الثلاثاء، 23 أغسطس 2022

الحياة الآخرة

  

 

في الحياة الأخيرة، طريقان، إما نعيم دائم أو جحيم مقيم.. و الخيار للإنسان. وفي حياة النعيم، حياة لم نحلم بها من قبل و لا تستطيع عقولنا أن تتصور جمالها. سيكون فيها كل ما نتمناه و أردناه في الحياة الدنيا من ماديات و معنويات.. بل أكثر من ذلك و أكبر و أجمل و أفضل. الحياة الآخرة، لا مرض فيها ولا نعاس ولا حسد و لا كره ولا غرور و لا كبر و لا غضب ولا تعب ولا اجهاد ولا عتب و لا نسيان و لا هم و لا حزن و لا قلب مفطور ولا طرف مبتور، ولا عائلة جاحدة ولا صداقة بائدة.

في الحياة الأخيرة، راحة لا يسبقها ولا يليها ألم.. عافية بلا مرض.. سعادة غير شرطية.. جميع أحبابك حولك.. و كلكم سعيدين و في أجمل و أبهى حلة بلا مشاكل و لا منغصات ولا عواقب و لا اختبارات صداقة و قرابة.. كلكم أنتم و على طبيعتكم و لكن أحسن و أفضل حالاً! الحياة الفعلية التي أردنا أن نعيشها في الدنيا سنعيشها في الحياة الآخرة، و أغلبنا لم يكن يعرف بأن هذه هي الحياة التي يريد أن يعيشها. فهناك من فكر بأنواع الأموال التي ستكون تحت يده في الحياة الآخرة.. و هناك من فكر بألذ الثمار التي سيأكلها و الأنهار التي سيشرب منها.. و هناك من فكر باللقاء الذي سيجمعه مع والده الذي توفي صغيراً، أو حبيبه الذي فارقه غصباً عنه في الدنيا.. و لكن هل فكرنا ملياً، باللقاء الأهم على الإطلاق؟ لقائنا بربنا الذي أحبنا من قبل أن نولد بأزمان طويلة حباً أعمق من حب والدتنا لنا؟! هل فكرنا بالمشاعر الجميلة التي ستجتاحنا؟ هل فكرنا بالسعادة التي ستعترينا و الراحة التي ستغمرنا؟ هل فكرنا كيف أن هذا اللقاء سيهون علينا كل ما مضى؟ هل فكرنا كيف أنها ستكون بداية طريق الراحة الأبدية؟ و أن هذا اللقاء سيكون تأكيداً على وعد الله الذي قال في سورة البقرة من كتابه الكريم: (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)(62).. ينتهي الخوف و الحزن في الحياة الآخرة عند من آمن بالله و اليوم الآخر، و عمل صالحاً في الحياة الدنيا. تنتهي جميع المشاعر و الأحاسيس السلبية، و يثمر صبر الانسان في الدنيا على الآلام و التعب و المشقة، و يكافئه الله على جهده و اجتهاده في الحياة الأخرة. فاللهم اجعلنا في الحياة الآخرة من أهل الجنة الذي قلت عنهم في سورة يس: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٥٥-٥٨). و قد قال السعدي في تفسير هذه الآية في كتابه (تفسير السعدي): " وإذا سلم عليهم الرب الرحيم، حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه، وحصلت لهم التحية، التي لا تحية أعلى منها، ولا نعيم مثلها، فما ظنك بتحية ملك الملوك، الرب العظيم، الرؤوف الرحيم، لأهل دار كرامته، الذي أحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبداً، فلولا أن اللّه تعالى قدر أن لا يموتوا، أو تزول قلوبهم عن أماكنها من الفرح والبهجة والسرور، لحصل ذلك.
فنرجو ربنا أن لا يحرمنا ذلك النعيم، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم ".

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...