الاثنين، 28 يونيو 2021

عن العودة.. أخيراً

 

 

النوستالجيا هي الحنين إلى الماضي، و هي كلمة أصبحت مستخدمة كثيراً في الدول العربية. هذه الكلمة مكونة من كلمتين من اللغة اليونانية، الأولى هي (نوتوس) و التي تعني العودة إلى الوطن، و الثانية هي (ألقوس) أي الألم. و قد جمعهما في القرن السابع عشر طالب طب كان يشخص بها القلق الذي يشعر به المرتزقة السويسريين و هم يحاربون بعيداً عن الوطن. كانت تُوصف النوستالجيا على أنها حالة طبية، و الآن يتم الحديث عنها و كأنها حالة طبيعية يشعر بها الجميع على الأقل مرة واحدة في حياتهم.

كم شخص شعر بالنوستالجيا حال عودته لمنزل الطفولة؟ خاصة و أنه إحساس عادة ما يُذكر مع الأوقات الفرحة لا العصيبة. أليست معظم أفلام الرجوع إلى الوطن سعيدة و خفيفة مثل Sweet Home Alabama  و This is Where I Leave You؟ ما الذي يجعل شعور العودة إلى الوطن-الذي تتوجه النوستالجيا-مميزاً إلى هذا الحد؟

العودة إلى الوطن حالة استثنائية أثيرية لا يمكن الوصول إليها إلا عبر تردد معين.. التردد إلى النفس. لا يمكن الشعور بها إلا بعد استحضار جميع الحواس في الوطن، و العودة إلى رائحة القهوة التي كان يشربها أبوك في الصباح.. و النظر إلى كتب أمك التي لم يأكلها الزمن بعد، و إن أفقدها لونها الأبيض.. و سماع الأغنية التي كنت تغنيها في صغرك ما إن تدخل الحمام للاستحمام.. و تمرير يدك على كل ألعابك القديمة التي كنت تتشاجر بسببها مع أخيك.. و بعد كل ذلك، الخروج من المنزل لتبحث عن الكعك الذي أكلته مع عمك يوماً ما أمام الشاطئ. هي كل ذلك و أكثر لأنها تجبر الانسان على استرجاع أحلامه التي نساها أو تناساها.. أحلامه التي كانت ممكنة في يوم ما و لم تعد كذلك. العودة إلى الوطن تجعل الانسان يفكر فيما تغير فيه و وما لم يتغير. هل مضى قدماً أم رجع إلى الوراء؟ هل رحيله-القسري أو الاختياري-عن وطنه جعله أسوأ أم أفضل؟ هل سامح نفسه أو قسى عليها؟ هل نسى أم تناسى؟

النوستالجيا هي بعض من شعور العودة إلى الوطن.. هي الجزء الطيب منه. هي الشاي الدافئ الذي تشربه قبل أن تصل إلى مرارة أوراق الشاي في نهاية الكوب. قبل أن تتذكر لماذا رحلت، و لماذا بقيت، و من عاتبت، و إن كنت سامحت نفسك و البيئة التي كبرت عليها أو كبرت عليك أم لا..

هنالك طبقات كثيرة و معقدة من مشاعر العودة إلى الوطن، لأنها تحمل في طياتها فصلاً كاملاً من حياتك، فيه عرفت نفسك و من ثم غيرتها.. فيها ضللت و اهتديت، و أحببت و كرهت، و ساعدت و انتقمت، و كل ذلك لترحل، و من ثم لترجع إلى وطنك و تواجه نفسك فيه.

 

 

جواهر محمد آل ثاني

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...