الخميس، 28 يوليو 2016

بريق


(1)
قراءتي هذه الأيام هي رواية The catcher in the rye للكاتب الأميركي J. D. Salinger. ولربما ما شدني إليها هو ما شد غيري لها، وهو ما كُتب ونُشر عنها. فهي الرواية التي مُنع تدريسها لسنوات طويلة في المدارس الأميركية، التي رغم ذلك كانت الأكثر قراءة بين الشباب. هي الرواية التي تمسك بها قاتل المغني جون لينن، وقال إنها تصريحه، وإنها ما يتكلم بدلاً عنه.
أياً كانت دوافع قراءة الرواية، لا يمكن لأحد إنكار أهمية الرسائل والمعاني التي تحملها في طياتها من براءة الأطفال وحتى زيف الراشدين، كل من سيقرأ الرواية سيشعر وسيفهم مقاصد الكاتب. المزيفون حولنا في كل مكان، ولا يسعنا لا إبعادهم ولا إطفاء لمعة الزيف التي تحوطهم، ولكن يسع كل منا ألا يكون مزيفا آخر في هذا العالم.

(2)
الزيف هو ادعاء المثالية، هو ادعاء النقصان، هو ادعاء المرء بأنه على طبيعته، وهو أي ادعاء يسبقه التفكير بردود فعل الناس.
السياسيون يقولون للجماهير ما تريد سماعه وإن لم توجد نية تنفيذ، المحامون يلبسون ربطة العنق ليشعروك بالثقة والراحة، الطبيب النفسي يرشدك إلى كنبته الطويلة لتستلقي عليها، وتحس وتتصرف على أنك في بيتك، المناسبات الرسمية، خاصة العائلية مليئة بالمجاملات والنفاق، كلها أمور غير حقيقية مثل دموع التماسيح، موجودة، ولكن الحزن لا يسكن منابعها.

(3)
كن على طبيعتك، لا تكن مزيفاً، لا تعمل ما لا تحب لأنه الأنسب، لا تلعب ما لا يستهويك تقليداً لغيرك، لا تسمع ما لا يجعلك ترقص على أطراف أصابعك أو ما لا يجعلك على الأقل تنقر الطاولة بأصابعك، لا تضيع وقتك مع من يضيعه، لا تخرج مع من يضجرك، لا تكتب على الشبكات الاجتماعية ما لا يمثلك إرضاء للآخرين أو خوفاً منهم، لا تتبع التيار إن لم يعجبك اتجاهه، ولا تسبح ضد التيار فقط لتكون عكسه، فتجد نفسك وحيداً بعد ذلك.
يذكر J. D. Salinger في الرواية مقولة للطبيب النفسي ويلهيلم ستيكل يقول فيها: «علامة الرجل غير الناضج هو رغبته النبيلة في أن يموت من أجل قضية، وعلامة الناضج في رغبته بالعيش متواضعاً من أجل قضية». 
اختر قضاياك سواء عشت أو مت بسببها.. فبها تكون حقيقياً، وخذ كل الحذر من رؤية العالم عبر عيون غيرك، فتنسى بريق عينيك وتخمد روحك.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



عيد تركيا

عند صدور أخبار طيران طائرات عسكرية فوق اسطنبول وأنقرة، وإغلاق الجسور والطرق الرئيسية، كان آخر ما خطر على بالي هو حدوث انقلاب عسكري في تركيا. وكيف يمكن لي أن أتوقع ذلك في القرن الحادي والعشرين في دولة انتَخبت حكومتها لعقود وتحمل تاريخا طويلا مع العسكر؟
سواء توقعنا الأحداث أم لم نتوقعها لم تكن تلك بداية المفاجآت ولا آخرها. لقد ظهر حسن تصرف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعدما ظهر في مقابلة منقولة عبر الهاتف للشعب التركي ليطلب منه الخروج إلى الشارع ودعم الشرعية والديمقراطية. كل هذا والرئيس يتعرض لمحاولات ضرب نار من الانقلابيين في الفندق المقيم به والمنع من السفر.
خرج الأتراك إلى الشارع، وما لا يفهمه أو لا يحاول فهمه الكثير من الحاقدين على تركيا وأردوغان وحزب الحرية والعدالة، أن الشعب التركي لم ينزل إلى الشارع تلبية لدعوة أردوغان وحباً فيه بالمقام الأول، بل فعلوا ذلك من أجل أنفسهم وأولادهم دفاعاً عن الديمقراطية وخياراتهم التي قرروها في تركيا، ولم يكن من ضمنها جيش يحكمهم. وأكبر دليل على ذلك إصدار أحزاب المعارضة في تركيا تصريحات تندد بالانقلاب وتوحد صوتها وجهودها ضد ذلك مع الحكومة.
كان الانقلاب في تركيا الشغل الشاغل للإعلام العربي والعالمي في الأيام الماضية. ولا حاجة لي أن أوضح موقف الإعلام المصري من الانقلاب الناجح في نظرهم وحق الشماتة غير المفهومة في قلوبهم، لكن المفاجئ كان قيام قنوات إخبارية عربية أخرى بتغطية الانقلاب بطريقة لا تعكس الوضع الحقيقي في تركيا. وأفضل ما قرأت في هذا الشأن كان تساؤل "العربي الجديد" عن مدى اعتبار الدفاع عن جريمة يُعَد جزءا من حيادية الإعلام؟
أخيراً، موقف قطر الواضح لم يتغير لا في تركيا و لا في مصر أو اليمن. "الجميع يعرف أن قطر لا تغير مبادئها. قد نراجع أنفسنا، ونقيم أفعالنا لكي نصحح أخطاءً إذا وقعت، فجلَّ من لا يخطئ. لكننا لا نغير مبادئنا"، هذا ما أكده حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، نهاية عام 2015، ونلتزم به وتلتزم به قطر اليوم وغداً. وإن كان ما حصل ويحصل في تركيا يؤسف الجميع من تخريب وسقوط قتلى وعدم وضوح للرؤية، إلا أنها ضربة ستجعل المسؤولين يعيدون مراجعة حساباتهم والحرص على أن تستمر الشرعية في مسارها الصحيح بعد علمهم بأن الشعب لن يرضى بغير ذلك. وهذا يعني أن على الحكومة التركية فرض القانون وحماية الحقوق والحريات، لا الانتقام والتهور وإرجاع تركيا إلى الوراء. وكما قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم: 15 من يوليو 2016 كان عيداً للديمقراطية التركية ليس إلا.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



