الجمعة، 24 فبراير 2017

من مومباي إلى نيوديلهي

أول نظرة لي على شبه القارة الهندية كانت من مومباي أو بومبي كما يعرفها به العرب، وهو الاسم الذي يحاول الهنود التخلص منه في محاولة للابتعاد عن الاستعمار البريطاني وتاريخه. مدينة ثرية بتاريخها، سخية بتأثيرها، يرى فيها السائح جميع التناقضات التي يستحيل أن يحلم بها، مناطق نظيفة وغنية لا تدخلها عربات «التكتك»، ومناطق فقيرة بها أناس بسطاء، فراشهم الرصيف وحضنهم السماء.
زرت مومباي في سبتمبر، الذي صادف فيه إقامة احتفالات الهندوس والمسلمين معاً. وكانت جميع الديانات في الهند من هندوس ومسلمين وسيخ وجين يحتفلون جنباً إلى جنب تحت السماء الماطرة والأجواء الرطبة. الأغاني والألوان والروائح المميزة للبهارات والفواكه في الهواء. والكل يدعو الآخر للرقص والمشاركة، وكان من ضمنهم محدثتكم. ومن هنا ومن أول يوم، بانت لي طباع الهنود في الترحيب والرغبة في المشاركة وحتى المساعدة، سواء أكان ذلك في الأماكن السياحية أو المطاعم أو الفنادق أو الشوارع.
من مومباي «الشابة» انتقلت بعدها بشهور إلى نيودلهي «الأم». بداية الرحلة كانت في الجزء القديم والتاريخي من دلهي، حيث جامع مسجد والقلعة الحمراء والأسواق القديمة. كل شيء يمكن لمحه في الشوارع المزدحمة من السيارات و»التكتك» إلى الدراجات والكلاب والماشية، بالإضافة إلى الناس العابرة هنا وهناك.
المدينة آمنة إلى درجة ما، ولكن ليس أكثر من مومباي، هذا ما يخطر على البال عند قراءة حوادث إطلاق النار في المزارات السياحية، والتي غالباً ما يكون ضحاياها سياح بطبيعة الحال.
الجزء الحديث من المدينة يزخر بالفنادق الفخمة والمطاعم والمباني الحكومية المنتشرة في خارطة نيوديلهي الكبيرة. ولا يمكن لأحدهم زيارة نيودلهي إلا ويزور تاج محل -أحد عجائب الدنيا السبع- في مدينة أقرا البعيدة عن نيودلهي 210 كيلومترات تقريباً. وكما يقول الهنود لا تكتمل رحلة نيودلهي- أقرا إلا بزيارة ولاية جيبور، أو المدينة الوردية، كما يعتزون بتسميتها.
لا يجد المرء في «أقرا» الكثير لفعله أو رؤيته بجانب تاج محل وقلعة «أقرا»، ولكن ذلك يكفي وأكثر. لرخام تاج محل الأبيض سحره وروح مدينة بأكملها.
انتهت رحلتي في نيودلهي. وزاد خبر إطلاق الهند ١٠٤ أقمار صناعية إلى الفضاء في يوم واحد، إعجابي بالهند أكثر. وكان البعض ممن أعرفهم لا يزالون يلحون علي بالسؤال: لماذا الهند؟
لا أعرف لماذا، ولكني أعرف بأن جميع الناس لديهم القدرة بأن يعبروا عن رغبتهم في الذهاب إلى لندن وباريس ونيويورك، لأنها المدن التي رأيناها وأُعجبنا بها في الأفلام والمسلسلات والقصص والروايات والأحاديث المتناقلة، ولكن ليس أي شخص لديه القدرة والجرأة، وخاصة في مجتمعاتنا، بأن يقول أريد أن أذهب إلى الهند، أو بوليفيا، أو جنوب إفريقيا، أو غيرها من المدن التي لم نسمع أو نرى منها إلا القليل. هل يرجع ذلك إلى خوفنا من المجهول؟ لا أعرف. هل السبب في تكويننا الاجتماعي والنفسي؟ لا أعرف. كل ما أعرفه بأن السفر يبني ويهذب الشخصية والشخص، ويكون ذلك على مستوى أكبر إن كان إلى الأماكن غير المتوقعة والمنسية أكثر من الوجهات البراقة والمصورة في المجلات الملونة بدقة عالية.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 16 فبراير 2017

