الثلاثاء، 26 أكتوبر 2021

ابدأ اليوم

  

يُقال دائماً: "افعل ما تحب، و لن تعمل يوماً واحداً في حياتك!" و لكن كيف يمكننا تحقيق ذلك؟ كيف يمكننا الوصول إلى ما نحب فعله و يكفينا في هذه الحياة؟ أسرع طريق لتحقيق ذلك في الفلسفة اليابانية، هو عبر مفهوم الإيكيغاي.. و التي يقول عنها الكاتب الأمريكي دان بويتنر، أنها سبب من أسباب العمر الطويل و السعيد بعدما بحث مطولاً في أسباب متوسط العمر المرتفع في مدينة أوكيناوا اليابانية، و غيرها من المدن حول العالم.

و لكي تعرف الإيكغاي الخاص بك، أو "هدفك بالحياة" أو "سبب عيشك على هذه الأرض"، عليك أن تبحث أولاً عما تحب فعله. هل تحب الكتابة؟ هل تحب الحساب؟ هل تحب القراءة؟ السفر؟ التطوع؟ الفن؟ البرمجة؟ الرسم؟ الاستكشاف؟ التصوير؟ ما الذي تحب القيام به؟ ابحث كثيراً عما تحبه و دونّ كل شيء تستمع القيام به. و من ثم ابدأ بالخطوة الثانية.

اسأل نفسك: ما الأمور التي أحبها، و أبرع بالقيام بها؟ و اكتبها كلها.. أنا أحب النحت، و أنا نحات بارع! أنا أحب الحديث العلني، و أنا متحدث رائع! و هكذا..

تمعن جيداً في مهاراتك و الأمور التي تحب القيام بها. و بعد ذلك، افرز ما كتبته، و تساءل: ما الذي يمكنني فعله مما أحب و أبرع فيه، و قد أتقاضى أجراً مادياً أو معنوياً من ورائه؟ أي ما العمل الذي قد يكون مصدر رزق لي أو دافعاً معنوياً لي كي أستمر في هذه الحياة؟ و بعد أن تجد جوابك، اسأل نفسك أخيراً: هل العالم يحتاج هذا الآن؟ هل العالم يحتاج ممثل جديد؟ هل الناس تحتاج مدرب حياة آخر؟ هل العالم يحتاج إلى مقهى جديد؟ شركة توصيل جديدة؟ ما الذي يحتاجه العالم و أستطيع تقديمه؟

اجلس مع نفسك و دون جميع الأجوبة على هذه الأسئلة: ما الذي أحب فعله؟ ما الذي أبرع بالقيام به؟ ما الذي قد أتقاضى أجراً عليه؟ ما الذي يحتاجه العالم اليوم؟ و عندما تجد الجواب المشترك بين الأجوبة، ستجد هدفك في الحياة، و لن تعمل يوماً آخر في حياتك وفق الفلسفة اليابانية.

ابحث عن الايكيغاي الخاص بك في داخلك، و إن لم تستطع العثور عليه، فلا بأس، اعمل على نفسك و على ما تحب فعله بمفهوم "الكايزن" الياباني، أي التحسين المستمر. افعل ما تحبه، و طور فيه و من نفسك بشكل دائم. و لا تحمل نفسك تحسينات كبيرة. ابدأ صغيراً بتغييرات بسيطة كل يوم. تغييرات بالكاد يمكن ملاحظتها، أو حتى قد يضحك الآخرين عليها أو على تفاهتها وفق قاعدة التطور و التحسين بنسبة ١٪. و لكن هذه الأفعال الصغيرة التحسينية اليومية، ستكون يوماً ما جبلاً من التطور و التحسن و الأعمال الكبيرة. هذه الأفعال الصغيرة و قاعدة ١٪ من التطور و التحسن المستمر هي ما حولت الفريق الوطني البريطاني من فريق متوسط المستوى إلى فريق عالمي حائز على ستة عشر ميدالية ذهبية أولمبية على مدى عامين فقط وفق مديره السابق ديف بريلزفورد!  و من الأفعال الصغيرة التي طورت الفريق البريطاني كان صبغ أرضية الشاحنة التي تحمل الدراجات باللون الأبيض، حتى يتسنى لهم رؤية أي غبار يتجمع على الأرضية و الذي قد يؤثر على صيانة الدراجات! بالإضافة إلى شحن الأسرة و المخدات المخصصة لكل دراج بباص الفريق حتى لا تُترك راحتهم للصدف و أسرة الفنادق العشوائية و غير المريحة في المدن التي سيزورونها! 

ابحث عما تحبه و قمْ به. تمسك به. طوره و طور من نفسك. ابدأ بدافع الإيكيغاي الخاص بك، أو اقضي حياتك و أنت تنمي من نفسك بنسبة ١٪ يومياً، و لكن ابدأ، فالتغيير يبدأ بك من الداخل، لا من الخارج.

 

 

 

 

جواهر محمد آل ثاني 

صحيفة الشرق

المصدر



الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

المرأة مكانها في مجلس الشورى

 

انتهينا في قطر مؤخراً من انتخابات أعضاء مجلس الشورى لأول مرة في تاريخ الدولة. و لأنها تجربة جديدة و فريدة من نوعها، كان من الطبيعي أن يتخللها بعض التحديات و الصعوبات، و الكثير من المفاجئات و الأمور المتوقع حدوثها. و من المفاجآت "المتوقع حدوثها"، كانت عدم فوز أي امرأة في الانتخابات. كان هذا الأمر مفاجئاً لأن الجميع عقد الآمال على أفضل النتائج في النسخة الأولى من الانتخابات، أما توقع حدوث هذا الأمر، فيرجع إلى الأسباب الذي يعرفها معظم الناس و التي سأذكر بعضها في هذا المقال.

أولاً، عدد المرشحين لعضوية مجلس الشورى من الرجال يفوق عدد المرشحات النساء للكراسي نفسها. بالإضافة إلى أن عدد الناخبين الرجال، يزيد عن عدد الناخبين النساء. وهذا لا يعني بأن المرأة ستصوت بالضرورة لمرأة أخرى، و لكنه يعني فقط بأن حظوظ الرجال بالفوز أعلى من حظوظ المرأة في الانتخابات.

ثانياً، المرشحين الرجال كانوا منظمين أكثر في حملاتهم الانتخابية، واستغلوا مجالسهم بطريقة ذكية، و جزء من ذلك يرجع إلى خبرتهم الطويلة-مقارنة بخبرة المرأة-في مجالس الشورى السابقة.

ثالثاً، نظرة المجتمع السلبية للمرأة في مركز السلطة. فنحن لا نزال في مجتمع لا يستسيغ وصول المرأة لمناصب عليا في الدولة، ظناً بأن المرأة لا يمكنها أن توفق بين حياتها الخاصة و عملها، فكيف لو كان هذا العمل يحمل نفوذاً كبيراً؟

أخيراً، وضع الرجل الاجتماعي أفضل من المرأة من ناحية الحرية في التنقل و التصويت و اختيار المرشح، بحرية، حيث لا تزال بعض النساء تحت سلطة الرجال في تحركاتهن و اختياراتهن.

هذه الأسباب هي انعكاس لمجتمعنا الذي غضب بعض أفراده عندما سُمي بالمجتمع الذكوري، رغم كونها الحقيقة. و إن لم تكن هذه الحقيقة، فلماذا إذاً حرص معظم المرشحين الرجال لعضوية مجلس الشورى على التركيز على قضايا المرأة في برامجهم الانتخابية؟!

يجب أن نعترف بأخطائنا و أن نحاول تصحيحها، فمثل هذه الأمور واردة الحدوث في أول تجربة برلمانية، و إن كانت محبطة، و لكن من المفترض أن يكون مجلس الشورى ممثلاً لجميع أطياف الشعب القطري، و المرأة القطرية جزء منه، بل أن وجود المرأة في مجلس الشورى يعني بأن تمثيل المرأة و الطفل و الرجل القطري قد اكتمل في المجلس! و الحمدلله، و في خطوة سامية و مباركة من سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني-حفظه الله-تم تعيين عضوتين في مجلس الشورى، هن الدكتورة حمدة بنت حسن السليطي و السيدة شيخة بنت يوسف الجفيري. عل هذه الخطوة تكون استكمالاً لمسيرة الدولة في تمكين المرأة في جميع المجالات، حتى يتسنى تمثيل المجتمع القطري على أحسن وجه في مجلس الشورى من أجل خدمة قطر!

و نحن لا نزال في بداية الطريق.


جواهر محمد آل ثاني

صحيفة الشرق


المصدر



الثلاثاء، 5 أكتوبر 2021

اكتب يومك!

