الخميس، 10 أبريل 2014

عن الإنسان الناقص

أجمل اللوحات تلك غير المكتملة.. أحلى القصائد الغامض منها.. أمتع الروايات هي ما تنقطع نهاياتها في آخر صفحاتها، وأكمل ألعاب البازل هي ما ينقصها قطع كثيرة.
يحن الإنسان إلى كل ما هو ناقص، لأنه يعبر عنه، ككائن ناقص.. ناقص دين.. ناقص عقل.. ناقص مال.. ناقص عضو جسدي، أياً كان، حتى ولو لم يعرف ما ينقصه بعد أو لن يعرفه أبداً، سيظل ناقصاً.
النقص جزء من تركيبتنا، ولأنه كذلك جزء من كمالنا، فهو ما يجعل كل شخص مختلفاً عن الآخر، وإن ظننا العكس، أي وإن ظننا أن ما يملكه كل شخص هو ما يفرق بينه وبين الآخر، لأن الحقيقة هي أن ما ينقص كل شخص، وليس ما يملكه، هو ما يميز بينه وبين غيره!
والتعريف بالناقص أو غير المكتمل، يتباين بين الثقافات ويختلف من بيئة إلى أخرى، فهناك مجتمعات تظن أن أهم ما قد ينقص أي إنسان هو المال، معتقدة بقوة بالمثل التي أورثته لأجيالها، بأنه لا يعيب الرجل سوى جيبه! وهناك من هم أقل تحجراً ممن يرى الكمال في الشهادة الدراسية، أما الأكثر تحضراً وتقدماً فهم من يرى النقص في ألا تتعلم لتَعلم، والكمال في أن يجد الشخص طريقاً ما يحبه ويستهويه.
يقول عالم الكمبيوتر الأميركي آلان كاي: «البعض يخشى أن يجعلنا الذكاء الاصطناعي نحس بالدونية، مع أنه من المفترض أن يعاني كل عاقل من عقدة نقص في كل مرة يشاهد فيها زهرة». هذا قول من يعمل على الكمبيوترات بشكل يومي ويعرف قدرتها الهائلة على تخزين المعلومات وتحليلها وتحويلها ونقلها. 
قولٌ يجعلنا نقف في حيرة: هل جميعنا من إنسان وحيوان ومخلوقات على الأرض وفي السماء، على قدر واحد من الكمال؟ أم على قدر واحد من النقص؟ وهل الكمال في النقص أم النقص في الكمال؟ من يسبق أو من فيهم يُكون الكل بالجزء أو يغلب الجزء بكليّته؟ هل نحن من نحدد النقص أم النقص من ينحتنا ويقدمنا إلى العالم؟ ماذا عن زوائدنا، ما دورها في حياتنا وهل لها نفس التأثير؟ هل هناك زوائد دينية أو مالية أو عقلية مثلما توجد نقائص في الدين أو المال أو العقل؟ وهل نُفضل الزوائد أم النواقص؟ وهل للزوائد أفضلية التقدم لاحتواء أجسادنا على «زائدة دودية» أم إن وضوحها الفاقع يأخذ من رصيدها؟ سأترك لكم هذه الأسئلة ناقصة الأجوبة، لأنها أجمل هكذا وأدعى لاستدعاء عصافير الخيال، وجلب محاصيل المعرفة. فهل تقدر على ذلك؟


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...