الخميس، 29 ديسمبر 2016

بين (ههه) و (هه)


(هـ)
اضحك لتبدو أصغر سناً. هذا ما فكرت فيه وأنا أشاهد مقابلة الكوميدية كارول برنيت -البالغة من العمر 83 عاماً- مع مقدمة البرامج تشيلسي هاندلر. وتشيلسي ذاتها لم تفوت الفرصة لتبوح بما دار في أذهان من يشاهد المقابلة قائلة: أبسبب الضحك والكوميديا تبدين أصغر من عمرك الحقيقي؟
والحقيقة هي أن كل من يضحك يبدو أصغر سناً من أقرانه، أو على الأقل أصغر روحاً. الأشخاص الذين يعرفون كيف يضحكون وأين يجدون النكتة، يعيشون أطول لأنهم يحتالون على الظروف، ويلتفون حول المشكلات بالفكاهة إلى حين عثورهم على المخرج. وهم في رحلتهم هذه لا يتعبون كغيرهم من المتزمتين والعابسين. هم ببساطة يأخذون الأمور ببساطة عبر الابتسامة والضحك وتقبّلهم الأمور بهذا الشكل.

(هـ)
الضحك، لغة عالمية مطلوبة. الكل يريد أن يجلس مع من يضحك ويضحكه. وأشهر العروض والأفلام في كل مكان هي المندرجة في خانة الكوميديا.
الضحك وسيلة لتخفيف التوتر والضغوط واستمالة الآخر. ولهذا تبدأ وتتضمن الخطابات الناجعة نكتة. ولهذا يلقي المتحدثون بين بعضهم البعض بالنكات، لكسر الحواجز أو الثلج، بحسب التعبير الإنجليزي to break the ice.
ولكل مكان نكتته وطبيعة حس الفكاهة الخاصة به. فمن عمق بيئة المكان وساكنيه تولد نكات خاصة به قد لا يفهمها غير قاطنيه، فتجد نكتة الروسي غير مضحكة عند الأميركان، ونكتة الأميركي لا تُفهم في الصين، والصيني يضحك وقت سكوت المصريين، وهكذا. ولربما من ذلك انطلقت واستعرت شهرة مستر بين Mr. Bean المضحك عبر حركاته وإيماءاته، المقلّ في كلماته وحروفه. فالنكات الحركية مفهومة للعالم والشعوب أكثر من المنطوقة، مثل أفلام تشارلي شابلن الصامتة.
ومع ذلك، في وقتنا هذا، نجد الشعوب تتقارب بسبب وسائل الاتصال والنقل، وتجد أرضية واحدة مشتركة للضحك فيها وعليها. وهذه أرضية كافية للتواصل والتقرب وفهم الآخر وغير المختلف. هذه الفكرة طُرحت في الفيلم الأميركي Looking for comedy in the Muslim world، حيث ترسل الحكومة الأميركية ممثلاً كوميدياً إلى باكستان والهند الحاوية لأكثر من 100 مليون مسلم، لمحاولة فهم المسلمين عن طريق معرفة ماذا يضحكهم. الفيلم خرج قبل أكثر من عشر سنوات، واليوم تشوّهت النظرة حول المسلمين أكثر وأكثر حتى أصبح السؤال: هل يضحك المسلمون؟ ومع من؟ وعلى من؟
هذه هي الفكرة السائدة حول المسلمين، في وقت يجب فيه على كل شعوب العالم أن تستخدمه كسلاح ودي لجذب الآخر وتقبله وفتح الحوار معه، بل وخلق التوازن بين ثقافة النكتة وموضة السخرية. هه.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



الخميس، 22 ديسمبر 2016

سوريا و سنين العار

أدار العالم وجهه نحو سوريا الأسبوع الماضي بعدما احترق ظهره مطولاً بنار العار والخذلان. لا حفظ لماء الوجه اليوم ولا أمس أو الغد. العالم كله شريك في جرائم ذبح السوريين.
اليوم، العالم مدين بالاعتذار لكل الأطفال والنساء والعجائز في كل مكان، لا سوريا فقط.
عجزنا في حمايتكم عن الوقوع في دوامة لا قاع لها، وفي وسط الدوامة شيطان أسد، يسحق كل ما فيها ولاعبين لا يريدونها أن تنتهي، فهي في النهاية، لعبة بالنسبة لهم. وبين كل هذا وذاك متفرجون، بعضهم لا يسعهم القيام بشيء، وآخرون لم يتحركوا حتى زاد حيادهم السلبي الوضع سوءاً. آن الوقت لنكرر ما قلناه سابقاً: حان الوقت للتدخل وإنقاذ الشعب السوري، لم تعد تكفي حملات التبرع والمساعدة وإن كانت مهمة، بل يجب أن تمتد إلى ضرب النظام وإنقاذ ما تبقى من سوريا شبه المدمرة. يجب على المجتمع الدولي عبر الأمم المتحدة أو بدونها أن يجتمع ويقف وقفة رجل واحد ضد النظام السوري الغاشم. يجب أن تتوقف إمدادات السلاح والرجال من أعوان النظام السوري إلى سوريا فوراً، وأن تفرض مناطق حظر الطيران في أرجاء سوريا.
ولكل المتمسكين بذريعة الجماعات الإرهابية، بقاء الوضع كما هو يساعدهم أكثر من قهره لهم. الدمار والقتل والحرب المستمرة يخلق للإرهاب مناخه ويغذيه، وإن كنا نظن بأن 2016 وما قبلها كانت سنوات سيئة على العالم من هذه الناحية، فنحن لم نر شيئاً بعد. إن تُرك الوضع كما هو، سيخرج من سوريا والعراق ما هو أعظم وأخطر وسيترك أثره على العالم أجمع لا منطقة الشرق الأوسط والدول العربية والمسلمة وحدها.
سيناريو العراق يتكرر على نحو أبشع وعلى مرأى من عيون الناس ثانية بثانية. نرى وجه كل رجل يُقتل وكل امرأة تنتحب على مقتل عائلتها كلها وكل طفل ينخرس من الصدمة فلا نحن نسمع بكائه أو رجائه. ولا زلنا نقف متكتفي اليدين. نظن أن اللاجئين السوريين الواصل عددهم لما يقارب 5 ملايين سينسون، أو أن النازحين سينسون، أو أن أهالي القتلى والجرحى سينسون. ولا العالم كله ولا التاريخ سينسى. والله لن ينسى. الجميع سيتذكر المتخاذلين عن إنقاذ الشعب السوري كل يوم، كما نتذكر المتخاذلين قبلنا عند رؤية صور من أرشيف فلسطين والعراق وفيتنام و الحرب العالمية الأولى والثانية.
ما حصل في حلب مجزرة.. ليست حرب ولا مقاومة، خرج منظمها الأسد ليخبر العالم بأن قلبه مع أهالي حلب. والعالم يردد العبارة نفسها: قلوبنا مع أهالي حلب وسوريا. ولم يفعل أحد شيئاً. تركنا كل شيء للأسد.



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 15 ديسمبر 2016

دائرة معيّنة

على مكتبي، الذي تزوركم حروفي منه، مجسمات وصور، بعض أشكالها لها أسماء وأخرى بلا أسماء. ماذا أسمي شكل الريشة أو خريطة دولة قطر؟ لن أزعجكم بالأسئلة وسأتكلم عن بعض الأشكال الهندسية المعروفة كالمربع والمثلث والدائرة والمستطيل، الأشكال التي ترسم حياتنا وما نراه حرفيا!! ورغم ذلك متى توقفنا وقدرنا الشكل الأسطواني وانسيابيته؟ متى فكرنا بالمربع أو المكعب واتزانه؟ متى أذهلنا الهرم الذي بهر القدامى حتى بات رمزا من رموز حضاراتهم في مصر والمكسيك؟
في يومنا هذا أصبحنا نقدر الجديد من الأشياء الكبيرة والغالية. بعيدا عن إطارات السيارات، لم نعد نرى سوى ناطحات السحاب الضخمة، ولم يعد يهمنا سوى أشكال الهواتف النقالة الجديدة.. هل هي أطول؟ أقصر؟ أكبر؟ أصغر؟ وكله عائد إلى متغيرات وتأثيرات البيئة من حولنا. لم تعد تهمنا الأشكال المشكلة للأشياء بقدر اهتمامنا بالصورة.
الأشكال الهندسية وغير الهندسية جميلة وشاعرية وعملية، تعطي وتؤثر وتغير من نظرة وإحساس الإنسان للشيء، فالشعور الذي يعطيه السلم الحلزوني للشخص يختلف عن الشعور المنبثق من سلم متعرج. وبوابة البيت المستطيلة تتميز عن المثلثة. للأشكال خواص نفسية واجتماعية تلقي بتأثيرها علينا. نجتمع في دائرة، نصطف على خط مستقيم، نلعب بخطوط متعرجة، نهجم كسرب طيور مثلث الشكل، نعيش في مكعبات، نتنقل على أسطوانات، نحب في شكل قلب.
الدكتورة سوزان ديلينجر كاتبة كتاب «التواصل رغم اختلافاتنا»، كانت من أوائل من ربط الأشكال الهندسية بصفات وشخصية الإنسان والعكس. ولديها اختبار حول ذلك يمكن الوصول إليه عبر الإنترنت في موقعها الخاص. به يتعرف الشخص على صفاته الشخصية وتعاملاته مع غيره. وقد حددت الدكتورة كلا من الأشكال التالية: المربع والمثلث والدائرة والخط المتعرج والمستطيل، بصفات معينة قد يمتلك الإنسان كومة منها فلا يكون دائرة كاملة، أو مثلث ثلاثي الأضلاع، بل البعض من هذا وذاك! أنا مثلا مزيج من المربع والمثلث بحسب اختبار الدكتورة، ومزيج من الحروف والكلمات بحسب معرفتي أنا.
تشتهر في الحقل القانوني والقضائي عبارة «العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني»، ومن القائل بأنه لا يمكن اعتبار المقولة نفسها في حقول الهندسة والجمال؟
الأشكال ليست بمبان وحسب، هي مقاصد ومعان وغايات ومؤثرات تمتد على الأضلاع وداخل الدوائر على نحو معين.



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


السبت، 10 ديسمبر 2016

ابحث عن المرأة

بعد أكثر من ٤٠ سنة، اعترفت كارول برنيت، أول مقدمة برامج منوعة أميركية للتلفزيون، بأنها لم تكن تحب المواجهة عندما يتعلق الأمر ببرنامجها.. “برنامج كارول برنيت” وأنه إذا ما كان نص البرنامج المقترح تصويره سيئاً، كانت تقترح أخذ الآراء المختلفة بدل إخبار الكُتّاب والمسؤولين عن البرنامج مباشرة وبشكل صريح بأنه شنيع، خوفاً من اعتبارها وقحة وبلا أدب!.
اليوم، وإن كانت النظرة قد تغيرت بشكل كبير نحو المرأة وقت إبدائها لرأيها، فلا يزال الوضع بدائياً عندما تتم مقارنته بالرجل الذي له أن يقول ما يريده بشكل جريء دون أن يعتبر وقحاً أو متعدياً على الأعراف والعادات، ومن الأشياء المميزة لوقتنا هذا، تَبَنِّي حديث عميق حول المرأة وحقوقها وضرورة وجودها في جميع الأماكن وعلى كل الأصعدة لتحقيق التنمية والازدهار في المجالات المختلفة.
الآن، نسمع الكثير عن وجوب تساوي الأجور بين الجنسين، وخاصة في هوليوود، المكينة الإعلامية الأكثر تأثيراً على العالم أجمع، لا الولايات الأميركية المتحدة فقط، وقد تحدث الممثلون سواء من الذكور أو الإناث حول هذا الموضوع، منهم فائزون بجائزة الأوسكار مثل جينفر لورنس وباتريشا أركيت، وهذا يأخذني إلى قصة باحت بها الممثلة الأميركية الرائعة هيلاري سوانك، والتي تم عرض عليها فيلم بعد فوزها بجائزتي أوسكار، كان الأجر فيه ٥٠٠ ألف دولار فقط فيما عُرض على الممثل الرئيس معها ١٠ ملايين دولار رغم عدم نجاحه الكبير ووجوده في الفيلم لوسامته ليس إلا! رفضت سوانك الدور ليتم عرضه على ممثلة أخرى قبلت فيه بأجر وقدره ٥٠ ألف دولار!
تواجه المرأة حول العالم قضية عدم تساوي الأجور بينها وبين الرجل عند القيام بالعمل نفسه، ومن الأمور الحميدة في قطر، عدم مواجهة المرأة لهذه المشكلة لحماية الدستور والقانون لها في هذا الشأن، ولكن لدينا معضلة أخرى في قطر وعلى مستوى الدول العربية، ألا وهي عدم وجود الثقة في المرأة لتولي المناصب المهمة أو القيادية، فنرى أكثرية الحقائب الوزارية للرجال، ومعظم الوفود الدولية ومجالس البرلمان والبلدية ومجالس إدارة الشركات الخاصة والعامة خالية من العنصر النسائي.
ليس المطلوب هنا وضع امرأة في منصب مهم أو قيادي مقابل كل رجل يتم تعيينه في منصب قوي؛ لأن ذلك لا يخدم المرأة ولا الرجل ولا المجتمع، والمطلوب أن تتم التعيينات بناء على الكفاءة والعمل الجادّ بغض النظر عن جنس الشخص، بجانب الاعتراف بوجود سيطرة ذكورية في المجتمع وبيئة العمل.
لا يجب اعتبار كون المرأة أنثى ضعفاً أو نقطة تُحسب ضدها. القول بأن كون المرأة أنثى سيؤثر على عملها سلباً، أو لن يخدمه على الأقل، إما لفرط مشاعرها الجياشة أو عدم تركيزها على عملها أو إعطائها الأهمية الأكبر لبيتها وعائلتها، خاطئ حيث إن الكثير من الرجال يولون عوائلهم أيضاً الأولوية القصوى، وبغير خطأ منهم!.
وفقاً لتقرير الفجوة العالمية بين الجنسين لعالم ٢٠١٦، فالمساواة في الأجور بين الجنسين لن تتحقق قبل عام ٢١٨٦! وأتمنى أن يعمل الرجل والمرأة على تحقيق المساواة بينهما سواء في الأجور أو الحقوق الأخرى قبل مرور كل تلك السنين.



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



الخميس، 1 ديسمبر 2016

حاجات

حاجات ورغبات الإنسان هي ما تصنعه وتكونه. هي ما تجعله هو، وغيره.. غيره. يستطيع الإنسان أن يصل إلى الشخص الذي يريد أن يصبحه، عن طريق تحديد حاجاته ورغباته المناسبة له. ولكن ما الفرق بين الحاجات والرغبات؟ وهل يصعب التفريق بينهما؟
لا. يسهل التمييز بين الرغبات والحاجات بالنسبة للعاقل وإن اختلفت الإجابات حول ماهية الرغبات والحاجات.
الحاجات هي ما يصعب العيش من دونه بدرجة كبيرة، مثل الدواء للمريض والماء والهواء النظيف للطفل. أما الرغبات، فهي السيارة في عيد ميلاد 18 وهاتف الجوال الذهبي الجديد، والتشيز كيك في المخبز المقابل للبيت.
لا تختلف احتياجات الإنسان عن غيره من البشر كثيراً. كلنا في حاجة إلى المكان الآمن والرزق اليومي والبيئة النظيفة المستدامة. وكلنا نرغب بشكل أو بآخر، أشياء تسعدنا أو تطمئننا أو نجربها أو تبعد عنا الملل أو نشابه بها غيرنا. هذه بعض وظائف رغباتنا في عصر الاستهلاك والهجوم الإعلامي على حواسنا. نشعر بتعقيدها عندما نقارنها برغبات أجدادنا قبل أكثر من 100 سنة والمتمثلة في أشياء مثل تذوق فواكه الشام أو رؤية زوج لولده قبل أن تأكله الأمراض.
من المهم جداً للإنسان أن يحدد في شكل نقاط، حاجاته ورغباته ويعرف الفرق بينهما. سيعاونه ذلك على بناء أهدافه في الحياة والطريق العابر إليه.
معرفة احتياجات المرء قد تكون أسهل من معرفته لرغباته لكن الفرض الملقى في هذه المقالة سيساعد القارئ كثيراً.
ماذا لو قلت لك: لن يكون المال والوقت والشهرة، مشكلة بالنسبة لك وأن كل عامل منهم سيكون في يدك، بماذا سترغب وقتها؟ هل ستسعى وراء شريك حياة، تعتني به ويعتني بك؟ هل سترغب بإدارة مطعم تقدم فيه أطباق بلدك للآخرين؟ هل ستسافر حول العالم لمساعدة الأطفال العاجزين أمام عنف الحروب؟ هل ستمضي وقتك في غرفة بين كتبك تقرأ وتكتب ما تيسر لك من الأفكار والأسفار؟ هل ستفعل ما يسعدك سواء أكان ذلك الغناء أو الرقص أو العمل المكتبي أو التصوير أو سماع الموسيقى؟ هذه هي الرغبات الحقيقية البعيدة عن الرغبات المادية قصيرة الإقامة في الروح. فرق بين الاثنتين لتعيش سعيداً قنوعاً بانتصاراتك الصغيرة قبل الكبيرة. وإن كنت تعاني من كثرة رغباتك -لا حاجاتك- المادية، فتخيل معي ما يلي:
اضطررت لأن تجالس طفلك أو طفل غيرك، وكان شديد التطلب والطلبات. يريد كل شيء ويريده الآن! لن يصمت الطفل ولن يكف عن البكاء والصراخ حتى تلبي له جميع طلباته المستحيلة. ماذا ستفعل وقتها كي يسكت ويهدأ؟
افعل الشيء نفسه مع نفسك. ولا تعطها فرصة الصياح مرة أخرى. تخيل هذا الطفل في داخلك واحرص على بقائه هادئاً قانعاً بالموجود، فطبيعة الإنسان عدم الرضا بل والسخط في كثير من الأحيان. والعالم اليوم يزيد الإنسان سخطاً ويدفعه في ذلك الاتجاه، وكل ما على الإنسان فعله أن يلتف حول الواقع، ويحدد ابتداء ما يحتاجه وما لا يحتاجه.. ما يريده وما لا يرغب به.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



الجمعة، 25 نوفمبر 2016

حرفة في مهب الريح

نحن نشهد عصر النشر، سواء أكانت المعلومات المُشاركة صورة عبر الإنستجرام، فيديو عبر يوتيوب، أو أمنية مكتوبة في تويتر، أو كتاباً تم توزيعه على المكتبات. تكاثرت أعداد القراء حول العالم نظراً إلى زيادة عدد السكان، ومحاولات الدول الناجحة في محاربة الجهل ونشر التعليم الأساسي في كل مكان. وبالتالي زادت أيضاً أعداد الناشرين لكتبهم ذات الاهتمامات المنوعة. وأسهل موضوع يتم الكتابة عنه هو حياة المرء، فتجدهم يكتبون عن كيفية تغلبهم على الخجل أو الخوف أو الموت أو المخدرات أو السمنة.
كتب براين كوين في أحد كتبه: تخيل عالما تكون فيه الكتابة رياضة فوق كل الرياضات الأخرى. تخيلها ذات جماهير عريضة تُملأ في الندوات الشعرية أو حال توقيع الكتب المهمة، ملاعب رياضية تستوعب فوق ٣٠ ألف شخص. على أي حال سيكون هذا العالم؟ وكيف ستكون مسابقاته؟ وما تمارين رياضة الكتابة؟
عالم تملؤه الكتابة، واقع ترعاه القراءة، خاصة في ظل مسابقات يتم الحرص فيها على جودة الكتابة حال النشر. الأجيال المعاصرة ستكون مثقفة ومطلعة تحضر الصالونات الأدبية والثقافية وتدعمها. أما التمارين الرياضية للكتابة فهي القراءة والكتابة أولاً وأخيراً، ثم الكثير من السفر والتأمل ومشاهدة الأفلام والناس والمشي أو غيرها من الرياضات الجسدية التي تحرك الجسم، ليتحرك معها العقل.
العالم الذي تخيلناه مع كوين يختلف عن عالمنا اليوم. نعم، كلاهما يملؤه الكُتاب والنشر، ولكن يتمايزان في نوعية وجودة المواد المنشورة، وحجم الإقبال والتشجيع والاهتمام والتقدير المصوبين نحو الكاتب.
في عالمنا لا تطعم الكتابة بقدر ما يشبع الغناء أو كرة القدم. ولا تهتم وسائل الإعلام التقليدية والجديدة بالكتاب بقدر ما تهتم بمشاهير التلفاز وسناب شات. في وقتنا هذا لا يلقي أحد البال للمسابقات الأدبية المحلية والعالمية، ولا يهتم بها سوى دور النشر الحريصة على طباعة الكتب الحاوية لعنوان "فائز بجائزة أدبية أو واصل إلى القائمة القصيرة"! وهي لا تفعل ذلك إلا لأسباب تجارية.
الكتابة هي رياضة الكُتاب الأولى. هناك دوري أول وثان وثالث وعاشر يعرف مستوياته الكُتاب، ويتنافسون فيه على أعلى المراتب دون أن يلتفتوا ناحية المتفرجين. يعيش الكُتاب في العالم الذي تخيله براين كوين، ويعيش الآخرون في العالم الآخر.. ولهذا يستمرون في الكتابة رغم كل شيء.





جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



الجمعة، 18 نوفمبر 2016

من تويتر و حتى يوتيوب

تطورت وسائل الاتصال في السنوات العشرين الأخيرة بشكل سريع، ولم يعد أحد يتخيل الهواتف الثقيلة والرسائل النصية الطويلة المقسمة على عدة رسائل يحتوي كل منها حروفاً محدودة! ومع بداية الألفية الجديدة بدأ الهاتف الجوال يصغر مرة واحدة ليكبر شيئاً فشيئاً مع تحدي الشركات بعضها بعضاً في عامل وزن الجوال!
ومع ثورة الآي فون وجد الناس مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة على الكمبيوتر المكتبي أو المحمول، في أيديهم، لا تفارقهم ولا يفارقونها، والآن يعج الآب ستور وجوجل بلاي ببرامج التواصل الاجتماعي، بل إن لكل منها نسخاً شهيرة أو على الأقل صينية كالمستخدمة في الصين المانعة لسناب شات، وفيس بوك، ويوتيوب!
شئنا أم أبينا فقد أثَّرت برامج التواصل الاجتماعي بمجتمعاتنا العربية ونسيجها وبيوتنا وطريقة تفكيرنا وكلامنا، كيف لا والشباب المستخدمون لهذه البرامج يمثلون النسبة الكبرى من نسيج الشعوب العربية!
الآثار الإيجابية والسلبية لمواقع التواصل مرئية منذ ما يقارب الست سنوات، ومنها تغييرات اقتصادية واجتماعية وسياسية أهمها الربيع العربي، وسيكون التركيز على التغييرات الاجتماعية في هذه المقالة لتعقيد التغيرات الاقتصادية، واستفحال النقاش والجدال حول الربيع العربي.. أسبابه ونتائجه المستمرة.
أول الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي هو انعدام الخصوصية، وهذا نراه في كل أنحاء العالم، أصبحنا نرى البيوت قبل الناس ونعرف أحوالهم دقيقة بدقيقة قبل محادثتهم. لا شيء من المحظورات ولم تعد تصدمنا الأمور أو نشعر بالغرابة حولها.
ثاني الآثار، ظهور الكثير من المشاهير الجدد حتى مل الناس من ترديد: لا تجعلوا الأغبياء مشاهير!
ثالثاً، غياب الرضا والقناعة وبالتالي فقدان الكثير من السعادة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت الكثير من الناس يقارنون بين أنفسهم وغيرهم ممن يظهرون الأفضل فقط من حياتهم!
رابعاً، انتشار ظاهرة الفومو fear of missing outالتي تحدثت عنها كثيراً والتي لا أرى لها أي فائدة إلا إذا كان الشخص المصاب بها كاتب زاوية يومية يجب أن يجد شيئاً يكتب عنه يومياً!
وآخر أمراض مواقع التواصل الاجتماعي هو ظهور الأفعال السلبية والجرائم كالسب والقذف على السطح. ولا أدري إن كانت المواقع سبب زيادة أو سببا كاشف لهذه الأفعال غير المقبولة!
القول بأن كل آثار مواقع التواصل الاجتماعي سلبية مجحف، فالآثار الإيجابية حولنا وحوالينا، فبسبب الفيس بوك وتويتر وسناب شات ويوتيوب وغيره حصل انفتاح وتسامح وتواصل وتعايش لم نكن لنحلم به قبل سنين، عادات وتقاليد اجتماعية قديمة اختفت وأخرى ظهرت وتحسنت النظرة اتجاه المرأة والأقليات المختلفة دينياً وسياسياً واجتماعياً في الوطن العربي، يمكن اختصار الآثار الإيجابية بقول: ما كان مسكوتاً عنه من قبل، لم يعد كذلك الآن.
هل مواقع التواصل الاجتماعي شيء جيد أم سيء؟ هل حسنت في حياتنا أم أساءت لها؟ الجواب تحمله طريقة استخدامنا لبرامج الاتصال الاجتماعي.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر




الاثنين، 14 نوفمبر 2016

الإقتصاد أولاً

من شاهد خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد العادي الخامس والأربعين من مجلس الشورى القطري، سيعرف أن المرحلة المارة بها قطر مهمة. وكانت أهم محاور حديث سموه الاقتصاد والتنمية في جميع المجالات، ودور المواطنين في كل ذلك وحصل الاقتصاد القطري على معظم دقائق الخطاب القصير.
لماذا الاقتصاد؟ لأن قطر كدولة غنية بالنفط والغاز، تأثر اقتصادها بنزول أسعار النفط وأزمة سنة ٢٠٠٨ بالإضافة إلى كل ما يحدث للاقتصاد العالمي في هذه الأثناء. وبالتالي كان تركيز سمو الأمير حول الاقتصاد وكيفية تحقيق أهداف الدولة في تقويته وإعلاء مركزها عبر الرؤية الوطنية ٢٠٣٠ الصادرة في ٢٠٠٨ والخطط الخمسية ٢٠١١- ٢٠١٦ و٢٠١٧- ٢٠٢٢ التي ستخرج قريباً والتي ذكر الأمير أهدافها وأولوياتها.
لم يكن مضمون خطاب الأمير بلا مقدمات أو تمهيد، فقد كان خطاب تسلمه للحكم إحدى المقدمات لمرحلة جديدة يكون فيها الاقتصاد القطري أقوى وأمتن مما سبق. والخطوات التي تقوم بها الحكومة من ترشيد للإنفاق وحرص على التعاون بين القطاع العام والخاص، أكبر دليل. ومن هذه الخطوات مقابلة رئيس مجلس الوزراء الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني لرؤساء مجالس إدارات شركات المساهمة العامة، مؤخراً، والدعوة إلى إزالة معوقات الاستثمار بجانب دعم المشاريع والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر بنك قطر للتنمية.
الدولة تشد على أيدي الشركات المساهمة الكبيرة من جهةٍ وتدفع الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من جهةٍ أخرى. جهود الحكومة تُشكر في هذا المجال ولكن ليس من الواقعية تصور وصول قطر للأهداف الموضوعة لها عبر الحكومة وحدها، ومن ذلك كان حديث الأمير للمواطنين وقوله: قطر تستحق الأفضل من أبنائها.
قطر تستحق الأفضل من الموظفين العموميين ورواد الأعمال وأصحاب الشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة. وقطر حالياً بيئة استثمارية رائعة للجادين من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصة المكونين لأساس أي اقتصاد قوي ومتين طامح للوصول للعالمية، فمعظم الشركات العالمية بدأت كشركات صغيرة ومتوسطة عبر جراج منزل أو موقع إلكتروني بسيط لا كشركة كبيرة عابرة للقارات.
الاقتصاد فالاقتصاد فالاقتصاد. هذه كانت رسالة سمو الأمير لقطر وأبناء قطر في حديثه للمواطنين والحكومة. وهذه هي شفرة عبور قطر للمرحلة القادمة.




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الأحد، 6 نوفمبر 2016

أوقات

عندما نتحدث عن الوقت نتحدث عن شيء لا نعرف عنه سوى القليل. كائن غريب يشبه الفيروسات التي تحط على جماد، فتكون ميتة، وما أن تنتقل على جسم حي حتى تحيا.
نشعر بالزمان ولا نشعر به، وستعرفون ما أتكلم عنه، عندما تتذكرون سنوات السعادة القصيرة وثواني الحزن الطويلة. إذاً، كيف نعرف بأن الوقت موجود؟ وأن ساعات ودقائق الفراعنة موجودة؟ بآثاره المادية والمعنوية. آثاره المادية هي ما يحدث للإنسان من تجاعيد وجه وما يصيبه من أمراض نتيجة العمر، وما يحصل للأرض وكل شيء عليها وفوقها. والآثار المعنوية للوقت هي الذكريات، الابنة البارة للوقت. ذكريات ولادة أول ابن يسمى على الجد وذكرى الحصول على الشهادة الجامعية، وذكرى خسارة أول حب، وفوز ثاني حب، وذكرى الزواج وصولاً إلى خاتم كل الذكريات، الموت. والموت يرث الوقت والذكريات، بعد موتهما. ولكن قبل كل ذلك، هناك أمل. يبدأ من الولادة، ويستمر حتى يختفي مع الوقت، شيئاً فشيئاً كلمعة العيون.
في عقدنا الأول، كل ما يهمنا هو ألا ينسى والدانا عيد ميلادنا، وأن نحظى باللعبة التي استعددنا لتلقيها عام كامل.
وفي عقدنا الثاني، نشعر بأننا كبرنا، ولا شيء يضاهينا غير أحلامنا التي تكبرنا حجماً وتتعدانا لتملأ الكون كله.
ليأتي العقد الثالث بكل الآلام وأفراح العشرينيات، فنشعر بأننا لم ننجز شيئاً نوعاً ما، وأننا ركزنا على التوافه دون الأمور المهمة، فنؤكد أن هذا العقد سيكون عقد الإنجازات.
وفي العقد الرابع، نحاول الحفاظ على الإنجازات والروابط العائلية وبعض الصداقات هنا وهناك.
وفي الخامس بعد ظهور العلل والأمراض، تلوح بوادر الحكمة تمهيداً لبعض الزهد في الحياة في العقد السادس، الذي يأتي في غمضة عين.
وما أن يأتي العقد السابع حتى نصدق ما قاله غازي القصيبي في قصيدته «سيدتي السبعون»: أواه! سيدتي السبعون! معذرة.
بأي شيء من الأشياء نحتفل؟!
أبالشباب الذي شابت حدائقه؟
أم بالأماني التي باليأس تشتعل؟
وفي الثامن والتاسع والعاشر وما بعدها، سنلتزم الصمت بعد رحيل العائلة والأحبة، حيث إن كلامنا سيبدو شكوى يتهم بها الوقت، وصمتنا فضيلة في مواجهة الوقت.
وبعد كل هذه التجارب وقصص الإخفاقات والنجاح المحمولة داخل حياة.. وقبل أن يتبخر الوقت.. أعظم ما يمكن تعلمه عند الوقوف على قبر ما، هو درس واحد أهم من أن يكتب على ضريح أو في ورقة أو في سجل الذاكرة. انس الزمان والمكان، كن شخصاً صالحاً ولا تضر كائناً آخر، وكفى!