الاثنين، 18 يوليو 2016

ما لم يخبرك به والداك

الأمور التي لم يخبرك بها والداك عن الحياة، كثيرة. فعلوا ذلك إما لعدم معرفتهم بها ولعدم إلمامهم بكل الجوانب أو حماية للأبناء أو غفلة منهم أو ما عدا ذلك من الأسباب المختلفة التي نقنع أنفسنا بها عندما نشعر بأن الأمور كانت لتكون أفضل لو علمنا بهذا الموضوع أو ذاك.
لن أسرد لك عزيزي القارئ نصائح من «كتب الحياة» ولن أملي عليك ما يجب فعله. كل ما سأقوم به هو تنبيهك إلى ما قد يكون مر على والديك ذكره لك.
ولن أقوله لك بلهجة أبوية صارمة ولا بأمومة عطوفة.. فتمالك أعصابك ووسع مداركك.
كل حب ستعرفه، سيموت.. إما في قلبك أو على ورقة أو من وراء نافذة أو من داخل قبر.
العائلة هي كل ما ستملكه فعلياً وما يبقى في النهاية عندما يرحل الجميع.
ستغرق في العمل وستلهث وراء الإنجازات ليضيع معظم جهدك في النهاية بلا مردود حقيقي.. بلا شكر أو تقدير.
ستظن بصعوبة عدم القدرة على الاختيار حتى تواجه كثرة الخيارات.. عندها ستتمنى بأنك مسير لا مخير.
ستعرف بأن الأبناء نقمة بقدر ما هم نعمة. ستأكل همومهم وستشرب دموعهم وستتساءل دائماً: هل فعلت كل ما أستطيع فعله معهم؟
سيمرض جزء منك كلما توفي شخص تحبه، وستبقى هذه الأجزاء معتلة إلى آخر نفس من أنفاسك.
ستعيش عندما تملأ روحك وعقلك لا بطنك وجسدك.
ستتعب في هذه الحياة وستحزن وتسعد وتناضل، ولا يجدر بك مقاومة ما تشعر به، ولكن عليك ألا تعيشه لوحدك.
هناك مساحة كبيرة للأمور غير المتكشفة وغير المقالة. وفي حالات، قد تعتقد أنك جاهز لمواجهة مشكلة أو معضلة ما، ولكن ما إن تواجه العاصفة حتى تنسى كل الخطوات التي تعلمتها.. فلا تفعل شيئاً منها أو تفعل نقيضها. وعند هذه النقطة، وقت الحزن والسعادة، تذكر الحكمة الرائعة: «هذا سيزول أيضاً».
لن يخبرك والداك بالحقيقة كلها بقدر ما سيعطونك نصائح عن الحياة.. ولأن من عادة الأبناء تجاهل أو تناسي النصائح، لن تتبع معظمها. احرص على اتباع نصائحهم وعلى التالي سواء كان جزءاً من توصياتهم أم لم يكن.
ابحث واطلع وسافر واقرأ وتأمل ومارس اليوجا وما تحبه وأهم من هذا وذاك، كن أنت ولا تكن غيرك وإن كان والدك أو والدتك.


جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



الطريق الأول

كل الأحجار تتصدع وتسقط وتصيبها عوامل تعرية إلا نفسك عندما تسند حياتك عليها.. فهي تتغير معك لا عليك.. فاكتشف نفسك وأحبها واهتم بها! 
قد يسأل أحدهم وكيف أعرف بأني لا أحب نفسي؟ أو لا أحبها بالطريقة التي تتوجب علي؟
تعرف بأنك لا تعطي نفسك حقّها عندما تستكثر وجود أناس في حياتك ظناً منك بأنك لا تستحقهم، تعرف بأنك لا تحب نفسك عندما تتوقف عن القيام عما تحب فعله أو يتملكك شعور بأنك لم تعد تحب ما تقوم به لكل الأسباب الخاطئة. 
تعرف بأنك تقلل من قدرك عندما تحس بأن كل ما تفعله وتقوله غير مرضي لك ولغيرك.
هناك طريقان يمكن للإنسان عبر أحد منهما الفوز بحب نفسه، أولهما، عبر اكتشاف نفسه والعمل على حبها، والثاني، عبر محبة الآخرين ومساعدتهم. وفي فيلم The fundamentals of caring نرى المثال واضحاً في الكاتب الذي اهتم وأحب نفسه عندما رعى واهتم الفتى المريض.
الطريق الثاني طويل ومتعب وغير مضمون النتائج، أما الطريق الأول فالعبور منه يحتم بالضرورة أيضاً الوصول إلى حب الآخرين ومساعدتهم.
ابحث في داخلك جيداً، واعثر على ما يجعل روحك تنبض أو بطريقة الأمريكان: Find what makes you tick. كن قنبلة موقوتة نحو أجمل أنواع الخلاص، الخلاص من أجل نفسك وفي نفسك.
اركض نحو الأنشطة الجديدة ووسع دائرة اهتماماتك، تعرف على أصدقاء جدد وطور مهاراتك، تهور قليلاً وسافر كثيراً، اخرج من منطقة الراحة comfort zone وافعل الأمور بطريقة مختلفة، إذا كنت تكره الخروج من البيت، اخرج، وإذا كنت لا تجلس في المنزل كثيراً، اقض بعضاً من الوقت مع عائلتك، وأهم من هذا وذاك، افعل ما يسعدك وترتاح به وإن كان يعني ابتعادك عن الناس لفترة من الزمان أو توقفك عن مجاملة غيرك، نفسك لها حقوق عليك كما لغيرك حق، وكيف تعطي الآخر وأنت تبخل على نفسك؟
رتب أولوياتك، واجعل نفسك مع عائلتك وأصحابك في المرتبة الأولى، لا تهمل نفسك وتمهلها وقتاً تظن بأنك مالكه، أنت لا تملك سوى نفسك، فأحبها وأعطها حقها!


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



الجمعة، 1 يوليو 2016

اكتب

(لماذا أكتب؟)
أكتب عندما أريد أن أحافظ على عقلي، وعندما أريد أن أفقده.. أكتب عند الوجع في سبيل القليل من السلم.. أكتب لا لأشبه غيري بل لأختلف عنهم.. أكتب لأن هذا ما أستطيع فعله في عالم لا يمثلني.. أكتب لأن الحقيقة تختلف عندما تُكتب وعندما تُقرأ وعندما تُقال.. أكتب لأن اللسان يخون والقلب يكتم في حين يرقص القلم فوق الألم.. أكتب لأنها طريقتي لأحتج وأقول أنا أعارض وأنا أوافق، وهذه أسبابي.

(عن الكتابة)
الكتابة هي الشيء الوحيد الذي لا يجلب الحزن إليّ.. هي ما أعتمد عليه وأستند إليه.. هي شراعي ومرساي إن خانتني الجزر والموانئ.. هي مأواي ومأكلي ومشربي ومستودع أحلامي.. وترسانة أفكاري. هي ما أحارب به عندما أخسر المعركة.. هي ما أفوز به عندما أناور.. هي ما أغتنمه عندما أحارب.. هي ما تقيني شر الموت مللاً، وشر الحياة مللاً. هي ما تجعل الحليب دافئاً، والوحدة محتملة.. هي ما تجعلني أستمر في عالم يرفض استمرار أي إنسان عاقل.. خاصة المجانين منهم! هي من تفهمني وتفهم ضرورة تسلحي بالمفردات والفواصل.. هي من تعرف أني عندما أكتب «أنا أستسلم»، فأنا أعني ما أقوله، وعندما أتلفظها فقط فهي لا تعني شيئاً.
الكتابة هي مجموعة الدعم الخاصة بي.. هي الصديق المخلص الذي لن يرد لي طلب.. هي الطلب والمطلوب.. هي ما أقدر عليه مرات وهي من تقدر علي دائماً. هي الأسماء والأفعال التي أفكر فيها يومياً وأتخيلها.. هي من تخفف عني عناء اليوم والغد، بالأمس.. هي من تجبرني عندما أشكو الجبار بثي وحزني.. هي من تبرأني عندما أرتكب الجرائم ضد نفسي، وهي من تقف ضدي عندما أرتكب الجرائم ضد غيري.. هي كوخي عندما أرفض الانفتاح.. هي إيفرست عندما أكره النزول.. هي إفريقيا عندما أستعد للغناء.. هي الغابة عندما تفتقدني الوحوش.. هي الملجأ من الوحوش.. هي التحرر من الملجأ.. هي الكتابة، وهذا يعني كل شيء بالنسبة لي.

(اك.. تُبْ!)
عن الكتابة؟ أبداً!



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...