الأربعاء، 28 سبتمبر 2022

الجيل الذي يرفض أن يكبر

  

 

 

جيل الألفية هو الجيل الممتد من العام ١٩٨١ و حتى ١٩٩٦.. الجيل الذي كثرت عنه التعليقات و النكت المضحكة.. و معظم ما يُقال عنه صحيح..

و أكثر تعليق لافت للانتباه هو عند الإشارة أن جيل الألفية يبدو أصغر سناً في التصرفات و حتى الشكل من الجيل الذي تلاه.. (جيل زد) من العام ١٩٩٧ و حتى ٢٠١٢.. الجيل الذي يبدو ناضجاً أكثر من ناحية الشكل و التصرفات.. هذا بالإضافة إلى أنهم-لسبب لا أعرفه-يبدون واثقين من أنفسهم أكثر من جيل الألفية! و هذا أكثر ما نحن-جيل الألفية-نحسدهم عليه!

نرجع إلى السؤال المهم.. لماذا يشعر جيل الألفية بأنهم ما زالوا صغار بالسن و أنهم ليسوا بالغين بعد؟ على الرغم من أن معظمهم تجاوز سن الثلاثين و أصغرهم يبلغ من العمر ٢٦ عاماً! و عمر السادسة و العشرين هو العمر الذي تزوج و استقر به معظم آبائنا و أمهاتنا و شعروا فيه بأنهم بالغين راشدين متحملين لكافة أنواع المسئولية!

قد يبدو هذا السؤال بلا جواب و لكن له بالفعل جواب يا جيل الألفية! سأنقذكم به في حال احتاج أبيكم أو أمكم سماعه لتبرير تصرفاتكم غير المسئولة! الجواب هو أننا كبرنا في الوقت الخطأ! نعم هذا صحيح.. في الوقت الذي كان من المفترض لجيلنا أن يبدأ في العمل و يدخل مسار الحياة الجدية العائلية.. وقعت الأزمة الاقتصادية العالمية في ٢٠٠٨! و هذا أخّر دخولنا لحياة الراشدين البالغين، حيث أن الأغلبية وجدت نفسها تقترض أو تتعثر في حياتها العملية!

هذا السبب جعلنا أصغر في التصرفات من تصرفات آبائنا و أجدادنا في العمر نفسه. و هذا لا يعني بأن جميع من هم من جيل الألفية يشعرون بأنهم صغار في السن، فمنهم من تزوج و أنجب و ملك بيتاً أو اثنين! و هذه الأمور و المسؤوليات تجعل الانسان يشعر بأنه أكبر في العمر! و لكن فلنتكلم عمن يشعر بأنه أصغر في السن من جيل الألفية.. لهذا الإحساس و الشعور ميزته، فعندما تشعر بأنك أصغر، تشعر بأنه يحق لك مالا يحق لغيرك في العمر نفسه بالإضافة إلى أنك تكون مستمتع أكثر في حياتك. 

و أنصح الجميع من جيل الألفية أو غيره، أن يشعروا من الداخل بأنهم أصغر عمراً، و إن استدعى ذلك شراء سيارة حمراء رياضية أو الذهاب إلى ديزني لاند بلا أطفال.. فهذا ما يطول العمر أكثر! لا بأس أن ترفضوا أن تكبروا في السن.. إن كان ذلك يجعلكم تشعرون بأنكم أصغر سناً و روحاً و قلباً و قالباً.. المهم ألا تجعلوا هذا الأمر يعرقل حياتكم!

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


السبت، 24 سبتمبر 2022

لا تنكد على نفسك!

 الحياة صعبة و طويلة في متاعبها و عثراتها، و بالتالي يجب علينا نحن البشر أن نحاول تسهيلها قدر الإمكان، هذا هو الواجب و المفترض، و لكن بدلاً عن ذلك، نجد أنفسنا نصعب حياتنا من دون أن ندري في الكثير من الأحوال.