مبدعو قطر

يخطئ الكثير عند اعتقادهم بأن المبدع يجب أن يكون فناناً، وليس هذا هو الحال.. وإن كان الفنان بالضرورة مبدعاً! وإلا كان طالب رياضيات ومنطق، يصفُ الكلمات والخطوط والألوان والصور بجانب بعضها البعض، أملاً في أن تكون، بوضوحها الزائد، فناً! جهلاً بأن الفن في معظمه هو اللامنطق والغموض، لا العكس!
المبدع هو من يتقن الشيء -أي شيء- مع إضافة الكثير من البريق له، بحيث إنه حتى وإن قام شخص آخر بالشيء نفسه بإتقان، لن يكون العمل حاملاً للقيمة ذاتها.
المبدع هو شخص حاول وتعب كثيراً حتى أصبح الإبداع جزءاً منه، يصل إليه دون تفكير. وعندما أفكر بالمبدعين الذين أتشرف بمعرفتهم ووجودهم في حياتي، يقفز إلى رأسي أشخاص ثلاثة، أولهم أمي التي وجدت أن مواهبها تعدت الرسم والطبخ والخط حتى الإبداع في جعل حياتي وحياة إخوتي تنساب بسهولة عبر فتحة الزمن. لا يمكنني أن أذكر لحظة واحدة كانت فيها حياتي صعبة، وذلك بسبب أمي.
ثاني المبدعين، أختي، قاضي المشكلات. لا تمر عليها أية معضلة إلا وتجد لها حلاً هنا أو هناك، طال الوقت أم قصر!
وأخيراً، صاحبتي الدبلوماسية. إبداعها يكمن في جعل أي شخص تريده -عبر قدراتها الاجتماعية- صديقاً لها. ولا أنسى ما حصل في دورة تدريبية شاركت فيها، عندما طلب المدرب من عشرة متدربين أن يشاركوا في نشاط يتمثل في معرفة كل منهم 5 معلومات عن بعضهم البعض خلال عشرين دقيقة. صعُب النشاط على الكثير منهم، وكانت الوحيدة التي حصلت على 10 معلومات عن جميع المتدربين!
قد يقول البعض بأن ما ذكرته يختلف عن الإبداع، وهي مواهب تُهدى إلى الناس، وإن جمعها البعض بالإبداع. وفي بعض الحالات يكون الإبداع بامتلاك الموهبة، ولكن ليس كل من يمتلك الموهبة يسعى وراء الإبداع أو يعمل على موهبته. وفي المقابل أكثر المبدعين هم أناس بلا موهبة أو القدرات اللازمة للنجاح في مجالهم، لكنهم أشخاص حاولوا كثيراً حتى نجحوا وأضافوا وعلّموا وعملوا حتى وضعهم الناس في ذاكرتهم وذاكرة التاريخ.
هناك نوعان من المبدعين، مبدعون يقفون أمام أعمالهم، ومبدعون يقفون خلف العمل.
في قطر، يتمثل النوع الأول في الأسماء الكبيرة من الكتاب والرياضيين والفنانين من المعروفين داخل وخارج قطر. أما النوع الثاني، فهم من يجتمعون للصورة التذكارية بعد الانتهاء من الحدث أو العشاء الذي توّج عملهم. هم المسؤولون عن الشقب ومطار حمد الدولي وكتارا وسوق واقف وأسباير، وعن الأمن في بلادنا.
كلا النوعين صنعا الأجزاء الكبيرة من قطر، وقطر من الضفة الأخرى، صنعتهم.



