الخميس، 1 أغسطس 2019

قبل تلك السنين

تمت مشاركة كثير من الصور في الأيام الماضية عبر تطبيق «FaceApp»، الذي يحوّل صورة الشخص رقمياً إلى صورته بعد تقدّمه في السن.
الجميع يريد أن يتخيل شكله بعد أن تجتاحه الشيخوخة، وأن ينهكه العمر، وأن يمر بسهول ووديان وغابات الحياة. الكل يريد لمحة من المستقبل الذي ينتظره، وإن كانت تلك اللمحة صورة شخصية للحال الذي سيعبر إليه بالزمن.
البعض أعجبه ما رأى، والبعض استنكر ما شاهده، وآخرون أخافتهم فكرة التقدم في السن والشيخوخة. فتلك الصورة مثّلت بالنسبة لهم طريقاً ظنوا أنه من الطول والعرض الذي يجعل نهايته عسيرة على الرؤية، في حين أن خط النهاية لا يمتد في ميزان الوقت بضعة ساعات.
الخوف من التقدم في السن حقيقي ومشروع؛ لأنه يمثّل الخوف من ضياع معظم الفرص، وفوات الوقت، وتسلسل اليأس، وخفوت الشعلة، وفقدان الحب أو الأمل أو كلاهما!
إن خفت وأنت تشاهد صورتك تتقدمك في السن، فذلك لأنك تخاف التقدم في السن دون أن تتطور وأن تكبر وأن تحقق كل الأحلام التي تعرف بأن في استطاعتك تحقيقها في قرارة نفسك؛ تخاف أن تكبر دون أن تفعل كل الأمور التي وعدت نفسك بها؛ تخاف أن تكبر وتعرف أنك تغيرت من الخارج إلى الداخل، وأنك لم تعد تريد الخروج للسهر ولم تعد تستطيع لعب كرة القدم التي تحب، ولا يشدك السفر ولا المغامرة، ولا حتى الذهاب إلى السينما كل أسبوع.
ولذلك، يكون الخوف من الشيخوخة في بعض الأحيان أكبر من الخوف من الموت؛ لأن الموت يعني أن الطريق انتهى وانقطع بشكل حتمي دون أن يكون لنا احتمال تغييره أو الحيلولة دونه. أما الشيخوخة، فتعني ملايين الاحتمالات وأكثر؛ تعني أننا قد نستيقظ في عقدنا السابع أو الثامن مرتاحين أو بائسين أو سعيدين أو مريضين أو مهاجرين أو عاملين، أو غيرها من الأحوال التي لا تخطر على البال. وهذا ما يخيفنا، ما لا يخطر على البال، الذي وإن قلّت نسبة حصوله لنا فإنه قد يحصل لنا في النهاية. أما الموت، فليس بعده ولا قبله احتمال، هو واقع لا محالة، لكننا لا نعرف إن كان سيلحقنا اليوم أو بعد تلك الصورة بسنين طويلة.
لا تخف عزيزي القارئ من المستقبل. اركض وراء شغفك اليوم لتحصد نتائجه في الغد وليترك ذلك الأثر الذي تحبه على وجهك.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الثلاثاء، 9 يوليو 2019

صلتنا بالحقيقة

الصحافة هي واحدة من أخطر المهن الموجودة في العالم. وتزداد خطورتها في الدول العربية، حيث يكاد سقف الحقوق والحريات والقدرة على التعبير، أن يلامس الأرض.

في الدول العربية، يواجه الصحافي أخطاراً تزيد عن تلك الأخطار المعتادة في المهنة، من إصابة وقتل واختطاف في الحروب، بل يمتد ذلك إلى أوقات السلم أيضاً.

في مصر، تم اعتقال الصحافي محمود حسين وشقيقيه لشهور بدون تهمة أو محاكمة! هذا بالإضافة إلى مكاتب الصحافيين التي تُغلق وتُفتح في الدول العربية بحسب المزاج السياسي، كما حدث مع قناة الجزيرة في السودان مؤخراً!
الأمر لا يتوقف هنا. الصحافيون العرب يتلقون التهديدات بشكل دائم. يخافون على حياتهم. ويهربون كي ينجوا بحياتهم، كما فعل باسم يوسف، ليقول أخيراً للفايننشال تايمز: «لقد انتهيت من مصر».