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

مغامرة

في الفيلم القصير «عناصر المغامرة الخمس»، يتحدث ماثيو واكر متسلق الجبال الأميركي عن المغامرة، ويربط فلسفته حولها بخمسة عناصر هي: الشغف، والخروج عن المألوف، واللايقين، والصحبة، وأخيراً التركيز.
الشغف أولاً لأنه أهم العناصر، بدون شغف لا تكون المغامرة سوى فعل لا يعني للإنسان شيئاً، الشغف هو أقوى المحركات، وهو ما يجعل الإنسان إنسانا، لا يقوم بعمل ما لأن غيره قام به أو حتى يبقى على قيد الحياة كغيره من الكائنات الحية.
ثاني عنصر هو الخروج عن المألوف، وبه يقصد واكر تعدي دائرة الراحة comfort zone إلى ما وراءها، والقيام بغير المألوف أو الذهاب إلى مكان يختلف عن الشخص وبيئته التي أتى منها، كيف سيعرف الإنسان بأنه سيخرج أو خرج عن دائرة راحته؟ إذا شعر بانعدام الأمان والتردد والخوف من خطوته القادمة، هنا سيعرف الإنسان بأنه عبر تلك الخطوط غير المرئية، والمهم ألا ينسى بأنها خطوط خيالية، وضعها هو ومن حوله.
ثالثاً: اللايقين أو عدم التأكد من نتيجة المغامرة، هذا أكثر العناصر ارتباطاً في أذهان الناس بالمغامرة، خاصة الخطير منها كالغوص مع أسماك القرش أو تسلق الجبال العالية، وهو أيضاً من أكثر العناصر التي تجعل المغامرة مثيرة وعاملاً محفزاً لخوضها لا الابتعاد عنها.
رابعاً: المشاركة؛ فوجود الصحبة في المغامرة يجعلها أجمل وأسعد وأبعد عن النسيان، وفي الوقت نفسه تبقى المغامرة الفردية أو الشخصية مغامرة أيضاً، حيث أن المغامر قد يقوم بمغامرة ما من أجل شخص آخر، أو على الأقل سيحكي مغامرته وسينقل تجربته لشخص ثانٍ، وهذه بحد ذاتها مشاركة وصحبة يُحيا بها الحدث.
آخر عامل هو التركيز، وقصد واكر به التشبع باللحظة أو بالشيء بحيث يختفي كل شيء حول المغامر إلا المغامرة نفسها، بهذا التركيز والانتباه يرتاح المغامر ويهدأ بالمغامرة، فيُبدع ويحقق أفضل ما عنده.
في الفيلم وفي كتبه، يحكي واكر بأن المغامرة تساعد على تحسين حياة الفرد على المستوى الشخصي والعملي، وأتفق معه في ذلك، السفر إلى الهند أو القفز المظلي يغير من الشخص لكن بشكل مؤقت وعلى نحو طفيف لأنها مغامرات صغيرة.. الأهم منها هي المغامرات الكبرى أو التي تُسمى بأهداف الإنسان ككتابة كتاب أو افتتاح مطعم أو إنشاء عائلة، هذه هي مغامرات الحياة الحقيقية التي لن يفشل الإنسان فيها أبداً ما دام لم يتوقف عن المحاولة المرة تلو الأخرى، فبالمغامرات الكبرى يوجد عنصر خفي من أجله وبه نقوم بكل مغامراتنا الأخرى، وهو الرضا وتحقيق الذات.. وهذا هو هدف كل إنسان وعنوان المغامرة الكبرى.




جواهر محمد آل ثاني

صحيفة العرب القطرية



الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

أسئلة عن المرأة القطرية

شاهدت الأسبوع الماضي مقابلة تلفزيونية يديرها توفيق مجيد على قناة فرانس ٢٤ مع أحد رواد الأعمال في قطر. كان عنوان المقابلة: كيف ترى المرأة القطرية نفسها؟ وكان خير من اختير للإجابة على هذا السؤال الشاق من نواحي اجتماعية وثقافية وإعلامية، الشابة مريم السبيعي.

توالت الأسئلة في المقابلة التلفزيونية وكأن قطر في كوكب آخر غير كوكب الأرض، وكأن المرأة القطرية تنتمي إلى جنس مختلف عن الجنس البشري، ولربما كان العنوان الأنسب للمقابلة: أين هي المرأة القطرية؟ بدل السؤال عن منظورها الشخصي ناحية المواضيع المختلفة، ولا لوم على مقدم البرنامج أو مُعدِّيه في ذلك، فالواقع يبين حجم التقصير في إبراز المرأة القطرية ودورها المجتمعي في الإعلام الداخلي والخارجي، فالكثير من الناس غير المقيمين في قطر لا يعون الدور الذي تأخذه المرأة القطرية على عاتقها في المجالات المتنوعة بين الدولة والمجتمع، المرأة القطرية تتمتع بكافة الحقوق والحريات، والمكفولة من قبل الدستور والقانون، هي وزيرة، ونائبة، وقاضية، وكاتبة، ومديرة، ومعلمة، ودكتورة، وأم، ورئيسة تنفيذية، وطيارة، وشرطية، ورائدة أعمال، هي أي شيء تريده ويُساوي حقها في ذلك، حق الرجل القطري. 
إذاً، أين المشكلة؟ المشكلة بأن المرأة القطرية غائبة نوعاً ما عن الساحة الإعلامية، وهذا بدوره يؤثر على التعريف بالمجتمع القطري ككل بعاداته وتقاليده ومبادئه الراسخة من مساواة وعدل وكرامة واحترام للمرأة والرجل وبينهما، إذ، كيف يُفترض التعريف بمجتمع ما، بغياب نصف كامل منه؟.
التغطية الإعلامية الوطنية للمرأة والمجتمع القطري ليست بتلك القوة، ولا يوجد استقطاب للإعلام الخارجي للتعريف بالمرأة القطرية، والمسألة ليست مسألة خجل اجتماعي وحسب، من جانب المجتمع القطري، المسألة تتعدى إلى ضعف الإعلام الوطني في إبراز المرأة والمجتمع القطري وعدم تقديمهما إلى الإعلام الخارجي، إذاً فالمسؤولية تقع على وزارة الثقافة والرياضة والإعلام الوطني للعمل أكثر على إبراز حقيقة المجتمع القطري، وبالتالي مساعدة الإعلام والمجتمع العالمي على تمحيص معلوماته، ولا أنسى دور جميع المسؤولين في المحافل الدولية التي تقيمها قطر بين الفينة والأخرى.
مسؤولية إبراز وتقديم المرأة القطرية للعالم كبيرة، حيث إن التعريف بها يعني بالضرورة، التعريف بالمجتمع القطري ككل، وبالتالي تمحيص صورة قطر الحقيقية.



جواهر آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



كان يا مكان




(١)
هناك عنصر ننساه دائماً في اللحظات الصغيرة، و إن وضعناه نصب أعيننا في اللحظات الكبيرة. هذا العنصر هو المكان، الذي لا نعيره أي اهتمام وقت المناسبات العائلية، و يكون كل اهتمامنا وقت السفر أو في المناسبات الفارقة مثل الزواجات أو ولادة مولود جديد.

(٢)
المكان هو المؤثر الأول قبل الزمان، و هو البطل الرئيس في المسرحيات و الروايات مثل رواية طوق الحمام لرجاء عالم و نادي السيارات لعلاء الأسواني.
من المكان تنبعث الروائح و الذكريات و الأصوات و المعاني، فتتأثر الذائقة الموسيقية للفرد و الأغاني.. و كيف لا و الآلات الموسيقية صُنعت قديماً من محتويات المكان نفسه! الربابة و العود و الدفوف ما هي إلا أمثلة لتأثير المكان على الأشياء و الانسان.. الانسان الذي ما إن يذهب إلى مكان جديد حتى حمل في ذاكرته ذكريات جديدة، و ما إن يرحل إلى مكان قديم حتى استرجع الذكريات المميزة له، فيه. و الانسان نفسه يختلف من مكان إلى آخر. انسان الصحراء يختلف عن انسان الغابة. انسان المكان البارد ليس كانسان المكان الحار. كل واحد منهم يأخذ صفاته من بيئته الذي وضع خطوطها العريضة.. المكان.

(٣)
الأماكن بلا قوة دون مضمون.. فغرفة مثل غرفة مداولات لجنة المحلفين الرمادية في 12 angry men و الذي صورت فيها معظم مشاهد الفيلم، تساوي مئة مكان جميل في مئة فيلم متوسط الجودة، حيث أن المضمون صنع المكان بقوته و أفضى عليه من جماله. و الانسان يصنع أهمية المكان، و إن كان مسقط رأسه أو وطنه، حيث أنه إن سُلب من الحرية و الاحترام و الكرامة و العدالة فيهما، فلن يعني له المكان شيء. و إن أُعطيت حقوقه له في مكان آخر، فذلك بيته و مكانه.

(٤)
الغالب هو خضوع أهمية المكان للانسان، لا خضوع الانسان لأهمية المكان، حيث أن الإنتماء شعور فطري انساني لأي مكان يجد الانسان نفسه فيه، و هذا شعور عن ألف مكان و مكان. لا يُكتب و لا يُدرس و لن يُقرأ في هذه المقالة.. سيُقرأ في مكان القارئ، و حسب.



