الجميع يريد الطريق السهل البسيط، حتى أصبح الطعام سريعاً، والقهوة تُشرب وقوفاً، والربح المنشود في مضاربات أسواق الأسهم والعملات. وفي خضم تقلبات الزمن وتسارعه، ازدهر سوق «تطوير الذات» أو سوق «الحصول على ما تريده» كما يُراد تصويره. وهكذا بات معظم متابعي أشرطة أو كتب أو جلسات مدربي تطوير الذات، ذوي أهداف مادية أو وقتية، وأقل منهم بكثير من رغب حقاً بتطوير ذاته جزئياً أو جذرياً وبشكل متواصل.
هل شهد عصرنا أجيالاً تغيرت بحجم هذا السوق الهائل؟ لا، لم يحدث، ولكنا شهدنا تضخم هذا السوق ومستغليه من مدربي ومطوري الذات المتكاثرين! الحقيقة أن أوقات وجهد وأموال الراغبين بالتغيير تضيع وراء سراب ضعيف خلقه السوق، الذي صيّر كل من هب ودب مدير ومدرب ومطور «ذات» بحسب المسمى الذي يختاره الشخص لنفسه دون أي أحقية! وما لا يعرفه هؤلاء ومتابعو سوق تطوير الذات أن %95 منه، فارغ المضمون، جميل الغلاف والشكل، وكله كلام معاد تعبيري وأدبي حول «الإيجابية دائماً» و»التغيير بدءاً من الذات» و»كل شيء يأخذ وقته لأن كل شيء في وقته»، وغيره من الكلام الذي يصبح من كثرة تلقيه بلا فائدة أو تأثير. أما %5 الباقية، من هذا السوق الهائل فهي التذكرة الرابحة، وهي الصفقة الحقيقية الأكيدة، والتي يحكي فيها الخبراء عن تجارب وتمارين وأساليب تفيد وتؤثر وتصحح طرقاً ومفاهيم وشخصيات وحياة من يستمع بأذنيه وقلبه.
%5 المتبقية هي مذكرات وقصص نجاح عمالقة الفن والاقتصاد والرياضة والسياسة من جميع أنحاء العالم، مثل السفير غازي القصيبي، وستيف جوبز مؤسس شركة أبل، ومؤسس مجموعة علي بابا، جاك ما، وغيرهم الكثير. بالإضافة إلى إصدارات كبار المتحدثين المشجعين على التغيير، مثل ستيفن كوفي صاحب الكتاب الشهير «العادات السبع للناس الأكثر فعالية» وجوردان بلفورت الذي صُورت حياته في الفيلم الشهير «ذئب وول ستريت»، وديل كارنيجي الذي يُعد أحد أهم الأوائل المضيفين في هذا المجال. وأزيد على ذلك التمارين المعروضة على «يوتيوب» أو المكتوبة في الكتب، والتي تملي أفعالاً يُكتسب بها عادات أو صفات، أو يقوم عبرها الشخص بأعمال، كانت المطلب الرئيس له في سوق تطوير الذات، مثل دفاتر التمارين المترجمة والصادرة عن دار لولوه للنشر، والتي تبحث في بعضها كيفية اكتشاف المواهب المخبأة، أو كيفية العثور على الهدوء الداخلي، أو تخليص النفس من العوائق المعيقة للتقدم، وغيرها من دفاتر التمارين الأخرى التي لا تلقن الترهات المهترئة، بل تعلم بالفعل والعمل كيف يحصل الفرد على ما يريده فعلاً منها. ولا يتم تحصيل النتائج الجيدة من هذه الدفاتر أو الفيديوهات التي تعرض هذه التمارين إلا بإعادة التمرين مرة بعد الأخرى، وبشكل مستمر حتى تصبح ممارسة مُلتصقة بالشخص.