من الأمور التي نحب فعلها لإثقال حياتنا و أنفسنا، هي التفكير بكل صغيرة و كبيرة، و كأننا بلا أعمال و لا أطفال يشغلوننا و يشغلون حياتنا!

و نحب أيضاً التفكير فوراً بأسوأ سيناريو ممكن حصوله! فإن أردنا أن نسافر، نفكر حالاً بإمكانية وقوع الطائرة في المحيط! و إن سمعنا عن مرض أحد الأقارب البعيدين تنعكس في بالنا صورة وفاته قبل أن نراه! و لا نفكر في مقدار السعادة التي ستجتاحنا حال سفرنا أو شفاء قريبنا من مرضه و زيارته لنا! لا نفعل أياً من ذلك، بل نمسك بالخطوط السوداوية فقط، و نشكل القصص الخيالية في رؤوسنا!

في كتابه (لا تفكر في الأمور الصغيرة) يسدي ريتشارد كارلسون بعض النصائح المفيدة لعيش حياة أفضل خالية من "تنكيد الذات"، و أقصد بذلك الحالات التي ينكد فيها الانسان على نفسه بدون سبب.

و من هذه النصائح قوله: "فكر في مشاكلك على أنها فرصة للتعلم". كل أمر يحدث لك في هذه الحياة، يحمل معه سبباً ما، قد يتبين لك السبب غداً، و قد لا يتبين لك على الإطلاق، و عليك أن تتقبل ذلك و أن تحاول التعلم منه. هذه أفضل طريقة تستطيع بها قضاء حياتك.. عبر القبول و من ثم التعلم و المضي قدماً.

و من النصائح التي ذكرها كارلسون: "ردد هذه العبارة دائماً: الحياة ليست حالة طوارئ!". و أعتقد بأننا دائماً ننسى هذا الأمر. الحياة ليست حالة طوارئ. لا أحد يلاحقنا.. لا يوجد سبب لإمضاء حياتنا و نحن على أعصابنا.. كل ما نشعر به و نمر به مؤقت و ليس طارئ.. سيمر كما مر ما قبله، و كما سيمر ما بعده. لن يحدث أي شيء مدمر إذا ما قررنا التروي و قضاء وقتنا بهدوء!

أخيراً، يقول كارلسون: "استسلم إلى حقيقة أن الحياة ليست عادلة!". هذه أكثر نصيحة مريحة يستطيع الانسان أن يعتمد عليها كي يشعر بأنه أفضل. الحياة مجحفة، هذه هي الحقيقة. قد يقوم اثنان بالعمل نفسه، فيحصل أحدهم على المال و التقدير دون الثاني. قد يعمل الانسان طوال حياته دون أن يحصل على شيء، و قد يحصل انسان على كل شيء دون أن يرفع طرف اصبعه. هذه هي الحياة. لا أعني بكلامي هذا بأن على الانسان أن يتقبل الظلم. بتاتاً، و لكن ظلم الانسان يختلف عن ظلم الحياة.. في أحيان كثيرة تحدث أمور دون تدخل الانسان، كأن يولد الانسان و في فمه ملعقة ذهب. و كأن يعمل الانسان طوال حياته و في كل مرة يتحصل فيها على قرشين، يقع حظه العاثر، فيخسر القرشين! و في جميع الأحوال، الحياة تسهل كثيراً، إذا ما تقبل الانسان حياته مهما كانت، و مضى فيها.. قبوله سيجعل كل شيء أسهل.. حتى المصاعب سيكون بلعها أسهل!

الحياة، عزيزي القارئ صعبة وطويلة بما فيه الكفاية.. لا تجعلها أسوأ بيدك و بأفكارك. تخلص من أفكارك و عقدك التافهة، و انشغل بما هو أهم!

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الاثنين، 19 سبتمبر 2022

الانترنت العربي.. فقير!

  

أنا مثل غيري الكثير من الناس.. أقضي وقتاً كبيراً على الانترنت كل يوم، و لا أقصد هنا مواقع التواصل الاجتماعي و حسب، بل أقصد المواقع الأخرى أيضاً مثل مواقع الصحف و المجلات و ويكيبيديا و أمازون.. و خاصة جوجل. أرتاد جوجل على الأقل مرة واحدة في اليوم. مرة أسأله عن سؤال خطر في بالي فجأة مثل كم تبعد تبليسي عن الدوحة.. أو أن أسأل عن معلومة أريد أن أتأكد من مصداقيتها.. أو أن أبحث عن موضوع أريد أن أكتب عنه، كما فعلت مع موضوع اليوم رغم أن موضوع اليوم لا يحتاج إلى بحث ليؤكد المعلومات التي نعرفها جميعنا.. و هي أن المحتوى العربي على الانترنت فقير جداً، و بعيد كل البعد عن بقية اللغات!

يمثل المحتوى العربي اليوم ما يشكل ٣٪ تقريباً من الانترنت، على الرغم من أن الناطقين باللغة العربية يشكلون ٧٪ من العالم! و في المقابل نجد بأن اللغة الإنجليزية مثلاً تمثل ٥٥.٥٪ من محتوى الانترنت على الرغم أن ٢٠٪ حول العالم يتحدثون الإنجليزية، و ٥٪ منهم فقط، لغتهم الإنجليزية هي لغتهم الأم! هذه الاحصائيات هي للمستندات المكتوبة المنشورة، و لكني سأتناول في حديثي هذا جميع أنواع المحتوى العربي على الانترنت، سواء أكان على شكل مقالة أو فيديو أو مقطع صوتي أو حتى تغريدة! الواقع بأن المحتوى العربي (المفيد) على الانترنت، يبقى قليل و مختصر و "قص و لصق" و أغلبه بلا مراجع! نظرة بسيطة على ويكيبيديا مثلاً، و القيام بالبحث نفسه باللغة العربية و لغة أخرى، سيُوضح ما أقصده! نتيجة البحث في ويكيبيديا بالعربي سيكون بسيط و بلا مراجع على الأغلب، أما باللغة الأخرى سيكون مفُصل و مُدعم بالمراجع المثبتة لصحة المعلومات. أنا شخصياً عندما أقوم ببحث على الانترنت لا أكتفي بالبحث باللغة العربية، بل أبحث بالإنجليزية أيضاً. في مرات أجد المعلومة ناقصة عند بحث باللغة العربية، أو قد أجد المعلومة نفسها متكررة أكثر من مرة على شكل قص و لصق في جميع المواقع، أما باللغة الإنجليزية فأجد تنوع للمعلومات على مواقع عديدة! إذاً ما الحل؟ خاصة للأشخاص الذين لا يمتلكون سوى لغتهم العربية؟

حل هذه المشكلة هي الإضافة إلى المحتوى العربي على الانترنت. الكثير من الجامعات و المؤسسات الحكومية العربية و حتى الخاصة، تحاول فعل هذا الشيء، و هذا رائع، و لكنه غير كافٍ. يجب على بقية أفراد المجتمع العربي-مثلي و مثلك-الإضافة إلى الانترنت، كلٌ وفق اختصاصه و مجال علمه أو عمله، لإثراء المحتوى العربي على الانترنت و إفادة أكبر قدر من الناس. 

أفيدوا غيركم على الانترنت، كما استفدتم مراراً و تكراراً منه. انشروا معلومة ما.. عبر مقال.. تغريدة.. فيديو.. مقطع صوتي، أو حتى تعليق في موقع ما!

دونوا ما تتعلمونه.. على الانترنت، أو رتبوه بشكل أفضل.. المهم أن تعطوا كما أخذتم.. و كلمة فوق كلمة، ستثري الانترنت و العالم العربي!

