما يُغير وما لا يغير في نفسه إن أراد أن يستفيد من حياته لأقصى حد.. 
ولن يضيره مراجعة نفسه من حين لآخر، فيعيد النظر في قناعاته وأفكاره وما جرته عليه تجاربه وتجارب غيره المتقاطعة معه، فالتطوير هو المفتاح «إن كان القفل يحمل مسمى التغيير».

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 17 ديسمبر 2015

لا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا

لا شيء يبقى على حاله، الأفكار والأشياء والأحوال، جميعها تتغير وتتحول وتلتبس وتتلاشى وتتدهور وترتفع وتهوي وتتجمع وتتفرق، لتكون للناس الدنيا والحياة كما يجب أن تكون.. هذا ما جال خاطري وأنا أستعيد أفكاري "المسبقة" حول الرجال والنساء من حاملي الجنسية الفلبينية ممن أراهم حولي في كل مكان. وأنا لا أعرف عن الفلبينيين إلا بشاشة روحهم وحالة دولتهم الاقتصادية وواقع استقدام الدول العربية لهم للعمل في جميع أنواع الوظائف، بالإضافة إلى تحدث أغلبيتهم اللغة الإنجليزية إلى جانب لغتهم الأم.
تشكَّلت نظرتي من جديد نحو الفلبينيين بعد قراءتي لرواية الكويتي سعود السنعوسي "ساق البامبو"، لا أعرف لو كانت نظرتي الجديدة شخصية أو عاطفية، ولكني شعرت بأني أفهمهم وأقدرهم أكثر، خاصة بعد قراءتي لتاريخ الفلبين ونضالات رجاله.
سُميت الفلبين، لمن لا يعرف، نسبة إلى الملك الإسباني فيليب الثاني، وهي من أكبر الدول المصدرة لعمال الملاحة البحرية عالمياً، وقد كانت تُعتبر ثاني أغنى بلد في شرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية ليتدهور اقتصادها بعد ذلك في عهد الديكتاتور فرديناند ماركوس.
ومن الفلبين إلى الهند، يستخف الكثير بقدرة "الدولة الديمقراطية الأكثر ازدحاماً بالسكان في العالم" بحسب الإحصاءات. ومن رحم الهند، خرج الرؤساء التنفيذيون لأقوى وأكبر شركات العالم مثل جوجل ومايكروسوفت وبيبسي وماستر كارد! وهذا ليس بغريب على دولة حاربت الاستعمار وانتصرت، والآن تملك واحدة من أقوى اقتصادات وجيوش العالم.
بالنسبة للكثير من الناس، التصنيفات والأفكار المعلبة مسبقاً كوجبة سريعة هي كل ما يملكون تقديمه، فتجدهم يعلقون حتى بخصوص الصينيين فيتندرون حول أشكالهم وصعوبة التفريق بينهم للتشابه الظاهر! ويضربون بتاريخهم وحاضرهم ومخططاتهم المستقبلية عرض الحائط! وكأن كل ما يهم هو ما يعرفونه عنهم ويتوقعونه منهم! هؤلاء أنفسهم يرفضون أن ينظر إليهم الغير بعين واحدة لا ترى واقعهم ولا تحاول أن تفهم ماضيهم. ترفض هذه الفئة أن ينظر إليهم الغير كأغنياء جهلة، ولكنهم يقبلون بأن ينظروا لغيرهم كأغبياء محتاجين!.
بعد أحداث باريس الأخيرة المؤسفة عبَّر الكثير من المسلمين عن براءة الإسلام من أفعال داعش كما فعلوا سابقاً مراراً وتكراراً. وأعجبني قول قرأته لأحدهم يأسف فيه لما حدث في فرنسا، ويعلق حول البعض ممن يحاولون جاهدين ليؤكدوا "للآخرين" بأن المسلمين ليسوا إرهابيين. وبحسب كلامه إذا اعتقد هؤلاء أن المسلمين الذين يزيد عددهم عن مليار فرد إرهابيون فهذه مشكلتهم وليست مشكلة المسلمين، لأن اعتقادهم وفكرتهم المسبقة تدل عن جهل وتعصب ورفض للعقل والمنطق، فهم لا يعرفون و لا يريدون أن يعرفوا . وهذه صفات من يوزعون الكارنيهات المليئة بالصفات "المختارة من قبلهم" لأي طائفة من الناس دون أن يسألوهم أو يحاولوا معرفتهم أولاً. هم ببساطة، كما قلت، يعرفون و لا يريدون أن يعرفوا.

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الخميس، 10 ديسمبر 2015

لماذا يهمنا الأدب؟

سيشعر بأهمية الأدب من تربَّى عليه وتَشرَّبه، وقرأ هنا وهناك لنجيب محفوظ وفيكتور هيوغو وهاروكي موراكامي وكافكا ولوركا. سيشعر بأهمية الأدب من يعتنق أمله بأمل بورخيس الذي قرَّب الجنة من المكتبة أو المكتبة من الجنة. وسيشعر أيضاً بأهمية الأدب من يسمع أو يشاهد الكاتب ألبرتو مانغويل وهو يتحدث بشغف عن القراءة والكتب.
في المقابل، لن يشعر بأهمية الأدب من يقضي أيامه بين واتساب وتويتر وإنستجرام. ولن يشعر بالأدب من يحصره في الأفلام الجديدة المُنتجة في هوليوود، والتي يكون بعضها مبنيا على رواية أو مُستخلصا منها، وإن كان ذلك فاتحة طريق -أو خيرا في هذه الحالة- للبعض الذي قد يبدأ بالاطلاع على الأصل.
يسلبنا الأدب لأسباب عديدة، أولها أثره الإنساني على قارئه ومتابعه. فقد نربط ما بين أنفسنا وما بين شخصية قرأناها، وقد نقول إنها تشبهنا أو تناقضنا، وقد نحكم عليها بالموت في ذاكرتنا أو الخلود لأنها إما تخالف قيما ما نعرفها، أو توافق تعاليم تربَّينا عليها، وقد نتعلم من الأدب أن هناك من يشبهنا في مواجهاته، أو أن حياته أصعب مما عرفناه من ألم وحزن ويأس، فنتصبر ونحتسب، بل قد نفرح لأن آلامنا هينة، وجراحنا أقل من جراح شخصية مشهورة قرأنا سيرتها الذاتية.
ومن ناحية ثانية، الأدب يشعل مخيلاتنا بصور وأفكار وأحاسيس لم نكن لنختبرها لولا القراءة. ويخلق أراضي ومساحات جديدة لممارسة الخيال، والتخيل الذي قال عنه آينشتاين إنه أهم من المعرفة، دون أن ننسى أن الخيال هو أحد الخواص التي تميز الإنسان عن الحيوان. 
وقد أصدر بعض علماء الأعصاب في عام 2006 دراسة علمية تشير إلى أن الكلمات تؤثر على خلايانا الحسية، فإن قرأنا مثلاً جملة «ركض كصرخة عالية التردد» ستتأثر خلايانا الحركية، بل ربما السمعية نتيجة التشبيه! وهذا دليل على تأثير الخيال في الأدب، وتأثير الأدب في الخيال، وترابطهما بأجزاء كثيرة تترك بصمتها في النهاية على القراء. 
وبسبب الخيال أيضاً يُقال دائماً: «اقرأ القصة أو الرواية قبل أن تراها على التلفاز أو في السينما كفيلم أو مسلسل»، لأن ذلك يحرم العقل من التخيل والتفكير وبناء الأحكام المسبقة والتحليل، حيث إن المسلسل أو الفيلم يصوران كل شيء بحسب التصور المسبق للمخرج أو المنتج أو كاتب السيناريو أو جميعهم بحسب الأحوال.
من جهة أخيرة، الأدب ينشر الأفكار، بل المعرفة، لأن الكاتب والأديب الجيد لا يكتب إلا بعد بحث حثيث، وقد يكون في كتاباته تأريخ للماضي أو استشراف للمستقبل أو حفظ للحاضر من الضياع أو التحريف.
أهمية الأدب قد تكون في تجميل الأشياء أيضاً أو تقبيحها أو ملء فراغ عميق داخل القارئ. يطول شرح هذه الأهمية، ولكن كما أن القراءة شيء وفهم ما قُرأ وتحليله شيء آخر، فإن فهم أهمية الأدب شيء والشعور بها شيء آخر.. لن يصل إليها إلا من يسعى وراءها.



جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 3 ديسمبر 2015

مرايا

1 -
 قال الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث جميل: «إن الله جميل يحب الجمال!»، هذا التصريح تُرى إثباتاته في كل مكان وكل مخلوق، ابتداء من الطبيعة وانتهاء بالإنسان.. إعجازات الخالق مرئية في تفاصيل الجِمال والخيول، وفي ألوان الجزر الاستوائية وقمم الجبال الجليدية.. وإعجازات الله المسموعة تُحرك الأرواح والأفئدة، كقوله تعالى: «وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ». وعرجون النخل هو العود الذي يحمل التمر، وما إن ييبس حتى يتقوس ويصفر كالمحاق والهلال في أول وآخر منازل القمر.. أي جمال يضاهي إبداع كهذا؟.

2 -

من يحاول قراءة شخصية جيكوب في رواية التشيكي ميلان كونديرا «فالس الوداع»، سيحبه لنبالته وعمق تفكيره ووطنيته أو سيكرهه لظاهر نبالته وضحالة تفكيره وجبنه!، وسواء أكان القارئ منتمياً للفريق الأول أو الثاني، سيقف بالتأكيد مثلي في النهاية عندما يواجه جيكوب الجمال، ويشك في الحقيقة التي عمل من أجلها طوال حياته، هل كانت كافية؟ لماذا إذاً شعر بالندم على اكتشافه للجمال فجأة؟، لماذا تحسر على مفارقته الجمال في السنين الماضية؟.
المثير أن اكتشاف جيكوب جعل كاميلا تكشف على تصرفاتها ومشاعرها اتجاه زوجها كليما، هل هذا أثر الفراشة أم أثر الجمال؟.
أثر الجمال، يعريه ويوضح أصله وفصله وروحه، لنعرف بعدها بأن السياح يصطفون لرؤية الموناليزا في متحف اللوفر-رغم جمالها العادي- لأن روح اللوحة هو ما يصنع كل الفرق بينها وبين أي امرأة أخرى أكثر جمالاً، وإن كانت حية!.


3 -

تلا إيليا أبوماضي صلاته: «كن جميلاً ترى الوجود جميلا!». في شطره الفلسفي، يلخص الشاعر أهمية الجمال والشعور به.. بالجمال تطيب الروح والنفس والجسد، فالجمال كله خير دائماً، وإن أصبح شراً، فباستخدام الإنسان.. هل يُوجد منظر طبيعي شرير؟ لا، بل إن زلازل وأعاصير عصرنا الحاضر تحدث معظمها بسبب تدخلات الإنسان، من حفر وحروب، وتلويث بيئي.. هل سمعنا موسيقى هادئة شريرة؟ أو رأينا لوحة بديعة شيطانية؟ هل قرأنا كلاما روحيا إبليسيا؟ وإن حدث فيد الإنسان هي الأولى لا إبليس.
أحض من حولي ومن يقرؤني على الفن، وتذوق الجمال وإبداعات الإنسان، وإن لم يكن من يسمعني أو يقرؤني بفنان، لأن الجمال يغير فينا ما لا نستطيع تغييره بأنفسنا.. يغير الجمال فينا الأجزاء التي نمنع الآخرين عن مشاهدتها أو معرفتها.. الجمال من حولنا هو أفضل عقار لمواجعنا، وأشجع مسرح نواجه عليه مخاوفنا.



جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الخميس، 26 نوفمبر 2015

قادة الأوركسترا

شاهدت الأسبوع الماضي فيلم ستيف جوبز الأخير. وفي هذا الفيلم حرص القائمون على إبراز ما يعرفه وما لا يعرفه المشاهد العادي عن عبقري عالم الأجهزة الإلكترونية.

لفت انتباهي مشهد يواجه فيه ستيف ووزنياك صديقه جوبز، فيسأله عن ماهية عمله الحقيقي في شركة «آبل» ولماذا يطلق الناس عليه ألقابَ العظمة، في حين أنه ليس بمخترع ولا مهندس، بل إنه لم يخترع أي شيء بنفسه في «آبل»، وعاجز عن فعل أبسط الأمور كضرب مسمار بمطرقة!، رد عليه جوبز بأنه قائد الأوركسترا، محرك الموسيقيين أو المهندسين والمبرمجين في عيون العالم. 

وصدق جوبز في قوله، فلولا حماسه واندفاعه ورؤيته وحبه للكمال وتفكيره خارج الصندوق المثالي الذي حاول صنع شبيهه في الثمانينيات لما ظهر لنا الكثير مما كان يحلم.
 
ببساطة اهتم جوبز بشكل ومضمون ولون ومنظر أجهزته كمشهد طبيعي أخاذ، وحرص على أن تظهر المنتجات من تحت يده مختومةً بالكمال والبساطة والتفرد. وهذا من ذكاء جوبز، فقد حرص على أن تكون لمنتجات «آبل» فتحات ومنافذ وأجهزة وإكسسوارات خاصة بها فقط، هي من ينتجها ويوزعها ويبيعها، بالإضافة إلى نظام التشغيل المميز والآب ستور والآي تونز ستور. هذه النقطة هي ما ستجعل مبيعات سامسونج تتراجع بعد صراع مرير مع «آبل» بحسب توقعات الخبراء، فما عادت تقدم الجديد، خاصة مع استخدامها لنظام الأندرويد المعمول به من قبل شركات أخرى، بعضها يقل ثمن أجهزتها عن الشركة الكورية.

في الفيلم والكتب الراوية لقصة عملاق «آبل»، نرى طلبه الفاحش للكمال، وبحثه عنه بشتى الطرق، ولا أحد يتعجب عندما يرى أحد مغيري العالم الذي نعرفه يذهب إلى أبعد الحدود من أجل مراده. وكما قال إبراهيم عبدالقادر المازني: «الناس تتوقع الأفعال الغريبة والمريبة من الأدباء والشعراء»، وأزعم بأنه كان يقصد الفنانين كافة، بمن فيهم ستيف جوبز.

ستيف جوبز قائد ورائد أعمال بغض النظر عن شخصيته المختلف حولها، وفي حياته وعمله قصص يمكن لرواد الأعمال الصغار استخلاصها والاستفادة منها.

أولها: اغتنام الفرص الصغيرة قبل الكبيرة، فحجم الفرص لا يظهر للعيان في العرض الأول، بل قد يتغير على يد المبدع والمفكر.

ثانيًا: المال شيء وليس كل شيء. الصغير الداخل لعالم الأعمال واضعاً عينيه على المال كهدف أول سيفشل بالتأكيد، لأن غايته ستكون الربح السريع، لا المستمر المتواصل. والمال قد يكون هدفا للبعض، ولكن لا ينبغي أن يكون الهدف الرئيس، فهناك ما هو أسمى وأبقى من الدوافع كإحداث تغيير أو ترك أثر أو تطوير مجال، أو إثبات مبدأ. هذه الدوافع النفسية نتاجاتها أقوى من الدافع المادي لرواد الأعمال، وهي ما تدر وقود الإصرار لا المال.

ثالثاً: الاختلاف والتفرد هو ما يصنع الشيء والشخص والفكرة. الجميع يبحث عما يميزه ويقصيه عن باقي القطيع، وإن حدث وتميز أحدهم يقوم الآخرون بتقليده تدريجياً، وفي حالات كثيرة بعد محاربته. ثم يختلف شخص آخر ويُحارب ليقلد بعدها، وهكذا في حلقة لا نهائية كثقب أسود. هذا ما على الرواد أن يسعوا وراءه، الاختلاف، والمحاولة الجادة لجعل المختلف كاملا في جميع وجوهه. فالعميل في وقتنا الحالي لا يرضى «بأي شيء والسلام».. ما دام ليس صيني الصنع!.

