الخميس، 24 سبتمبر 2015

سر السعادة

روى الكاتب البرازيلي باولو كويلو، قصة تدور أحداثها حول فتى يلجأ إلى حكيم كي يتعلم سر السعادة. وعندما يصل إليه، يطلب منه الحكيم أن يدور في قصره وحديقته، ممسكاً بملعقة تحمل قطرتي زيت دون أن تسقطا على الأرض. فعل الفتى ما طلبه الحكيم وأنقذ قطرات الزيت من السقوط حتى رجع إلى الحكيم مرة أخرى. سأله الحكيم إذا كان قد رأى اللوحات الملونة عند مدخل القصر؟ أو لمح الزهور المتناثرة في ممرات الحديقة؟ أو النجود الفارسية في قاعة الطعام؟ اعترف الشاب بأنه لم ير شيئاً مما ذكره الحكيم لشدة تركيزه على قطرات الزيت وحرصه على عدم سقوطها. طلب الحكيم من الشاب أن يرجع إليه بعد أن يتجول في البيت لمرة ثانية. وهذا ما فعله الشاب، وعندما رجع إلى الحكيم أخبره عن كل الأشياء الرائعة والجميلة التي شاهدها في القصر، ولما انتهى، سأله الحكيم عن قطرات الزيت، وفي هذه اللحظة انتبه الشاب لخلو الملعقة من الزيت، فقال له الحكيم: «سر السعادة و أن تنظر إلى كل روائع الدنيا دون أن تنسى أبداً نقطتي الزيت في الملعقة».
يُفهم من القصة أن السعادة شاقة قد يتهاون الكثير في سعيهم لها، وأنها قائمة على التوازن كما تشرح نصيحة الحكيم للشاب، أي تحقيق الموازنة بين مشاهدة روائع الحياة والحفاظ على قطرات الزيت. وقطرات الزيت هذه قد تكون دينا أو عملا أو حلما أو حبا أو تكوين عائلة أو الوصول إلى إنجاز أو مزيج مما سبق.
السعادة أيضاً، سر لا يُكشف لأي شخص، فهي حتى الآن من أكثر المفاهيم التي تعددت تعريفاتها ومداخلها من قبل العلماء والمفكرين وحتى الحكماء. وهذا يرجع إلى اختلاف الأشخاص أنفسهم لا اختلاف السعادة من شخص لآخر، فشخص يحلم بامتلاك بيت مطل على الشاطئ وامتلكه، ستبين على وجهه ملامح السعادة نفسها التي ستظهر على وجه من حلم بمنصب ما وحصل عليه! تختلف السبل والمفاهيم، والسعادة واحدة لا تتغير أو تختلف، ولا يوجد طريق واحد لها يحمل خطوات مرقمة من الواحد حتى المائة، ولكن توجد مؤشرات ترمي لها ومنغصات تُبعد عنها في الطريق إليها.
ومؤشرات السعادة هي كل ما يضع المرء على الطريق الذي يريده، فإن كان يحلم ببدء مشروع، فمؤشرات السعادة هي انغماسه في تفاصيل المشروع واستشارة الأصدقاء ومحاولة تحقيق الحلم. ومنغصات السعادة هي ما يحبط ويجعل المرء لا يرى أهمية العمل والتفكير، مثل مقارنة الشخص نفسه بشخص آخر كمارك زوكربرج مؤسس الفيس بوك وأحد أصغر مليارديري العالم! المقارنة بالتحديد هي أحد منغصات السعادة والحياة أيضاً، ففي الدول الاسكندنافية تكثر معدلات الانتحار، والسبب أنها الدول الأسعد حول العالم! فهناك تكثر المقارنات بين الأفراد، بين حزين وسعيد، وسعيد جداً وسعيد جداً جداً!
تحدثت في مقالي السابق «الدولة السعيدة» عن سعادة الدول، وأنها تُولد من أفكار وأعمال الفرد بحسب الفارابي، وهذا يتطلب سعادة الفرد ورضاه أولاً، فكيف يُتوقع من فرد محبط أو يائس أن يعمل ويبدع وينتج من أجل بلد أو في بلد يُشعره أو يشعر فيه بهذه المشاعر؟ هذا يرجعني إلى ارتباط سعادة الدول وأسبابها بسعادة الشعوب وأسبابها، فالفرد أيضاً لن يكون سعيداً إلا بالفكر والعمل والحب، وكما قال آلبرت آينشتاين: «إذا أردت أن تحيا حياة سعيدة، فاربطها بهدف، ولا تربطها بشيء أو شخص آخر».


