الخميس، 19 أبريل 2012

العرب وأكاديمية التغيير

كمتابعة لأزمة البحرين، وخاصة بعد الأحداث الأخيرة في الأسبوع الماضي من تفجيرات وتزايد في المواجهات القائمة بين الأمن وبعض المشاغبين، تحمست كثيراً بعدما عرفت بإطلاق العربية فيلماً وثائقياً عن البحرين، ومُعداً من قبل كبير مراسلي العربية هناك، متأملة بأنه سيذكر وجهات نظر أخرى غير تلك التي تفردت بها الجزيرة الإنجليزية في أغسطس من العام الماضي باسم «صراخ في الظلام».
محمد العرب الذي يصف نفسه -عبر حسابه في «تويتر»- بأنه مسلم عربي شمري زوبعي، خرج لنا ممثلاً العربية والعرب في وثائقي سُمي بـ «البحث عن المؤامرة». ركز الفيلم عن المؤامرات، وكونها سبباً في قيام الثورات، وربطها بأكاديمية تُسمى أكاديمية التغيير والتي تُوجد في فيينا، ولها مقر في الدوحة -بحسب الفيلم-، وقيل في الوثائقي أيضاً إن هذه الأكاديمية تُجند النشطاء خاصة، والشباب العربي عامة، كي يصطفوا في صفوف الثورات ويبلوروا مبدأ الفوضى السياسية. كما لمح الفيلم أن الثورات قامت بسبب تدخلات خارجية تدعم و»تمول» الأكاديمية.
كان فيلم العربية مخيباً للتطلعات، كما فعل فيلم الجزيرة من قبل، ففيه ثغرات لا تُسد، وأخطاء لا يمكن إغفالها. لا يمكن ربط ما يحدث في البحرين والعالم العربي بنظام المؤامرة، وأكاديمية، يُشير الفيلم إلى أنها هي من تحبك المؤامرة وتنفث الروح فيها. الثورات العربية قامت لأن شعوبها لم تعد قادرة على تحمل الظلم والجور والقمع والفقر، وأسباب كثيرة ليس من ضمنها -في بداية الثورات العربية- المؤامرة، فالبوعزيزي بائع الخضار التونسي الذي أحرق نفسه والدول العربية معه، لم يتخرج من دورة تدريبية في أكاديمية التغيير، وأكاد أجزم أن العشرين مليون مصري الذين تجمعوا في ميدان التحرير لقرع مبارك ونظامه. لا يعرفون حتى بوجود أكاديمية بهذا الاسم، وأنها في النمسا، أيضاً!
التدخل الخارجي في الثورات موجود، فكل دولة من دولنا العربية مخترقة، ولا يوجد نظام آمن كل الأمن من التدخلات والمخابرات الخارجية، ولكن هذه التدخلات لم تبعث الثورات العربية، ولم تصدرها الواحدة تلو الأخرى في عالمنا الإسلامي، فأميركا وإيران وإسرائيل وأي دولة أخرى تريدون إضافتها لهم، لم تعرف أن أحوال معظم الدول العربية ستتغير بعد اليوم السابع عشر من ديسمبر 2010، فكيف إذاً حاكت المؤامرة الثورات وسيرتها؟ وكيف أسهمت أكاديمية التغيير في ذلك، وهي التي بدت في الفيلم كمؤسسة تعليمية عادية تحاول إيصال أفكار عادية لا تبدو متطرفة. ولو كانت كذلك ما كان ليخرج القائمون عليها إلى الشاشة الكبيرة «ليفضحوا» أنفسهم والمؤامرات التي يحيكونها في بلداننا!
الفيلم الوثائقي قام على أسس غير موضوعية، ويرجع ذلك إلى أن التركيز كان على البحرين والمؤامرة، وهذان المحوران لا ننكر صلة قرابتهما لكن فشل الوثائقي في ربطهما ببعض بعرى وثيقة، حتى إن أغلب ما ظهر فيه لم يُسند بأدلة قاطعة، فكل ما عرفناه أن هناك أكاديمية تعطي دورات تدريبية في فكر يغذي مسلكي الحقوق والحريات، وأما غير ذلك، كان اجتهادات وآراء شخصية من صانعي الفيلم والظاهرين فيه. كما حاول الربط بين الإخوان المسلمين وإيران في ما يجري في البحرين، وهذا أيضاً غير الأشياء التي تخالف المنطق فلا تترابط. كقول الكاتب البن خليل بأنه دفع أموالاً صُبت في حسابات قطرية كي ينتسب إلى الأكاديمية، ثم قول محمد العرب في موضع آخر إن الأكاديمية تعطي الدورات بشكل مجاني للطلاب! هذا غير الإسقاطات والتلميحات التي خُصت بها دولة دون غيرها!
كتبت في ٣ فبراير ٢٠١١: «لماذا نحاول -كعرب- أن نبحث في كل أمر عن المؤامرة؟ هل هو حبنا الكبير للدراما؟ أم هل هو عشقنا لتعقيد الأمور وجعلها تبدو على غير ما هي عليه؟ لا يهم، فرؤوس العرب تستلذ بإيجاد هذه الأسباب الكثيرة والمؤامرات المريرة!»، ولم أعرف وقتها أن فكرة نظام المؤامرة ستستمر، حتى بعد مرور أكثر من عام على الربيع العربي وكتابتي لذلك، وعلى العموم الوعد في القادم، فلننتظر الجزء الثاني الذي يُقال إنه سيتبع هذا، ولنر، فلربما ستتضح الفكرة أكثر!