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الجمعة، 10 فبراير 2017

همسات



(همسة)
الحياة هي مسرح و كتاب و فيلم و أغنية و رقصة، عجزنا عن فهمها. و المسرح و الكتاب و الفيلم و الأغنية و الرقص هو ما نوجده من حولنا لنفهم الحياة.. ما بعدها و قبلها.
في خضم كل الولادات المتعسرة للفهم داخل عقولنا.. تأتي لنا الأديان و التقاليد و الأدباء و العلماء بمحاولات التحليل و التفصيل و الخروج بنتائج لتساؤلات الانسان في هذا العالم. و قلما نقتنع أو نعي أو نقبل التفاسير المقدمة في شكل وجبات سريعة جاهزة يرفض مقدمها تغيير شيءٍ فيها. و أنا هنا لن أحاول شرح الحياة، حيث أني أريد أن أظهر للقارئ بأني لا زلت أحتفظ بجزء من عقلي على الأقل، لكني سأقدم لك يا عزيزي همسات عشر، تجعل منك شخصاً أفضل، و توفر لك حياة أسعد. لك أن تسمع هذه الهمسات و لك أن تتغاضى عنها.

(١
حافظ على علاقاتك الأسرية، و ابني علاقات صلبة مع أصدقائك. اجعل علاقاتك سعيدة و صحية، فهي من أسباب السعادة الأولى و الأخيرة. و كما قالت صاحبتي لي: لا يهم عدد أصحابك القريبين، فأركان البيت القائمة، أربعة! و ذلك يكفي!

٢)
حدد هدفاً معيناً أو أهدافاً معروفة و مفصلة في حياتك. و اجعلها نقطة بداية، بها ترى بقية خارطة حياتك! السعادة و الأمان يكمنان في معرفة الاتجاه و إن خُفي الطريق عن المغامر!

٣)
اهتم بصحتك و نومك. بالصحة يحافظ الانسان على سعادته، و بالنوم يحتفظ الانسان بعقله.
نم جيداً. اشرب الماء بكثرة. و كل طعاماً صحياً!

٤)
انتبه على سمعتك في العمل و البيت. اتبع القوانين و مواثيق الأخلاق و ابتعد عن الأشخاص و المواقف المشبوهة، فكل الأمور الجيدة و السيئة تلاحق الانسان في النهاية.

٥)
اقرأ. تعلم شيئاً جديداً كل يوم، و إن لم يكن يومياً، فأسبوعياً على الأقل!

٦)
تحدث إلى نفسك. كلنا نفكر و نراجع ما نقوله لغيرنا مرة بعد الأخرى و نعمل حساباً كيلا نخطأ أو نقول أمراً في غير محله، و لا نفعل الشيء نفسه مع أنفسنا. لا نفكر بكل الأشياء السلبية التي نقولها لأنفسنا. ننسى أن نمدح أعمارنا و عقولنا و أرواحنا و أفعالنا أو أن نذكر محاسننا. فلنتحدث لأنفسنا أكثر و لنلهمها الصبر و الحب و الأمل و لننعم عليها بكل الأفكار الإيجابية.

٧)
الهمسة أو الوصية السابعة: لا تسرق. لا تؤذي غيرك. اهتم و ساعد الآخرين. لا تكن أناني، كل ما تنظر إليه في هذه الحياة، تنظر إليه لترى فيه انعكاسك فقط!

٨)
احتفل بإنجازاتك الصغيرة قبل الكبيرة. هذه همسة أمل في وجه اليأس. فكلنا نضع الأهداف الكبيرة في هذه الحياة، و ننسى معها انجازاتنا الصغيرة، فلا نعيرها اهتماماً حتى نجد أنفسنا يوماً ما نتسائل: ماذا أنجزنا و ماذا عملنا و فعلنا؟

٩)
لا تشيخ الطفل في داخلك. حافظ عليه و ارعاه و قبله و استودعه الله، فهو من سيجعلك ترقص و تغني و تلعب و تحتفل!

