الثلاثاء، 28 يوليو 2015

قروض الأبهة

انتشرت في العشر سنوات الماضية قروض “الأبهة”، أو قروض الفخامة والزهو. فما هي هذه القروض؟ وما سر انتشارها؟
هي ليست قروض سكن ليستطيع من لا يملك منزلًا أن يتملك واحدًا بفضل الله ثم فضلها بعد عدة سنوات، وليست قروضًا تُدفع في سيارة (على قد) الشخص الذي لا يحوز حقها، وليست قروضًا لبدء مشروع لطالما حلم به المقترض، ولكنه لم يكن ذا مال وسلطة. قروض الأبهة هي القروض التي يحصل عليها المقترض من المقرض، أيًا كان فردًا أو شركة أو بنكًا، ليسافر بها هو وعائلته على الرغم من أنهم يسكنون بيتًا مستأجرًا، وعليهم مصروفات كثيرة. هي القروض التي يحصل عليها المقترض ليشتري سيارة فارهة على الرغم أنه بلا حاجة لسيارة جديدة، أو يملك من المال ما يستطيع أن يشتري به سيارة أخرى أقل ثمنًا، ولكنها بطبيعة الحال أقل وزنًا عند الجماعة كما يعتقد في أكثر الأحيان، وكما يصدق في أحيان أخرى. قروض الأبهة هي القروض التي يحصل عليها الشخص ليبتاع كماليات الحياة، من سفر وسيارات ولهو ولعب، بينما تنقصه ضرورات الأمان الوظيفي والاجتماعي والأكاديمي؛ فبدل أن يصرف على بيته ودراسته ووظيفته يصرف على زينة الحياة وبهجاتها بتهور ودون تفكير مسبق في العواقب.
قروض الأبهة، باختصار، هي القروض التي يأخذها ناسٌ من الناس ليعطوها لناس آخرين، ولكن ليس على سبيل الصدقة. فمن يقترض ليسافر إلى لندن أو باريس، وهو يملك ثمن تذاكر السفر والإقامة في دولة كالأردن أو مصر، يفعل ذلك من أجل الناس لا نفسه، مع كامل الاحترام والإعجاب بهاتين الدولتين الرائعتين. ومن يقترض ليشتري بنتلي بدل اللاند كروزر يفعل ذلك للناس لا نفسه؛ كي يقول الناس: فلان كاد أن يكون مواطنًا من مواطني فرنسا بسبب كثرة سفراته لها، وفلان الثاني يقود بنتلي بيضاء ذات جلد أحمر قان!
قرض الأبهة أقرب إلى أن يكون مرض الأبهة، ظاهره التعالي والخيلاء، وأعراضه الجانبية لازمة للمقترض؛ فأحواله المالية لا بد من تدهورها في وقت ما، لتتأثر حالته النفسية والاجتماعية بعد ذلك. أما أسوأ الأعراض الجانبية فهي إدمان حالة الأبهة، والانتقال من أخذ قروض للسفر وابتياع السيارات إلى الاقتراض لشراء غير الضروريات من الساعات والأحذية والحقائب؛ لكونها فقط من إحدى بيوت الأزياء والموضة العالمية. واعتماد الناس هذه الأيام على المظاهر والمباني لا يشفع للمرء إدمان حالة الأبهة والتفاخر على حساب نفسه وعائلته حتى ينتهي به الحال إلى التفريط بهما.
قال الله تعالى في سورة البقرة: “من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون”. هذا ما قاله الله تعالى، وذكر في سورة الحديد قائلًا: “من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له وله أجر كريم”. لم يقل من ذا الذي يقرض الناس، بل ذكر نفسه جل شأنه وقدره. فالناس سيذمون المقترض والمقرض، وإن كان مرادهما الحصول على القبول من الناس؛ فسيقول الآخرون: “زيد لم ير العالم، لم ير سوى باريس!”، و”عبيد سيارته أغلى وأحسن من بنتلي عمرو، ثم هل تعرف أنها ليست فول أوبشن؟”.
اعملوا وأقرضوا واقترضوا من أجل الله فقط؛ فهو العفو الذي يعفيك من الفوائد، والكريم الذي لا يبخس الثناء على عباده المخلصين.