أخيراً، سعي المرء وراء تطوير الذات ومعرفته حاجته الشديدة لذلك، مهمة، وتقدم في حد ذاته. الأهم من ذلك أن يعرف أيضاً أنها بلا ثقافة عامة حول مواضيع الدين والحياة والعالم، يخسر الكثير من فوائد تطوير الذات والذي لا يُعوض بغيره.
جواهر محمد عبدالرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
هل شهد عصرنا أجيالاً تغيرت بحجم هذا السوق الهائل؟ لا، لم يحدث، ولكنا شهدنا تضخم هذا السوق ومستغليه من مدربي ومطوري الذات المتكاثرين! الحقيقة أن أوقات وجهد وأموال الراغبين بالتغيير تضيع وراء سراب ضعيف خلقه السوق، الذي صيّر كل من هب ودب مدير ومدرب ومطور «ذات» بحسب المسمى الذي يختاره الشخص لنفسه دون أي أحقية! وما لا يعرفه هؤلاء ومتابعو سوق تطوير الذات أن %95 منه، فارغ المضمون، جميل الغلاف والشكل، وكله كلام معاد تعبيري وأدبي حول «الإيجابية دائماً» و»التغيير بدءاً من الذات» و»كل شيء يأخذ وقته لأن كل شيء في وقته»، وغيره من الكلام الذي يصبح من كثرة تلقيه بلا فائدة أو تأثير. أما %5 الباقية، من هذا السوق الهائل فهي التذكرة الرابحة، وهي الصفقة الحقيقية الأكيدة، والتي يحكي فيها الخبراء عن تجارب وتمارين وأساليب تفيد وتؤثر وتصحح طرقاً ومفاهيم وشخصيات وحياة من يستمع بأذنيه وقلبه.
%5 المتبقية هي مذكرات وقصص نجاح عمالقة الفن والاقتصاد والرياضة والسياسة من جميع أنحاء العالم، مثل السفير غازي القصيبي، وستيف جوبز مؤسس شركة أبل، ومؤسس مجموعة علي بابا، جاك ما، وغيرهم الكثير. بالإضافة إلى إصدارات كبار المتحدثين المشجعين على التغيير، مثل ستيفن كوفي صاحب الكتاب الشهير «العادات السبع للناس الأكثر فعالية» وجوردان بلفورت الذي صُورت حياته في الفيلم الشهير «ذئب وول ستريت»، وديل كارنيجي الذي يُعد أحد أهم الأوائل المضيفين في هذا المجال. وأزيد على ذلك التمارين المعروضة على «يوتيوب» أو المكتوبة في الكتب، والتي تملي أفعالاً يُكتسب بها عادات أو صفات، أو يقوم عبرها الشخص بأعمال، كانت المطلب الرئيس له في سوق تطوير الذات، مثل دفاتر التمارين المترجمة والصادرة عن دار لولوه للنشر، والتي تبحث في بعضها كيفية اكتشاف المواهب المخبأة، أو كيفية العثور على الهدوء الداخلي، أو تخليص النفس من العوائق المعيقة للتقدم، وغيرها من دفاتر التمارين الأخرى التي لا تلقن الترهات المهترئة، بل تعلم بالفعل والعمل كيف يحصل الفرد على ما يريده فعلاً منها. ولا يتم تحصيل النتائج الجيدة من هذه الدفاتر أو الفيديوهات التي تعرض هذه التمارين إلا بإعادة التمرين مرة بعد الأخرى، وبشكل مستمر حتى تصبح ممارسة مُلتصقة بالشخص.
أخيراً، سعي المرء وراء تطوير الذات ومعرفته حاجته الشديدة لذلك، مهمة، وتقدم في حد ذاته. الأهم من ذلك أن يعرف أيضاً أنها بلا ثقافة عامة حول مواضيع الدين والحياة والعالم، يخسر الكثير من فوائد تطوير الذات والذي لا يُعوض بغيره.
جواهر محمد عبدالرحمن آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق