الخميس، 24 أبريل 2014

أول أسباب السعادة

لطالما سمعت حمد وشكر صديقتي لله على الاجتماعات الكثيرة لعائلتها وأصحابها، وبعدهم عن أولئك ممن لا يجتمعون مع أقاربهم ومعارفهم سوى سنوياً أو مرة كل بضع سنين. أفرح لها في كل مرة لأن العلاقات الشخصية والروابط البشرية هي الشيء الوحيد الذي لا يعوض، وهي العملة التي لا تضعف بل تقوى، فالصديق قد يصبح شريكاً في يوم ما، وابن العم هو السند الذي يحضر وإن غاب، ولكن تعليقي كان دائماً حول ربطها لأهمية هذه الاجتماعات بالكمّ وعدد السنين، فما فائدة الزيارات الأسبوعية لأي عائلة ما دام النفاق الاجتماعي هو ما يضعهم في غرفة واحدة؟
تخيلت في آخر اجتماع عائلي، وقوع ما تصوره الأفلام الهوليوودية من مستقبل مليء بالبشر يعيشون بلا صلات إنسانية، بعيداً عن بعضهم البعض وقريبين جداً من عملهم كآلات بُرمجت على ذلك. في وقتنا الحالي نواجه حالات كهذه في دول كاليابان والصين، وخاصة بعد اختراع أدوات كثيرة تغني الإنسان عن أي احتكاك بشري، ولكن حكومات هذه الدول تعمل بجهد كبير لمواجهة هذه المعضلات على الفور، ففي الصين مثلاً تُوجد مراكز لعلاج إدمان «الإنترنت»، وفي اليابان يتم تشجيع الشباب المنكبين على أعمالهم على الإقبال على الزواج من خلال برامج حكومية فعالة.
كثيراً ما كتبت عن الحياة وأهمية عيش كل لحظة فيها في وقتها، وكأنها آخر دقيقة، وقلما أقحمت العائلة والأصدقاء في نفس السياق، على الرغم من أهمية هذه العلاقات، فالسعادة كما تم وصفها في فيلم «إلى البرية»: «لا تكون حقيقة إلا إذا تمت مشاركتها». سواء تمت مشاركتها مع صديق أو حبيب أو أخ، لا يكون لها طعم إلا بهذه المشاركة، وإن ظن الشخص بأن نفسه تكفيه كما هو حال بطل الفيلم الذي توفي وحيداً!
المسافة ما بين كل شخص وآخر، وفكرة قطع الطريق إلى الجانب الآخر، هي ما يخلق حالة الاستمرار في السلالة البشرية، فالبحار تُقطع عند الاشتياق، وتتراص الصفوف وقت الصلاة، والورود تُقطف وتوزع حال العشق والهيام. لا شيء أقوى من صلة بشرية، وعاطفة إنسانية، فهي سبب للحياة وسبب للموت، وسبب للسعادة وللقيام بالمستحيل، وهي أعظم وأسهل استثمار.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.