الخميس، 23 يوليو 2015

الشعب الإسباني

انتشرت في الآونة الأخيرة بعض النكات والتعليقات حول الشعوب الخليجية في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والتي خصت بعض تصرفاتهم الظريفة والغريبة، وغيرها من التصرفات التي تميزهم. ولكن المثير والمضحك حول هذه التعليقات هي الإشارة غير المباشرة للخليجي أو الخليجية، والتي تكون بقول «إسباني» أو «إسبانية». فيُقال مثلاً، الإسباني يتزوج أربعة ويحب اثنتين ويصادق ثلاثة! والإسبانية لا تملك أي شيء لتلبسه، على الرغم من أن خزانة ملابسها تحويها غرفة كاملة أو جناح! هذا بالإضافة إلى أنها لا تسمح لنفسها بأن تلبس فستاناً واحداً لأكثر من عرس!
لا أعرف كيف بدأت هذه «الهبة»، أو لماذا تم اختيار الشعب الإسباني على وجه التحديد من بين شعوب العالم كلها، لكني أعرف أن كل أفراد الشعب القطري يعشقون الكرة الإسبانية من أصغر فرد إلى أكبر فرد، ومن أصغر ناد حتى أكبر ناد. هذا الحب الجم غير المتناهي للكرة الإسبانية يجعل القطريين يسافرون إلى إسبانيا لحضور مباريات الأندية الإسبانية في الشتاء والصيف، على الرغم من تركهم الأندية القطرية بسبب الجو الحار، كسبب من أسباب عزوفهم عن حضور مباريات الدوري القطري. ليس من العدل مقارنة الكرة الإسبانية بالكرة القطرية، لكن المعاينة والمقارنة كثيراً ما توضح الأمور، وتجعل المرء قادراً على استيعاب المساوئ، وبالتالي العمل على إيجاد الحلول. 
في قطر، يعزف الكثير عن حضور مباريات الأندية القطرية، بل ومباريات المنتخب القطري في بعض الأحوال. وقد أشارت صحيفة الشرق القطرية في عددها الصادر يوم الأحد الموافق 26-01-2014 إلى أن الإحصائيات تشير إلى أن %65 من القطريين لم يحضروا أي مباراة في الملاعب بالموسم الكروي السابق. وأشار الاستطلاع المهم الذي نفذته وزارة التخطيط التنموي والإحصاء، بالتعاون مع الاتحاد القطري لكرة القدم واللجنة الفنية المعنية بإحصاءات الرياضة، أن أسباب العزوف هي باختصار أسباب شخصية أو تنظيمية أو فنية أو خدمية أو مناخية أو جماهيرية أو بسبب النقل الإذاعي والتلفزيوني. ومن يريد الاستزادة والنظر أكثر في هذه الأسباب يمكنه الاطلاع على هذا الاستطلاع المهم، والذي برأيي يشير إلى الجرح -وهذا أمر جلل- ولكنه لا يعقم الجرح أو يضمده، فلم يتم العمل على إيجاد حلول حقيقية لهذه المعضلة التي تهم دولة بأسرها، لا بضعة مشجعين لكرة القدم. فالأمر ليس مجرد رجل فضل الجلوس في المجلس ليشاهد المباراة بدل الذهاب إلى الملعب، بل بالثقافة التي يزرعها هذا الرجل ويراكمها في نفسه وعائلته، وخاصة أطفاله الذين يألفون «مرض الجلوس» والكسل والخمول، ثم الابتعاد شيئاً فشيئاً عن الرياضة، حتى يبتلعهم المرض.
الحلول البديهية التي يجب على الاتحاد القطري العمل عليها هي تحسين عملية التنظيم والخدمات، وتوعية النشء ومن يكبرهم حول أهمية الرياضة وعوائدها، بالإضافة إلى مجموعة حلول أخرى، أسردها لكم، وأولها: إعادة مكانة الأندية القطرية كمكان ترويحي ترفيهي رياضي للأجيال الشابة، مثلما كان الحال مع أجيال الستينيات والسبيعنيات، حينما كانت أندية الكرة تجمعهم بعد المدرسة. 
وهذا يحدث عندما تتم صيانة ملاعب الأندية القطرية، وتخصيص بعض الأوقات فيها لطلاب المدارس، وتشجيعهم على الرياضة.
ثانياً: إقامة الفعاليات المختلفة على أراض الملاعب القطرية لتتعود أقدام الزوار من العائلات على الملاعب وتتعرف عليها، فتصبح مكاناً لازماً مثل كتارا واللؤلؤة في العطلة الأسبوعية.
ثالثاً: نشر الأندية القطرية فروعاً لها تبيع فيها منتجاتها، وتنشر فيها فعالياتها وجداول مبارياتها والتدريبات التي يسمح للزوار بمشاهدتها. وتكون الفروع في الأماكن المزدحمة، مثل مطار حمد الدولي، ومجمعات التسوق كفيلاجيو و»إزدان» والحدائق المنتشرة في أرجاء الدولة.
نريد أن نرى التزاحم والحرص على الاستثمار في الكرة الإسبانية، في قطر، فالشعب القطري يستحق ذلك أيضاً.


