الخميس، 15 أكتوبر 2015

مقالة متخمة بالرسائل

«من كان يتوقع أننا ونحن في عصر الإنترنت والسكايب والبلاك بيري، سنترك كل هذه الوسائل لنعزل أنفسنا في صوامع الرسائل والحبر الأخضر الذي نتخيله دائماً سائلاً عليها؟ إن هذا ليبدو غريباً بالنسبة لغيرنا كما بدا لي عندما فكرت في اتفاقنا ملياً! ولكن بعد قراءتي لرسالتك، وكتابتي لرسالتي هذه، أشعر بأن هذه الرسائل ستكون فسحة لنا نرتاح فيها من ضجة الحياة، ونزهة نأخذ فيها بيد الأفكار دون أن ندين بعضنا بسببها!».
هذا ما كتبته لصديقتي بعد أن اتفقنا على أن نتراسل عبر الرسائل الطويلة في زمن الواتساب وتويتر والفيس بوك ذات الرسائل القصيرة والحوارات السريعة! رغم حماسي لهذه الفكرة وقتها إلا أنني لم أفهم سبب ذلك حتى الآن، عندما أعدت قراءتها وعرفت أن الرسالة لها مكانتها ودفؤها وخطوطها وتاريخها وآثارها الوقتية ونتائجها المكانية.
كتبت لصاحبتي في رسالة أخرى: «الرسالة كالمرساة التي يلقي بها البحار في البحر كي تثبت السفينة، وتربطها بالبحر، وأنا ألقي بها في حضنك، كي تربطنا، وتقربنا، فالرسالة تعبير عن شوق العاشق، وغصة المهجر، وألم الغربة، ومعزة الأصدقاء، وحب الوطن».
الحب الذي نشعره عندما نقرأ رسائل مي زيادة لجبران خليل جبران، هو ما نحبه عندما نقرأ رسائل غسان كنفاني لغادة السمان. حب كهذا لا تختصره رسائل نصية قصيرة ولا سؤال بسيط يحمله إيميل. الرسائل أعمق بكثير من قاع سؤال، أنهته علامة استفهام، ففيها تبدأ الأجوبة، وربما لهذا سميت بـ «جوابات» عند العامة. 
الرسائل هي تأريخ للمكان وثوب يلبسه الزمان، تعبر عنهما بحروف محظوظة، لأن أكثر الكلمات حرية هي تلك التي تجد لنفسها حيزا في رسالة ما.
هذه المقالة رسالة كي تبدؤوا بكتابة رسائلكم الخاصة، لشخص واحد على الأقل، سواء أكانت رسالة حب أو شكر أو دعم أو تفريغ مشاعر، تهتدي بها أنفسكم وترتاح بها قلوبكم سواء أكانت لكم أو لغيركم، حتى وإن لم يطلع عليها أحد.
أذكر أنني قد كتبت مرة: «يترجم محمد الضبع كي يحافظ على لياقة الحياة، على حد قوله، وأنا أكتب إليك كي أكسب الحياة، وأكتب لقراء الصحيفة كي أتأكد بأنني هناك مثلما أنا هنا! وأكتب لك كي أتأكد بأنني هنا مثلما أُوجد هناك!».
وكتبت أيضاً: «لا تنتظري شيئاً ليس مستعداً لأن يأتي، بل اذهبي إليه، فالحياة لا تنتظر. كل ما نستطيعه هو أن نفعل ونفعل حتى نمتلئ بالراحة والقناعة كما يمتلئ الدب القطني بحب الأطفال». فأسرعوا وتبادلوا الرسائل مع من تحبون ولا تفوتوا هذه الذكرى!

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...