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الخميس، 17 سبتمبر 2015

الدولة السعيدة

العالم المسلم الكبير أبو نصر محمد الفارابي أو المعلم الثاني، كما يُلقب، نسبة لأرسطو «المعلم الأول» لإنجازاته في علم المنطق، لم يُبدع ويُضف في هذا المجال فقط، بل كانت له بصماته المحسوسة في الفلسفة والاجتماع والسياسة والعلوم وحتى الموسيقى. وما يهمني في مقالي هذا علاقته بالفلسفة، وخاصة بالأساتذة التلاميذ أفلاطون وأرسطو.
تأثر الفارابي بالفلاسفة اليونانيين كثيراً، وحاول الجمع بينهم وكتب عنهم وزاد عليهم. كتب عن المدينة الفاضلة التي حلم أفلاطون بها في كتاب «آراء أهل المدينة الفاضلة» مع الفوارق الواضحة في عوالم هذين القطبين. و»المدينة» الفاضلة التي تعادل ما نسميه «الدولة» في زمننا هذا، هي باختصار مبسط، المدينة التي يتعاون فيها أفراد المجتمع لنيل السعادة عبر الفكرة والعمل.
هذه الدولة الفاضلة هي حلم الكثير من الدول والأفراد، الكل يسعى وراءها ومن أجلها، ولهذا كتب الإنجليزي توماس مور روايته «يوتوبيا»، ولهذا نجد الدول تتفاخر عند وجود شعوبها في قوائم الشعوب الأكثر سعادة في العالم، ولهذا نرى دولاً كالبوتان تهتم بمقياس السعادة المحلية الإجمالية، على غرار الناتج المحلي الإجمالي في دول العالم!
هذه التصنيفات للدول وشعوبها وطبيعتها، تجعل المرء يحتار في حال دولته، هل هي سعيدة؟ هل هي فاضلة؟ وهل تكفي أن تكون سعيدة دون الفضيلة؟ وما هي الفضيلة؟ وبأي معيار نقيسها؟ وما هي السعادة؟ هل هي الإنجاز أم الإيمان أم المال؟ هل السعادة هي الاكتفاء؟ وأي نوع منه؟ أم هي مجرد شعور يصله العقل والقلب ويُقطع وصله في أي وقت؟ وهل سيساعدك عزيزي القارئ معرفة أن وزراء السعادة حول العالم -وغالباً هم من وزراء العمل والضمان الاجتماعي- يرتبطون بطريقة أو بأخرى باقتصاد الدولة وطريق المال إليك؟
لأزيد من ورطة الحيرة، سأعرفكم بتصنيفات الفارابي لأشكال أخرى مختلفة للدول، واحتفظوا بأسماء الدول التي تقفز إلى أذهانكم. هناك الدول الشريرة التي لم يعرف شعبها السعادة الحقيقية، ويتعاون شعبها على أن يكونوا ممدوحين مُكرمين. وهناك الدول الخسة التي تتجسد غاية أهلها في التمتع باللذة من المحسوس والتخيل وإيثار الهزل واللعب. وهناك دول التغلب التي يقصد أهلها أن يكونوا القاهرين لغيرهم وهدفهم لذة الغلبة. والدول الجماعية وأهلها ممن يفعل كل ما يطيب لهواهم. والدول الفاسقة التي يعلم أهلها السعادة والله والعقل الفعال، ولكنهم يعملون أفعال المدن الجاهلة. والدول المتبدلة التي كانت آراء أهلها وأفعالهم مطابقة لأهل الدولة الفاضلة إلا أنها تبدلت فدخلها الفساد. وأخيراً الدول الضالة التي تعتقد في الله والعقل الفعال آراء فاسدة، ويدعي رئيسها أنه موحى إليه.
يُميز الفارابي -بحسب تعبير شاكر بن شيهون- بين أشكال الدول المختلفة، على أساس معرفتهم الناقصة للسعادة الحقيقية، وهذا ما يضع كل دولة في مرتبتها بحسب تصنيفه، ويُميز الدولة الفاضلة.
بعد كل هذه الفواصل والنقاط، يُصبح البحث عن معنى السعادة الحقيقية داخل كل فرد أمراً حتمياً، حتى تصل السعادة إلى مرحلة الدولة بالعمل والأفكار الخلاقة، وإلا كان كل ما قيل، مجرد «فلسفة»!