الصحافة هي مهنة من يعطي أقل من اللازم، ومهنة من يعطي أكثر من اللازم. مهنة للقوي والضعيف. مهنة القادر والعاجز، ولقد كانت مهنة الراحل جمال خاشقجي رحمه الله، الذي لم يستطع الصمت بعد اعتقال صديقه عصام الزامل، فأعلن تعاطفه معه، قائلاً إنه لا يقدر على الوقوف مكتوف اليدين، وأنه لو كان مكان الزامل، لأراد أحداً من زملائه أن ينطق ويتضامن معه. قُتل جمال وتم تقطيع جثته بالمنشار في قنصلية بلاده في اسطنبول، وتضامن معه العالم أجمع.

قُتل جمال لأنه رفض التعتيم الإعلامي، لأنه نقل الحقائق للقارئ العربي، لأنه أصر على أن يقول كلمته، لأنه كان صحافياً حقيقياً، يرى أهمية إيصال الحقيقة دون تحوير أو تغيير أو زيادة أو نقصان. كم صحافي حقيقي يوجد في العالم العربي اليوم؟ هل نستطيع القول عن خالد المطرفي، والذي حرض على قصف قناة الجزيرة أنه صحافي؟ هل نستطيع أن نقول ذلك عن الصحافيين الذين يبررون أو يتغاضون عن العتمة والعزلة التي يعيشها السودان اليوم بسبب قطع الإنترنت فيه؟ هل يهتم أولئك بالناس والخبر والحقيقة؟

الحقيقة بأن الصحافي الحقيقي يهتم بالناس والحقيقة قبل أن يهتم بالخبر. الصحافي الحقيقي سيقول كلمته ويمشي إلى خط النهاية معها، غير معني بأصوات المشجعين ولا أصوات المحبطين، غير معني بشيء سوى الحقيقة والناس والخبر الذي يحمله إليهم. فلنحافظ على الصحافيين الجيدين ذوي الأخلاقيات العالية القلائل في الوطن العربي اليوم، فلنشجعهم، فلنكشف أخطاءهم عندما يخطئون، فلنساندهم، فلندافع عنهم، فلنساعدهم، فلنحثهم على الرجوع إلى طريق الصواب، فهم صلتنا بالحقيقة بعيداً عن الظلم والزيف والتعتيم والإجحاف. هم من يوصلون لنا ما نريد معرفته، لا ما يريد لنا الآخرون أن نعرفه.




جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


قدرك بيدك

ماذا لو قلت لك إنه لا وجود لجينات سيئة وجينات جيدة؟! نعم، الحيرة التي دارت في رأسك عزيزي القارئ هي نفسها التي أحاطتني وأنا أقرأ الكلمات نفسها في كتاب رودولف تانزي وديباك شوبرا، المعنون بـ «الجينات الخارقة».
يفصّل تانزي وشوبرا في كتابهما الحديث عن الجينات بقولهما إنه لا توجد هناك جينات جيدة أو سيئة، هناك فقط جينات لها مفاتيح تشغيل وإطفاء، وهذه المفاتيح في يدك أنت وعائلتك وبيئتك. قد تكون معرّضاً للبدانة بسبب جيناتك، ولا تسمن طوال حياتك لاتّباعك نمط حياة صحياً. وقد تعرّضكِ جيناتك لخطر الإصابة بمرض سرطان الثدي وتعيشين حياتك دون أن تتعرضي له بسبب ممارستك التأمل ومعرفة كيفية التعامل مع القلق والضغط النفسي حولك.
في كتاب تانزي وشوبرا العديد من المعلومات القيّمة والدراسات الثمينة، ولكن أهم ما يمكن أن نخرج به هو وعينا بأن جيناتنا هي جينات أجدادنا التي عُدلت لآلاف المرات أو أكثر، حتى وصلت إلينا بهذا الشكل، وهذه الجينات نفسها سنقوم نحن بدورنا بتعديلها وفق ما نفعله وما تمليه بيئتنا قبل نقله إلى أطفالنا.
البيولوجيا -بخلاف الاعتقاد القديم- ليست قدرنا، نحن لسنا من يضع قدرنا ولكننا من يتحكم به. نحن من نحفّز أنفسنا وجيناتنا لتصل إلى أفضل مستوياتها وطاقاتها. هذا الكلام يعتقد الكثير من المتشائمين ببعده عن الحقيقة وانفصاله عن الواقع، وها هنا العلم يثبته مرة أخرى. نعم، التأمل مثلاً وممارسة «اليوجا» قد لا ينقذان مريض السرطان من الموت المحتم، ولكن الأكيد بأن احتمالية التغلب على المرض تكبر بممارسة التأمل و»اليوجا»، نظراً لدورهما في تخفيف الضغط النفسي على الإنسان.
لا يمكننا استبدال جيناتنا، ولكن يمكننا أن نعدّل فيها. يمكننا أن نغيّرها نحو الأفضل أو إلى الأسوأ، اعتماداً على البيئة التي نعيش فيها، والطريقة التي سنعيش بها.. هل سنأكل طعاماً مفيداً ومغذياً؟ هل سننام ساعات تكفينا كل ليلة؟ هل سنخفف الضغط النفسي الذي تلقيه الحياة على عاتقنا؟ هل سنصلي ونتأمل؟ هل سنتعامل مع مشاعرنا بطريقة صحية؟ هل سنمارس الرياضة ونتحرك كثيراً؟
الخيارات التي سنتخذها في حياتنا هي ما ستقرر المفاتيح التي سنشغلها ونطفئها، ونطورها أو ننساها في جيناتنا.
كله بيدنا.. جنباً إلى جنب جيناتنا.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


كارثة عالمية!

الأخطار التي واجهت أجيال أجدادنا وأجداد أجدادنا، ماتت معهم. لا أحد يخاف اليوم من الموت لارتفاع حرارة جسده أو لعدم إمكانية وصول الطبيب أو الدواء إليه. المخاوف والأمراض التي هددت تلك الأجيال لم تعد تهددنا أو تهدد مستقبل أطفالنا، إلا أن ذلك لا يعني أن جيلي والأجيال القادمة معفاة من مواجهة خطر الفناء من على وجه الأرض. يحزنني القول بأن جيلي والجيل القادم يواجهان احتمالية فناء الأرض نفسها!
الاحتباس الحراري الناتج عن تغيّر المناخ ليس خدعة صينية أو روسية، كما يدّعي بعض أعضاء الحزب الجمهوري الأميركي، ولكنه كارثة حقيقية تطولنا وستطول أطفالنا وتودي بهم إلى الهلاك، إن لم نتحرك فوراً!
أعلنت اسكتلندا، مؤخراً، وجود حالة مناخية طارئة عبر وزيرتها السيدة نيكولا ستورجن، بعد مقابلتها الشباب الذين احتجّوا وطالبوا حكوماتهم في أوروبا وأميركا الشمالية بالتحرك مباشرة ومحاولة وقف التغيّر المناخي.
هؤلاء الشباب الذين وصل صوتهم للمسؤولين في اسكتلندا، لا يزال أشقاؤهم يحاولون إيصال أصواتهم حول العالم، كي تتحد الدول أمام هذه الكارثة العالمية التي ستقضي على جميع أشكال الحياة على وجه الأرض.
في قطر، هناك محاولات حثيثة حكومية ومجتمعية لحماية البيئة، إلا أن الوضع الحالي يحتاج إلى خطوات جادة أكثر لمواجهة هذه الكارثة التي تهدد وجودنا. ومن أجل ذلك، أدعو وزارة التعليم والتعليم العالي ووزارة البلدية والبيئة، إلى رفع وعي المواطنين والمقيمين حول التغيّر المناخي والاحتباس الحراري، وتشجيعهم على الزراعة وإعادة التدوير والمحافظة على البيئة واستخدام الطاقة الشمسية، عبر توفير وزارة البلدية والبيئة خلايا شمسية للأفراد والشركات.
وأقترح على وزارة البلدية والبيئة منع استخدام الأكياس البلاستيكية في المطاعم والمقاهي والمحال التجارية في قطر.
هذه بعض الاقتراحات البسيطة التي قد يردّ أحدهم عليها بأنه على الدول الكبرى الصناعية المسؤولة بشكل أساس عن التلوث المناخي، مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، القيام بدورها في وقف التغيّر المناخي دون أن نفعل نحن، خاصة أن انبعاثاتنا من المواد السامة في الهواء والأرض والماء لا تُقارن بانبعاثاتهم؛ ولكني أرى أن لكلّ فرد منّا دوراً على هذه الأرض. فلا هم يعيشون وحدهم عليها، ولا نحن نعيش وحدنا على هذه الأرض، وعلى كل شخص منّا واجب حماية الأرض التي نعيش عليها.
الأرض لن تختار الدول التي سترتفع فيها درجة الحرارة، ولا البحار التي سيرتفع مستواها نتيجة ذوبان الجليد. حرارة الأرض سترتفع في كل مكان، والجليد المذاب سيُكون بحاراً تلتهم اليابسة في كل زاوية من زوايا الأرض. كل فرد منا سيتأثّر نتيجة التغير المناخي والاحتباس الحراري، الفرق يكمن بين من يحاول إعمار الأرض والمحافظة عليها وتمريرها للأجيال القادمة، وبين من يفسدها ويعطي ظهره للبيئة أو يطالب غيره بإصلاحها.
فأي الفريقين أنت؟


