الخميس، 14 أغسطس 2014

وراء ضحك روبن وليامز

توفي الاثنين الماضي الممثل الأميركي الكبير روبن وليامز، الرجل الذي أضحك جمهوره من نساء ورجال وأطفال، وأبكاهم في أدوار رُسخت في الأذهان، في أفلام مثل Mrs. Doubtfire وJumanji وDead Poets Society، وأخيراً الفيلم الذي فاز عن دوره فيه بجائزة أوسكار Good Will Hunting.

نُقل عن السلطات المختصة في ولاية كاليفورنيا أن سبب وفاة وليامز يرجع إلى انتحاره، وهو ما ليس مُستغرباً بين النجوم والمشاهير، ولكن عُد صدمة كبيرة في حالة وليامز، لأن الناس كانت تشاهده دائماً في أفلام الكوميديا والأطفال التي لا تحمل سوى الضحك والمتعة، في الوقت نفسه الذي عانى فيه الاكتئاب ومشاكل أخرى مع الكحول والمخدرات لفترات طويلة. 

ومع ذلك تفاجأ الكثير بالخبر، ربما لأن الأغلب يعتمد على الوضع الظاهر، وبالنسبة لوليامز، استمراره في التمثيل رغم مشاكله الكثيرة كان غطاء لاكتئابه، أو على الأقل جزءاً منه، مثله مثل الطالب المتنمر ضده في المدرسة، والذي قد يشتكي هذه المشكلة لأصحابه أو عائلته أو مرشده الأكاديمي، ولكن يتم التغاضي عن المشكلة أو تأجيلها أو تقزيمها بحجة أنها ليست بكبيرة أو بمهمة، لأن الطالب لا يزال مستمراً في الذهاب إلى المدرسة.

ما إن أعلن عن خبر وفاة وليامز حتى توالت التعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي. لم أتوقع أن تكون بعض ردود الفعل الأولى تأكيداً على أن المال والشهرة لا يجلبان السعادة، في إشارة إلى انتحار وليامز، خاصة أن نفس هؤلاء يدعون إعجاباً بالممثل، بل توقعت الترحم عليه برحمة الله التي تسع جميع الناس والأشياء. ولكن هل كان وليامز فعلاً تعيساً؟ 
الأكيد بأن ذلك لن يستطيع تأكيده سوى الأقربين المقربين له. هل كان وليامز سعيداً؟ كتبت في مقالات سابقة عن السعادة، وأنها بالنسبة لناس تكون هدفاً للحياة، وفي دول ترى على أنها حق من الحقوق مثلها مثل الحق في التعبير والحق في الحياة الكريمة، فهل السعادة هدف؟ وإن كانت كذلك لماذا تتنوع إجابات الأطفال بين طبيب ومهندس وغيره إن سئلوا ماذا تريدون أن تصبحوا عند الكبر ولا يقولون نريد أن نكون سعداء؟ هل السعادة حق؟ عندها هل سيكون الناس فعلاً سعداء لو تم إهداؤها لهم مثل بقية الحقوق؟

قلما يعرف الناس السعادة، وما أكثر ما يضعون معايير لها، من مال وشهرة ومنصب وطول عمر وعائلة كبيرة وغيره، ولكن هل تكفي السعادة؟ وإن لم تكن كافية هل تُعتبر سعادة حقيقية؟ في رأيي لا تكون السعادة -بالمعيار الذي يحسبها به الشخص- كافية في بعض الحالات، لأن هناك مشاكل وأموراً أهم يجب مراعاتها والأخذ بها أولاً حتى يتم الوصول إلى السعادة الحقيقية أو على الأقل عدم السقوط في الهاوية. 

هل الرجل الغني ذو المنصب والشهرة والعائلة المحبة، والمريض بمرض ينخر جسده ألماً ليل نهار، رجل سعيد؟ ومتى سيشعر بسعادته؟ وهل سيشعر بالسعادة طوال الوقت أو معظمه؟ وماذا عن الوقت المتبقي؟

في كثير من الأحيان لا تكون السعادة كافية للإنسان للتطلع إلى الحياة أو الاستمرار فيها عندما يُوجد في نفس الوقت مساحة كبيرة من الألم، سواء أكان جسدياً أو نفسياً أو واقعياً، وبالتالي يجب البحث عن أسباب المشاكل التي تواجه الشخص ومحاولة حلها قبل الركض وراء أسباب قد يظن بأنها أسباب السعادة الحقيقية من مال وشهرة وغيره، لأن إهمال هذه المشاكل قد يؤدي إلى مشاكل أكبر من الفشل أو الخوف منه. وفي النهاية لا يسعني إلا أن أودع وليامز بنفس التحية التي ودع بها الطلاب أستاذهم جون كيتنج في فيلم Dead Poets Society، وبقول:»Oh Captain, my captain».

جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

جولة حول العالم: كلنا واحد

تشتهر اليابان بشايها الأخضر ذي النكهة الفريدة، والتي جعلت منه أنشودة وطنية متواجدة في كل بيت ويد، وبأشكال مختلفة، مرة على شكل آيس كريم، ومرة مدسوس في السوشي أو مقدم كصلصة على قطعة دجاج. ينافس الشاي الياباني، الشاي المغربي حاد الطعم والمقدم في مدن المغرب الجميلة ذات البيوت البيضاء. ومنها إلى الصن، إحدى أعظم دول العالم بتاريخها وتماسكها ككتلة واحدة طوال قرون سابقة، وصناعاتها السريعة والرخيصة والمنتشرة في كل مكان، إلى أميركا الجنوبية برقصاتها الخفيفة من سامبا البرازيل إلى رقصة التانغو الأرجنتينية. لكل مكان سمة خاصة وعامة بارزة.

وفي أوروبا من الوافل البلجيكي والساعات السويسرية والعطور الفرنسية، إلى الخيول العربية والكوفية والأهرامات في الشرق الأوسط، ليس لأي مما سبق ذكره اعتبار إلا في أماكن وجودها أو بعد الإتيان بها من مصدرها، ففي الهند مثلاً وبوليفيا والصين أهرامات أقدم من أهرامات مصر الثلاث خوفو وخفرع ومنقرع، إلا أنها تعتبر الأشهر في العالم، وتتميز بها مصر عن غيرها.

لكل مدينة ولكل دولة ولكل شعب ميزة وصفات يختلف بها عن غيره، سواء أكان ذلك طبيعة الأرض نفسها أو بما تحتويه من كنوز أو مزارات دينية أو آثار تاريخية، أو حتى بلون الشعب نفسه أو شكله أو ما يتميز به من صناعة أو مجال أجاده. كل شعب ودولة تختلف عن الأخرى وكل واحدة منها تختلف مائة مرة في داخلها وعن نفسها، ومع ذلك سواء أكان من نتحدث عنه هنديًا أو قطريًا أو أميركيًا أو بريطانيًا أو كينيًا تبقى الاحتياجات واحدة، والرغبات واحدة، والأحلام كثيرة. جميعهم يرغبون في العيش بكرامة واحترام وفي أمن، والاستمرار تحت مظلة الأمل، والأكل من عمل يدهم، وأن يحبوا ويكونوا محبوبين وأهم وأعظم شيء، ألا يتم نسيانهم!

نتذكر دائمًا فوارق الآخر وبما نختلف فيه عنه، وننسى ما يجمعنا وهو أكبر وأعظم، أيًا كانت اللغة والعرق والديانة والطائفة، فكلنا في النهاية تسعى بنا فطرتنا، بلا علم منا، نحو التجانس، فكيف لو علمنا حقًا بأن ذلك فعلاً هو ما نبتغيه وما نسعى وراءه بعلمنا وبدونه في أحيان كثيرة؟

جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

متصهينو اليوم

في السابق كان غالبية العرب يطلقون لفظ الصهيونية على دعاة التطبيع مع إسرائيل وإحلال «السلام» وإقامة الدولتين في الشرق الأوسط، ولو أخذنا بهذا المعيار اليوم لتصنيف الأفراد كمتصهينين من عدمه لكان الكثير من قــادة الــدول العربية وثلة من الكتاب والمثقفين والمؤثرين العرب يندرجون تحت هذه الخانة!

تطفو إشكالية تحديد فئة «المتصهينين» نسبة إلــى الكيان الصهيوني المحتل والملقب على المستوى الدولي بـ «إسرائيل»، كلما ضُربت فلسطين إما في غزة أو الضفة الغربية من قبل إسرائيل. 

وتعقدت هذه المعضلة أكثر بعد نشوء سلطتين فلسطينيتين منفصلتين، إحداهما في الضفة الغربية والأخرى في غزة، إحداهما يسرح فيها الإسرائيلي كيفما يشاء ليأسر من يريد متى رغب، والأخرى يتم إرسال الصواريخ عليها من حين لآخر لتذكيرها فقط بأنها محاصرة من جميع الجهات.

في الحرب الآنية على فلسطين، وغــزة تحديداً، ظهرت جميع أنواع الفئات التي يمكن إدراجها تحت فئة المتصهينين، والتي يصر بعض أعضاء «تويتر» على إخضاع أسمائهم لقوائم تسمى بالقوائم السوداء، وما أشد سوادها عندما نعي بأن الخزي يلتحف بالسواد! مشكلة هذه القوائم الوحيدة أن بعض من يضعها لا ينظر إلى داخله قبل أن ينظر إلى ظاهر غيره!

شملت هذه القوائم دعــاة التطبيع وحل الدولتين الذين قدموا اقتراحاتهم ومطالباتهم المتجددة فوق مجازر الشجاعية وجثث أطفال شاطئ غــزة. شملت أيضاً من لام حماس لأنها افتعلت الحرب على إسرائيل باختطافها الشبان الإسرائيليين الثلاثة رغم أنها لم تتحمل حتى الآن مسؤولية هذا العمل! تلوم هذه الفئة «حـمـاس» وتحثها على التوقف عن الــرد على صـواريـخ إسرائيل، لأنها ليست نـداً لها، ولعدم وجــود تناسب بين عـدد ضحايا غزة المتضخم وعدد الضحايا الشحيح «للألعاب الصبيانية» -كما وصفها بعضهم- التي ترمي بها حماس على جنوب تل أبيب، ومن المناسب تسمية هــذه الفئة بالمتصهينين الإنسانيين، كما فعل الكاتب السعودي سلطان العامر في مقاله «التصهين الإنساني»، لأنهم بدعواتهم يظهرون بدوافع إنسانية قد تكون صادقة أو لا تكون.

أخيراً، تشمل القائمة فئة لا يختلف على تصهينها إلا قلة قليلة شــاذة، هم من يدعون إلى محاصرة غزة والفتك بأهلها وقتلهم لتواجد حماس بينهم، لمجرد اختلافهم معها سياسياً. من بينهم أفراد تم إقناعهم بأن حماس المحاصرة من كل جهة في غزة تشكل خطراً على أمنهم القومي، ومن بينهم كتاب وإعلاميون أشادت بهم إسرائيل في صحفها اليومية، وعلى صفحات مواقعها الرسمية.

توسعت القائمة السوداء كثيراً على مر السنين، لم تتناقص الأسماء بل تزايدت، ولم يعد بالإمكان إسعاف الخطأ، لأن ما يحدث في فلسطين من قتل وتدمير ونزوح وأسر هو في ذمة كل من يرضى ورضي به ولو لفترة قصيرة ثم عدل عن رأيه!

المشكلة ليست في هذه القائمة ولا في تحديد مفهوم التصهين، وبالتالي المتصهينون بشكل واضح ودقيق، بل في الاعتقاد الصادق -أو غيره- من قبل الفئات السابقة الذكر بأن إسرائيل سترضى بحل الدولتين على الدوام، أو أن على حماس اللوم لأنها استفزت إسرائيل في هذه الحرب أو غيرها، وكأن إسرائيل لم تبدأ الحرب من عام 1948، أو اعتقادهم بأن إسرائيل تهدف بضرب غزة إلى إنهاء وجود حماس لا إنهاء وجــود غــزة وفلسطين. المشكلة في هــؤلاء وفــي فهمهم الخاطئ أو تناسيهم للتاريخ، المشكلة في توجهاتهم السياسية التي تعمي أعينهم عن القتل والدمار والأسر، وأخيراً أعظم مشكلة هي إعلامنا العربي الذين ينمي هذه الاعتقادات والتوجهات ببرامج «نفسي نفسي» التي باعدت بين الشعوب العربية شموساً ونجوماً لن يتم إطفاؤها حتى يرجع العرب إلى قضيتهم الأُولــى والأَولــى، فلسطين. 

جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...