جواهر محمد عبد الرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

الجرم الصغير و العالم الأكبر



١-
أنا المحور
أنا الوسط
أنا راسمة الدوائر بأقطارها
يتبعني ألف كوكب دون مُسألة
يرضى من يرضى منهم بوصل حرارتي
و لا يسخط من ترفضه أشعتي
و من هُم ليرضوا أو ليسخطوا؟
أنا الراعي و هم القطيع

(شمس في مجرة غير معروفة)

٢-
أعرف بأن عملي الجاد لن يذهب هباء منثوراً
أعرف بأن عمل أجدادي الذي
استمر أكثر من خمسين عاماً في هذه المملكة
سيبقى لسبب أو لآخر
لأن هناك عالم أكبر من مملكتنا
بقي لسبب أو لآخر
و لم يتغير منذ ولادتي
رؤيتي التي منعت الماء
من التسلل إلى ممرات المملكة 
و قتل الجميع
هي بصمتي و نجاحي في هذا العالم
سيتذكرني الجميع عندما أرحل
أنا متأكدة

(نملة في وقت راحتها)

٣-
يا رب سامحني
 على ما أنا مُقدم عليه
الماء شحيح و حفر البئر لازم
يا رب..
أنقذ ما سيتبقى من نمل
تحت أقدامي
فلا أنا بقارون و لا سليمان!

(فلاح يحرث الجفاف)

٤-
منصب رئيس عمال النظافة
خُلق لي
أنت تعلم هذا أليس كذلك؟
هل تنكر بأنني أترك لك دائماً العلب البلاستيكية لتجمعها؟
من يزهد بعمله و يُخلص له أكثر مني؟
و لكنهم يغارون مني
و لهذا لن أحصل على هذا المنصب أبداً!

(عامل نظافة يحادث صديقه المشرد)

٥-
أصبحت أبلل سريري كل ليلة
و لا أريد أمي أن تغضب مني أنا أيضاً
أتمنى أن تصلح بين أبي و أمي
كما أصلحت بين الشيطان الأكبر و الشيطان الأصغر
كما سمعت من أبي
و أوعدك بأنني سأصوت لك عندما أكبر


(طفل يكتب رسالة لرئيس الدولة)



