في السابق كان غالبية العرب يطلقون لفظ الصهيونية على دعاة التطبيع مع إسرائيل وإحلال «السلام» وإقامة الدولتين في الشرق الأوسط، ولو أخذنا بهذا المعيار اليوم لتصنيف الأفراد كمتصهينين من عدمه لكان الكثير من قــادة الــدول العربية وثلة من الكتاب والمثقفين والمؤثرين العرب يندرجون تحت هذه الخانة!
تطفو إشكالية تحديد فئة «المتصهينين» نسبة إلــى الكيان الصهيوني المحتل والملقب على المستوى الدولي بـ «إسرائيل»، كلما ضُربت فلسطين إما في غزة أو الضفة الغربية من قبل إسرائيل.
وتعقدت هذه المعضلة أكثر بعد نشوء سلطتين فلسطينيتين منفصلتين، إحداهما في الضفة الغربية والأخرى في غزة، إحداهما يسرح فيها الإسرائيلي كيفما يشاء ليأسر من يريد متى رغب، والأخرى يتم إرسال الصواريخ عليها من حين لآخر لتذكيرها فقط بأنها محاصرة من جميع الجهات.
في الحرب الآنية على فلسطين، وغــزة تحديداً، ظهرت جميع أنواع الفئات التي يمكن إدراجها تحت فئة المتصهينين، والتي يصر بعض أعضاء «تويتر» على إخضاع أسمائهم لقوائم تسمى بالقوائم السوداء، وما أشد سوادها عندما نعي بأن الخزي يلتحف بالسواد! مشكلة هذه القوائم الوحيدة أن بعض من يضعها لا ينظر إلى داخله قبل أن ينظر إلى ظاهر غيره!
شملت هذه القوائم دعــاة التطبيع وحل الدولتين الذين قدموا اقتراحاتهم ومطالباتهم المتجددة فوق مجازر الشجاعية وجثث أطفال شاطئ غــزة. شملت أيضاً من لام حماس لأنها افتعلت الحرب على إسرائيل باختطافها الشبان الإسرائيليين الثلاثة رغم أنها لم تتحمل حتى الآن مسؤولية هذا العمل! تلوم هذه الفئة «حـمـاس» وتحثها على التوقف عن الــرد على صـواريـخ إسرائيل، لأنها ليست نـداً لها، ولعدم وجــود تناسب بين عـدد ضحايا غزة المتضخم وعدد الضحايا الشحيح «للألعاب الصبيانية» -كما وصفها بعضهم- التي ترمي بها حماس على جنوب تل أبيب، ومن المناسب تسمية هــذه الفئة بالمتصهينين الإنسانيين، كما فعل الكاتب السعودي سلطان العامر في مقاله «التصهين الإنساني»، لأنهم بدعواتهم يظهرون بدوافع إنسانية قد تكون صادقة أو لا تكون.
أخيراً، تشمل القائمة فئة لا يختلف على تصهينها إلا قلة قليلة شــاذة، هم من يدعون إلى محاصرة غزة والفتك بأهلها وقتلهم لتواجد حماس بينهم، لمجرد اختلافهم معها سياسياً. من بينهم أفراد تم إقناعهم بأن حماس المحاصرة من كل جهة في غزة تشكل خطراً على أمنهم القومي، ومن بينهم كتاب وإعلاميون أشادت بهم إسرائيل في صحفها اليومية، وعلى صفحات مواقعها الرسمية.
توسعت القائمة السوداء كثيراً على مر السنين، لم تتناقص الأسماء بل تزايدت، ولم يعد بالإمكان إسعاف الخطأ، لأن ما يحدث في فلسطين من قتل وتدمير ونزوح وأسر هو في ذمة كل من يرضى ورضي به ولو لفترة قصيرة ثم عدل عن رأيه!
المشكلة ليست في هذه القائمة ولا في تحديد مفهوم التصهين، وبالتالي المتصهينون بشكل واضح ودقيق، بل في الاعتقاد الصادق -أو غيره- من قبل الفئات السابقة الذكر بأن إسرائيل سترضى بحل الدولتين على الدوام، أو أن على حماس اللوم لأنها استفزت إسرائيل في هذه الحرب أو غيرها، وكأن إسرائيل لم تبدأ الحرب من عام 1948، أو اعتقادهم بأن إسرائيل تهدف بضرب غزة إلى إنهاء وجود حماس لا إنهاء وجــود غــزة وفلسطين. المشكلة في هــؤلاء وفــي فهمهم الخاطئ أو تناسيهم للتاريخ، المشكلة في توجهاتهم السياسية التي تعمي أعينهم عن القتل والدمار والأسر، وأخيراً أعظم مشكلة هي إعلامنا العربي الذين ينمي هذه الاعتقادات والتوجهات ببرامج «نفسي نفسي» التي باعدت بين الشعوب العربية شموساً ونجوماً لن يتم إطفاؤها حتى يرجع العرب إلى قضيتهم الأُولــى والأَولــى، فلسطين.
جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
تطفو إشكالية تحديد فئة «المتصهينين» نسبة إلــى الكيان الصهيوني المحتل والملقب على المستوى الدولي بـ «إسرائيل»، كلما ضُربت فلسطين إما في غزة أو الضفة الغربية من قبل إسرائيل.
وتعقدت هذه المعضلة أكثر بعد نشوء سلطتين فلسطينيتين منفصلتين، إحداهما في الضفة الغربية والأخرى في غزة، إحداهما يسرح فيها الإسرائيلي كيفما يشاء ليأسر من يريد متى رغب، والأخرى يتم إرسال الصواريخ عليها من حين لآخر لتذكيرها فقط بأنها محاصرة من جميع الجهات.
في الحرب الآنية على فلسطين، وغــزة تحديداً، ظهرت جميع أنواع الفئات التي يمكن إدراجها تحت فئة المتصهينين، والتي يصر بعض أعضاء «تويتر» على إخضاع أسمائهم لقوائم تسمى بالقوائم السوداء، وما أشد سوادها عندما نعي بأن الخزي يلتحف بالسواد! مشكلة هذه القوائم الوحيدة أن بعض من يضعها لا ينظر إلى داخله قبل أن ينظر إلى ظاهر غيره!
شملت هذه القوائم دعــاة التطبيع وحل الدولتين الذين قدموا اقتراحاتهم ومطالباتهم المتجددة فوق مجازر الشجاعية وجثث أطفال شاطئ غــزة. شملت أيضاً من لام حماس لأنها افتعلت الحرب على إسرائيل باختطافها الشبان الإسرائيليين الثلاثة رغم أنها لم تتحمل حتى الآن مسؤولية هذا العمل! تلوم هذه الفئة «حـمـاس» وتحثها على التوقف عن الــرد على صـواريـخ إسرائيل، لأنها ليست نـداً لها، ولعدم وجــود تناسب بين عـدد ضحايا غزة المتضخم وعدد الضحايا الشحيح «للألعاب الصبيانية» -كما وصفها بعضهم- التي ترمي بها حماس على جنوب تل أبيب، ومن المناسب تسمية هــذه الفئة بالمتصهينين الإنسانيين، كما فعل الكاتب السعودي سلطان العامر في مقاله «التصهين الإنساني»، لأنهم بدعواتهم يظهرون بدوافع إنسانية قد تكون صادقة أو لا تكون.
أخيراً، تشمل القائمة فئة لا يختلف على تصهينها إلا قلة قليلة شــاذة، هم من يدعون إلى محاصرة غزة والفتك بأهلها وقتلهم لتواجد حماس بينهم، لمجرد اختلافهم معها سياسياً. من بينهم أفراد تم إقناعهم بأن حماس المحاصرة من كل جهة في غزة تشكل خطراً على أمنهم القومي، ومن بينهم كتاب وإعلاميون أشادت بهم إسرائيل في صحفها اليومية، وعلى صفحات مواقعها الرسمية.
توسعت القائمة السوداء كثيراً على مر السنين، لم تتناقص الأسماء بل تزايدت، ولم يعد بالإمكان إسعاف الخطأ، لأن ما يحدث في فلسطين من قتل وتدمير ونزوح وأسر هو في ذمة كل من يرضى ورضي به ولو لفترة قصيرة ثم عدل عن رأيه!
المشكلة ليست في هذه القائمة ولا في تحديد مفهوم التصهين، وبالتالي المتصهينون بشكل واضح ودقيق، بل في الاعتقاد الصادق -أو غيره- من قبل الفئات السابقة الذكر بأن إسرائيل سترضى بحل الدولتين على الدوام، أو أن على حماس اللوم لأنها استفزت إسرائيل في هذه الحرب أو غيرها، وكأن إسرائيل لم تبدأ الحرب من عام 1948، أو اعتقادهم بأن إسرائيل تهدف بضرب غزة إلى إنهاء وجود حماس لا إنهاء وجــود غــزة وفلسطين. المشكلة في هــؤلاء وفــي فهمهم الخاطئ أو تناسيهم للتاريخ، المشكلة في توجهاتهم السياسية التي تعمي أعينهم عن القتل والدمار والأسر، وأخيراً أعظم مشكلة هي إعلامنا العربي الذين ينمي هذه الاعتقادات والتوجهات ببرامج «نفسي نفسي» التي باعدت بين الشعوب العربية شموساً ونجوماً لن يتم إطفاؤها حتى يرجع العرب إلى قضيتهم الأُولــى والأَولــى، فلسطين.
جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق