الخميس، 27 ديسمبر 2012

فليأكلوا وعودهم الكاذبة!

نُشر في السبت الماضي في صحيفة الأنباء، خبر عجيب عن صحافي روسي عاقب نفسه بتناول حساء من القشدة كان قد وضع فيه مقالة ورقية نشرها وتنبأ فيها بمعلومات لم تتحقق على أرض الواقع عن وزارة البنية التحتية الروسية! وقال الصحافي أمام كاميرات التصوير التي وثقت فعله بالصورة الجامدة والمتحركة: «فعلت ذلك ليعرف العالم أنني صحافي محترم، أحب مهنتي وأقدر قواعدها، وها أنا ذا آكل أمامكم مقالاتي الكاذبة وأنشر الفيديو على «يوتيوب» ليعرف الناس قيمة الكلمة الصادقة في الصحافة».
تساءلت بعد مشاهدتي للصحافي وهو يبتلع الحساء «المورق» بصعوبة: ماذا لو عاقبنا كل الصحافة العربية التي تنشر نبوءات ومعلومات خاطئة بهذه الطريقة؟ اعتقادي الخاص يشير علي أن معداتهم عندها ستتقرح وستُترك هذه الوظيفة «الشاقة» لأصحاب المعدات القوية! ثم تساءلت مجدداً: ماذا لو عاقبنا كل مسؤول عربي نشر وعوداً كاذبة بهذه الطريقة؟ الأكيد بأن المسؤولين سيتضررون عندها أكثر من الصحافيين!
«هذا المشروع سينتهي في اليوم…شهر…سنة…» وعندما يأتي ذاك اليوم يفاجأ الناس بلوحة أخرى -ذات وعد آخر كاذب في معظم الأحيان- تملي على الناس تاريخاً جديداً سينتهي فيه ذاك المشروع الذي تنشأ وتموت معه أجيال إلى أن ينتهي!
قال عبد الله القصيمي: «العرب ظاهرة صوتية»، أي إن كل ما يقومون به «كفعل» هو الكلام، ومعظم كلامهم وعود، ومعظم هذه الوعود كذب، وهذا ما نحتاج أن يتوقف، نريد أن يصبح العرب «قولاً وفعلاً» كما نقول نحن الخليجيين، ونريد ألا يمر وعد بلا تنفيذ، وإن لم يُنفذ يُحاسب «كائناً من كان» على تلفظه بوعد لم يقدر على تنفيذه! وبما أن معظم العرب يخافون على مسؤوليهم من فضائحية المحاكمات العلنية والجزاءات والعقوبات التي يمكن أن توقع عليهم ويطالبون بعدم نسيان أفعالهم الجيدة…إلخ، فإني أطرح عليهم هذا الاقتراح، بأن يُترك هؤلاء «المساكين» على أن يفعلوا مثلما فعل الصحافي الروسي الذي خاف على كلمته الصادقة، ومن ثم يقدمون استقالاتهم!
المسؤولية ليست كلمة أعجمية مأخوذة من قاموس غربي، المسؤولية هي فعل يبرهن لمن يعتمد على الشخص المسؤول بأنه جدير بها، وأنه قادر على حملها أينما وكيفما ووقتما تطلب الأمر! والمسؤولية لا تنحصر فقط في التفكير والتخطيط والتحضير والتنفيذ بل هي أيضاً تمتد إلى الخطأ والفشل وعدم القيام بالأمر الموعود به، أو القيام به بعد فترة طويلة أو بشكل مشوه، هذه هي المسؤولية!
كلماتي موجهة بشكل خاص للمسؤولين الإداريين الذين نسمع عنهم وتُخبئهم أبوابهم المغلقة وتحصنهم مكاتبهم المتينة، كونوا رجالاً ونساء بحجم المسؤولية، وإن فشلتم كونوا مسؤولين بقدر الخطأ، واعترفوا بخطئكم، فإن الاعتراف فضيلة وحق يطلبه الناس!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 20 ديسمبر 2012

أمة اقرأ تقرأ ولكن!