رابعاً: التسويق الناجع، نجاح واقع!، التسويق هو نصف النجاح بعد النصف الأول، ألا وهو الفكرة المميزة. كم منا شعر لسنوات بأنه ينتمي لمخيم آبل، وبأنه لا يستطيع التغيير لمخيم آخر؟، هذا الشعور بالانتماء هو نتيجة تسويق شركة آبل العبقري، والذي يُرى بشكل واضح في موظفيها وهم يحيون الزبائن عند الافتتاح وكأنه متجرهم الخاص!، هذا الحس التسويقي نراه في شركات الطيران والسيارات، بل وحتى الأشخاص والقنوات التي يُجذب المشاهد إليها لأنه يحب الحرية والثورة والتعبير عن رأيه كما تفعل القناة، أو كما يظن الشخص أنها فاعلة!.

رواد الأعمال هم قادة الأوركسترا، قوائم فوربس تغص بهم، وهم يملؤون العالم، ويغيرونه فكرة.. فكرة.. فإن كان في داخلك عزيزي القارئ رائد أعمال صغير فابدأ العمل على فكرتك، واجعلها مشروعاً كبيراً.. هذا عصرك، الحق به قبل مغيبه!



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 19 نوفمبر 2015

أعطني رأيك

نصيحة يقدمها دائماً المعلمون والمثقفون للقارئ الجديد مفادها: «اكتب ملخصاً أو رأياً عن الكتاب ما إن تنتهي من قراءته». 

والبعض يكمل قوله بـ»دوِّن ملاحظاتك على نقاط الكتاب المهمة!»، وهذه النصيحة هدفها مساعدة القراء على فهم وتحليل واستيعاب ما تم تلقيه، وتمريره عبر الكتاب من الكاتب إلى القارئ، بالإضافة إلى أن الفائدة تتعدى إلى ترسيخ أفكار القارئ حول الكتاب، وتساعده على الرجوع إليها في أي وقت، خاصة مع انتشار تطبيقات الكتب مثل goodreads وغيرها من البرامج، حيث يستطيع القارئ أن يودع فيها تقييماته وآرائه في الكتب.

واليوم، أصبحت الساحة الأدبية ممتلئة بغير النقاد والمثقفين الذين يضعون آراءهم وتقييماتهم للكتب التي نقرأها أو سنقرأها، وأصبح لنا -معشر القراء المتواضعين-مكان «نغرد» فيه بتقييماتنا للكتب، حتى باتت لأصواتنا أهمية للأصدقاء والغرباء الذين قد لا يعرفون عنا سوى نوع الكتب المحببة لنا. 
وازدادت أهمية صوت القارئ في السوق، وكبر أثره بفضل معدل التقييمات، وما أكثر الكتب الناجحة رغم محاربة النقاد لها بسبب تقييمات عالية من قراء عاديين، لم يدرسوا الأدب في الجامعات ولا الدراسات العليا.

وأضع بين الأيادي اليوم بعضاً مما كتبته عن كتب قرأتها مؤخراً، مثل رواية «مائة عام من العزلة» لكاتبها غابرييل غارسيا ماركيز.
«كل كلمة في مكانها المناسب، بلا كلمة زائدة ولا كلمة ناقصة، هذه الرواية تعادل عشر روايات في أزمنة وأمكنة عابرة للحدود هي ببساطة حلم كل قارئ وكل كاتب».

وعن رواية «مزرعة الحيوان» لجورج أوريل، علقت قائلة:
«الحيوانات جميعها متساوية، لكن بعضها متساو أكثر من الآخرين!».
رواية رائعة بكل ما تمليه على العقل من رمزية وقيم تؤثر في الجميع أياً كان المخيم المنتمي له!.

وفي «سواح في دنيا الله» لمصطفى محمود كتبت:
«يضم الكتاب بين دفتيه مقالات قديمة النشر للمفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود. هذا الكتاب ليس بقوة الكتب السابقة التي قرأتها للدكتور، وعلى الأخص ليس بجودة كتاباته الدينية الروحية الفلسفية.
من يبدأ قراءته لمصطفى محمود عبر هذا الكتاب سيصاب بخيبة أمل، وموجة ملل، لكثرة الحشو الإنشائي فيه، وقلة الأفكار المنوعة. ولهذا أنصح من لم يسبق لهم قراءة مؤلفات الدكتور أن يبدؤوا بكتبه ذات الطابع الديني الفلسفي حتى يكتشفوا عمقه أولاً».

وعن المسخ أو التحول لفرانز كافكا:
«في أقل من مئة صفحة، يُشرِّح كافكا جميع الانفعالات البشرية من اليأس وحتى الرضا. هذا الساحر المستحق لمرتبة كبير السحرة يعلمنا كيف نتعاطف مع ونتقزز من حشرة ضخمة لا تربطنا بها إلا صفيحات قليلة، ولا أستغرب عندما أرى أثره في كتابات بورخيس وهاروكي موراكامي».

وأخيراً، حول «كابوس مكيَّف الهواء» لهنري ميللر:
«قرأت الترجمة العربية للرواية، وكانت جيدة نوعاً ما، ولكن أزعجني وجود الهوامش في آخر الرواية لا تحت الصفحة، خاصة أن الرواية تزيد عن 300 صفحة. صارعت فيها نفسي حتى أكملت المئة صفحة الأولى، ثم صارعت ثانية لأنهي الكتاب. الرواية متكلفة ومملة قليلاً حتى نصفها، ثم تلوح بادرات مشجعة من الكاتب لإنهاء السباق.
ألح الكاتب على أفكار معينة كمادية وعفن أميركا وروعة فنون أوروبا وروحية آسيا، وأعاد هذه الأفكار كثيراً بطريقة أو بأخرى.
أحببت حديثه عن الفن والرسم والكتابة والجمال وكل الصعوبات والأفكار المعبرة في روايته. وهي ما جعلت رحلتي على قاربه محتملة.
الرواية تحتاج لبعض من الثقافة في القارئ، وإلا سيبتعد عنها كلمة.. كلمة».

آرائي السابقة، كون مثلها كتباً ثرية لعظماء مثل عزت علي بيجوفيتش في كتابه طريقي إلى الحرية، وساعات بين الكتب لعباس محمود العقاد.

وأن يختم المرء قراءته لكتاب جيد أو سيئ، بتعبير رأيه، هو أجمل خاتمة وتحية لعالم الفكر والأدب والكتابة، بل والقراءة نفسها، لأنها تتويج لمهرجان القراءة التي تعود على القارئ الجاد بتكوين فكر خاص به، قائم على البحث والتحليل والنقد الذاتي.

دوِّن يا عزيزي القارئ رأيك حول كتبك المقروءة في مكان تحفظه، فيحفظك. ثم أفد نفسك وغيرك عبر مشاركة تقييمك، وأضعف الإيمان تغريدة لا تتعدى 140 حرفاً!.



جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 12 نوفمبر 2015

أين الكتاب العربي

مع قرب إقامة معارض الكتاب في الدوحة والكويت والرياض، وحالياً في الشارقة، يستعد بعض القراء بإعداد لوائح الكتب المهتمين بشرائها. فمعارض الكتاب خاصة في الخليج العربي، تخلق حالة ثقافية تفاعلية بين أفراد المجتمع والكتاب والمثقفين. فتكثر ندوات الكتب وحفلات التواقيع والبحث، وتصل إلى القارئ الخليجي الكتب من جميع أنحاء العالم، خاصة بعد أن أخذت بعض المؤسسات العربية على عاتقها ترجمة نخبة الأعمال الأجنبية إلى اللغة العربية مثل دار بلومزبري للنشر فرع مؤسسة قطر ومشروع كلمة للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة.
المطلع السطحي على معارض الكتاب سيراها مكدسة بالكتب العربية والأجنبية، وسيظن من عدسة زاويته بأن كل شيء على ما يرام في عالم النشر العربي، ولكن الحقيقة بأن أقل ما يصرف في الدول العربية يكون على البحوث العلمية والدراسات، وأقل منها بكثير ما تصرفه دور النشر العربية التي تلبي ما يطلبه متوسط القراء العرب أي الكتب الأدبية. وحتى عند الكتب الأدبية، نجد جميع أنواع الثمار، معظمها متعفن أو غير ناضج. وكما لخص الكاتب سمير عطا الله مشكلة الأدب العربي الحديث في مقالته أين الأستاذ؟ المعضلة هي الكتبة «الكُتاب» المتسرعون في نشر ما لا يحدث فرقاً، ولا يغير واقعاً، والنشرة «الناشرون» غير الناصحين وغير المتمهلين والمهملين اختيار نوعية الكتب الموضوعة تحت يد القارئ. فأصبح لدينا كتبة لم يتعلموا الكتابة، ونشرة تجاريون، يهمهم الفَرش والقرش قبل النوع والمستوى.
هاتان المشكلتان أثرتا بدورهما على عملية ترجمة الكتب العربية للغات الأخرى، فالقارئ العربي يختلف عن القارئ الأجنبي الذي قد يتوقف عن قراءة كتاب لأنه ذو أخطاء إملائية أو نحوية. وهذا ما جعل القراء الأجانب يبتعدون عن الكتب العربية. وحدث أن أعلنت دار نشر تترجم الأعمال العربية بأن الكثير ممن يقرؤها هم عرب يتحدثون لغات أخرى!
جميع هذه العوامل ألقت بظلالها على الكتب العربية الجيدة التي بعكس بحار العالم، لا يفصلها برزخ عن الكتب الرديئة. حتى أصبح البعض يهتدي إليها عبر الجوائز العالمية للكتب أو الأدب كجائزة نوبل للأدب وكتارا والبوكر العربية حيث إن الكثير من الكتب الجيدة لا تصل إلى القارئ لأنها تفتقر الترويج عنها في المنصات الأكاديمية والثقافية والإعلامية والبحثية.
في الوقت الذي ترتفع فيه مبيعات الكتب في العالم العربي، خاصة الخليج العربي، لا تلحقها نسبة القراءة إلا قليلاً. وهذا يدلنا على خلل كبير في المنظومة الأدبية والثقافية للدول العربية، وبالذات بعد شيوع برامج ونوادي وجوائز القراءة والمحاولة الجادة الكائنة في إنقاص الأمية المستشرية في العالم العربي. وأحد حلول مشكلة القراءة العربية يكون بحل معضلة النشرة المنتشرين والكتبة غير المهتمين حتى بمراجعة كتبهم قبل النشر.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 5 نوفمبر 2015

المواطن العالمي

يعيش الفرد اليوم بين أكثر من سبعة مليارات نسمة من سكان الأرض.. ويعرف بأنه مواطن عالمي، لا محلي ينتمي إلى بلده فقط. ففي دولته يتنقل عبر النفط السعودي والغاز القطري، ويعيش على القمح الروسي، ويلبس القطن المصري، ويدير شركاته الكبرى هنود قادمون من النصف الآخر من الكرة الأرضية.
يجلس الفرد على أريكته السويدية القادمة من آيكيا، شارباً كوباً من القهوة المصنوعة من البن الإفريقي وكوباً مملوءاً بالشاي الإنجليزي "ليبتون" ينتظر عودة زوجته من مطبخهم الأميركي. يشاهد قناة محلية تنقل مباراة البرازيل مع الأرجنتين، ويغيرها لبرنامج مغامرات في أستراليا على قناة ناشنول جيوجرافيك أبوظبي ما إن ترجع زوجته.
يحضر المواطن العالمي مهرجان الأفلام العربية في برلين، ويتابع أفلام هوليوود وبوليوود، ويحب المانغا اليابانية والمانغو الفلبيني.
لا يستغني هذا المواطن عن "التيك آوت" سواء أكان قهوة كندية من سيكند كوب أو نودلز صيني من أقرب مطعم. ولا يفوته أن يجرب المطاعم العالمية خارج دولته وداخلها.
يتكلم اللغات الخمسة الكبرى، الصينية والإنجليزية والإسبانية والفرنسية والعربية، وأكثر من هذه اللغات بمساعدة مترجم هاتفه الكوري سامسونج.
يعمل في شركة لبنانية تدير الحفلات والمؤتمرات المحلية والعالمية، فيستقل مرة إحدى طائرات الاتحاد الإماراتية ومرة خطوط الطيران القطرية.
يتابع المواطن العالمي الأخبار على الجزيرة والبي بي سي والسي أن أن. وفي مرات عديدة يجد نفسه يناقش أحد أصدقائه السودانيين أو الإيطاليين عن سوريا وروسيا وأزمتي اليونان واللاجئين.
هذا المواطن العالمي الذي جعلته سهولة التواصل والوصول عبر المواصلات والتكنولوجيا، مواطن محلي للعالم، يواجه أحياناً عندما يقلق أو يتكلم عن بعض القضايا المعاصرة، تهمة التدخل السافر في شؤون إحدى الدول، أو عدم فهمه الكامل لها لأن لها خصوصية تختلف عن باقي الدول، على حد قولهم. هذا الموقف يُوضع فيه بغير أساس في حالات كثيرة، حيث إن مخاطبه ينسى بأنه تحدث أو حتى تدخل في دول أخرى في مرات سابقة، وأن العالم فقد حدوده، فأصبح ما يهم سياسة دولة يهم سياسة دولة أخرى قد يفصلهم بحار ومحيطات، وما يؤثر على اقتصاد دولة قد يؤثر على اقتصاد أخرى. ولا أعني بما أقوله التدخل غير المطلوب أو المبرر من قبل أحد الأفراد بل الاهتمام الصادق والمحاولة الجادة في تقديم الآراء والحلول والمساعدات والتبرعات. ولولا تدخل مواطني العالم حول العالم، لما أنشئت جمعيات التطوير والتغيير والإغاثة والمساعدة والنهوض بالدول والأفراد.
هذا هو دور المواطن العالمي الحقيقي، إثراء الآخرين والعالم، كما أثري هو نفسه، عبر العالم.

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 29 أكتوبر 2015

برامج الأخبار العربية

لا أشاهد التلفاز لكثرة الإعلانات، ولأن من يعملون على المحتوى يمزجون السمين بالغث والجيد بالرث، ولكني تمنيت بعد متابعتي لمسلسل The newsroom «غرفة الأخبار» لو كان هناك برنامج حقيقي يقدم الأخبار بالطريقة التي قُدمت في المسلسل، حتى أتابعه.
تدور أحداث المسلسل حول مذيع ينوي تحت إشراف مدير قسم الأخبار في القناة وفريق عمله، على تقديم الأخبار بالطريقة الواجب تقديمها فيها، أي بعد تمييز الغث من السمين، حيث تُقدم الأخبار الصحيحة محققة المصادر والمهمة للمشاهد دون نشر الشائعات أو أخبار المشاهير الزائلة أو عدم المهمة، مع تحليل كل كلمة تُقال. المهم أن تكون كلمة حق، فلا يُجامل الضيف، ويسأل الأسئلة الكبيرة دون أن تكون له فرصة الهروب منها، وإن هرب منها، فالمذيع «ويل ماكفوي» سينبه المشاهد إلى هذا الهروب.
بعد مشاهدتي للمسلسل تغيرت نظرتي لبرامج الأخبار بكافة أنواعها خاصة السياسية والاقتصادية لأن المصلحة أكثر من أي شيء آخر هي ما يحكم هذين المجالين، ويحركهما، وليس رأي المشاهد أو فريق عمل البرامج. فكرت في هذا العالم الخيالي -والمثالي في نظري- لواقع برامج الأخبار. وفكرت فيما سيحصل لو حكم هذا النموذج عالم برامج الأخبار وقدمت الأخبار الحقيقية بناء على مواثيق شرف وأمانة مهنة الصحافة التي نراها تتدهور مع تقدم الوقت. العالم سيصبح أفضل، والناس سيعون ما يرون ويسمعون، والسياسيون سيحاسبون أنفسهم على كل كلمة يقولونها قبل أن يحاسبهم غيرهم. هذا ما كان ليحصل.
يتحتم علي أن أشير بأن نموذج المذيع «ويل ماكفوي» وبرنامجه، لا يوجد في عالم المسلسلات فقط، وأكبر مثال واقعي هو المذيع إدوارد مورو الذي ساعد في إدانة السيناتور جوزيف مكارثي بسبب حملته على الشيوعية في خمسينيات القرن الماضي، والتي أرهبت المجتمع الأميركي آنذاك. وتوجد في العالم العربي نماذج حسنة لغرف الأخبار كقناتي الجزيرة والبي بي سي العربية. ومن المذيعين ومقدمي البرامج والأخبار الجيدين، علي الظفيري وزاهي وهبي ويسري فودة، وغيرهم من النجوم. ومع ذلك معظم من ذكرت وغيرهم ممن أغفلت ذكرهم، نجوم خامدة. والمؤسف أن ابتعاد الأصوات الجيدة مهد الطريق للأصوات السيئة عديمة الضمير، فالكثير من مقدمي برامج اليوم، يفتقرون إلى الثقافة والوعي والاهتمام بميثاق شرف وأمانة مهنة الإعلام والصحافة، فمنهم لا يبالي بتقديمه لإشاعة ما دامت «خبطة صحافية»، ومنهم من يعطي معلومات مصادره السرية! بل ومنهم من يبلغ عن مصادره تحت خرق كامل لمبادئ عمل الصحافي وميثاقه!.
سبب من أسباب عدم تطور الإعلام والصحافة والبرامج بشكل عام في عالمنا العربي، هو تقييد الحريات وافتقار الجرأة والخوف من التطرق للخبر عبر المواجهة المباشرة. وكيف لهم أن يتجرؤوا والناس ترفض الحديث لهم لأن ميثاق وأمانة المهنة لا تحترم؟.
إصلاحات البرامج وغرف الأخبار تبدأ من الداخل، بعد تسطير قيم الحق والعدالة والصدق الأخلاق النبيلة، وعدم استغباء المشاهد لمصلحة ما. وبعد ذلك يتم البحث عن الرجل أو المرأة المناسبة، في المكان المناسب. ومن ثم تُقدم الأخبار، عبر تقديم الخبر وتحليله.. لا صناعته!