الخميس، 17 أبريل 2014

ما الذي يجعل الكتابة مثيرة؟

كثيراً ما قيل إن الكتابة هي مهنة من لا مهنة له، وذلك في إشارة إلى انتشارها وكثرة استخدمها لخدمة أغراض المهن والأعمال الأخرى، وليس الكتّاب والأدباء فقط.
أصبح التصوير أيضاً والصحافة في جزئها الإخباري من المهن العديدة كالكتابة التي يمكن اعتبارها مهنة من لا مهنة لهم، خاصة بعد انتشار الأجهزة الإلكترونية وبرامج التواصل الاجتماعي، ومع ذلك يبقى للكتابة سحرها الآسر وفتنتها الطاغية كأميرة فارسية تزور من زمن قديم. 
ما الذي يجعل الكتابة مختلفة عن أية مهنة أخرى؟ ما الذي يجعلها مثيرة لدرجة لا تقاوم؟ ما الذي يجعلها المفر الوحيد أحياناً والمخرج الأقرب دائماً؟ الكتابة ارتبطت في أول زواج لها بالتاريخ، فهي ما حفظته وجعلت منه وديعة يلجأ إليها الإنسان للإرشاد، وهي ما خلدته وخلدت معه أدواته، ولهذا نجد الأشخاص العاديين وغير العاديين جزءاً من التاريخ، فكلمة جمعتهم، وحرف وحّدهم في مكان واحد.
الكتابة أيضاً طريقة من أسهل طرق التعبير عن الذات، سواء أكان ذلك عبر ديوان شعري أو رسالة انتحار، ولذلك يقبل عليها واضحو التعابير وغامضو المشاعر على حد سواء، لأنها وسيلة عديدي الوسائل ووسيلة من لا وسيلة له.
والكتابة هي شكل من أشكال الأخذ والعطاء، فهي تأخذ من عرق وتعب الكاتب، وتعطي الأمل والأماني للقارئ، بحيث لا يغدو بعد قراءة رواية حول السلام والحرب، مسالماً أو محارباً بل حالماً طموحاً ذا خيال يساعده على مضي عمره لا قضاء السهر فقط.
سواء أكنا كتاباً أو قراءً، الكتابة هي زاوية من زوايا حياتنا، لأنها ما يمنحنا القوة عند الضعف، والأمل حين اليأس، والثقة وقت التردد، بل هي أكثر من ذلك، هي ما يزرع فينا الشك لنوقن، وما يجعلنا نجيب لنسأل، وفي كل مرة تبقى حتى بعد خفوت أصواتنا، لهذا هي من أكثر الأمور الجذابة على هذه الأرض.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية.

الخميس، 10 أبريل 2014

عن الإنسان الناقص

أجمل اللوحات تلك غير المكتملة.. أحلى القصائد الغامض منها.. أمتع الروايات هي ما تنقطع نهاياتها في آخر صفحاتها، وأكمل ألعاب البازل هي ما ينقصها قطع كثيرة.
يحن الإنسان إلى كل ما هو ناقص، لأنه يعبر عنه، ككائن ناقص.. ناقص دين.. ناقص عقل.. ناقص مال.. ناقص عضو جسدي، أياً كان، حتى ولو لم يعرف ما ينقصه بعد أو لن يعرفه أبداً، سيظل ناقصاً.
النقص جزء من تركيبتنا، ولأنه كذلك جزء من كمالنا، فهو ما يجعل كل شخص مختلفاً عن الآخر، وإن ظننا العكس، أي وإن ظننا أن ما يملكه كل شخص هو ما يفرق بينه وبين الآخر، لأن الحقيقة هي أن ما ينقص كل شخص، وليس ما يملكه، هو ما يميز بينه وبين غيره!
والتعريف بالناقص أو غير المكتمل، يتباين بين الثقافات ويختلف من بيئة إلى أخرى، فهناك مجتمعات تظن أن أهم ما قد ينقص أي إنسان هو المال، معتقدة بقوة بالمثل التي أورثته لأجيالها، بأنه لا يعيب الرجل سوى جيبه! وهناك من هم أقل تحجراً ممن يرى الكمال في الشهادة الدراسية، أما الأكثر تحضراً وتقدماً فهم من يرى النقص في ألا تتعلم لتَعلم، والكمال في أن يجد الشخص طريقاً ما يحبه ويستهويه.
يقول عالم الكمبيوتر الأميركي آلان كاي: «البعض يخشى أن يجعلنا الذكاء الاصطناعي نحس بالدونية، مع أنه من المفترض أن يعاني كل عاقل من عقدة نقص في كل مرة يشاهد فيها زهرة». هذا قول من يعمل على الكمبيوترات بشكل يومي ويعرف قدرتها الهائلة على تخزين المعلومات وتحليلها وتحويلها ونقلها. 
قولٌ يجعلنا نقف في حيرة: هل جميعنا من إنسان وحيوان ومخلوقات على الأرض وفي السماء، على قدر واحد من الكمال؟ أم على قدر واحد من النقص؟ وهل الكمال في النقص أم النقص في الكمال؟ من يسبق أو من فيهم يُكون الكل بالجزء أو يغلب الجزء بكليّته؟ هل نحن من نحدد النقص أم النقص من ينحتنا ويقدمنا إلى العالم؟ ماذا عن زوائدنا، ما دورها في حياتنا وهل لها نفس التأثير؟ هل هناك زوائد دينية أو مالية أو عقلية مثلما توجد نقائص في الدين أو المال أو العقل؟ وهل نُفضل الزوائد أم النواقص؟ وهل للزوائد أفضلية التقدم لاحتواء أجسادنا على «زائدة دودية» أم إن وضوحها الفاقع يأخذ من رصيدها؟ سأترك لكم هذه الأسئلة ناقصة الأجوبة، لأنها أجمل هكذا وأدعى لاستدعاء عصافير الخيال، وجلب محاصيل المعرفة. فهل تقدر على ذلك؟