  

لطالما شدتني فكرة كتابة اليوميات، و انجذبت نحو الأشخاص الذين يكتبون يومياتهم. فكنت أتساءل بيني و بيني، ما الشيء السحري و المميز في يومهم، و الذي يدفعهم إلى الكتابة عن كل يوم من أيام عمرهم! و لهذا السبب، أي كي أتوصل إلى العوالم الخفية التي توصل إليها هؤلاء الناس، كنت أقرر في بداية كل عام، أن أبدأ في كتابة يومياتي. و يبدأ كل عام بصفحة أو صفحتين أكتبها في دفتر اليوميات، لتتقطع بعدها تواريخ الصفحات، حتى أيأس عن كتابة يومياتي، و أتوقف بعدها نهائياً منتظرة بداية العام القادم.

في هذا العام، و من منتصفه، رجعت مرة أخرى إلى كتابة يومياتي بدون سابق تحضير أو أخذ قرار. و الآن و بعد أن انتظمت في كتابة يومياتي، أستطيع أن أفهم لما يُقال بأن كتابة اليوميات تساعد في تحسين المزاج و تهدئة الأعصاب و التخلص من التوتر و القلق. فكتابة اليوميات فعل علاجي، فيها يكون الورق هو الطبيب النفسي الذي يسأل: ما الخطب؟ ماذا يدور في رأسك اليوم؟ ما الذي تحتاجه؟ ما الذي تأمل حصوله؟ ما الذي تتوقعه؟ ما الذي تخافه؟ هل أنت محبط؟ من ضايقك و لماذا تضايقت؟ هل تنام جيداً؟ هل تأكل طعاماً صحي؟ هل تمارس الرياضة باستمرار؟ هل أنت بخير؟

كتابة اليوميات ليست فقط توثيقاً لتاريخ و تأكيداً على حال مضى.. هي تدوين لمشاعر و أفكار و أحداث و مواقف و خيالات و أحلام، وكل ما شعر و مر به الانسان! و قد تكون كتابة اليوميات عن طريق تدوينها بالقلم، أو تسجيلها بالصوت، أو عن طريق الفيديو. و أياً كانت الطريقة، ابدأ بها عزيز القارئ من اليوم، أينما وصل بك العمر، فقد بدأ غازي القصيبي كتابة مذكراته عندما دنا من الستين عاماً ليخرج لنا (حياة في الإدارة). و أنا لا أطلب منك هنا كتابة مذكراتك أو سيرتك الذاتية، كل ما أطلبه أن تخصص خمسة دقائق من وقتك يومياً، لكتابة صفحة أو صفحتين عن يومياتك. و تختلف السيرة الذاتية عن كتابة المذكرات و اليوميات. فالسيرة الذاتية هي عبارة عن تسجيل لخلاصة الأحداث الكبرى في حياة الانسان معشرح الأحداث أو تبريرها. و لذلك يُطالب الانسان أيضاً بسيرة ذاتية عند تقديمه لطلب التحاق بعمل ما  أوتدريب أو للدخول إلى جامعة أو مدرسة عريقة، لأن الجهة التي تطالبه بسيرته الذاتية تُريد معرفة ماهي أحداث حياته الكبرى و ماذا فعل فيها لتعرف إلى أين أوصلته و إلى أين ستأخذه.

أما المذكرات، فهي توثيق لحياة الانسان بشكل مرتب و متسلسل، و قد يكتبها الانسان بشكل يومي أو يكتبهالاحقاً بغرض نشرها، فكلمة المذكرات مشتقة من كلمة ذَكَرَ أي استحضر الأمر بعد مرور وقت على حدوثه.

و تختلف السيرة الذاتية عن المذكرات في كون الأولى شاملة لحياة الانسان بأكملها، أما المذكرات، فقد تغطي مرحلة من حياة كاتبها دون الأخرى، كما فعل السفير محمد بن علي الأنصاري في كتابه (الشباب و حديث الذكريات)، الذي استحضر فيه ذكرياته الرياضية.

و أخيراً، اليوميات، و هي ما يكتبه الانسان بشكل يومي، بلا ترتيب و تحضير لأفكاره و مشاعره، دون أنتكون له نية نشرهاو قد تكون غير مترابطة أو بلا معنى في حالات كثيرة.

اكتب يومياتك. حضر سحرك يومياً. فعندما تكتب يومياتك، أنت تخلق طوق أمل. يرفعك في الأيام السوداء، عندما تتذكر ما كتبته في أيامك البيضاء. و يريحك وجوده في أوقات الرخاء، كتذكرة على أنك وصلت إلى ما أنت عليه بجهدك و اندفاعك إلى الأمام!

 

جواهر محمد آل ثاني


جريدة الشرق


المصدر



الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...