١٠)
قاتل و استرح. خذ قسطاً من الراحة ثم حارب مجدداً!
لا توجد حياة كاملة، و لا سعادة غير مشروطة و لا حزناً دائم، و بسبب ذلك، ناضل و ثم استسلم من أجل طاقتك و نفسك. و كلٌ فعل في وقته و على ساعتك، فلا تجعل أحدهم يسرق ساعتك!

(لمسة)
هذه همساتي. هل تسمعني؟





الأحد، 5 فبراير 2017

في أرض البنفسج




كلماتي تجد مكانها في كراستك
أوراقي تستيقظ على سجادتك
هل تقرأ نداءاتي؟
هل تطالك صلواتي؟
إني لأدعو الرب بُعدك و قربك مني
في الدقيقة نفسها..
و تنتهي اللحظة
و لا أستطيع حسمها..
هي ليلة و شمسها
أفكر بك طوالها
أو خمسها..
و بقية الأخماس
أدعو ربي
و أدعوك
طهراً و سراً..
توبة و جهراً..
اتركني على كراستك..
مزقني من صفحاتك..
اهدني كونك..
اطردني من أرضك..
قلب الفلاح الساكن بداخلي
لا يناسبني
ولا يناسبك..

-


جواهر بنت محمد آل ثاني

الجمعة، 3 فبراير 2017

خطاب النصر

1 -
أكثر كلمة ترددت على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الانتخابات الأخيرة كانت «الفوز»!، تحدث عن الفوز كثيراً.. كيف أنه سيفوز، وكيف سيجعل الولايات المتحدة الأميركية منتصرة وعظيمة مجدداً. ولكن ما الفوز؟ وما طبيعة هذا النوع من الفوز.. إن كان للفوز أصناف؟ ألا يتوقف الفوز عند إلحاق الضرر بالغير؟ وهل الفوز على حساب الضعفاء فوز حقيقي؟

2 -
 الجميع يريد أن يكون فائزاً في هذه الحياة. الكل يسأل عن طرق الفوز وسبله، وقليل منهم من فهم أن الفوز في الحياة شيء، والفوز في مجال معين في الحياة شيء آخر. الفوز في الحياة يكون بالرضا وقناعة الإنسان بالحال التي يضع نفسه به، والفوز في مجال ما يكون بإتقانه والإحسان فيه وبه.

3 -
 بعض الأسئلة التي يجب على الجميع أن يطرحها على نفسه: ما هي أعظم انتصاراتي؟ بماذا أشعر بعد الفوز؟ هل الشعور مرض وتام وخالٍ من الشماتة؟ هل أفوز لنفسي أم لغيري؟ ما هي أكبر خسائري؟ ماذا تعلمت من الخسارة؟ هل هي دروس ستدفعني نحو الأفضل؟
هل ألعب لأفوز أم لأستمتع بالرحلة؟ لماذا ألعب؟ لماذا أفوز؟ لماذا أخسر؟ وما هي أخلاقي وقت اللعب والفوز والخسارة؟ هل أملك صفات الفائزين من قوة وشجاعة ورحمة ومثابرة؟ أم إنني أقرب إلى الخاسرين ضعيفي الهمة؟

4 -
يقول اللاعب والمدرب الفرنسي الرائع زين الدين زيدان: «حتى آخر نفس من أنفاسي، لن أقول إن الأمر أكبر من طاقتي!». فوز الإنسان يكون باستمراره على الرغم من المصاعب والعراقيل المواجهة له، لأن التوقف يعني الاستسلام المؤدي إلى اليأس، واليأس بالضرورة يعني نهاية الطريق وخسارة الإنسان لنفسه.
انتصر لنفسك وعلى نفسك، ولا تفز لغيرك أو لمجرد الفوز على الآخرين. أقول لك افعل ولا تفعل، حيث إن في الأولى شعوراً دائماً، وفي الثانية شعور كاذب.



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...