الاثنين، 14 سبتمبر 2015

طاقية الحلم

اليأس حليف أجيال اليوم. هذا ما يحكيه الواقع. الضغوطات كثيرة و ثقيلة على الشعوب العربية، و على فئة الشباب خاصة، الذي يرى و هو لم يبدأ بعد حياته، اقتصاد العالم على حافة الهاوية بجانب أسواق النفط و العملات و الأسهم العالمية و المحلية. و لا تغير من نفسية هذا الشاب الأخبار السياسية أو الإجتماعية، فالحروب منتشرة في اليمن و سوريا و ليبيا، و المجتمعات المتفككة في كل مكان حتى أصبح غير المتفكك منها هو ما يُعد على الأصابع!
و فوق كل تلك الأكوام من قبعات اليأس و الإحباط، الموضوعة على رؤوس الشباب العربي، الذي يُطلب منه أن يبدع و يبني مجتمعه، نراه مشغول-لو كان يملك بيته و قوت يومه-بمحاولة الحفاظ على نفسه سليماً من الطعام السيء المطبوخ بزيت مهترىء يسم الجسد، و على عقله سليماً من مناهج الدراسة التي عفا عليها الزمن، و على رأيه معتدلاً فوق كل الترهات التي يقولها "إعلاميون" سُميوا كذلك فقط لأنهم ظهروا على التلفيزيون أو تملكوا قناة.
ثم تستفسر وزارات الصحة العربية بعد ذلك عن تفشي أمراض القلب و السرطان و السكر، و تردي صحة المواطنين و المقيمين على حد سواء في بيئات لا يُعتبر فيها الهدوء ولا الهواء أو الماء أو الطعام! و تستنكر وزارات الإعلام ما يفعله "الإعلاميون المحترمون" على الشاشات و ما يكتبه الكتاب في الصحف! و تلحقهم وزارات التعليم و تطلب من الطلاب إعمال عقولهم "الناقدة" في خضم كل هذا الصخب و الفوضى! و لا تنسى وزارات الداخلية دورها في تحذير الشباب من افتعال أي مشاكل أو تجاوز لأي نوع من"الحريات"!
بجانب كل هذه القبعات، تقبع طاقية الحلم، التي نساها عدد كبير من أبناء جيل اليوم. لماذا نسوها؟ لأن أحداً لم يُعرِفهم أو يذكرهم بها. الكل يريد لهذا الشباب أن يعمل، و ليس أي عمل، بل العمل الذي يدر عليه الدولارات و يجنبه أن يسقط مقتولاً من ثقل القبعات سيئة الذكر، المرض، قصر العمر، اليأس، الكسل، الإحباط، الفشل، تفكك الأسر، انعدام الأمن و غيرها. نسوا أن العمل بدون حلم، لا يقيهم من تلك القبعات، بل يزيدها هماً و ثقلاً.
على الشباب العربي ألا يسمع لمن يُحبطهم، و يقتلهم معنوياً، على شاشات التلفاز و في بيوتهم، قبل أن تبدأ حياتهم. و عليهم أن يبدأوا الحلم، و يطلبوه كما يُطلب العلم و يُعمل به. فإن أرادوا وظيفة ما، في زمن يصعب العثور فيه على وظيفة، فعليهم السعي وراء التحلي بصفاتها و أكثر، حتى يقدروا عليها، و إن أرادوا أن يحافظوا على أنفسهم و أجسادهم، فلينقحوا أفعالهم الخاصة، و ليقيسوا بالميزان، ما فشل "الحكم" "المسؤول" في قياسه.
و أهم من كل ما سبق، على الشباب العربي أن يحرق كل قبعات البؤس و الإحباط النفسي و الجسدي، و يلبس طاقية الحلم، بأقوالها و أفعالها، و تذكر بأن روما لم تُبنى في يوم واحد، و أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، أي أن كل شخص منا، له دور في هذه الحياة، و عليه فقط أن يرقى لهذا الدور.


تدوينة لي في موقع هافينغتون بوست عربي
المصدر


الخميس، 10 سبتمبر 2015

تمرين صباحي: ابتسم!

الجميع يريد الطريق السهل البسيط، حتى أصبح الطعام سريعاً، والقهوة تُشرب وقوفاً، والربح المنشود في مضاربات أسواق الأسهم والعملات. وفي خضم تقلبات الزمن وتسارعه، ازدهر سوق «تطوير الذات» أو سوق «الحصول على ما تريده» كما يُراد تصويره. وهكذا بات معظم متابعي أشرطة أو كتب أو جلسات مدربي تطوير الذات، ذوي أهداف مادية أو وقتية، وأقل منهم بكثير من رغب حقاً بتطوير ذاته جزئياً أو جذرياً وبشكل متواصل.
هل شهد عصرنا أجيالاً تغيرت بحجم هذا السوق الهائل؟ لا، لم يحدث، ولكنا شهدنا تضخم هذا السوق ومستغليه من مدربي ومطوري الذات المتكاثرين! الحقيقة أن أوقات وجهد وأموال الراغبين بالتغيير تضيع وراء سراب ضعيف خلقه السوق، الذي صيّر كل من هب ودب مدير ومدرب ومطور «ذات» بحسب المسمى الذي يختاره الشخص لنفسه دون أي أحقية! وما لا يعرفه هؤلاء ومتابعو سوق تطوير الذات أن %95 منه، فارغ المضمون، جميل الغلاف والشكل، وكله كلام معاد تعبيري وأدبي حول «الإيجابية دائماً» و»التغيير بدءاً من الذات» و»كل شيء يأخذ وقته لأن كل شيء في وقته»، وغيره من الكلام الذي يصبح من كثرة تلقيه بلا فائدة أو تأثير. أما %5 الباقية، من هذا السوق الهائل فهي التذكرة الرابحة، وهي الصفقة الحقيقية الأكيدة، والتي يحكي فيها الخبراء عن تجارب وتمارين وأساليب تفيد وتؤثر وتصحح طرقاً ومفاهيم وشخصيات وحياة من يستمع بأذنيه وقلبه. 
%5 المتبقية هي مذكرات وقصص نجاح عمالقة الفن والاقتصاد والرياضة والسياسة من جميع أنحاء العالم، مثل السفير غازي القصيبي، وستيف جوبز مؤسس شركة أبل، ومؤسس مجموعة علي بابا، جاك ما، وغيرهم الكثير. بالإضافة إلى إصدارات كبار المتحدثين المشجعين على التغيير، مثل ستيفن كوفي صاحب الكتاب الشهير «العادات السبع للناس الأكثر فعالية» وجوردان بلفورت الذي صُورت حياته في الفيلم الشهير «ذئب وول ستريت»، وديل كارنيجي الذي يُعد أحد أهم الأوائل المضيفين في هذا المجال. وأزيد على ذلك التمارين المعروضة على «يوتيوب» أو المكتوبة في الكتب، والتي تملي أفعالاً يُكتسب بها عادات أو صفات، أو يقوم عبرها الشخص بأعمال، كانت المطلب الرئيس له في سوق تطوير الذات، مثل دفاتر التمارين المترجمة والصادرة عن دار لولوه للنشر، والتي تبحث في بعضها كيفية اكتشاف المواهب المخبأة، أو كيفية العثور على الهدوء الداخلي، أو تخليص النفس من العوائق المعيقة للتقدم، وغيرها من دفاتر التمارين الأخرى التي لا تلقن الترهات المهترئة، بل تعلم بالفعل والعمل كيف يحصل الفرد على ما يريده فعلاً منها. ولا يتم تحصيل النتائج الجيدة من هذه الدفاتر أو الفيديوهات التي تعرض هذه التمارين إلا بإعادة التمرين مرة بعد الأخرى، وبشكل مستمر حتى تصبح ممارسة مُلتصقة بالشخص.
أخيراً، سعي المرء وراء تطوير الذات ومعرفته حاجته الشديدة لذلك، مهمة، وتقدم في حد ذاته. الأهم من ذلك أن يعرف أيضاً أنها بلا ثقافة عامة حول مواضيع الدين والحياة والعالم، يخسر الكثير من فوائد تطوير الذات والذي لا يُعوض بغيره.


