ما الذي يجعل الإنسان إنسانا؟ أي ما الذي يميزه عن غيره ويجعله صرحا يتم التعرف عليه فوراً ككيان مميز؟ ما الذي يجعل كل ما يختلف عن الإنسان مختلفا عنه؟ ويجعله هو نفسه مختلفا عن غيره؟
الجواب يكمن في المشاعر التي تنتاب الإنسان، من حب وشفقة وتعاطف وحزن وغضب وحقد وغيرة وقلق وخوف وسعادة وارتياح وتعب واستسلام ويأس. وحتى في هذه المشاعر تفصيل يلحق التفاصيل، فعند العرب مثلاً ١٤ درجة للحب، تبدأ بالهوى ثم الصبوة ثم الشغف ثم الوجد والكلف والعشق والنجوى والشوق ومن ثم الوصب والاستكانة والود والخلة والغرام وحتى الهيام، مرحلة جنون الحب. وفي تفصيل آخر، لا يشبه الحزن مشاعر أخرى تشبهه كالهم والغم والبث والكرب والحسرة. كلٌّ له موقعه وإعرابه.
وكل ما في الكون يشعر. الحيوانات تشعر بالحب والخوف والخطر والشفقة. والنباتات تحس رغم عدم امتلاكها لخلايا عصبية متطورة. والأشياء من ماء وشجر وغيرها تشعر أيضاً. بل والكون نفسه يشعر ويمتلك أحاسيسنا. كيف لا ونحن نملك مكوناته في أجسادنا؟ كيف لا ونحن صورة مصغرة عنه؟
كلنا نشعر ونحس، ولكن ما يجعلنا نحن وهم هم.. هو مجموعة الأحاسيس التي تُضخ وتُخض في داخلنا لنصب بعدها كوكتيلاً نعطيه غيرنا ليشربه أو لنرميه عليه بحسب المزاج الذي أُخرجت معه أحاسيسنا.
الإنسان هو المخلوق العجيب الذي قد يكره شخصا ما ويحبه في الوقت نفسه. هو الذي يُعجب بإنسان آخر ويحتقره في الدقيقة ذاتها. هو الذي قد يمشي إلى موته لأنه شعر بأنه لن يقدر على الحياة لو امتنع عن ذلك. هو الكيان الذي يرتاب من أبناء جلدته ويرتاح للغرباء. هو الذي لا يعرف إلى من يصغي في أحيان كثيرة، وفي أحيان أكثر، يكون الصوت المصغي إليه هو صوت لا يمت إلى صوته الداخلي بصلة.
قد يقول أحدهم بأن المشاعر واختلاطاتها داخلية لا يمكن قياسها بميزان أو حساب، وهذا الرد مقبول ومعقول، ولهذا أزيد على قولي بأن كوكتيل المشاعر الذي يفصل ما بين الإنسان وغيره، يُقاس بالأفعال الخارجية لا الفروضات الداخلية. هل سبق أن رأينا حيوانا يحب ويكره الشخص نفسه؟ أو نبتة تبعد جذورها عن منطقة توجد بها جذور لنباتات سامة وفي الوقت نفسه تبقي فيه أحد جذورها كعربون سلام؟ لم ولن نرى ما يشبه ذلك إلا تحت يد الإنسان. ذاك الكائن يشبه ولا يشبه طبقات الأرض، وعمر الشجر ودوران السماء في الصيف وحمى الشتاء في سيبيريا، وحلاوة الليمون على القطار وكل شيء يناقضه ولا يناقضه. هو في النهاية مجموعة وليس واحدا، هذا الإنسان.
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
الجواب يكمن في المشاعر التي تنتاب الإنسان، من حب وشفقة وتعاطف وحزن وغضب وحقد وغيرة وقلق وخوف وسعادة وارتياح وتعب واستسلام ويأس. وحتى في هذه المشاعر تفصيل يلحق التفاصيل، فعند العرب مثلاً ١٤ درجة للحب، تبدأ بالهوى ثم الصبوة ثم الشغف ثم الوجد والكلف والعشق والنجوى والشوق ومن ثم الوصب والاستكانة والود والخلة والغرام وحتى الهيام، مرحلة جنون الحب. وفي تفصيل آخر، لا يشبه الحزن مشاعر أخرى تشبهه كالهم والغم والبث والكرب والحسرة. كلٌّ له موقعه وإعرابه.
وكل ما في الكون يشعر. الحيوانات تشعر بالحب والخوف والخطر والشفقة. والنباتات تحس رغم عدم امتلاكها لخلايا عصبية متطورة. والأشياء من ماء وشجر وغيرها تشعر أيضاً. بل والكون نفسه يشعر ويمتلك أحاسيسنا. كيف لا ونحن نملك مكوناته في أجسادنا؟ كيف لا ونحن صورة مصغرة عنه؟
كلنا نشعر ونحس، ولكن ما يجعلنا نحن وهم هم.. هو مجموعة الأحاسيس التي تُضخ وتُخض في داخلنا لنصب بعدها كوكتيلاً نعطيه غيرنا ليشربه أو لنرميه عليه بحسب المزاج الذي أُخرجت معه أحاسيسنا.
الإنسان هو المخلوق العجيب الذي قد يكره شخصا ما ويحبه في الوقت نفسه. هو الذي يُعجب بإنسان آخر ويحتقره في الدقيقة ذاتها. هو الذي قد يمشي إلى موته لأنه شعر بأنه لن يقدر على الحياة لو امتنع عن ذلك. هو الكيان الذي يرتاب من أبناء جلدته ويرتاح للغرباء. هو الذي لا يعرف إلى من يصغي في أحيان كثيرة، وفي أحيان أكثر، يكون الصوت المصغي إليه هو صوت لا يمت إلى صوته الداخلي بصلة.
قد يقول أحدهم بأن المشاعر واختلاطاتها داخلية لا يمكن قياسها بميزان أو حساب، وهذا الرد مقبول ومعقول، ولهذا أزيد على قولي بأن كوكتيل المشاعر الذي يفصل ما بين الإنسان وغيره، يُقاس بالأفعال الخارجية لا الفروضات الداخلية. هل سبق أن رأينا حيوانا يحب ويكره الشخص نفسه؟ أو نبتة تبعد جذورها عن منطقة توجد بها جذور لنباتات سامة وفي الوقت نفسه تبقي فيه أحد جذورها كعربون سلام؟ لم ولن نرى ما يشبه ذلك إلا تحت يد الإنسان. ذاك الكائن يشبه ولا يشبه طبقات الأرض، وعمر الشجر ودوران السماء في الصيف وحمى الشتاء في سيبيريا، وحلاوة الليمون على القطار وكل شيء يناقضه ولا يناقضه. هو في النهاية مجموعة وليس واحدا، هذا الإنسان.
جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق