السبت، 25 أبريل 2015

قدمها لغيري!

فكرتي في مقامي هذا ليست مبتكرة ولا جديدة، فقد وُجدت مع الأديان السماوية والعقائد الأرضية، وهي خصلة من منظومة الأخلاق، واسعة التعريف، وجزء من فطرة الإنسان وقواعد العدالة التي يحكمها المنطق والضمير. الإحسان لغة، كما هو في الدين الإسلامي، يعني أن يفعل المرء ما هو حسن، ويُقال أحسن الشيء، أي أجاد صنعه أو فعله. وهو أعلى مراتب الدين الإسلامي، حيث يأتي بعد مرتبتي الإسلام والإيمان. بعض الإحسان يُعبر عنه في كلمة يُقصد بها المسيح عليه السلام: «ما جاء ليُخدَم، بل ليَخدِم» (متى 20: 28)، وفي اليهودية تأكيد على سبب اختيار النبي إبراهيم عليه وعلى آله السلام، في: «ليوصي بنيه وأهل بيته من بعده كي يحفظوا طريق الرب، عاملين البرّ والعدل» (التكوين18: 19)، ليعم الإحسان، لا ليخص.
جزء من الإحسان، هو عمل الخير للغير، سواء بابتسامة، بقول، أو بخدمة. وطبيعة الإنسان المتزن، أن يرغب في رد ما أُعطي له مجاناً أو بلا مقابل أو بلا مقابل يُذكر، إما امتناناً أو خجلاً أو غيره، وفي مرات كثيرة يكون من أسدى له الخدمة ينتظر من المُعطَى له ردها إليه لاحقاً إن هو احتاج إلى شيء ما، أو بتعبير آخر Paying it back بمعنى: أن يردها إليه لاحقاً. هذا هو التعبير الدارج، ولكني سمعتها مؤخراً Pay it forward بالمقلوب، في فيلم يحمل الاسم نفسه. تدور أحداث الفيلم حول طفل يكلفه أستاذه بأن يفكر في شيء لتغيير العالم ويضعه موضع التنفيذ. يخرج الطفل بفكرة عظيمة، وهي أن يسدي خدمات كبيرة لثلاثة أشخاص ويطلب منهم بدل ردها إليه أن يقوم كل واحد منهم بإسداء خدمات لثلاثة أشخاص آخرين مجاناً، ليقوموا هم بالأمر نفسه، وهكذا لتتوالد الخدمات والعمل الخير أكثر فأكثر. فكرة عظيمة يتخلى فيها المرء بلا أنانية عن حقه المشروع في خدمة، ويهبها لغيره ممن لا يعرف، أوليست هذه أعلى مراتب الدين، وأعلى درجات الإحسان؟ وهي فكرة بسيطة لا تتطلب تكلفاً أو مالاً مثلاً، بل فقط خدمة مقدمة من القلب، كالمساعدة على البحث عن عمل أو إعارة سيارة أو غرض لمحتاج، أو المعاونة على حل مشكلة عائلية أو غيره كثير. والفكرة محددة بثلاثة أشخاص قابلين للزيادة لأصحاب القلوب المعطاءة، ولكن يبقى تحديد عدد متلقي الخدمات إلزامياً ومهماً حتى يكون الهدف أوضح، ولا يتلاشى مع الأيام.
جميل هو تجسيد مبدأ: «مجّاناً أخذتم فمجّاناً أعطوا» (متى10: 8). جميل أن يقول المرء: «لا ترجع الخدمة لي، بل قدمها لغيري!».