جواهر محمد عبدالرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر



الخميس، 3 سبتمبر 2015

صناعة الإنسان

من باب حب المعرفة والفضول المقترن بثقافات وفنون وتقاليد الشعوب، يصبح السفر هاجساً ورغبة شخصية ملحة. ومن الدول التي تشد أنظار العالم منذ أكثر من قرن، تأتي ألمانيا في مقدمة هذه الدول لأهميتها السياسية والاقتصادية والثقافية بالنسبة للعالم. فهل يمكن لمغامر أو حتى مقامر أن ينسى ألمانيا النازية التي هزت العالم عبر الديكتاتور النمساوي الأصل أدولف هتلر؟ أو دورها في الحروب العالمية التي صنعت التاريخ الحديث وأدبه؟ هل يمكن تقزيم الدولة التي أنجبت كارل بينز مؤسس شركة مرسيدس بينز مع أهم فناني ورياضيي هذا العصر؟ رغم سؤالي الاستنكاري إلا أن العالم حاول فعلاً تقزيم ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وفظائعها، حيث كانت السلع المنتجة في ألمانيا تحمل عبارة «صنع في ألمانيا» للتقليل من قيمتها ووصمها بالعار.
في عام 2015، وبعد ما يزيد عن السبعين عاماً تقريباً على نهاية الحرب العالمية الثانية، يلاحق العالم ما يُصنع في ألمانيا لجودة المنتجات الألمانية وتفوقها في الإتقان والإحسان، فهي تملك اليوم واحدة من أقوى وأهم اقتصادات العالم، وتعتبر من أكثر الدول المؤثرة سياسياً في الاتحاد الأوروبي الذي تشكل جزءاً أساسياً منه اليوم، بعد أن كانت تحتل معظم أقاليم أعضائه الآخرين في أربعينيات القرن الماضي.
وأنا أتنزه في ميونخ إحدى أكبر المدن الألمانية بعد برلين وهامبورغ من ناحية الكثافة السكانية، خلال يوم الأحد، وجدت الأسواق مغلقة والمتاحف ودور السينما والحدائق العامة التي يملؤها الموسيقيون مفتوحة. تضايقت للبرهة الأولى لأني كسائحة أنتظر الحوانيت المفتوحة، إلا أنني سرعان ما انبهرت كإنسانة تطمح للتطور والتغيير، لأني فهمت حينها سبباً من أسباب تفوق الفرد الألماني، فالفن والثقافة والنظام يُدرسون في البيت والشارع، والإتقان والإخلاص والإبداع يُعلمون في المدرسة والعمل، لا سر هنا ولا مؤامرة هناك، دافع فقط في أن تصبح ألمانيا أفضل وأقوى دولة في العالم مرة بعد مرة دون الحاجة إلى رفع شعارات.
قالت لي مواطنة ألمانية وُلدت بعد الحرب العالمية الثانية، إنها عملت في مدينة فانكوفر الكندية لأكثر من سنة، فلم يعرف زملاؤها أصلها هناك بسبب لكنتها الألمانية بل بسبب طريقة عملها. ضحكت ثم أضافت بأنها خرجت مرة في رحلة مع مجموعة من الأصحاب، كان من بينهم ألمان وأميركيون وآسيويون وآخرون. قالت إن الألمان كانوا الوحيدين الجاهزين للرحلة، أما البقية فاضطروا لابتياع الطعام وحاجات الرحلة في الطريق! 
هذا الالتزام والإتقان لمسته في زيارتي لليابان أيضاً، حيث تحدثت بعدها في مقالة في صحيفة «العرب» القطرية عن تعلم «المدن»، فهل هي مصادفة أن تكون الاثنتان إحدى الدول الخاسرة في الحرب العالمية الثانية؟ هل هي الصدفة المحضة التي قدرت تفوقهما بعد ذلك؟ تتبين هنا صناعة الإنسان أكثر، وأي صناعة أجدى!


صحيفة العرب القطرية 
المصدر


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...