كان للإعلام الجديد تأثير كبير على الشعب العربي خاصة في آخر ٣ سنوات، حيث كان له دور مهم بل وحيوي تجلى في الثورات العربية، فأصبح الاطلاع على المعلومة سهلاً، بالإضافة إلى سرعة انتشار الأخبار ووصولها لمن أراد. ومع الربيع العربي أصبح الجميع متعطشاً للمعلومة والصوت والصورة، وتواقاً لأي خبر يتصل بالأحداث المتجددة بالمنطقة، والتي تُوجد في دقائق معدودة بعد وقوعها على الإنترنت. وهكذا وبغمضة عين أصبحت أمة اقرأ تقرأ ولكن تقرأ التغريدات على «تويتر» وبوستات الـ «فيس بوك» والتدوينات المختصرة التي ينشرها بعض الكتاب لجذب أكبر عدد ممكن من القراء، بالإضافة إلى البرودكاسات في البلاك بيري ماسنجر والواتساب، مما جعل هذه الأمة أبعد عن الكتاب!
هذا النوع من القراءة الذي يظنه البعض كافياً هو أكثر أنواع القراءات سطحية، لأنه أولاً لا ينمي علماً ولا ثقافة ذات قواعد صلبة، فعلى الأرجح أن تغريدة تقرأ الآن ستُنسى اليوم التالي، وتدوينة قصيرة تقرأ اليوم ستنسى معلوماتها بعد أسبوع، فمن يتذكر ماذا قرأ من تغريدات بالأمس؟ ومن يعرف خرج بماذا من بوست في الفيس بوك قرأه قبل أسبوع؟! ثانياً، المواقع الإلكترونية والمصادر الرقمية لا تصلح معظمها -وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي- لأن تكون مصدراً للمعلومات، فالـ «فيس بوك» مثلاً لا يجوز أن يكون مرجعاً لتاريخ العصور الوسطى، وإن وُجدت فيه صفحة متخصصة في ذلك، لأن ما فيها سيبقى فتاتاً مقابل الذهب الحقيقي الموجود في المراجع الحقيقية في المكتبات، كما أنه لا يصلح أن تقول لشخص ما مصدر معلوماتي هو الـ «فيس بوك» أو غيره من المواقع التي تشابهه، خاصة إن كنت تحاججه بهذه المعلومة! فالقراءة في وسائل التواصل الاجتماعي التي تدخل ضمن الإعلام الجديد لا تغني ولا تسمن من جوع، لأن الكتاب يبقى هو المصدر الأول والأخير للعلم والثقافة، أما المصدر الرئيسي لهما فهو الرغبة في التعلم والتثقف والرغبة في طرح السؤال الأهم «لماذا» دائماً. فإن كانت «لو» فاتحة لعمل الشيطان فإن «لماذا» فاتحة لعمل العلماء! فاسألوا «لماذا» دوماً، ولا تخجلوا، فإن الخجل في العلم، جهل! والجهل هو أسوأ مصير قد يواجهه الإنسان، فالإنسان قد يغفر لنفسه أية صفة من صفاته كالحسد والحقد، ولكن يستحيل لأي شخص أن يغفر لنفسه جهله، وإن غفر لنفسه هذه الخصلة فهو ظالم لنفسه!
قال الله تعالى: «اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ».


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 13 ديسمبر 2012

انتبه لساعتك!

مقدمة:
على مكتبي مقتنيات مختلفة، أحدثها ساعة على شكل اللوح الأسود الذي يُستخدم عند تصوير المشاهد في الأفلام، محمولاً بجملة: "ثلاثة! اثنان! واحد! أكشن!"، ويكتب على اللوح بالطبشور أعداد المشاهد التي صُورت وما اقتطع منها وما أُخذ، أما لوحي فعبارة عن ساعة مكتبية محسوبة بالثانية، بجانب التاريخ الميلادي.
منذ أن وضعت هذه الساعة الرقمية على مكتبي وأنا أتخيل أنني أمضي كل دقيقة في فيلم موضوعه حياتي، وإنني لم أنتبه لهذا الفيلم إلا الآن، فلا أنا أذكر البداية ولا أنا أعرف النهاية! أما كل ما أتمناه هو أن تكون النهاية غير متوقعة أو نهاية سعيدة كما يحدث في تلك الأفلام الرائعة التي ترسخ في ذاكرتنا قبل أن تخلد في شباك التذاكر!
‫نصيحة:‬
اختر أشياءك الصغيرة فهي ما ستلهمك!
اجعل حياتك فيلماً شائقاً، يتمنى الآخرون أن يشاركوا فيه!
لا تكن ممثلاً في حياتك بل كن لها مخرجاً ومنتجاً!
اشعر بقيمة وقتك ولا تضيع أي دقيقة، فمحل الدقائق الضائعة في صناعة الأفلام، مخازن النسيان!
ارتجل مرة بعد الأخرى ولا تقيد نفسك بنص الغير المفروض عليك!
لا تسرق حقوق حياة شخص آخر، لأنها سرقة بلا طعم، ولا تقلد شخصاً آخر في طريقة حياته، لأنك حينها ستكون قد عشت حياة ناقصة!
سؤال:
- ما نوع الأفلام التي يختارها الناس؟
- يختار الناس الأفلام التي تشبههم أو التي يتمنون أن يشبهوها، ولا يختارون تلك التي تأخذ من أعمارهم ساعات دون أن تضيف لهم دقيقة!
‫خاتمة:‬
الإنسان لا يملك شيئاً، ولم يملك في الحقيقة إلا الوقت الذي فقده!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 6 ديسمبر 2012