جواهر محمد آل ثاني

الخميس، 6 أكتوبر 2016

إلى قوافل الكُتاب

اختيار الكتابة كمهنة يحتاج إلى الكثير من الشجاعة والتواضع. الشجاعة يحتاجها المرء ليواجه غيره بها، سواء أكان الغير أبا لا يتقبل الكتابة كعمل رئيس لا ثانوي أو كان الغير ناقدا سينتقد أي شيء حتى طريقة مشي الكاتب وملابسه، أما التواضع، فيحتاجه الكاتب ليواجه نفسه وكتاباته. التواضع أمام الوقت والأفكار ومصادر الإلهام حول العالم. هذا التواضع يساعد الكاتب على الكتابة.. فما بقاؤه أمام شاشة الكمبيوتر أو الورقة وبيده قلم لساعات ينتظر فيها كتابة حرف إلا تواضعاً منه لنفسه ولما اختاره.. الكتابة.
إذن، فالشجاعة قبل وبعد مرحلة الكتابة. وشجاعة الكاتب تستمر معه طوال حياته. والتواضع قبل وأثناء الكتابة. وتواضع الكاتب يُلمس في كتاباته قبل أقواله وأفعاله.
وإن كانت شجاعة الكُتاب واحدة، فإن تواضعهم ليس كذلك. هناك من يتذلل للقلم حتى تخرج الكلمات أو يخطط ويجهز لعبورها إلى الورق بسلاسة، وهناك من يضغط قطيع الكلمات رأسه، حتى تتحرر عبر سياج الأذنين أو الأنف أو حتى إصبع القدم الصغيرة دون الفم، كيلا يُتهم الكاتب بالكذب. من مروا بهذه اللحظة وإن كان ذلك نادراً هم الكتاب الحقيقيون. هم الذي كتبوا دون خوف أن يأتي الغد دون كلمات. هم الذين كتبوا بشجاعة وتواضع مربوطين بحبل أمل، لا يملكه سوى الكتاب المُجددون.
وغير ذلك من أنواع الكُتاب، لا ينتهي، منها وأهمها سارق الفكرة وقاتل اللغة وعديم الذوق ومتغير الأسلوب وحافظ الكلام. وأسميهم كتاب لأن الجمهور أسماهم بذلك ولأن بعضهم يملك صفة في مجال ما، يفقدها في مكان آخر. فسارق الفكرة قد يكون بارع الكلمة. وقاتل اللغة، صاحب أفكار جديدة ومهمة. وعديم الذوق، ذويق في أشياء وأشياء، ومتغير الأسلوب كامل في كل شيء إلا مستوى الأسلوب. وحافظ الكلام، مبهر وإن كان يردد آراء غيره من الكتاب.
في النهاية والبداية، قد تبدو الكتابة أمام الكاتب قبل الغير، بأنها اختيار، لكن الكاتب الحقيقي يعرف بأن تلك ليست الحقيقة. أيوجد إنسان عاقل يختار شقاءه؟ نعم. ما يختاره الكاتب ليس طريقا ولا مهنة، هو يختار العناء والفناء. يختار أن يفني عقله وجسده بإرادته الكاملة. يقتل أفكاره على الورق، ويقتل جسده على كرسي الكتابة، برسم القلم. يختار عزلته ووحدته ويختار بثه وحزنه. وقد يلاقي بعض السعادة من بين اختياراته.
أن تكون كاتبا يعني أن قراءاتك لما كتبته لن تعني لك شيئاً، لأنك تعرفه مسبقاً، ولكنك ستملك الشجاعة كي تتمسك بما اخترته والتواضع كي تعترف بأن كل ما قاله كاتب آخر -هو أنا- صحيح مائة بالمائة ويمثلك.




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الأحد، 2 أكتوبر 2016

كلمة


(١)
تمتلئ الدنيا بالحكاوي و الذكريات و الناس و الأصوات و الصور و الروائح و القدرات و النكت و أهم شيء في ناظري، الكلمات. و ما أكثر الأشياء العاملة كضوء أحمر، تذكرنا بأشياء أخرى تشبهها أو تناقضها. نسمع نكتة، فنتذكر الشعب المصري العظيم الذي ما زال رغم الأهوال المحيطة به، يتحفنا بمزح جديدة. نشاهد فيلماً هندي فنقارنه بأفلام عربية أو أخرى من هوليوود. نقول مثلاً ظنناه حصري على الثقافة الخليجية، فنجد ما يقاربه عند أهل الشام أو لدى الأوروبيين. نشم عطراً فرنسي ليطرأ على البال رغم التفاوت دهن عود هندي أو مسك أبيض وضعناه بعد الاستحمام.

(٢)
فكرة جلبت فكرة. أشياء جرت أشياء و كأننا اختزلنا هذه الأمور فيما تذكرنا به أو نربطه بها. و نحن البشر نحب اختصار الأمور و اختزالها. إذا كان هنالك كتاب فالأكيد بأن هناك ملخص عنه. و إذا كانت هناك رواية فالأكيد بأن فيلماً عنها سيلحقها. و إذا وُجدت أغنية، فلها نسخة قصيرة. و إذا كان هناك اسم، فله تدليل. مثلما حاولنا اختصار روائح مدن في قوارير للعطور. مثلما سجلنا أصوات الشوارع و أطلقنا على الاسطوانة مومباي أو القاهرة. مثلما تظهر في أذهاننا صور جاهزة لمدن لم نطأها يوماً. مثلما يحاول براندن ستانتن اختزال نيويورك بانسانيي نيويورك و قصصهم.
اختصرنا كل ذلك في عقولنا و ساعدنا غيرنا على ذلك و إن لم تكن تلك الحقيقة.

(٣)
لماذا الاختصار و الاختزال؟ لماذا نطلب التعريفات بكلمة أو كلمتين؟ بدقيقة أو بدقيقتين؟
حفاظاً على الوقت؟ حفاظاً على أنفاس نعرف بأنها ستُهدر؟ ابتعاداً عن الضجر أم قرباً من الإجابات الواضحة؟
أياً كانت الإجابة، سأختصر قطر بكلمة للقريب: وطن.
و كلمتين للغريب: كعبة المضيوم.
و المقالة سأختزلها بأنا، و الأصح أن أوجز نفسي بها.

تنويه:
لا توجد اسطوانة باسم مومباي أو القاهرة، و لكنها فكرة تستحق العناء.




جواهر محمد آل ثاني

الجمعة، 23 سبتمبر 2016

هذا مؤمن و ذاك كافر!

هذا مؤمن و ذاك كافر!



قد يحدث بأن ينفجر بركان أو ينهار مبنى على مقيميه فيتطوع أحدهم بتلفظ عبارة: هذا من غضب ربي عليهمأو أن يرى أحدهم رجل ناجح أو غني أو مشهور غير مبتسم في يوم ما، فيقول: الله يأخذ و يعطي! في إشارة إلى أن الله أعطاه المال أو الصيت أو أياً كانت الميزة المرئية، و أخذ منه سعادتهأو أن ينزل مطر على دولة فقيرة، فنسمع أحدهم يصرح بأن الله ينزل عليهم المطر رحمة بهمماذا إذاً عن الدول التي لا يزورها المطر؟ و ما حال هذه الدول الفقيرة عندما تتحول فيها الأمطار إلى فيضانات؟ ما الحكم هنا لأصحاب المقولات السابقة؟
على الأرجح لديهم ردود جاهزة يرمونها يمنة و يساراً كأحكامهم الأخرى مثلهذا مؤمن و هذا كافربل و امتدت الأحكام إلى التعليق حولنية شخص قد لا يعرفونه كقولهم: يبدو من شكله بأنه يخاف ربه!
كلنا نطلق الأحكام. أنا أطلق الأحكام في معرض حديثي هذا على مطلقي الأحكام، لكن الأحكام التي يلقونها ليست عادية مثل المتمحورة حول صفات الشخص مثل كونه غير اجتماعي لأنه لا يخرج كثيراً أو غيرها من الصفات غير السيئة بالضرورة.. الأحكام التي يطلقونها تدخل في دين الشخص و غيبيات يستحيل على أي انسان معرفتها أو التحقق من صحتها مثل رحمة الله و الجنة و النار و نية الشخص و مقاصده و إيمانه.
هل الأحكام الصادرة عنا نتيجة تربية دينية في بيئة اجتماعية محافظة جداً؟ هل هي بسبب عبارات توارثناها و سمعناها دائماً من آبائنا و أجدادنا؟ هل توجد أسباب أخرى لهذه الأحكام التي و إن لم ينطق بها بعضنا فالأكيد بأنها طرأت لا إرادياً داخل عقله؟
الدين لا علاقة له بالأحكام المسموعة كل يوم تقريباً، هنا و هناك في عالمنا العربي. تعاليم الإسلام تنص على أن رحمة الله تسع كل شيء، و أن لا أحد أفضل من أحد إلا بالتقوى. و حتى الإيمان، صلة داخلية بين العبد و ربه، لا يوجد من يعرف حقيقة هذه الصلة و تبعاتها إلا الله. و لنا في بغي اسرائيل التي غفر الله لها لأنها سقت كلباً، عظة و عبرة. و هذا يقودني إلى إبداء حسن الظن و الابتعاد عن رمي آرائنا في الناس و إلصاقهم بها قسراً. و لا أفضل من حديث أحد الصالحين حول حسن الظن ختاماً، عندما قاللو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمراً لقلت ربما سُكبت عليه. و لو وجدته واقف على جبل يقول: أنا ربكم الأعلى لقلت يقرأ الآية!