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


العالم الأكبر

(1)
اختلف العلماء والأدباء في أوساطهم وأوساط أتباعهم ونقادهم في مدى صغر أو كبر أهمية الإنسان، ومقارنة بماذا ولماذا. وقد نُقل عن الإمام علي بن أبي طالب: «وتحسب أنك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر». الإنسان: جرم صغير أم عالم كبير؟

(2)
كبير جداً هذا الإنسان الذي يشطر من الذرة قنبلة يدوي صداها وآثارها لسنوات طويلة، وصغير جداً هذا الإنسان الذي ينهار أمام فيروس يفترسه دون أن يراه ويخضعه دون أسلحة. عظيم من يظن في لحظة بأنه خالد عابر للأزمنة، وتافه من يعرف في لحظات بأن لا شيء سينقذه وسيسعفه من نفسه أو غيره. لأي من الفريقين أنتمي؟ إلى من يرفع في مكانة الإنسان بالنسبة للكون وغيره من المخلوقات، أم لمن يصغر من حجمه وتأثيره وما وصل إليه؟ أنا ممن يعطي الإنسان مكانته الخيالية لنفسه، وحجمه الواقعي واللاواقعي لغيره. للإنسان الحق في أن يعطي نفسه المكانة التي يتمناها والأحلام التي يسعى لها، وإن كانت من عرائس مخيلاته، وأن يظن في ذاته ما يريد، سواء أجعل من نفسه سلطاناً من سلاطين بروناي، أو متسولاً من متسولي نيويورك، أو رجلاً لا يزال يبحث عن هوية أو جنسية، أو حتى وجه جديد! أما حجم الإنسان بالنسبة لغيره، فله صفة الواقعية واللاواقعية، فالناس لا ترى الواقع دائماً، وفي حالات كثيرة تختار ألا تراه أو تصر على أن ترى ما يعجبها أو ما تستنكره أو تسيء الظن فيه، وبهذا تكون اختارت ألا ترى الواقع أو الحال. ومكانة الإنسان الواقعية لي: «هي مركزه، وما وصل إليه بعد عمل أو جهل»، وما يستطيع أن يقوله عن نفسه بكلمات بسيطة سواء طالت أم قصرت جمله.

(3)
الإنسان خُلق لتظن نفسه -الأمارة بالسوء- أنه كبير، ولكن ليس للدرجة التي ينافس فيها إبليس، لهذا تمر الأيام على الناس، ويشعر فيها كل واحد منهم بأن مشاكله هي الأكبر، وهمومه هي الأعظم، وأن بطريقة أو بأخرى الطائرة التي تأجلت فلم يلحق رحلته في وقتها كان فعلها خيرة له، خصوصاً من بين 849 راكباً لم يركبوا الرحلة ذاتها المتوجهة للوجهة نفسها. وتمضي الأيام التي لا يرى فيها هذا الإنسان سوى ما حوله من جمادات ومتحركات في سعيه في هذه الدنيا، وتترسخ فكرته بأنه مركز الكون، وإن تواضع قليلاً قال: إنه مركز كونه على الأقل، «أي ما يدور حوله»، ومعنى هذه العبارة تحديداً بأنه الشمس وما حوله كواكب وأقمار. ينسى هذا الكائن أنه في نفس الوقت الذي يقوم فيه بأعماله هنالك محاسب صيني يشارك 50 محاسباً آخر في دراسة ستدخل في مفاوضات البنك الآسيوي في بكين، وموظف مبعوث من وزارة الخارجية الأميركية يركض في ممر في البنتاغون حاملاً ملفاً عن عاصفة الحزم، وامرأة في نيجيريا ترفض ذهاب ابنتها ذات 19 ربيعاً لبيت أختها لوحدها خوفاً من «بوكو حرام»، فتخرج معها وهي تشد على يدها. ينسى المشغول في نفسه، القرصان الصومالي المنتظر بملل على الشاطئ مرور سفينة يتيمة على راداره يقدر عليها وعلى مؤنتها، والطفل الفلسطيني الجالس خارج خيمته في اليرموك بلا حراك بلا طعام بلا أمان، يعرف مما يسمعه بأنه محاصر من قبل أناس كثيرين، وأن ذلك يبعث على الخوف والرهبة كما يرى من أهله، ولكنه يجهل سبب الحصار وفائدته، وهو من هُجر من بلده.
مليارات المليارات من الأحداث المقدرة تحدث وتتوالد من حول كل إنسان في كل مكان وفي كل لحظة، وفي لحظة من هذه اللحظات يشعر الإنسان بأنه هو سيدها، وأن ما يحدث حوله يتمحور حوله، كما هو حال الشمس والمجموعة الشمسية، ناسياً أو متناسياً مجرة درب اللبانة، وباقي المجرات والفضاء والكون، وأهم شيء، الثقوب السوداء البالعة لأي شيء، حتى النجوم!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 9 أبريل 2015