القضية الفلسطينية ومسلماتها

انحرفنا كثيراً عن قضيتنا الأولى فلسطين، وحدث ذلك عندما تنازلنا وتفاوضنا وانهزمنا وتم الضحك علينا حولها حتى امتلأت ذاكرتنا بمجموعة من الصور لوجوه مسودة وحطام تضيق به الأنفس، فأصبح بعضنا يعتقد ويسلم بأن الانتصار على الكيان الإسرائيلي المغتصب واسترجاع الأراضي المحتلة محض وهم أو خرافة، وأن العدو يملك من القوة ما لا نملك ربعها، ولذلك لا يمكننا أبداً الانتصار عليه، وأن على الفلسطينيين أن يستمروا بالعيش في غزة أو الضفة الغربية دون أن يقاوموا الدولة المحتلة؛ كي لا يتم الرد على فعلهم بردة فعل قوية مدمرة، تحصد أرواحاً كانت لتبقى على قيد الحياة لولا ذلك! وآخر هذه المسلمات هي وجوب القبول بحل إقامة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية جنباً إلى جنب لتجنب الحرب! أما المثير للسخرية هو أن من يرفض هذا الحل هو الكيان الصهيوني لا «بعض» العرب!
هذه الأفكار أصبحت من المسلمات عند البعض نتيجة تاريخ مُلئ بالحرب والتهجير والفقر والظلم الذي لم يشمل بتأثيره فلسطين فقط، بل كل الدول العربية تقريباً في مرحلة من المراحل، بسبب غبن الكيان المحتل، إلا أن هذه المسلمات لا تستند على التاريخ فقط بل إلى المثقفين والكتاب أيضاً الذين يؤكدون عليها مستشهدين بالواقع والأحداث التي عايشوها من 48 إلى 67 مروراً بكامب ديفيد واتفاقية أوسلو. يمكن تفهم موقف كتاب ومثقفي القرن الماضي عند الرجوع إلى كل ما عايشوه من انهزامات وخسائر متتالية نتيجة الحرب مع الصهاينة، ومن ذلك يمكن الوقوف على منبع روح الانهزامية العربية التي ساعدوا على نشرها في كتاباتهم وأقوالهم، إلا أن يومنا ليس بمثل أمسهم، وظروفنا الحالية مختلفة عن ظروفهم، فاليوم، مثلاً، وفي حرب غزة الأخيرة مع إسرائيل المحتلة، انتصرت غزة فيها بسبب ردها على هجوم إسرائيل، رغم أن هجوم الأخيرة لم يتوقف للحظة واحدة! مما حملها -وكمرة أولى- إلى الإسراع لطاولة المفاوضات من أجل هدنة سريعة تحفظ ماء وجهها أمام العالم والإسرائيليين! هذا بالإضافة إلى تغير النظام في مصر، وفتح معبر رفح بشكل دائم، وزيارة القيادات السياسية لغزة حتى وهي تحت القصف!
معادلة اليوم تختلف عن معادلة الأمس، وإن كان أصحاب معادلة الأمس يستندون إلى الهزائم التي عاصرتها القضية الفلسطينية في وقتهم، فيجب على أصحاب اليوم أن يستندوا على الانتصارات المعنوية والمادية التي تعاصرها القضية حالياً، لتتغير بذلك مسلمات نقشها الدهر، بمساعدة كتاب ومثقفين رحل معظمهم اليوم، وهذا ما بدأنا رؤيته خاصة بعد مقاومة حماس للدولة المحتلة في الحرب الأخيرة، إلا أن هناك بعض الكتاب و»أشباه» المثقفين رفضوا ذلك ولم يستسيغوا سوى الاستناد على الهزائم، ولم يتوقفوا عند هذا الحد، بل تنكروا للانتصارات عندما قضوا -مثلاً- بفوز إسرائيل في الحرب الأخيرة! وهذا مما لا يمكن فهمه، خاصة عندما تعترف إسرائيل نفسها بخسارتها وتفاجئها بالرد الذي حصلت عليه من حماس. ونجد هؤلاء أيضاً يصفون حماس بالجماعة الإرهابية وأن مقاومتها استفزاز، بينما صد إسرائيل لحماس هو دفاع متوقع كي تحافظ على أمنها! كلمات هؤلاء لا تدل في –الحقيقة- إلا على جهلهم وخطئهم عندما اعتقدوا بأن القراء سيتركون مقالاتهم وكلماتهم تمر مرور الكرام دون تحليل أو رفض، وتجلى خطؤهم في وسم تويتري فعال هو «تفكيك الخطاب المتصهين».
على هؤلاء الكتاب إعادة النظر في حساباتهم، وتقييم القضية الفلسطينية مع كامل الظروف الحالية المحيطة بها في كتاباتهم المستقبلية، ليخرجوا بمسلمات عصر جديد لا بنفس مسلمات عصر الانهزام العربي، وليحموا أنفسهم –أيضاً- من إعادة نشر أسمائهم ومقالاتهم في موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، كي لا تثبت تهمة التصهين بحقهم أكثر وأكثر في أذهان الناس!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...