جواهر محمد آل ثاني

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

مجموعة انسان

ما الذي يجعل الإنسان إنسانا؟ أي ما الذي يميزه عن غيره ويجعله صرحا يتم التعرف عليه فوراً ككيان مميز؟ ما الذي يجعل كل ما يختلف عن الإنسان مختلفا عنه؟ ويجعله هو نفسه مختلفا عن غيره؟
الجواب يكمن في المشاعر التي تنتاب الإنسان، من حب وشفقة وتعاطف وحزن وغضب وحقد وغيرة وقلق وخوف وسعادة وارتياح وتعب واستسلام ويأس. وحتى في هذه المشاعر تفصيل يلحق التفاصيل، فعند العرب مثلاً ١٤ درجة للحب، تبدأ بالهوى ثم الصبوة ثم الشغف ثم الوجد والكلف والعشق والنجوى والشوق ومن ثم الوصب والاستكانة والود والخلة والغرام وحتى الهيام، مرحلة جنون الحب. وفي تفصيل آخر، لا يشبه الحزن مشاعر أخرى تشبهه كالهم والغم والبث والكرب والحسرة. كلٌّ له موقعه وإعرابه.
وكل ما في الكون يشعر. الحيوانات تشعر بالحب والخوف والخطر والشفقة. والنباتات تحس رغم عدم امتلاكها لخلايا عصبية متطورة. والأشياء من ماء وشجر وغيرها تشعر أيضاً. بل والكون نفسه يشعر ويمتلك أحاسيسنا. كيف لا ونحن نملك مكوناته في أجسادنا؟ كيف لا ونحن صورة مصغرة عنه؟
كلنا نشعر ونحس، ولكن ما يجعلنا نحن وهم هم.. هو مجموعة الأحاسيس التي تُضخ وتُخض في داخلنا لنصب بعدها كوكتيلاً نعطيه غيرنا ليشربه أو لنرميه عليه بحسب المزاج الذي أُخرجت معه أحاسيسنا.
الإنسان هو المخلوق العجيب الذي قد يكره شخصا ما ويحبه في الوقت نفسه. هو الذي يُعجب بإنسان آخر ويحتقره في الدقيقة ذاتها. هو الذي قد يمشي إلى موته لأنه شعر بأنه لن يقدر على الحياة لو امتنع عن ذلك. هو الكيان الذي يرتاب من أبناء جلدته ويرتاح للغرباء. هو الذي لا يعرف إلى من يصغي في أحيان كثيرة، وفي أحيان أكثر، يكون الصوت المصغي إليه هو صوت لا يمت إلى صوته الداخلي بصلة.
قد يقول أحدهم بأن المشاعر واختلاطاتها داخلية لا يمكن قياسها بميزان أو حساب، وهذا الرد مقبول ومعقول، ولهذا أزيد على قولي بأن كوكتيل المشاعر الذي يفصل ما بين الإنسان وغيره، يُقاس بالأفعال الخارجية لا الفروضات الداخلية. هل سبق أن رأينا حيوانا يحب ويكره الشخص نفسه؟ أو نبتة تبعد جذورها عن منطقة توجد بها جذور لنباتات سامة وفي الوقت نفسه تبقي فيه أحد جذورها كعربون سلام؟ لم ولن نرى ما يشبه ذلك إلا تحت يد الإنسان. ذاك الكائن يشبه ولا يشبه طبقات الأرض، وعمر الشجر ودوران السماء في الصيف وحمى الشتاء في سيبيريا، وحلاوة الليمون على القطار وكل شيء يناقضه ولا يناقضه. هو في النهاية مجموعة وليس واحدا، هذا الإنسان.




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


«وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ»

في هذه الأيام المباركة نلتفت إلى العبادات خاصة المساجد، بيوت الله وقبلة العبادة الأولى. نرتادها ونعادها، نسلم عليها ونعودها، يعجبنا أحوال بعضها ولا يعجبنا حال بعضها الآخر.
والواقع أن ما لا يروق لنا أكثر مما يحوز على رضانا، وبما أن إصلاح الحال لا يكون إلا بمعرفة الأحوال، سأسرد عليكم ما أعرفه من أحوال المساجد في الدول الإسلامية والعربية.
يكثر بناء المساجد في الدول العربية والإسلامية، الناس لا يتوانون عن ذلك مشكورين طلباً للأجر، ولكن الكثير منهم يقيمون المساجد ثم ينسونها أو يعتقدون أن عملهم انتهى بانتهاء عمل المقاول، وكأنهم لم يقرؤوا قوله تعالى: «إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ».
معنى العمارة في هذه الآية أشمل من معاني البناء وإقامة المسجد وحسب، ويتعداه إلى معاني الاستدامة والمحافظة عليه بشكل يليق به كبيت لله وزواره. ولأوضح مقصدي أكثر، سأعطي مثالا لمسجد أقامه صاحبه وتركه حتى أصبح عرضة للانهيار أو تعرض لعطل في تصريف المياه حتى أصبح عبئاً على المكان الموجود به بعد أن كان مكانا للراحة، ما مصير أجره الآن؟
مشكلة أخرى مرتبطة ببناء المساجد هو كثرتها في المكان الواحد نفسه، فنجد كما قد سبق للكاتب مشعل السديري الإشارة إليه مسجدا بين كل مسجد ومسجد! والنتيجة، هي فراغ المساجد وتوزع المصلين بينهم وقت الصلاة. أين نجد البنيان المرصوص؟
ولا أنسى المساجد المختلفة لكل مذهب وفرقة. أليس المؤمنون إخوة؟ أليست المساجد لله؟ ألسنا راجعين إلى الله؟
وفي كل هذه المساجد نجد اللافتات المختلفة: النوم ممنوع، ممنوع الأكل والشرب، الكلام ممنوع، والأدهى والأمر أن تغلق بعض المساجد في غير أوقات الصلاة! إن لم تفتح بيوت الله للناس، أي الأبواب ستفتح؟!
على الجهات المختصة برعاية المساجد في الدول العربية والإسلامية الوقوف على عملها، لا تنقصهم الموارد ولكن ينقصهم التخطيط وحسن التدبير.
إذا لم نحرص ونحافظ على المساجد التي نتعلم عبر ارتيادها حسن الخلق والتدبر، فعلى ماذا سنحرص؟!