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الخميس، 3 أبريل 2014

في حب المفاجأة!

امش في نفس الطريق إلى مكان عملك، وكل نفس الغداء من نفس المطعم، وخذ قيلولة في نفس الميعاد قبل أن تلحقها بالذهاب إلى النادي الرياضي نفسه، لتأكل بعدها نفس الوجبة اليومية قبل أن تذهب إلى السرير ساعة النوم، وأضمن لك العيش كزومبي، أو جنوناً سريعاً!
لم يقتل الروتين يوماً إنساناً، ولكن ما يقتل هو موت عنصر المفاجأة وغياب الأمل عن حياة الشخص.
لا يقتل الروتين ولكن ما يقتل هو معرفة الإنسان بأن عائلته لم تختر له اسمه فقط، بل وظيفة المستقبل، وزوجة المستقبل، وبيت المستقبل بجانب المدرسة التي سيرتادها والهوايات التي «تناسبه» وتناسب وضعه الاجتماعي، وأن ما يعيشه الآن هو كل ما ستكون عليه حياته.
ما يقتل هو أن يكون هناك كتيب حياة جاهزاً للشخص كي يتبعه ويجعل منه مساراً لخطواته.
الروتين مرض مقعد يزرع الضجر وينمي اللامبالاة، وبهذا أقصد الكثير منه لا القليل، فجزء منه ضروري للمضي قدماً في الحياة ونحو أهدافنا، بشرط ألا يطغى ذلك على الفرد كأسلوب حياة.
الروتين كوسيلة للتنظيم مطلوب، ولكن ليس لأكثر من ذلك، يجب ترك فراغ للأحداث المنتظرة المجهولة، وللمفاجآت المأمولة، وللعفوية المباغتة. يجب ترك مساحة للحرية وللتحرك دون حساب أو عد للخطوات، فمكالمة تليفونية مفاجئة من صديق يرغب في مقابلتنا هي ما تملأ الحياة، وقرار رب العائلة بالسفر في عطلة الأسبوع، هو ما يؤهبنا لبقية الأسبوع، وإكمال مشاهدة فيلم بدأناه بعد الغداء هو ما يجعلنا نصل إلى وجبة العشاء.
الروتين لازم للإبداع ولإعطاء مجال للتأمل والتفكير، فالكاتب الكبير تينيسي ويليامز لم يكن ليصل مكانه لو لم يثابر في عشرينياته لمدة ثلاث سنوات كتب في كل أسبوع منها قصة، ولم يكن ليصل مكانه لو لم يعط الحياة فرصة ليعيش بها كل يوم بيومه، وحتى روتينه الأسبوعي كان جزءاً صغيراً فقط من حياته ككل، والجزء الأكبر كان لإبقائه حياً.
لن أقول: عيشوا كل يوم ولحظة في حينها، ولكن نظموا أيامكم بحيث تبقون على جزء منها للحياة الأكبر من حولكم، وللحظات تفرون منها وإليها إلى ما يضعه الوقت على صحونكم المليئة. أبقوا على روتينكم وعلى جزء من العفوية، حتى لا تفقدوا المفاجأة، وتبقوا روعة التعجب على وجوهكم من حين لآخر!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية.

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...