لماذا أيدت الأغلبية عاصفة الحزم؟

تدفق الدم الذي سرى في الجسد الخليجي، ومن ثم العربي والإسلامي، شاهد العالم سماكة عروقه. السكوت وغض البصر بعد محاولات الصلح والمفاوضات في اليمن، لم تعد كافية بعد تعطش الحوثي للسلطة ورغبته في أن يكون رجل اليمن الأول، ورغبة علي عبدالله صالح في أن يكون رجلها الأخير، ومع ذلك أكدت دول تحالف عاصفة الحزم مراراً وتكراراً ومنها قطر، أنها ستسعى نحو الحلول السلمية في اليمن، لا لثقتهم بالتزام الحوثي ومواليه بها، ولكن حفاظاً على اليمن وأهله، وكما قال وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل: «لسنا دعاة حرب، ولكن إذا قُرعت طبولها فنحن جاهزون لها!».
عاصفة الحزم، كانت نتيجة رياح الحوثي السريعة والمتخبطة في اليمن، منذ انقلابه على رئيسه ورئيس اليمن الشرعي عبد ربه هادي، وحتى تعاونه مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي أعلن رغبته المجنونة في «تدمير كل ما هو جميل في اليمن» على حد تعبيره، وصدق إعلانه بتعاونه حتى مع عناصر القاعدة ضد الوطن الذي قضى فيه عمره وسرق أمواله المقدرة بالمليارات لمدة تزيد عن ثلاثين سنة، فيما يعيش الملايين من اليمنيين في فقر شديد وظروف صعبة. الحوثي ليس أفضل من صالح، فالأول أيضاً حال دون وصول بعض المساعدات الإنسانية لشعب اليمن، وكان ذلك قبل أن تبدأ حتى عمليات عاصفة الحزم!
تؤكد دول تحالف عاصفة الحزم على الحوار الجدي والحلول السلمية «الحقيقية» إن وُجدت من قبل الحوثي ومواليه، وتؤكد أيضاً على إعادة بناء اليمن مستقبلاً، عندما تتحقق الأهداف منها بعودة سلطات اليمن الشرعية لأصحابها وعودة استقراره وأمنه واستقلاله عن أي دولة خارجية تحرص على بث أصابع الفتن وعناصر التحكم فيه، هذه نية دول التحالف الحسنة، والتي جمعت من ورائها تأييد شعوبها لعملياتها، حتى لا ينزلق اليمن، مثلما انزلق العراق وسوريا من قبله! هل عرفتم الآن سبب إجماع أكثرية الشعوب العربية والإسلامية على عاصفة الحزم؟ فقد الكلام سجعه وبلاغته بعد سقوط الدول العربية واحدة تلو الأخرى في حفر الفوضى والإرهاب والحروب والظروف القاسية، حتى أصبح الواقع، نجاتك من حفرة لا تعني سلامتك من الحفرة التي تليها. إلى أن جاءت عاصفة الحزم في منتصف ليلة غيرت وستغير الكثير من الخطط، ومنها خطط أناس عاديين ناموا على أساس أن اليوم التالي يشبه الأمس، فأخطؤوا، وحمدوا الرب على خطئهم لأن شيئاً في العروق انتفض، وشعروا بأن واقع اليمنيين سيتغير اليوم لأن قياداتهم عملت شيئاً ولم تقف بلا حيلة أمام ما يحصل حولها. وأن هذا ممكن أيضاً في سوريا والعراق وليبيا ومصر، وإن كان بطرق أخرى.
هي فقط بارقة أمل يا سادة! وإن كانت في نهاية النفق، فهذا لا يمنعنا من إشعال مصابيح النفق حتى نصل إلى آخره!