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الأحد، 15 أبريل 2012

الفن الغائب الحاضر

تُعتبر المسرحية فناً حديث النشأة في الخليج بالنسبة لغيرنا من دول العالم، وتُعتبر أيضاً فناً غائباً وغريباً لا يحضر إلا مرة في السنة، وإن حضر لم يلق الجمهور العريض الذي يطالب بالمزيد. كما أن المسرح النشط الذي وُجد لدينا في فترة من الفترات في الشقيقة القائدة الكويت، في عروض عبدالحسين عبدالرضا وعبدالرحمن العقل وغيرهم من الكبار الذين أتحفونا بروائع ذات ألوان فاقعة لا تزال ذكراها عالقة في الذاكرة، غاب. وهنا أخصص بالذكر المسرحيات الاجتماعية والكوميدية، لأن غيرها من الأنواع يكاد ينعدم ويغيب في الخليج مع جمهوره الضعيف، أما المسرحان الكوميدي والاجتماعي فلا يزالان حتى الآن يستقطبان المتابعين من كل الأعمار، ومن كل مكان في الخليج، حتى إن بعضهم يتنقل، فقط، من أجل أن يحضر عرضاً ما لممثل ما. والرائد في هذه الأنواع من المسرحيات، كان وما زال المسرح الكويتي، ولذلك من المؤلم أن نراه في الآونة الأخيرة ينقسم إلى مسرحين، مسرح السلام بقيادة عبدالعزيز المسلم، ومجموعة فروغي برئاسة طارق العلي، وحتى عندما نُقسم الصورة في الكويت بهذا الشكل نظلمها قليلاً، لأن أكثر مسرحيات الفنان عبدالعزيز المسلم على مدى العقد الماضي كانت تتشح برداء الرعب الأبيض والطابع الأدريناليني باستثناء مسرحيات قليلة منها الأخيرة (الزوج يريد تغيير المدام) والتي وصل عرضها إلى قطر قبل شهرين.
لا ننكر وجود المسرح الخليجي، ولكن التركيز يُصب دائماً على الكويتي، لأنه هو المعين الذي لا ينضب، فهو يستمر حينما ينقطع غيره في الخليج لفترات متباعدة، ولهذا فإن الكثير يعتبرون أن المسرح الكويتي هو المسرح الخليجي، والخليجي هو الكويتي، وأي خشبة أخرى تُبعث من دولنا لا بد أن يكون قد انعكس عليها بعض من نور المسرح الكويتي ونبضه، الذي ضعف في الآونة الأخيرة مع تصويره في مسرحين فقط، هما مسرحا الفنانين المسلم والعلي، مع ظهور غيرهم في عروض ضعيفة الإمكانيات بين الفينة والأخرى، تحاول منافسة العمالقة في قعر دارهم.
لا يمكن أبداً أن يُستعاض الفن المسرحي بالمسلسلات والأفلام، فهو فن نقل الصورة والمشاعر والروائح الحية التي تنقل الجالس على الكرسي الأحمر إلى عالم ثان، يشعر فيه بأنه يستطيع ملامسة الممثل الواقع في زمن آخر، وفي قصة أخرى يراها تتجسد أمامه. وبذلك، فلا بد أن ينتهي احتكار البعض للمسرح الخليجي، وأن تُعطى الفرصة للمبدعين من الشباب لإعطاء نظراتهم المختلفة على تلك الخشبة الطويلة، كي تتطور وترتفع بعدما وصلت إلى القاع بسبب التدهور الذي وقعت فيه بعدما تحول مفهوم الكوميديا عند بعض الممثلين إلى كونه مجرد تهريج وقلة ذوق!
لا بد أن يُرفع الظلم عن المسرح الخليجي، وأن يتنوع في شقيه الكوميدي والاجتماعي، فبتطور السينما والتلفزيون، لا ضرر في أن يتطور المسرح معهما ليعكسوا كلهم المد الثقافي الذي اجتاح المنطقة في السنوات السابقة، وخاصة بعد الربيع العربي وإلهامه.



جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 5 أبريل 2012

100 صورة بيضاء

يوم الأحد الماضي، حضرت معرض صور فوتوغرافية في «كتارا» لأكثر من ٩٠ طالبة من مدارس ثانوية وإعدادية مختلفة ومترامية في الدوحة. كل الصور التي احتواها المعرض كانت قد صُورت في «كتارا»، بل إن بعض الطالبات قد تشاركن في تصوير نفس المنظر، ومع ذلك عمل كل واحدة منهن كان مختلفاً ومتميزاً عن الأخرى، ولم يشعر أي من الحاضرين بالملل رغم توحد موضوع المعرض، وتكرر بعض الصور من زوايا متغيرة ونظرات مختلفة، وحدث العكس تماماً من تفاعل وانجذاب الحضور لكل صورة التقطها الطالبات. رائحة الجمال سرت بالجو كسريان رائحة احتراق الصور في عهد الكاميرات القديمة، وقد كان معنا من ضمن الحضور سفير من فترة قريبة من ذاك العهد، ألا وهو المصور الرائع محمد المناعي الذي رافق كل صورة في رحلة خاصة بها، وناقش الطالبات بانبهار بما فعلته أياديهن الصغيرة. وشُده أيضاً حضور المعرض من إعلاميين وصحافيين، بما شاهدوه من مواهب وجمال خلقته قلوب يانعة، أما أكثر ما صدمني هو معرفتي بأن المعرض اعتمد كله على الجهد الشخصي للسيدة أمل عيسى التي عملت ورشات تصوير للطالبات قبل أن تأخذهن في رحلة إلى «كتارا»، وتوصل فكرة عرض صور الطالبات لـ «كتارا»، ليقبلوها بعدئذ. 
معرفتي لهذا الأمر وضحت من ترتيب القاعة والحضور الضعيف نسبياً بالنسبة لعدد الطالبات المشاركات، ونوعية الفن المشارك به، وكان عزائي ومأتمي أن كل ذلك عبارة عن عمل فردي لم تُسهم في دعمه أطراف أخرى كالدولة وبعض الشركات الوطنية التي تقدر على تنمية مواهب الطالبات، ومن ثم الاستفادة منها عبر توظيفها، فالمواهب إن تركت بلا تنمية تذوي وتموت، وبذلك تصبح خسارة قطر خسارتين، إما بعدم الانتفاع من مواهب الفتيات أو بتركها بلا تطوير فتموت، ويموت بسببها جزء صغير من روح الوطن.
شارك في المعرض أكثر من ٩٠ فتاة يتأرجحن بين مرحلتي الإعدادية والثانوية، جميعهن أنتجن فناً لا أرى كيف لمثل من في عمرهن أن يُولدنه، وبذلك أتمنى أن تبرز أسماؤهن في المستقبل كبروز شمس في سماء التصوير الضوئي، فنحن نحتاج إلى «تمهين» فن التصوير ولا عيب في ذلك، فلا ينقص هذا الفن عن أي مهنة أو فن آخر. 
وبعد ذاك المعرض أجزم بأننا لا نشكو من شح المصورين القطريين، سواء أكانوا رجالاً أم نساء، ولكن لدينا حالة بعد عن الإعلام والبقاء في الظل لانعدام الدعم المادي والمعنوي. ومن هنا يجب أن يبدأ التشجيع والدفع إلى الأمام.




جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...