 

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الثلاثاء، 6 سبتمبر 2022

لا تفعل شيئاً!

  

 

 نحن الأجيال التي تربت على الشعارات التالية: "من طلب العلا سهر الليالي".. "من جدّ، وجد، و من زرع حصد و من سار على الدرب وصل".. "اطلب العلم ولو في الصين".. منذ صغرنا و نحن نُلَقَن أهمية الكد في العمل و طلب العلم.. حتى كبرنا و صرنا نلهث وراء العمل و العلم، لأسباب تختلف بيننا قد تكون المال أو الصيت أو النفع العام أو غيره.. و خلال هذه الرحلة، أصبح البعض منا مدمناً للعمل، كي يصل بسرعة إلى مبتغاه. و من ثم كانت الضربة لنا جميعاً، متمثلة في جائحة كورونا قبل سنتين تقريباً، و كأنها رسالة لنا جميعاً بوجوب التروي و التمهل في العمل و أخذ نظرة عميقة في حياتنا و أهدافنا. و رغم ذلك.. الكثير منا لم يتمهل و لم يبطأ.. الكثير منا استغل الوقت الكبير الذي أُتيح له ليملئه بشتى أنواع الأمور و المهمات و الأنشطة، و كأننا لو جلسنا بلا شيء نفعله سيحدث لنا أمر سيء أو سنموت!

فعل لا شيء.. هو ما يتكلم عنه كتاب مارتجي ويلمز و لورا فرومن (نيكسن: الفن الهولندي الضائع المتمثل في عدم فعل أي شيء). و يتناول هذا الكتاب فوائد عدم فعل.. أي شيء. و لا يقصد به الكسل.. بل عدم أي فعل شيء للترويح عن النفس و الاسترخاء قليلاً، كأن ترجع إلى منزلك بعد العمل، و بدل أن تنام أو أن تشاهد التلفاز.. تجلس أو تستلقي-وفق ما تحب-و لا تفعل أي شيء آخر لبضعة دقائق! و فوائد عدم فعل أي شيء كثيرة.. منها الاسترخاء و أخذ العقل لفسحة قصيرة، يهيم بها على راحته.

تتضح أهم فوائد (نيكسن) أي عدم فعل أي شيء عند الحديث عن الإبداع.. الكثير من المبدعين سواء أكانوا كُتاب أو فنانين أو علماء.. عصفت بهم أفكارهم المبدعة ليس و هم في العمل أو وقت العمل.. بل و هم خارج العمل وفي الكثير من الأحيان لم يكونوا يفعلون شيء! بل خطرت على بالهم الفكرة فجأة! و سبب ذلك-بنظري-راجع إلى أن الأفكار تأتينا في حالة الاسترخاء.. و لذلك تأتينا الكثير من الأفكار المهمة وقت المشي و الاستحمام مثلاً.

عدم فعل أي شيء يومياً و لو لخمسة دقائق سوف يفتح أبواب الإبداع.. فالقليل من الملل لا يضر. هل تذكرون الطفولة؟ هل تذكرون ماذا فعلنا عندما جلسنا متململين لأن آبائنا و أمهاتنا طلبوا منا عدم فعل أي شيء؟ جلسنا قليلاً ثم قمنا باختراع جميع أنواع الألعاب التي نستطيع اختراعها.. بعضها لم نستعمل فيها أدوات مادية حتى!

نعم، الانسان يستطيع أن يعمل تحت ضغط الأوامر و الوقت.. و لكن انتاجه سيكون أفضل وقت الراحة أو بعد الراحة! و على الأقل سيكون انتاجاً مستمر أما الإنتاج تحت الضغط فيقع تحت طائلة الاحتراق (burnout) و عدم الاستمرار!

افعلوا لا شيء بين الفينة و الفينة! ريحوا أنفسكم و أعطوا عقلكم المبدع بعض الفسحة!

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...