الخميس، 9 يوليو 2015

كي تكون داعش أقلية


شهدنا خلال الأسابيع الماضية أفعال «داعش» الفظيعة على أرض الواقع، في تفجير مسجد الإمام الصادق في الكويت، وفي تفجيرات تونس وفرنسا ومصر وغيرها من الدول، وشاهدنا أيضاً أفعالهم أو سيناريو مقارباً لها على التلفاز في مسلسل سيلفي في أكثر من حلقة، فكان فيها القتل والفساد في الأرض والتشدد والغلو في شؤون الدين والدنيا والخلق!
هذه الأفعال التي نشاهدها كل بضعة أيام إن لم يكن يومياً، من قبل «داعش» في كل مكان، تهاجمها الدولة والفرد في المجتمعات العالمية والعربية والخليجية وتستنكرها، إلا أن «داعش» رغم ذلك باقية ومستمرة، بل ويتزايد أعداد المنضمين إليها كل يوم. أسباب وجود «داعش» عديدة، منها أن هناك جهات أجنبية وعربية تحرص على بقاء هذه الجماعة في الصورة العالمية للشرق الأوسط، وأسباب أخرى تحدثتُ أنا وزملائي عنها في مقالات سابقة، أما أسباب التزايد في أعداد المنضمين لهذه الجماعة رغم كل ما يُقال ويُصور عنها، فهي أسباب تدخل في سبب وجود «داعش» نفسها، أي إنهم إما جُندوا من قبل الجهات التي خلقت «داعش» كي يستمر وجودها وبقاؤها على قيد الحياة لوقت طويل، أو جُندوا بتأثير مباشر أو غير مباشر من قبل متطرفين، أو كانوا قد التحقوا بـ «داعش» لمآرب أخرى تخفيها قلوبهم المريضة وأياديهم المجرمة من رغبة في البطش والتسلط وممارسة الأمراض النفسية على الغير تحت حجاب شرعي. أياً كانت تلك الأسباب، فمن يجمع الجزية في العراق وسوريا ليسوا أنفسهم من يتولون تفجير المساجد في الكويت والسعودية وغيرها، الأخيرون -كما نراهم- شباب صغار في السن من البلد نفسه، البعض فيه يعرفهم ويعرف عوائلهم، وتراهم «داعش» و»الخليفة» ومن وراءه مُجندين قابلين للتغيير في الحال. هؤلاء الشباب قد يكون أحدهم يوماً من الأيام أخاً أو صديقاً أو زوجاً أو جاراً لي أو لك عزيزي القارئ، فما العمل إذاً؟ ما الذي يمكننا فعله، لمنع من نحبهم وهدايتهم إلى الطريق السواء؟
لن أتكلم عن الحلول الوقتية مثل سحب الأب لجواز سفر ابنه لو شعر بأنه قد يسافر مع شخص لا يثق به، سأتكلم عن حل رئيس نحتاجه في هذه المعضلة وأمور أخرى كثيرة في حياتنا، ألا وهو إعمال العقل وإنطاق الوعي الناقد. هذا هو العلاج الوقائي لغسيل المخ. ولا يجيء إلى بال أحد منكم ما تصوره الأفلام السينمائية من أجهزة وصور وتعليمات يحدث بعدها غسيل المخ، فهذا هو في شكله الباهظ طويل المدى والقسري، ما أقصده هو الغسيل والنشر والتجفيف عبر التلقين والتخويف والوعيد بالنار للمتخاذلين والوعد بالجنة للمقدمين، وإلا فما تفسير قيام أحدهم بتفجير نفسه في مسجد مليء بالمصلين في جمعة أحد أيام رمضان كي يدخل الجنة؟
عبر إعمال الإنسان البالغ لعقله ونقد وتحليل ما يتلقاه من معلومات، سيَسلم ويُسلم حقاً لنفسه ولغيره. وللأطفال حق علينا أيضاً، في إعمال عقولهم الناقدة وحثهم على التفكير بأنفسهم وفي أنفسهم بدل إعطاء شخص آخر هذه الوكالة عنهم، فيلقنهم ما يشاء، أياً كان.
الدول العربية قد تساعد كثيراً في الحد من «داعش» وظاهرة انتشارها وانضمام الشباب لها، ليس عبر الضربات الجوية فقط، بل في الحلول السياسية السريعة في سوريا والعراق وليبيا، وعبر إضافة مواد للتفكير الناقد في المناهج التعليمية لطلاب المراحل الابتدائية والمتوسطة على الأقل، أو إدماجها في مواد علمية أخرى بحيث يصبح الطالب مفكراً، لا متلقياً، يكبر على التلقي والقبول بما يقوله مدرسه دون أن تكون له فرصة مناقشته، فيأخذ الأوامر والمعلومات من مدرسه اليوم، وفي الغد يأخذها من شخص ثانٍ ظن بأنه مدرس، ولكن من نوع آخر…
حتى تكون «داعش» أقلية قابلة للانقراض، يجب علينا أن نخلق أجيالاً تشك ولو لمرة واحدة في حياتها، فتتساءل: هل هذا هو الصواب أم الخطأ؟ وتستخدم شكها كي تصل إلى اليقين عبر البراهين العقلية المثبتة كما قال الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت. بهذا سننجو.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...