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 22 أكتوبر 2015

البقاء للأذكى

كثيراً ما نتعامل مع العقل باستخفاف ولا مبالاة، فبدل أن نوقظه ونجعله يذهب إلى العمل، نحبسه ونسلم مفتاحه إلى شخص آخر ليضعه في المكان والزمان وبحسب الطريقة التي يراها مناسبة!.
ننسى عندما نهمل إعمال عقولنا أنها كعضلات جسدنا الأخرى، تحتاج إلى الماء والطعام والتمارين الرياضية! وبخلاف جسم الإنسان، العقل لا ينمو إلا بإضافة التمارين الرياضية بجانب الماء والطعام. وهذه التمارين تكون في القراءة والتعلم المستمر والبحث ومشاهدة الأفلام والسفر والاحتكاك بالناس والفن واللغات والثقافات والألوان المختلفة حول العالم.
الفنون والعلوم من حولنا تمرن وتساعد عقولنا على التفكير والتحليل والتخيل، وفي الوقت نفسه تستثير خلايانا العقلية لإنتاج الإبداع. فالكتاب قد ينتج بسببه كتاب آخر، والأغنية قد ينتج عنها أغنية أخرى، بل والفيلم قد ينتج عنه اختراعات جديدة مثل طابعة الأشياء ذات الأبعاد الثلاثية والسيارة ذاتية القيادة وغيرها كثير مما رأيناه في قاعات السينما قبل أن نراه على أرض الواقع.
نحتاج إلى تمرين العقول كي تبدع وتفكر.. والفكرة تنتج فكرة أخرى، والفكر ينتج فكراً غيره، فالعقل يتفتح كالزهرة، عندما تجد من يسقيها، ورحيقه هو الفكر. الفكرة قد تتولد من المؤثرات المحيطة بالإنسان، سواء أكانت أغنية أو فيلما أو مقالة أو لوحة أو حلما أو حديثا عابرا أو نقاشا حادا أو مشهدا مؤثرا، أو خبرا قُرئ على عجل في إحدى الصحف. الفكرة في هذه الحالة مادة خام، كالبترول في أول لحظات استخراجه من باطن الأرض أو البحر، بلا فائدة كبيرة، ولكن ما إن تتم معالجته وتكريره حتى يصبح باهظ الثمن، مرتفع القيمة. الفكرة هي المادة الخام للعقل، إما نحبسها في البواطن أو نطلقها إلى الحياة بشكلها دون فائدة أو بفائدة لا تذكر، أو نعالجها ونخلق لها بيئتها اللازمة للنجاح ثم نرسلها لتعود علينا بعدئذ بالجائزة الكبرى.
الفكر هو ما يجعلنا نمضي في الحياة، أما الفكرة فهي ما قد ينقذ حياة أحدنا يوماً ما، وهي الصندوق الأول للإبداع. والإبداع هو ما يميزنا كجنس بشري، فنحن اليوم نتذكر المصريين والرومانيين القدامى بعمارتهم وهندستهم الرائعة، واليونانيين بفلسفتهم وأدبهم. وهذا الإبداع أيضاً هو ما سيميز بيننا كبشر وبين الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب. وحدث أن صرحت وزارة التعليم اليابانية مؤخراً بأن أحد أهدافها ورؤيتها لعام 2040 هي إعداد أجيال يابانية تجاري الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي، وذلك عبر التركيز على الأمور التي لا تستطيع فيها الآلات والأنظمة مواكبة الإنسان مثل المهارات المختلفة والقيادة والإبداع.
ولدوا أفكاركم أو ساعدوا الغير في ذلك، كما كان سقراط يفعل عندما يناقش الغير. وهو الذي كان يرى أن وظيفته لا تختلف عن وظيفة أمه الداية، فهو يولد الأفكار، وأمه تولد النساء.
بكل بساطة، في المستقبل البقاء للأذكى وللمتفردين بإبداعهم ومهاراتهم وقيادتهم.

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الخميس، 15 أكتوبر 2015

مقالة متخمة بالرسائل

«من كان يتوقع أننا ونحن في عصر الإنترنت والسكايب والبلاك بيري، سنترك كل هذه الوسائل لنعزل أنفسنا في صوامع الرسائل والحبر الأخضر الذي نتخيله دائماً سائلاً عليها؟ إن هذا ليبدو غريباً بالنسبة لغيرنا كما بدا لي عندما فكرت في اتفاقنا ملياً! ولكن بعد قراءتي لرسالتك، وكتابتي لرسالتي هذه، أشعر بأن هذه الرسائل ستكون فسحة لنا نرتاح فيها من ضجة الحياة، ونزهة نأخذ فيها بيد الأفكار دون أن ندين بعضنا بسببها!».
هذا ما كتبته لصديقتي بعد أن اتفقنا على أن نتراسل عبر الرسائل الطويلة في زمن الواتساب وتويتر والفيس بوك ذات الرسائل القصيرة والحوارات السريعة! رغم حماسي لهذه الفكرة وقتها إلا أنني لم أفهم سبب ذلك حتى الآن، عندما أعدت قراءتها وعرفت أن الرسالة لها مكانتها ودفؤها وخطوطها وتاريخها وآثارها الوقتية ونتائجها المكانية.
كتبت لصاحبتي في رسالة أخرى: «الرسالة كالمرساة التي يلقي بها البحار في البحر كي تثبت السفينة، وتربطها بالبحر، وأنا ألقي بها في حضنك، كي تربطنا، وتقربنا، فالرسالة تعبير عن شوق العاشق، وغصة المهجر، وألم الغربة، ومعزة الأصدقاء، وحب الوطن».
الحب الذي نشعره عندما نقرأ رسائل مي زيادة لجبران خليل جبران، هو ما نحبه عندما نقرأ رسائل غسان كنفاني لغادة السمان. حب كهذا لا تختصره رسائل نصية قصيرة ولا سؤال بسيط يحمله إيميل. الرسائل أعمق بكثير من قاع سؤال، أنهته علامة استفهام، ففيها تبدأ الأجوبة، وربما لهذا سميت بـ «جوابات» عند العامة. 
الرسائل هي تأريخ للمكان وثوب يلبسه الزمان، تعبر عنهما بحروف محظوظة، لأن أكثر الكلمات حرية هي تلك التي تجد لنفسها حيزا في رسالة ما.
هذه المقالة رسالة كي تبدؤوا بكتابة رسائلكم الخاصة، لشخص واحد على الأقل، سواء أكانت رسالة حب أو شكر أو دعم أو تفريغ مشاعر، تهتدي بها أنفسكم وترتاح بها قلوبكم سواء أكانت لكم أو لغيركم، حتى وإن لم يطلع عليها أحد.
أذكر أنني قد كتبت مرة: «يترجم محمد الضبع كي يحافظ على لياقة الحياة، على حد قوله، وأنا أكتب إليك كي أكسب الحياة، وأكتب لقراء الصحيفة كي أتأكد بأنني هناك مثلما أنا هنا! وأكتب لك كي أتأكد بأنني هنا مثلما أُوجد هناك!».
وكتبت أيضاً: «لا تنتظري شيئاً ليس مستعداً لأن يأتي، بل اذهبي إليه، فالحياة لا تنتظر. كل ما نستطيعه هو أن نفعل ونفعل حتى نمتلئ بالراحة والقناعة كما يمتلئ الدب القطني بحب الأطفال». فأسرعوا وتبادلوا الرسائل مع من تحبون ولا تفوتوا هذه الذكرى!

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 8 أكتوبر 2015

هل نعيش في فندق 5 نجوم؟

هناك بعض الخيالات التي تطاردنا كبشر كلٌّ بحسب هواه، كالسفر حول العالم عبر قارب، أو تسلق أحد الجبال الشاهقة، أو السكن طول العمر في فندق من فئة 5 نجوم تحت الخدمة!
في مجتمعنا القطري المحافظ يعيش بعض الأفراد أو يحاولون العيش في فندق من فئة 5 نجوم دون مقدرة وتحت خدمة التبذير. وأقول محافظ، لأنه يحافظ على الكثير من عادات وقيم ليس من بينها الممتلكات والمال. ونرى هذه الحقيقة في رسم الفندق الذي سأوضحه لكم.
حول الفندق الفخم وعالي المستوى تقوم حديقة غناء تنشرها الكهرباء، وترشها المياه ليلاً ونهاراً، لنرى بعدها الفندق الكبير، ذا الرخام الأسود والمرمر الأبيض. في داخله يوجد الخدم والطباخون كما يُوجد السائقون والمزارعون والحراس خارج الفندق، وبالإضافة لهم لا ننسى المربيات اللاتي تتناسب أعدادهم مع أعداد أطفال الفندق.
يعيش الجميع في هناء داخل الفندق، دون تفكير في المستقبل أو أية مسؤولية، أو اعتبار للأولويات المنطقية، كعطلة سنوية مفتوحة التاريخ. انتهى.
قد يقول معلق- صادقاً- إنني بالغت في وصفي السابق، ولكن هل سننتظر الوصول إلى هذه المرحلة كي نستيقظ؟
الطفرة التي مرت وتمر بها قطر على جميع الأصعدة خاصة الاقتصادية أصابتنا «بتبلُّد مالي» من بين أمراض كثيرة بعضها صحي واجتماعي وروحي ونفسي. تغير الحياة من حولنا طبيعي نظراً لهذه الطفرة، ولكن تغيرنا السلبي لم يكن بالضرورة نتاجاً للتغيرات الكبيرة، بل خنوعنا نحو الملذات والمسرات بعد أن عشنا في شظف قبل النفط والغاز.
كم منا علم أولاده الادخار منذ صغره؟ من منا وضع المال لمستقبل أبنائه ولم يضيعه في سفرات دورية وسيارات وإكسسوارات براقة تُستبدل كل سنة بما هو أغلى منها؟ من منا طلب من ولده أن يذهب بنفسه ويحضر ما يريده بدل أن يطلبه من الخادمة؟ هل يوجد مِن بيننا مَن ربَّى ولده بنفسه وليس خادمة باسم «مربية»؟ كم منا يحرص على أن يتأكد كل ليلة أن جميع الأضواء وصنابير المياه مطفأة ومقفولة، مع علمه بأن الدولة هي التي ستدفع فواتيره؟ من منا حرص على ممتلكات الدولة في الحدائق والساحات وحرص على عدم رمي أي قاذورات في الشارع مع علمه بأن الدولة تستطيع تحمل تكاليف النظافة والممتلكات؟ كم منا يتصرف في حياته بمسؤولية، وعلى أساس أنه لا يسكن فندق من فئة 5 نجوم، وأن كل شيء يقوم به سيُحسب عليه صحياً ونفسياً واقتصادياً واجتماعياً وروحياً، وأنه سيدفع الثمن لاحقاً، صاغراً لا مكبراً كما يفعل عندما يسافر إلى الخارج ويشغل أفخم الفنادق؟ هذه من أطول الأسئلة التي يمكن للمرء أن يسألها لنفسه، ولكنها لازمة كي نعي مرحلة التبذير وعدم التفكير التي وصلنا إليها، من ناحية عدم اهتمامنا بالمستقبل سواء مستقبل الدولة أو أولادنا أو من نواحي أخرى كانقلاب أولوياتنا السليمة من مخبر إلى منظر، وتراخي أسسنا الاجتماعية التي كانت يوماً ما سبب قيام دولتنا العزيزة.
أُذكر بأنني أشير إلى بعض أفراد المجتمع دون تعميم، وتبقى هناك الكثير من النماذج الحسنة في مجتمعنا، والتي نأمل أن نقتدي فيها، فتصلح أحوالنا ولا نضيع أنفسنا بتضييع مسؤولياتنا وأولوياتنا. ولا أنسى أن أضيف: لا بأس أن نعيش في فندق من فئة 5 نجوم ونرفه عن أنفسنا كما هو الحال عند سفرنا، ولكن لبعض الوقت لا طوال السنة!


صحيقة العرب القطرية


الخميس، 24 سبتمبر 2015

سر السعادة

روى الكاتب البرازيلي باولو كويلو، قصة تدور أحداثها حول فتى يلجأ إلى حكيم كي يتعلم سر السعادة. وعندما يصل إليه، يطلب منه الحكيم أن يدور في قصره وحديقته، ممسكاً بملعقة تحمل قطرتي زيت دون أن تسقطا على الأرض. فعل الفتى ما طلبه الحكيم وأنقذ قطرات الزيت من السقوط حتى رجع إلى الحكيم مرة أخرى. سأله الحكيم إذا كان قد رأى اللوحات الملونة عند مدخل القصر؟ أو لمح الزهور المتناثرة في ممرات الحديقة؟ أو النجود الفارسية في قاعة الطعام؟ اعترف الشاب بأنه لم ير شيئاً مما ذكره الحكيم لشدة تركيزه على قطرات الزيت وحرصه على عدم سقوطها. طلب الحكيم من الشاب أن يرجع إليه بعد أن يتجول في البيت لمرة ثانية. وهذا ما فعله الشاب، وعندما رجع إلى الحكيم أخبره عن كل الأشياء الرائعة والجميلة التي شاهدها في القصر، ولما انتهى، سأله الحكيم عن قطرات الزيت، وفي هذه اللحظة انتبه الشاب لخلو الملعقة من الزيت، فقال له الحكيم: «سر السعادة و أن تنظر إلى كل روائع الدنيا دون أن تنسى أبداً نقطتي الزيت في الملعقة».
يُفهم من القصة أن السعادة شاقة قد يتهاون الكثير في سعيهم لها، وأنها قائمة على التوازن كما تشرح نصيحة الحكيم للشاب، أي تحقيق الموازنة بين مشاهدة روائع الحياة والحفاظ على قطرات الزيت. وقطرات الزيت هذه قد تكون دينا أو عملا أو حلما أو حبا أو تكوين عائلة أو الوصول إلى إنجاز أو مزيج مما سبق.
السعادة أيضاً، سر لا يُكشف لأي شخص، فهي حتى الآن من أكثر المفاهيم التي تعددت تعريفاتها ومداخلها من قبل العلماء والمفكرين وحتى الحكماء. وهذا يرجع إلى اختلاف الأشخاص أنفسهم لا اختلاف السعادة من شخص لآخر، فشخص يحلم بامتلاك بيت مطل على الشاطئ وامتلكه، ستبين على وجهه ملامح السعادة نفسها التي ستظهر على وجه من حلم بمنصب ما وحصل عليه! تختلف السبل والمفاهيم، والسعادة واحدة لا تتغير أو تختلف، ولا يوجد طريق واحد لها يحمل خطوات مرقمة من الواحد حتى المائة، ولكن توجد مؤشرات ترمي لها ومنغصات تُبعد عنها في الطريق إليها.
ومؤشرات السعادة هي كل ما يضع المرء على الطريق الذي يريده، فإن كان يحلم ببدء مشروع، فمؤشرات السعادة هي انغماسه في تفاصيل المشروع واستشارة الأصدقاء ومحاولة تحقيق الحلم. ومنغصات السعادة هي ما يحبط ويجعل المرء لا يرى أهمية العمل والتفكير، مثل مقارنة الشخص نفسه بشخص آخر كمارك زوكربرج مؤسس الفيس بوك وأحد أصغر مليارديري العالم! المقارنة بالتحديد هي أحد منغصات السعادة والحياة أيضاً، ففي الدول الاسكندنافية تكثر معدلات الانتحار، والسبب أنها الدول الأسعد حول العالم! فهناك تكثر المقارنات بين الأفراد، بين حزين وسعيد، وسعيد جداً وسعيد جداً جداً!
تحدثت في مقالي السابق «الدولة السعيدة» عن سعادة الدول، وأنها تُولد من أفكار وأعمال الفرد بحسب الفارابي، وهذا يتطلب سعادة الفرد ورضاه أولاً، فكيف يُتوقع من فرد محبط أو يائس أن يعمل ويبدع وينتج من أجل بلد أو في بلد يُشعره أو يشعر فيه بهذه المشاعر؟ هذا يرجعني إلى ارتباط سعادة الدول وأسبابها بسعادة الشعوب وأسبابها، فالفرد أيضاً لن يكون سعيداً إلا بالفكر والعمل والحب، وكما قال آلبرت آينشتاين: «إذا أردت أن تحيا حياة سعيدة، فاربطها بهدف، ولا تربطها بشيء أو شخص آخر».


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الخميس، 17 سبتمبر 2015

الدولة السعيدة

العالم المسلم الكبير أبو نصر محمد الفارابي أو المعلم الثاني، كما يُلقب، نسبة لأرسطو «المعلم الأول» لإنجازاته في علم المنطق، لم يُبدع ويُضف في هذا المجال فقط، بل كانت له بصماته المحسوسة في الفلسفة والاجتماع والسياسة والعلوم وحتى الموسيقى. وما يهمني في مقالي هذا علاقته بالفلسفة، وخاصة بالأساتذة التلاميذ أفلاطون وأرسطو.
تأثر الفارابي بالفلاسفة اليونانيين كثيراً، وحاول الجمع بينهم وكتب عنهم وزاد عليهم. كتب عن المدينة الفاضلة التي حلم أفلاطون بها في كتاب «آراء أهل المدينة الفاضلة» مع الفوارق الواضحة في عوالم هذين القطبين. و»المدينة» الفاضلة التي تعادل ما نسميه «الدولة» في زمننا هذا، هي باختصار مبسط، المدينة التي يتعاون فيها أفراد المجتمع لنيل السعادة عبر الفكرة والعمل.
هذه الدولة الفاضلة هي حلم الكثير من الدول والأفراد، الكل يسعى وراءها ومن أجلها، ولهذا كتب الإنجليزي توماس مور روايته «يوتوبيا»، ولهذا نجد الدول تتفاخر عند وجود شعوبها في قوائم الشعوب الأكثر سعادة في العالم، ولهذا نرى دولاً كالبوتان تهتم بمقياس السعادة المحلية الإجمالية، على غرار الناتج المحلي الإجمالي في دول العالم!
هذه التصنيفات للدول وشعوبها وطبيعتها، تجعل المرء يحتار في حال دولته، هل هي سعيدة؟ هل هي فاضلة؟ وهل تكفي أن تكون سعيدة دون الفضيلة؟ وما هي الفضيلة؟ وبأي معيار نقيسها؟ وما هي السعادة؟ هل هي الإنجاز أم الإيمان أم المال؟ هل السعادة هي الاكتفاء؟ وأي نوع منه؟ أم هي مجرد شعور يصله العقل والقلب ويُقطع وصله في أي وقت؟ وهل سيساعدك عزيزي القارئ معرفة أن وزراء السعادة حول العالم -وغالباً هم من وزراء العمل والضمان الاجتماعي- يرتبطون بطريقة أو بأخرى باقتصاد الدولة وطريق المال إليك؟
لأزيد من ورطة الحيرة، سأعرفكم بتصنيفات الفارابي لأشكال أخرى مختلفة للدول، واحتفظوا بأسماء الدول التي تقفز إلى أذهانكم. هناك الدول الشريرة التي لم يعرف شعبها السعادة الحقيقية، ويتعاون شعبها على أن يكونوا ممدوحين مُكرمين. وهناك الدول الخسة التي تتجسد غاية أهلها في التمتع باللذة من المحسوس والتخيل وإيثار الهزل واللعب. وهناك دول التغلب التي يقصد أهلها أن يكونوا القاهرين لغيرهم وهدفهم لذة الغلبة. والدول الجماعية وأهلها ممن يفعل كل ما يطيب لهواهم. والدول الفاسقة التي يعلم أهلها السعادة والله والعقل الفعال، ولكنهم يعملون أفعال المدن الجاهلة. والدول المتبدلة التي كانت آراء أهلها وأفعالهم مطابقة لأهل الدولة الفاضلة إلا أنها تبدلت فدخلها الفساد. وأخيراً الدول الضالة التي تعتقد في الله والعقل الفعال آراء فاسدة، ويدعي رئيسها أنه موحى إليه.
يُميز الفارابي -بحسب تعبير شاكر بن شيهون- بين أشكال الدول المختلفة، على أساس معرفتهم الناقصة للسعادة الحقيقية، وهذا ما يضع كل دولة في مرتبتها بحسب تصنيفه، ويُميز الدولة الفاضلة.
بعد كل هذه الفواصل والنقاط، يُصبح البحث عن معنى السعادة الحقيقية داخل كل فرد أمراً حتمياً، حتى تصل السعادة إلى مرحلة الدولة بالعمل والأفكار الخلاقة، وإلا كان كل ما قيل، مجرد «فلسفة»!


جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

الجرم الصغير و العالم الأكبر



١-
أنا المحور
أنا الوسط
أنا راسمة الدوائر بأقطارها
يتبعني ألف كوكب دون مُسألة
يرضى من يرضى منهم بوصل حرارتي
و لا يسخط من ترفضه أشعتي
و من هُم ليرضوا أو ليسخطوا؟
أنا الراعي و هم القطيع

(شمس في مجرة غير معروفة)

٢-
أعرف بأن عملي الجاد لن يذهب هباء منثوراً
أعرف بأن عمل أجدادي الذي
استمر أكثر من خمسين عاماً في هذه المملكة
سيبقى لسبب أو لآخر
لأن هناك عالم أكبر من مملكتنا
بقي لسبب أو لآخر
و لم يتغير منذ ولادتي
رؤيتي التي منعت الماء
من التسلل إلى ممرات المملكة 
و قتل الجميع
هي بصمتي و نجاحي في هذا العالم
سيتذكرني الجميع عندما أرحل
أنا متأكدة

(نملة في وقت راحتها)

٣-
يا رب سامحني
 على ما أنا مُقدم عليه
الماء شحيح و حفر البئر لازم
يا رب..
أنقذ ما سيتبقى من نمل
تحت أقدامي
فلا أنا بقارون و لا سليمان!

(فلاح يحرث الجفاف)

٤-
منصب رئيس عمال النظافة
خُلق لي
أنت تعلم هذا أليس كذلك؟
هل تنكر بأنني أترك لك دائماً العلب البلاستيكية لتجمعها؟
من يزهد بعمله و يُخلص له أكثر مني؟
و لكنهم يغارون مني
و لهذا لن أحصل على هذا المنصب أبداً!

(عامل نظافة يحادث صديقه المشرد)

٥-
أصبحت أبلل سريري كل ليلة
و لا أريد أمي أن تغضب مني أنا أيضاً
أتمنى أن تصلح بين أبي و أمي
كما أصلحت بين الشيطان الأكبر و الشيطان الأصغر
كما سمعت من أبي
و أوعدك بأنني سأصوت لك عندما أكبر


(طفل يكتب رسالة لرئيس الدولة)



الاثنين، 14 سبتمبر 2015

طاقية الحلم

اليأس حليف أجيال اليوم. هذا ما يحكيه الواقع. الضغوطات كثيرة و ثقيلة على الشعوب العربية، و على فئة الشباب خاصة، الذي يرى و هو لم يبدأ بعد حياته، اقتصاد العالم على حافة الهاوية بجانب أسواق النفط و العملات و الأسهم العالمية و المحلية. و لا تغير من نفسية هذا الشاب الأخبار السياسية أو الإجتماعية، فالحروب منتشرة في اليمن و سوريا و ليبيا، و المجتمعات المتفككة في كل مكان حتى أصبح غير المتفكك منها هو ما يُعد على الأصابع!
و فوق كل تلك الأكوام من قبعات اليأس و الإحباط، الموضوعة على رؤوس الشباب العربي، الذي يُطلب منه أن يبدع و يبني مجتمعه، نراه مشغول-لو كان يملك بيته و قوت يومه-بمحاولة الحفاظ على نفسه سليماً من الطعام السيء المطبوخ بزيت مهترىء يسم الجسد، و على عقله سليماً من مناهج الدراسة التي عفا عليها الزمن، و على رأيه معتدلاً فوق كل الترهات التي يقولها "إعلاميون" سُميوا كذلك فقط لأنهم ظهروا على التلفيزيون أو تملكوا قناة.
ثم تستفسر وزارات الصحة العربية بعد ذلك عن تفشي أمراض القلب و السرطان و السكر، و تردي صحة المواطنين و المقيمين على حد سواء في بيئات لا يُعتبر فيها الهدوء ولا الهواء أو الماء أو الطعام! و تستنكر وزارات الإعلام ما يفعله "الإعلاميون المحترمون" على الشاشات و ما يكتبه الكتاب في الصحف! و تلحقهم وزارات التعليم و تطلب من الطلاب إعمال عقولهم "الناقدة" في خضم كل هذا الصخب و الفوضى! و لا تنسى وزارات الداخلية دورها في تحذير الشباب من افتعال أي مشاكل أو تجاوز لأي نوع من"الحريات"!
بجانب كل هذه القبعات، تقبع طاقية الحلم، التي نساها عدد كبير من أبناء جيل اليوم. لماذا نسوها؟ لأن أحداً لم يُعرِفهم أو يذكرهم بها. الكل يريد لهذا الشباب أن يعمل، و ليس أي عمل، بل العمل الذي يدر عليه الدولارات و يجنبه أن يسقط مقتولاً من ثقل القبعات سيئة الذكر، المرض، قصر العمر، اليأس، الكسل، الإحباط، الفشل، تفكك الأسر، انعدام الأمن و غيرها. نسوا أن العمل بدون حلم، لا يقيهم من تلك القبعات، بل يزيدها هماً و ثقلاً.
على الشباب العربي ألا يسمع لمن يُحبطهم، و يقتلهم معنوياً، على شاشات التلفاز و في بيوتهم، قبل أن تبدأ حياتهم. و عليهم أن يبدأوا الحلم، و يطلبوه كما يُطلب العلم و يُعمل به. فإن أرادوا وظيفة ما، في زمن يصعب العثور فيه على وظيفة، فعليهم السعي وراء التحلي بصفاتها و أكثر، حتى يقدروا عليها، و إن أرادوا أن يحافظوا على أنفسهم و أجسادهم، فلينقحوا أفعالهم الخاصة، و ليقيسوا بالميزان، ما فشل "الحكم" "المسؤول" في قياسه.
و أهم من كل ما سبق، على الشباب العربي أن يحرق كل قبعات البؤس و الإحباط النفسي و الجسدي، و يلبس طاقية الحلم، بأقوالها و أفعالها، و تذكر بأن روما لم تُبنى في يوم واحد، و أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، أي أن كل شخص منا، له دور في هذه الحياة، و عليه فقط أن يرقى لهذا الدور.


تدوينة لي في موقع هافينغتون بوست عربي
المصدر


الخميس، 10 سبتمبر 2015

تمرين صباحي: ابتسم!

الجميع يريد الطريق السهل البسيط، حتى أصبح الطعام سريعاً، والقهوة تُشرب وقوفاً، والربح المنشود في مضاربات أسواق الأسهم والعملات. وفي خضم تقلبات الزمن وتسارعه، ازدهر سوق «تطوير الذات» أو سوق «الحصول على ما تريده» كما يُراد تصويره. وهكذا بات معظم متابعي أشرطة أو كتب أو جلسات مدربي تطوير الذات، ذوي أهداف مادية أو وقتية، وأقل منهم بكثير من رغب حقاً بتطوير ذاته جزئياً أو جذرياً وبشكل متواصل.
هل شهد عصرنا أجيالاً تغيرت بحجم هذا السوق الهائل؟ لا، لم يحدث، ولكنا شهدنا تضخم هذا السوق ومستغليه من مدربي ومطوري الذات المتكاثرين! الحقيقة أن أوقات وجهد وأموال الراغبين بالتغيير تضيع وراء سراب ضعيف خلقه السوق، الذي صيّر كل من هب ودب مدير ومدرب ومطور «ذات» بحسب المسمى الذي يختاره الشخص لنفسه دون أي أحقية! وما لا يعرفه هؤلاء ومتابعو سوق تطوير الذات أن %95 منه، فارغ المضمون، جميل الغلاف والشكل، وكله كلام معاد تعبيري وأدبي حول «الإيجابية دائماً» و»التغيير بدءاً من الذات» و»كل شيء يأخذ وقته لأن كل شيء في وقته»، وغيره من الكلام الذي يصبح من كثرة تلقيه بلا فائدة أو تأثير. أما %5 الباقية، من هذا السوق الهائل فهي التذكرة الرابحة، وهي الصفقة الحقيقية الأكيدة، والتي يحكي فيها الخبراء عن تجارب وتمارين وأساليب تفيد وتؤثر وتصحح طرقاً ومفاهيم وشخصيات وحياة من يستمع بأذنيه وقلبه. 
%5 المتبقية هي مذكرات وقصص نجاح عمالقة الفن والاقتصاد والرياضة والسياسة من جميع أنحاء العالم، مثل السفير غازي القصيبي، وستيف جوبز مؤسس شركة أبل، ومؤسس مجموعة علي بابا، جاك ما، وغيرهم الكثير. بالإضافة إلى إصدارات كبار المتحدثين المشجعين على التغيير، مثل ستيفن كوفي صاحب الكتاب الشهير «العادات السبع للناس الأكثر فعالية» وجوردان بلفورت الذي صُورت حياته في الفيلم الشهير «ذئب وول ستريت»، وديل كارنيجي الذي يُعد أحد أهم الأوائل المضيفين في هذا المجال. وأزيد على ذلك التمارين المعروضة على «يوتيوب» أو المكتوبة في الكتب، والتي تملي أفعالاً يُكتسب بها عادات أو صفات، أو يقوم عبرها الشخص بأعمال، كانت المطلب الرئيس له في سوق تطوير الذات، مثل دفاتر التمارين المترجمة والصادرة عن دار لولوه للنشر، والتي تبحث في بعضها كيفية اكتشاف المواهب المخبأة، أو كيفية العثور على الهدوء الداخلي، أو تخليص النفس من العوائق المعيقة للتقدم، وغيرها من دفاتر التمارين الأخرى التي لا تلقن الترهات المهترئة، بل تعلم بالفعل والعمل كيف يحصل الفرد على ما يريده فعلاً منها. ولا يتم تحصيل النتائج الجيدة من هذه الدفاتر أو الفيديوهات التي تعرض هذه التمارين إلا بإعادة التمرين مرة بعد الأخرى، وبشكل مستمر حتى تصبح ممارسة مُلتصقة بالشخص.
أخيراً، سعي المرء وراء تطوير الذات ومعرفته حاجته الشديدة لذلك، مهمة، وتقدم في حد ذاته. الأهم من ذلك أن يعرف أيضاً أنها بلا ثقافة عامة حول مواضيع الدين والحياة والعالم، يخسر الكثير من فوائد تطوير الذات والذي لا يُعوض بغيره.


جواهر محمد عبدالرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...