جواهر محمد عبدالرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



السبت، 18 يوليو 2015

لا تهدر نفسك

هناك أمور يجب على أي انسان أن يحافظ عليها ويحترمها في نظري، أهمها: الماء والوقت. فإن أضعت الماء، أضعت حياتك، وإن أهملت الوقت، أهملت روحك.
قد يبدو الماء والوقت للوهلة الأولى بلا أية قواسم مشتركة، والحقيقة أنني لم أجد أكثر منهم لبعضهم تشابهاً. الماء والوقت يحييان الإنسان، لا يمكننا العيش دونهما بلا اختلال في وظائفنا الحيوية والإنسانية، ولذلك ينتج عن هدر الماء ضياع الأجيال القادمة، أما الوقت، فهدره يذهب بصاحبه إلى القبر على قطار سريع لا يشعر فيه بالمحطات التي يمر عليها.
لا تخف عزيزي القارئ! لن أتحدث عن طرق المحافظة على الماء لأن المؤسسات والشركات الخيرية والخضراء ووزارات البيئة والتنمية المستدامة في كل مكان، استنفدت هذا الحديث، بطرق تقليدية وغير تقليدية. وإن كان من المهم الإشارة إلى أننا نتعامل مع الماء وكأنه شيء مسلم به ودائم لنا، مع أن نسبة المياه الصالحة للشرب على الأرض لا تتجاوز %3 ونسبة %97 الباقية هي لمياه غير صالحة للشرب! لا غريب فيما أقول ونحن نعامل الماء كمنتج مستدام كالبترول، وحتى الوقت فلا أحد يظن بأنه سيموت غداً، بل على العكس، نخطط ليوم الغد وما بعده لخمس سنوات قادمة. أعود مرة أخرى وأقول إنني لن أتطرق لطرق المحافظة على المياه لأنه ليس من تخصصي. موضوعي اليوم هو يومك الثمين عزيزي القارئ بكل دقائقه وثوانيه والعقارب التي تلاحق ساعاته. ماذا تفعل في يومك المعتاد سواء أكان يوم عمل أم عطلة أسبوعية أو سنوية أو حتى مرضية لم تكن سوى محاولة للهرب من العمل؟ هل تشاهد التلفاز فيه؟ هل تمارس الرياضة؟ هل تتحدث مع عائلتك عن يومهم وفيم قضوه؟ هل تذهب إلى قهوة الحارة لتجلس الجلسة نفسها في المكان نفسه لتشرب الشاي نفسه؟ هل يومك العادي روتيني بشكل معتاد أم أنك تغير فيه بحسب ما تسمح به الأحوال أو ما تجبرك عليه الظروف؟ أم أنك سيد يومك، فتختار ما تقوم به وما تتركه ليوم آخر لتفعله أو لا تفعله؟ أياً كان جوابك عزيزي القارئ فهو لك، وليس لي، ولكن ما يهمني في سؤالي هو أن تعرف في قرارة نفسك إذا كان في روتينك هدر لوقتك أم لا. كيف تعرف ذلك؟ من الفائدة التي تحصل عليها آخر اليوم. فإذا عرفت بأن روتينك اليومي لا يهدر من وقتك دقيقة، فاستمر عليه، بل وانصح غيرك به إن استطعت، أما إذا شعرت بأنك لا تستفيد الكثير من يومك أو أنك لست متأكداً من ذلك، فأبقِ على روتينك اليومي، ولكن زد عليه هذه الأمور الأربعة لتستفيد الكثير، ولئلا تهدر يومك:
أولاً، مارس الرياضة، ولو لعشر دقائق. الرياضة تمنح العمر الطويل والصحة الموفورة، وبها تضمن حياة مستقبلية أفضل لنفسك بأمراض أقل ومتاعب أخف.
ثانياً، قدم معروفاً. تصدق للغير أو اعمل خيراً لهم. هذا الفعل سيجعلك تخدم وتهذب نفسك أيضاً، ليس عبر الهبات المالية فقط، بل ببسائط الأمور كذلك، كالابتسامة وتقديم استشارة مجانية، أو مساعدة صديق في مأزق أو أزمة.
ثالثاً، تعلم معلومة جديدة. احرص على أن تقوم بهذا كل يوم، عن طريق قراءة المقالات المتخصصة أو الكتب أو مشاهدة فيديوهات في اليوتيوب أو عبر ورش التدريب أو النقاشات مع الأصحاب. تعلمك لمعلومة جديدة يشعل آفاقك وينشر نور المعرفة في طريقك. وهذا يجعلك أكثر قدرة على مواجهة المستقبل والتعامل مع ما سيواجهك بفاعلية أكبر.
رابعاً، حقق شيئاً لنفسك. لاحظ بأنني لم أقل «افعل شيئاً لنفسك» بل قلت «حقق شيئاً لنفسك! « الجملة الأولى قد توحي بأن استلقاءك يومياً لمشاهدة التلفاز لترتاح هو «فعل» شيء لنفسك، أما الثانية وهي ما أقصدها، تعني أن تخطو خطوة لتحقيق ذاتك وأهدافك، فإن كان حلمك أن تصبح طباخاً ماهراً، فاحرص على أن تعمل على تطوير هذه المهارة يومياً بابتكار أطباق جديدة وتحسين أو إضفاء طابع عصري على أطباق تقليدية. وإذا كان هدفك أن تصبح كاتباً، فخصص ساعات من وقتك للقراءة وساعة للكتابة. وإذا كنت تريد أن تتعلم لغة أو تعزف على آلة موسيقية، فهناك العشرات من البرامج الإلكترونية التي تساعد على تعلمهما، فابدأ وتصفحهما، لتبني مستقبلك.
يقول مارك توين: «الحياة قصيرة، اكسر القوانين، سامح بسرعة، قبل ببطء، أحب بصدق، اضحك بلا قيود، ولا تندم على شيء جعلك تبتسم في يوم ما». آمن بهذه المقولة، حتى لا يأتي يوم، تتمنى فيه رجوع دقيقة أهدرتها.


جواهر بنت محمد بن عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 9 يوليو 2015

كي تكون داعش أقلية


شهدنا خلال الأسابيع الماضية أفعال «داعش» الفظيعة على أرض الواقع، في تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت، وفي تفجيرات تونس وفرنسا ومصر وغيرها من الدول، وشاهدنا أيضاً أفعالهم أو سيناريو مقارباً لها على التلفاز في مسلسل سيلفي في أكثر من حلقة، فكان فيها القتل والفساد في الأرض والتشدد والغلو في شؤون الدين والدنيا والخلق!
هذه الأفعال التي نشاهدها كل بضعة أيام إن لم يكن يومياً، من قبل «داعش» في كل مكان، تهاجمها الدولة والفرد في المجتمعات العالمية والعربية والخليجية وتستنكرها، إلا أن «داعش» رغم ذلك باقية ومستمرة، بل ويتزايد أعداد المنضمين إليها كل يوم. أسباب وجود «داعش» عديدة، منها أن هناك جهات أجنبية وعربية تحرص على بقاء هذه الجماعة في الصورة العالمية للشرق الأوسط، وأسباب أخرى تحدثتُ أنا وزملائي عنها في مقالات سابقة، أما أسباب التزايد في أعداد المنضمين لهذه الجماعة رغم كل ما يُقال ويُصور عنها، فهي أسباب تدخل في سبب وجود «داعش» نفسها، أي إنهم إما جُندوا من قبل الجهات التي خلقت «داعش» كي يستمر وجودها وبقاؤها على قيد الحياة لوقت طويل، أو جُندوا بتأثير مباشر أو غير مباشر من قبل متطرفين، أو كانوا قد التحقوا بـ «داعش» لمآرب أخرى تخفيها قلوبهم المريضة وأياديهم المجرمة من رغبة في البطش والتسلط وممارسة الأمراض النفسية على الغير تحت حجاب شرعي. أياً كانت تلك الأسباب، فمن يجمع الجزية في العراق وسوريا ليسوا أنفسهم من يتولون تفجير المساجد في الكويت والسعودية وغيرها، الأخيرون -كما نراهم- شباب صغار في السن من البلد نفسه، البعض فيه يعرفهم ويعرف عوائلهم، وتراهم «داعش» و»الخليفة» ومن وراءه مُجندين قابلين للتغيير في الحال. هؤلاء الشباب قد يكون أحدهم يوماً من الأيام أخاً أو صديقاً أو زوجاً أو جاراً لي أو لك عزيزي القارئ، فما العمل إذاً؟ ما الذي يمكننا فعله، لمنع من نحبهم وهدايتهم إلى الطريق السواء؟
لن أتكلم عن الحلول الوقتية مثل سحب الأب لجواز سفر ابنه لو شعر بأنه قد يسافر مع شخص لا يثق به، سأتكلم عن حل رئيس نحتاجه في هذه المعضلة وأمور أخرى كثيرة في حياتنا، ألا وهو إعمال العقل وإنطاق الوعي الناقد. هذا هو العلاج الوقائي لغسيل المخ. ولا يجيء إلى بال أحد منكم ما تصوره الأفلام السينمائية من أجهزة وصور وتعليمات يحدث بعدها غسيل المخ، فهذا هو في شكله الباهظ طويل المدى والقسري، ما أقصده هو الغسيل والنشر والتجفيف عبر التلقين والتخويف والوعيد بالنار للمتخاذلين والوعد بالجنة للمقدمين، وإلا فما تفسير قيام أحدهم بتفجير نفسه في مسجد مليء بالمصلين في جمعة أحد أيام رمضان كي يدخل الجنة؟
عبر إعمال الإنسان البالغ لعقله ونقد وتحليل ما يتلقاه من معلومات، سيَسلم ويُسلم حقاً لنفسه ولغيره. وللأطفال حق علينا أيضاً، في إعمال عقولهم الناقدة وحثهم على التفكير بأنفسهم وفي أنفسهم بدل إعطاء شخص آخر هذه الوكالة عنهم، فيلقنهم ما يشاء، أياً كان.
الدول العربية قد تساعد كثيراً في الحد من «داعش» وظاهرة انتشارها وانضمام الشباب لها، ليس عبر الضربات الجوية فقط، بل في الحلول السياسية السريعة في سوريا والعراق وليبيا، وعبر إضافة مواد للتفكير الناقد في المناهج التعليمية لطلاب المراحل الابتدائية والمتوسطة على الأقل، أو إدماجها في مواد علمية أخرى بحيث يصبح الطالب مفكراً، لا متلقياً، يكبر على التلقي والقبول بما يقوله مدرسه دون أن تكون له فرصة مناقشته، فيأخذ الأوامر والمعلومات من مدرسه اليوم، وفي الغد يأخذها من شخص ثانٍ ظن بأنه مدرس، ولكن من نوع آخر…
حتى تكون «داعش» أقلية قابلة للانقراض، يجب علينا أن نخلق أجيالاً تشك ولو لمرة واحدة في حياتها، فتتساءل: هل هذا هو الصواب أم الخطأ؟ وتستخدم شكها كي تصل إلى اليقين عبر البراهين العقلية المثبتة كما قال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت. بهذا سننجو.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 2 يوليو 2015

دعايات رمضان

أحاول أن أتحكم في وقتي قدر استطاعتي، وبما أننا في عصر الإنترنت والمواقع الإلكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي، يتوفر لنا هذا الرفاه عبر مواقع كـ «يوتيوب»، فبدل أن أنتظر برنامجاً أو أرتب جدولاً يومياً أو شهرياً على مسلسل، أو أضيع وقتي في مشاهدة الدعايات التي تأخذ أحياناً ربع ساعة، أرتب جدولي اليومي كما أريد، وأضيف له البرامج والمسلسلات والأفلام في أوقات فراغي. ورغم كون هذا جزءاً من أسلوب حياتي، أجدني في مرات كثيرة أشاهد التلفاز لاإرادياً، ولا أعرف إن كان سبب ذلك ترسبات الطفولة التي قضيناها أمامه لكونه عاملاً من عوامل الترفيه القليلة في ذاك الوقت، أو لأننا تعودنا على أن يكون ضيفاً دائماً في وجود العائلة أو الأصدقاء، سواء أكنا فعلاً نشاهده أم كان وجوده في الخلفية background فقط. أياً كان سبب عودتي إليه، فقد شاهدت الكثير من الدعايات هذه الأيام الماضية، منها لشركة زين للاتصالات، والتي جمعت فيها نخبة من نجوم العالم العربي، يغنون معاني الحب والأمل والإيمان، ودعاية لكوكاكولا وأخرى لفودافون المصرية، وبرنامج قصير على شكل قصة يومية للأطفال تحمل في كل يوم فائدة جديدة برعاية سلسلة مطاعم مكدونالدز.
شاهدت دعايات أخرى كثيرة، ومعظمها حول الدعوة إلى الخير والقيام بالفعل الصالح والحسن، والابتسامة كحد أدنى، كما نحاول أن نهذب أنفسنا عليه في نهار وليل -كما يُفترض- رمضان. وأتساءل لم لا تقوم هذه الشركات الكبرى والجمعيات والمؤسسات بعمل دعاياتها وإعلاناتها على هذا النحو الخيري والتطوعي طوال السنة، وليس لشهر واحد منها فقط؟ لم لا تقوم بذلك الشركات وهي التي تعمل على الإعلانات في كل وقت ومناسبة سنوية وغير سنوية، بالإضافة إلى الأيام العادية القليلة الباقية؟ لربما سيجيب البعض بأن رمضان مميز بهذا النوع من الدعايات، والشركات تعمل بناء على رغبة الأفراد في أحيان قليلة وهذه منها، وقد يكون ذلك صحيحاً، ولكن لا مانع من إضافة نكهة اجتماعية أو خيرية أو تطوعية في بقية إعلانات السنة، وأن يحتوي الإعلان على قصة أو دعوة خيرة يستفيد منها من يشاهدها.
أخيراً، أفكر بدعواتي للشركات بالاهتمام بفكرة دعاياتها وإعلاناتها طوال السنة كما تحرص على دعاياتها في رمضان، ثم أتذكر أحوالنا عندما نصر على تهذيب أنفسنا نهار رمضان، فلا نتأفف ونعمل بإخلاص وابتسامة طلباً للأجر، ونقضي الليل ما بين صلة رحم وصلاة ودعاء وقراءة قرآن، ونترك ذلك أو نهمله بقية شهور السنة.
دعاياتنا تشبهنا تماماً، مع دخول رمضان، وحال خروجه.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...