معظم الناس في هذه الحياة، تعشش في رؤوسهم أفكار الاستحقاق و الرغبة. "نحن نستحق كذا و نرغب في كذا".. "نحن أولى الناس بالشهرة و الثراء".. "نحن موهوبين أكثر من غيرنا.. فلماذا يُفضل الناس الغير، علينا!".. و غيرها من الأفكار المشابهة. ينسى هؤلاء، بأن الدنيا اختبار، و كل ما يمر به الانسان، هو اختبار مُصغر (QUIZ) سواء أكان جيداً أم سيء. يقول الله تعالى في سورة الأنبياء: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(٣٥). في هذه الآية، حقيقة الدنيا التي نعيشها.. نحن نحيا لنموت، و ما بينهما يختبرنا الله بالمصاعب كالمرض أو موت الأقارب أو خسارة الأموال أو غيرها من الشدة، ليرى الله طريقة تعاملنا مع هذه الشدة.. هل سنصبر؟ هل سنتقرب له أكثر؟ هل سنفعل الخير أم سنقابل الشدة بالسخط و التحدي و فعل السيئات؟ اختبار الله لا يتوقف عند الابتلاءات، بل يستمر حتى مع الأحداث و المواقف الجيدة. الله يختبر الانسان وقت الرخاء و السعادة و الرزق الوفير أيضاً، ليرى ماذا سيفعل عبده مع كل ما أُعطي. هل سيشكر الله و يحمده؟ هل سيذكر الله أصلاً؟ هل سيعطي غيره جزء مما أعطاه الله؟ هل سيستمر في فعل الخيرات أم سيتوقف؟ و بعد هذه الاختبارات كلها، نموت كي نعرف نتيجة الاختبار الكبير. هل نجحنا فيه أم رسبنا؟ هل مكاننا الجنة أم النار!
ابتلاء الله لنا بالشر أو فتنتنا بالخير، لا يُشترط منا أن نعرف أسبابه أو الحكمة الإلهية منه.. قد لا نعرف وقت الشدة بأنها خير لنا على المدى القريب (في الدنيا) أو البعيد (في الآخرة)، و الأكيد أن لكل أجره و حسابه عند الله. أهل السفينة التي خرقها سيدنا الخضر في قصته مع نبي الله موسى، لم يعرفوا بأن هذه خيرة لهم، بدل أن يأخذها منهم الملك الظالم! بل أن حتى سيدنا موسى لم يعرف بأن هذا خير لهم! و أهل الغلام الذي قتله الخضر لم يعرفوا بأن موته أفضل لهم و له، فمصيره الجنة بعد أن مات بلا ذنب، و قدرهم أن يرزقهم الله ابناً صالحاً آخر لا يرهقهم طغياناً و كفراً!
و أنا أستذكر اختبارات الدنيا، أفكر بكلام عالم دين يهودي، قال ما معناه، أن الله يختبر صدق معدن الانسان الخير عبر تأخيره أو عدم مكافئة أعماله الجيدة. بمعنى أن اختبارات الله لنا، تُبين الشخص الجيد من السيء، فلو أن كل عمل جيد نكافئ عليه فوراً من الله، فلا يصيبنا إلا ما هو خير، لأصبح كل الناس أخيار، و انقرض الأشرار، فالجميع يطمح للخيرات و السعادة، و لكن لأن الله يرغب في التمييز بين عباده، قد يؤخر مكافأة الانسان الخير، بل و قد يصل الخير إلى الانسان السيء ما إن يعمل عمله السيء. و في كل عمل منه سبحانه، اختبار، فاختبار الانسان الخير الصبر على ما يصيبه، و قد يكون اختبار الانسان السيء النظر في مكافئة الله له.. هل ستصيبه بالغرور أم سترجعه إلى طريق الحق!
وهكذا هي اختبارات الدنيا، لا نعرف متى تبدأ ولا نهاياتها أو أسبابها أو الهدف منها. المطلوب منا أن نصبر و أن نُسلم أمرنا لله و أن نستسلم له، فهذا يرفع درجات الانسان عند الله، و يجعل حياته أسهل و محتملة أكثر، عندما يعرف بأن هنالك سبب وراء كل شيء. و أن "الله يعمل بطرق غامضة" كما يقول الإنجليز.
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق