الثلاثاء، 6 سبتمبر 2022

لا تفعل شيئاً!

  

 

 نحن الأجيال التي تربت على الشعارات التالية: "من طلب العلا سهر الليالي".. "من جدّ، وجد، و من زرع حصد و من سار على الدرب وصل".. "اطلب العلم ولو في الصين".. منذ صغرنا و نحن نُلَقَن أهمية الكد في العمل و طلب العلم.. حتى كبرنا و صرنا نلهث وراء العمل و العلم، لأسباب تختلف بيننا قد تكون المال أو الصيت أو النفع العام أو غيره.. و خلال هذه الرحلة، أصبح البعض منا مدمناً للعمل، كي يصل بسرعة إلى مبتغاه. و من ثم كانت الضربة لنا جميعاً، متمثلة في جائحة كورونا قبل سنتين تقريباً، و كأنها رسالة لنا جميعاً بوجوب التروي و التمهل في العمل و أخذ نظرة عميقة في حياتنا و أهدافنا. و رغم ذلك.. الكثير منا لم يتمهل و لم يبطأ.. الكثير منا استغل الوقت الكبير الذي أُتيح له ليملئه بشتى أنواع الأمور و المهمات و الأنشطة، و كأننا لو جلسنا بلا شيء نفعله سيحدث لنا أمر سيء أو سنموت!

فعل لا شيء.. هو ما يتكلم عنه كتاب مارتجي ويلمز و لورا فرومن (نيكسن: الفن الهولندي الضائع المتمثل في عدم فعل أي شيء). و يتناول هذا الكتاب فوائد عدم فعل.. أي شيء. و لا يقصد به الكسل.. بل عدم أي فعل شيء للترويح عن النفس و الاسترخاء قليلاً، كأن ترجع إلى منزلك بعد العمل، و بدل أن تنام أو أن تشاهد التلفاز.. تجلس أو تستلقي-وفق ما تحب-و لا تفعل أي شيء آخر لبضعة دقائق! و فوائد عدم فعل أي شيء كثيرة.. منها الاسترخاء و أخذ العقل لفسحة قصيرة، يهيم بها على راحته.

تتضح أهم فوائد (نيكسن) أي عدم فعل أي شيء عند الحديث عن الإبداع.. الكثير من المبدعين سواء أكانوا كُتاب أو فنانين أو علماء.. عصفت بهم أفكارهم المبدعة ليس و هم في العمل أو وقت العمل.. بل و هم خارج العمل وفي الكثير من الأحيان لم يكونوا يفعلون شيء! بل خطرت على بالهم الفكرة فجأة! و سبب ذلك-بنظري-راجع إلى أن الأفكار تأتينا في حالة الاسترخاء.. و لذلك تأتينا الكثير من الأفكار المهمة وقت المشي و الاستحمام مثلاً.

عدم فعل أي شيء يومياً و لو لخمسة دقائق سوف يفتح أبواب الإبداع.. فالقليل من الملل لا يضر. هل تذكرون الطفولة؟ هل تذكرون ماذا فعلنا عندما جلسنا متململين لأن آبائنا و أمهاتنا طلبوا منا عدم فعل أي شيء؟ جلسنا قليلاً ثم قمنا باختراع جميع أنواع الألعاب التي نستطيع اختراعها.. بعضها لم نستعمل فيها أدوات مادية حتى!

نعم، الانسان يستطيع أن يعمل تحت ضغط الأوامر و الوقت.. و لكن انتاجه سيكون أفضل وقت الراحة أو بعد الراحة! و على الأقل سيكون انتاجاً مستمر أما الإنتاج تحت الضغط فيقع تحت طائلة الاحتراق (burnout) و عدم الاستمرار!

افعلوا لا شيء بين الفينة و الفينة! ريحوا أنفسكم و أعطوا عقلكم المبدع بعض الفسحة!

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...