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



الأربعاء، 1 مايو 2019

نشاز

وقت الحديث عن حقوق المرأة، تُسمع أصوات كثيرة، معظمها لا ينصت إلى الطرف الآخر، فهناك المطالب بحقوق المرأة، والمدافع عن حقوق المرأة، والمعارض لإعطاء المرأة حقوقها، وهنالك أصوات أخرى تتعجب منها ما إن تفتح فمها، ومن هذه الأصوات أولئك الذين لا يجدون حرجاً عندما يطالب أحدهم بإعطاء المرأة حقوقها والدفاع عنها من القول: «أنت لا تعانين من هذه المشكلة أو تلك، فلماذا تتكلمين عنها؟ لماذا تتحدثين عن أمر لا تعانين منه وتعاني منه نساء غيرك لا تمتين لهن بصلة؟!»
كم من شخص قال للُجين الهذلول وغيرها من النساء اللواتي دعون إلى إسقاط الوصاية عنهن في السعودية: «أبوك يسمح لك بقيادة السيارة خارج السعودية، أو عائلتك لا تعنّفك، أو عائلتك تسمح لك بالدراسة والسفر أو الزواج بمن تختارين، فلماذا تتكلمين إذاً عن الوصاية وحقوق المرأة وأنت تملكينها؟!»
هذه الأصوات ليست خيالية، هي موجودة على أرض الواقع، وهذه هي ردودهم على النساء، أما ردودهم على الرجال المنادين بحقوق المرأة، فليس لها مكان في هذه المقالة، وإن كان يمكن اختصارها مع «تلطيف اللغة»، بقولهم: «أنتم لستم برجال!».
كنت قد وضعت من فترة ما، صورة في «إنستجرام» لمنتخب كرة القدم النسائي الأميركي في مطالبته لاتحاده بالمساواة في الأجور مع منتخب الرجال الأميركي، مع العلم بأن المنتخب النسائي يلعب مباريات أكثر من منتخب الرجال، وفاز في مباريات أكثر من منتخب الرجال، كما فاز بكأس العالم ثلاث مرات!
علّق أحد الإخوة الأعزاء على الصورة بقوله: إننا لا نواجه مشكلة تساوي الأجور بين الرجال والنساء في قطر، متعجباً من طرحي للموضوع، وكان جوابي له أن ما يؤلم النساء حول العالم يؤلمني، وما يؤثر فيهن يؤثر عليّ، أو كما قالت إحدى النساء في «تويتر»: «وجع كل النساء هو وجعي!»، عندما واجهها أحدهم بأنها كويتية، فلماذا تتكلم إذاً عن شؤون السعوديات؟!
ثم وأين المشكلة في الحديث عن حقوق المرأة حول العالم؟ ألم تتحدث الصحف الأميركية مطولاً عن قيادة المرأة السعودية للسيارة؟ ألم يفرح العالم بأكمله بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة؟!
ألم جميع النساء هو ألمي، وفرحتهن هي فرحتي، سواء في قطر أو في غانا أو الصين أو إيطاليا، وما المانع في أن نفرح جميعنا في أخذ امرأة واحدة لحقوقها في مكان ما حول العالم؟ في فرحتنا دعم لها ودفعة لغيرها من النساء لانتزاع حقوقهن المستحقة، والمتأخرة كثيراً، زمناً وكماً عن الرجال.
نعم، سأدافع عمن لا صوت لها، ولن أختبئ خلف حقوقي التي يراها البعض امتيازات، وسأفرح لغيري من النساء وسأشجعهن وقت انتصاراتهن، فأحياناً كل ما يحتاجه المرء هو رؤية غيره واقفاً منتصراً، لينضم إليه ويطالب بحقه!