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


مخاوف

ما الذي يخاف منه الناس؟ ما الذي يجب أن يخاف منه الناس؟ سؤالان متقاربان ومتباعدان بينهما مسافة بلا قياس واضح.
الذي يجب أن يخاف منه الناس، لا يكون بالضرورة ما يخافه الناس فعلاً، ومن له الحق في تحديد ما يجب على الناس الارتعاد منه من عدمه؟ أنا، أم أنت، أم الصفوة، أم ما جرى عليه في المجتمع نفسه؟
يخاف الناس من الموت، والتحدث أمام الجمهور، والحشرات، والأماكن العالية، والضيقة، وغيرها من الأمور والأشياء التي قد نجدها طبيعية أو غير العادية في بعض الأحوال مثل الخوف من الأزرار أو الشموع أو الأشياء والصور التي تحمل فتحات صغيرة متراصة مثل خلايا النحل.
غير المصابين بهذه الأنواع من الخوف أو الفوبيا أو حتى المصابون بها سيعطون إجابات مختلفة على سؤال: ما الذي يجب أن يخاف الناس منه؟ وهذه أجوبة بعض الكتاب: الخوف. الموت. انقطاع العلاقات الإنسانية وتباعدها.
وقد يضيف آخرون الوحدة وفقدان الخصوصية والظلم. وفي رأيي أهم ما يجب أن يخاف منه الناس هو المشاعر السلبية التي تختلجهم من غرور وحقد وخاصة الأنانية. ولا أعني الأنانية الإنسانية الموجودة في جينات الفرد، بل أقصد الأنانية الصاعدة لمعبد تأليه النفس، بحيث يضع الإنسان نفسه في مرتبة فوق الناس، هو ومن بعده الطوفان، يصبح وقتها همه الأول والأخير تحقيق ما يريده على حساب غيره وإن أضرهم ضرراً لا يفيد بعده نفعاً، هذه الحالة هي ما يجب أن يخاف منه الناس، لأنها تأكل الإنسان وتجعل ما حوله يتآكل. لن يبقى صديق في الجوار وستصبح الحياة أكثر وحدة، ويولد في النفس جوع لا يسده شبع ولا آمان ولا مال أو بنون.
ما الذي يجب ألا يخاف منه الناس؟ أسئلة تجر أسئلة في حلقة لا تكف عن الدوران مثلها مثل الحياة. وفي الحياة كل شيء يحتاج إلى سؤال كي يبدأ. كل شعور كل فكرة كل فعل وردة فعل كل ذكرى كل قلب كسر كل خاطرة كل عملية كل مصارعة ثيران كل دعوى قضائية كل جريمة كل فضيلة كل انتخابات نزيهة وغير نزيهة كل لوحة كل فنان وكل مقالة.
بالنسبة لي، أخاف من أن يقرأ ما أكتبه ولا يصل. والحقيقة بأنه يجب علي أن أخاف من ألا أقرأ من البداية وحتى النهاية.




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الجمعة، 26 أغسطس 2016

في التعبير والعدم

(١)
لا يفوز بجائزة الأوسكار عن فئة التمثيل من يلعب دوره على النحو المطلوب، بل من يعرف التعبير عن مشاعر وأحاسيس الشخصية بالشكل الصحيح، ولا يكسب المغني قلوب الناس بالكلمات والألحان الجيدة فقط، بل وبغنائها أيضاً بطريقة مفصحة تناسب الأغنية. ولذلك نجد أغاني رائعة لم تجدْ شهرتها عبر الفنان الأصلي مالك الأغنية بل عن طريق مغنٍّ آخر عرف كيفية أدائها والتعبير عن فحواها.
التعبير عن المشاعر والأحاسيس له صور مختلفة وكثيرة قد لا نفهم كيفيتها أو حتى طريقة وعينا بها في حالات معينة، مثل حال مكالمتنا لشخص ما لا يجمع بيننا وبينه سوى سلك الهاتف ورغم ذلك نستطيع الشعور به مبتسماً في الضفة الأخرى.

(٢)
عمران تحت الركام، صاحَبت الجملة السابقة صور وفيديو للطفل السوري وهو يُخْرَج من تحت أنقاض سوريا دون بكاء، وعلى وجهه أثر الصدمة والذهول مما أصابه ليمسح بعد ثوانٍ دمعة تسربت من عينه اليسرى، والأكيد أنه كان يلومها متذكراً بأن دموعه ومشاعره وتعابيره بلا فائدة في ضوء كل ما يحصل له ولغيره في سوريا، ألم نذهل قبل ذلك من صور إيلان؟ ألم نندد و“نقلق”؟ ألم نهدد ونتوعد؟
أين كانت وأين أصبحت تعابيرنا التافهة مقارنة بتعابير عمران وإيلان ومحمد الدرة؟
رحمنا ناجي العلي عندما حمانا من تعابير حنظلة أمام كل ما يحصل أمامه، أعطانا ظهر حنظلة وجعلنا نشاهد ما يراه دون أن ندقق في تعابير وجهه، من المؤسف وغير المؤسف أن الواقع يطلعنا على تعابير الأطفال المؤلمة والمحطِمة لما تبقى من إنسانيتنا.

(٣)
أيهما أقسى: التعبير أم عدمه؟ لن يعرف أيّا منا الإجابة إلا عندما يقع في فخ الموقف. الحبيب الذي ينتظر من محبوبه إعلان حبه، يلعن خيانة التعبير، والصديق الذي رمى صداقته في لحظة غضب يتمنى قطع لسانه قبل تلك اللحظة التي باح فيها عما شعر به.
ولا شيء أقسى وأوقع على النفس من مشاهدة كل تلك التعابير وعدمها، وفقدان المقدرة على فعل أي شيء.
آسفون يا عمران.


جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الأربعاء، 24 أغسطس 2016

كائن لا تحتمل ثقله

من الممل أن تقابل الأشخاص أنفسهم يومياً ما لم يكن لكل واحد منهم شيء جديد يقدمه.
من الممل عدم تجربة أشياء جديدة أو الخوض في مغامرات مختلفة.
والملل كل الملل أن تسافر إلى الأماكن نفسها التي يسافرها أصدقاؤك وتصور الصور نفسها التي يأخذها معارفك وكأنك لم تسمع مصطفى أمين يقول: رحلة إلى الخارج تساوي قراءة ألف كتاب. ما الذي ستتعلمه إن كانت كل الكتب التي ستقرأها مجلوبة معك من بلادك؟
الروتين غير المتغير أو المتوقف من مدة لأخرى ممل.. وعدم وجود روتين يومي يثير الضجر أكثر.
لا أحد يحب أن يشعر بالضجر ولا أحد يحب الأشخاص المملين، حتى الشخص الممل نفسه الذي نتأفف من قصصه وراء ظهره يكره الناس المملة. إذاً، كيف نقهر الملل أو مساحة الشيطان كما يراه البعض؟ نغلبه بالتغيير الدائم والتجربة المستمرة. التغيير لا يلزم أن يكون جذرياً، بل قد يكون صغيراً لا يلاحظ مثل استبدال طريق العمل اليومي بآخر، أو التنويع في وجبات الفطور أو دخول فيلم لا يناسب بالضرورة ذائقة الشخص. هذه التغييرات وإن كانت بسيطة قد تساعد المرء في اكتشاف أمور جديدة عما حوله وفي نفسه مثل أن هناك طريقا أقل ازدحاماً يربط بيته بعمله أو أن شرب الشاي بدل القهوة على الإفطار أفضل أثراً عليه أو أن أفلام الرعب التي يكرهها ليست بتلك السوء أو التفاهة.
ويختلف التغيير عن التجربة، فهما ليسا الشيء نفسه في جميع الحالات. التجربة تكون عبر تجربة أشياء أو أمور جديدة والتغيير قد لا يكون بالضرورة من قديم لجديد ولكن من مجرب إلى مجرب آخر. والتجربة الأولى لها الأهمية نفسها التي يحملها الانطباع الأول. وهي ليست محدودة كما يظن البعض. التجارب الجديدة تبدأ ولا تنتهي عند قراءة كتب جديدة والسفر إلى دول العالم المختلفة وتجربة المطاعم الشعبية ومشاهدة الأفلام حديثة الصدور.
حتى أكون صريحة مللت وأنا أقرأ وأكتب عن الملل، وحتى هذا الحرف، وافقت ديلان ثوماس وهو يقول: «أحدهم يصيبني بالملل، أعتقد أنه أنا!». وأنت عزيزي القارئ هل مللت؟ أتمنى ألا توافقني الرأي، فأكثر الحوارات مللاً هي تلك التي يتفق فيها الجميع كما سبق أن كتب ميشيل دو مينتين.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...