جواهر بنت محمد آل ثاني

صحيفة العرب القطرية



الخميس، 2 أبريل 2015

الثقافة في 2015

يُقال إن المثقف من يقرأ كتابين شهرياً على الأقل، وتوجد كتب يزن كل واحد منها عشرات بل مئات الكتب، وكتب أخف من ريشة لعبت بشعرها الريح، العشرات منها في شهرين لن تصنع حتى غليون المثقف الجامد! هذا هو الحال عند الحديث عن مصادر الثقافة التقليدية من كتب وأفلام وقصص ونقاشات يتجاذب فيها المثقفون قبعات بعضهم البعض، وحقيقة انتقال كل هذا إلى العالم الافتراضي الكبير الغامض لا يجعلها مصادر جديدة بل متجددة، نفسها ولكن بدل أن يمسك الفتى كتاباً بيده سيمسك «آي باد»، وبدل أن يذهب إلى السينما سيفتح الكمبيوتر، وعبر «الآيتونز» سيستأجر أو يبتاع أجدد أنواع الأفلام أو أقدمها، حسب ذوقه! وبدل أن يحضر ندوة، بضغطة زر سيجد نفسه في حوار حاد في أحد أزقة «تويتر».
تتجدد مصادر الثقافة وتتغير أدواتها وتتشكل، ومن أدواتها الجديدة فرد، وليس أحد المثقفين بالضرورة، يثقف غيره بجهده الشخصي وتعبه، وهناك مشاريع -إن أمكن تسميتها بذلك- أحادية وثنائية ملهمة، لأنها اعتمدت على طرق غير تقليدية، لربما لم يكن القصد من بعضها كبداية تثقيف الغير أو الناس، وكانت في جوهرها وسيلة يصل بها شخوص المشاريع إلى ذواتهم وأنفسهم، لكن للنهاية أحكامها وشروطها وكلمتها الأخيرة. أتحدث عن مدونة معطف فوق سرير العالم الإلكترونية، والتي يترجم صاحبها محمد الضبع كل أسبوع قطعاً أدبية من حول العالم لكتاب معروفين ومغمورين بنفس الأهمية، يثلج بها صدري قبل عقلي، حيث جعل مقولته «أترجم كل أسبوع للحفاظ على لياقة الحياة»، تصبح بالنسبة لنا «نقرؤك كل أسبوع للحفاظ على لياقة الأدب!».
أتكلم عن الشاعرة والكاتبة الرقيقة سعدية مفرح، والتي بدأت مشروعها الصغير كما سمته «كيف تكتب مقالة» على «تويتر» ليقفز عدد متابعي الحساب إلى أكثر من 25 ألف متابع ومتابعة، «حساب يتوالد المقالات المهمة، وتلك التي تحوي على نقاط أهم، ونصائح وملاحظات على فن كتابة المقالة التي ينسى الكثير بأنها بنفس أهمية الرواية والقصيدة، فيتحدثون عن قواعد هذه الآداب، ويتناسون المقالة التي لم تغب عن بال سعدية!»
أقصد، قريباً بإذن بالله، رواق، المشروع المشترك بين الصديقين فؤاد الفرحان وسامي الحصين، والذي يحوي مواد علمية أكاديمية متخصصة في مجالات عدة ليدرسها ويطلع عليها أي مهتم بذلك وبالمجان! وأفخر أن أقول بأنها باللغة العربية أيضاً!
وأشير إلى الشيخ ماجد الصباح، شيخ «هبة السناب شات»، كما يصف البرنامج الجديد والقوي، حيث يقضي ماجد معظم صباحاته في الحديث عن مواضيع مختلفة يفيد بها مشاهديه الذين لا يتوقفون عن التزايد! سواء أخذت معلوماتك من كتاب أو تغريدة، من التلفاز أو مقطع سناب، من موسوعة أو من مدونة، احرص على التأكد من معلوماتك قبل أن تحتج وتحج بها، فقد كثرت مصادر الثقافة وتنوعت أدواتها، وإن كنت قد ذكرت بعض من يحسن لها، فهناك الكثير غيرهم من المسيئين.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...