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الاثنين، 15 أبريل 2019

ضغط الهوية الذكورية

معظم الرجال في المجتمعات العربية، يواجهون مشكلة حقيقية عندما يتعلق الأمر بهويتهم الذكورية، وهم لا يواجهون هذه المشكلة وحدهم، نظراً لأن النساء أكبر المتأثرين بها.
المعضلة التي أقصدها، هي حيرة هؤلاء الرجال حول هويتهم الذكورية وما يرتبط بها، فهم يربطون رجولتهم بذكورتهم، وفق تعاليم المجتمع وعاداته وتقاليده، فلأنهم ذكور، تكون الطريقة الوحيدة كي يصبحوا رجالاً، هي أن يتصرفوا طبقاً لما رباهم عليه المجتمع العربي، فالرجل لا يبكي، الرجل يجب أن يكون قوياً دائماً، ولا يعرض ضعفه للآخرين، وإن كان ذلك لعائلته، الرجل حاسم ولا تُرد كلمته، الرجل يأخذ حقه بالطيب وبالقوة، الرجل لا يتردد، الرجل لا يكسر وعوده، الرجل لا يفصح عن مشاعره أو يتحدث عنها، استناداً إلى أن الرجال أفعال لا أقوال.
قد يظن البعض أن ما سبق لا يسبّب للرجل أي حيرة حول هويته الذكورية، ولكن الواقع غير ذلك، ماذا يحدث عندما يعبّر رجل ما عن مشاعره لزوجته أو عائلته؟ ماذا يحدث عندما يبكي الرجل أو يقرر استخدام الطرق الودية عندما يتم الاعتداء على حق له؟ ينظر إليه المجتمع نظرة استنكار ويصرخ فيه: أنت لست رجلاً! بل وأكثر من ذلك، ماذا يحصل عندما لا تبكي امرأة أو عندما تأخذ حقها بالقوة؟ يتم النظر إليها كرجل، ويُقال عنها في كثير من الأحيان: امرأة بألف رجل!
هذه الحيرة حول الهوية ولّدها المجتمع، الذي ربط بعض الأفعال الحسنة والسيئة بكون الذكر ذكراً، فالأفعال الحسنة مثل الالتزام بالوعد ليست مقصورة على الذكور، والأفعال السيئة أيضاً مثل عدم التعبير أو الإفصاح عن المشاعر ليست مقصورة على الذكور، ولكن هذا ما جرى عليه العرف في المجتمع، بحيث أصبح كثير من الذكور عند قيامهم بعمل ما، يصيحون بأنهم رجال وحسب! عندما يطالبهم أحد بتبرير قيامهم بذلك الفعل.
هذه الحيرة ولّدها المجتمع، عندما صنّف الأفعال على أن بعضها لا يجوز إلا للذكور، وبعضها الآخر محرم عليهم، وعلى أنها تكون للمرأة فقط.
كثير من الرجال في مجتمعاتنا العربية لا يعرفون أنهم في حيرة من هويتهم الذكورية إلا عندما يخرجون من مجتمعنا إلى مجتمعات متسامحة أكثر حول الهوية الذكورية، فنجد الرجل العربي يقف متعجباً عندما يلقى رجلاً آخر مثله يعتني بطفله وحده في مطار ما، أو عندما يشاهد رجلاً يبوح بمشاعره لشخص في الشارع أو في مطعم ما، هذه الأمور مثلاً ليس لها دخل في تكوينه كرجل، ولكن مجتمعنا نجح في ربطها بهويته الذكورية، وفي اعتمادها كمعيار لكونه رجلاً.
نحتاج في مجتمعاتنا إلى تخفيف الضغط على الرجل، وعدم ربط الرجولة بالهوية الذكورية، عبر جمع الترسبات العربية وإلغائها، وزرع بذور جديدة متسامحة أكثر في أطفالنا، تسمح لهم بالتعبير عن هويتهم الحقيقية بدون إلحاح أو ضغط معاني الرجولة وربطها بالذكورة، ولنا في سيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- الأسوة في ذلك، وقد كان من أكثر الرجال عاطفة وحساسية وتعبيراً عن مشاعره لغيره، سواء أكان لعائلته أو أصحابه عليهم رضوان الله.


جواهر آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الثلاثاء، 19 مارس 2019

الهروب الكبير

أين ذهب الوقت؟ في أي مدى تمددت الساعات و الدقائق، و تركتنا لوحدنا نعد الأيام و الأسابيع بل و السنين؟
الانسان يربط نفسه بنفسه بأفكار الفناء و الخلود. يعيش و كأنه لن يذوق الموت، ليموت دون أن يعرف الحياة. مسلسل الدمية الروسية “The Russain doll”، يكشف لنا هشاشة الانسان و حقيقة تربص الموت به، و بعده عنه، بُعد زاوية شارع أو مسافة أقصر. من يعرف على وجه الخصوص إن كان سيكون من ضمن ٥٤ شخص الذين تقتلهم لسعات النحل سنوياً؟ أو من بين الأشخاص التسعين الذين يقتلهم البرق كل عام؟ أو من بين العشرين ألف شخص الذين يفارقون الحياة بسبب الإنفلونزا كل سنة؟ هذه الإحصائيات تم إعدادها جميعاً في الولايات المتحدة الأمريكية، و رغم ذلك من يعرف على وجه اليقين بأنه لن يكون هناك و من ضمنهم هذه السنة أو بعدها بعشر سنوات؟
الكاتب لا تلاحقه أفكار الموت و الحياة فقط، لأنه يحاول إيجاد معانٍ لهما في كتاباته، فهو دائماً يفكر بالكتابة أيضاً، و أين هي كتابته من حياته و من موته. ألا يحاول هو في النهاية استباق الموت عبر الكتابة عن الحياة؟ أليس في كتابته تخليد لذكرى حياته قبل و بعد موته؟ أليس في كل كلمة يكتبها شهيق و زفير و تنهيدة و ابتسامة؟ أليس لحبره القدرة على إحياء و إماتة المشاعر و الشخوص في المهاجر و النصوص؟
تتعجب أحلام مستغانمي في كتابها شهياً كفراق من مضي خمس سنوات دون إصدارها لعمل روائي. أين هرب الوقت؟ و ما طريقته في الهروب التي استخدمها؟ لا يهم. الوقت مضى و انتهى، و أمامنا و أمامها وقت أيضاً سيمضي و ينتهي.
ما الذي أشغلها عن الكتابة؟ الحياة. ما الذي أرجعها للكتابة؟ الحياة.. و سأضيف، الموت أيضاً. كيف لا و هما مرتبطان، ارتباط الصباح بالمساء، و الخير بالشر، و الحب بالكره. جميعهم يربطهم خيط غير مرئي، لا نعرف بداية بدايته و لا نهاية نهايته، و كلٌ يراه من منظوره الخاص الذي يعبر عنه.
بقي القول، بأن الكاتب عندما ينشغل بالحياة عن الكتابة، ينشغل عن نفسه. و عندما يكتب، ينشغل عن الموت، بالحياة، لغيره. و المعادلة الأخيرة، أثرى و أبقى للكاتب، من الأولى. عندها لا سؤال عن الوقت و تسرب ثوانيه. و لا حديث إلا عن الحياة.. و الموت، و ما نجمعه منهما.



جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...