من باب حب المعرفة والفضول المقترن بثقافات وفنون وتقاليد الشعوب، يصبح السفر هاجساً ورغبة شخصية ملحة. ومن الدول التي تشد أنظار العالم منذ أكثر من قرن، تأتي ألمانيا في مقدمة هذه الدول لأهميتها السياسية والاقتصادية والثقافية بالنسبة للعالم. فهل يمكن لمغامر أو حتى مقامر أن ينسى ألمانيا النازية التي هزت العالم عبر الديكتاتور النمساوي الأصل أدولف هتلر؟ أو دورها في الحروب العالمية التي صنعت التاريخ الحديث وأدبه؟ هل يمكن تقزيم الدولة التي أنجبت كارل بينز مؤسس شركة مرسيدس بينز مع أهم فناني ورياضيي هذا العصر؟ رغم سؤالي الاستنكاري إلا أن العالم حاول فعلاً تقزيم ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وفظائعها، حيث كانت السلع المنتجة في ألمانيا تحمل عبارة «صنع في ألمانيا» للتقليل من قيمتها ووصمها بالعار.
في عام 2015، وبعد ما يزيد عن السبعين عاماً تقريباً على نهاية الحرب العالمية الثانية، يلاحق العالم ما يُصنع في ألمانيا لجودة المنتجات الألمانية وتفوقها في الإتقان والإحسان، فهي تملك اليوم واحدة من أقوى وأهم اقتصادات العالم، وتعتبر من أكثر الدول المؤثرة سياسياً في الاتحاد الأوروبي الذي تشكل جزءاً أساسياً منه اليوم، بعد أن كانت تحتل معظم أقاليم أعضائه الآخرين في أربعينيات القرن الماضي.
وأنا أتنزه في ميونخ إحدى أكبر المدن الألمانية بعد برلين وهامبورغ من ناحية الكثافة السكانية، خلال يوم الأحد، وجدت الأسواق مغلقة والمتاحف ودور السينما والحدائق العامة التي يملؤها الموسيقيون مفتوحة. تضايقت للبرهة الأولى لأني كسائحة أنتظر الحوانيت المفتوحة، إلا أنني سرعان ما انبهرت كإنسانة تطمح للتطور والتغيير، لأني فهمت حينها سبباً من أسباب تفوق الفرد الألماني، فالفن والثقافة والنظام يُدرسون في البيت والشارع، والإتقان والإخلاص والإبداع يُعلمون في المدرسة والعمل، لا سر هنا ولا مؤامرة هناك، دافع فقط في أن تصبح ألمانيا أفضل وأقوى دولة في العالم مرة بعد مرة دون الحاجة إلى رفع شعارات.
قالت لي مواطنة ألمانية وُلدت بعد الحرب العالمية الثانية، إنها عملت في مدينة فانكوفر الكندية لأكثر من سنة، فلم يعرف زملاؤها أصلها هناك بسبب لكنتها الألمانية بل بسبب طريقة عملها. ضحكت ثم أضافت بأنها خرجت مرة في رحلة مع مجموعة من الأصحاب، كان من بينهم ألمان وأميركيون وآسيويون وآخرون. قالت إن الألمان كانوا الوحيدين الجاهزين للرحلة، أما البقية فاضطروا لابتياع الطعام وحاجات الرحلة في الطريق!
هذا الالتزام والإتقان لمسته في زيارتي لليابان أيضاً، حيث تحدثت بعدها في مقالة في صحيفة «العرب» القطرية عن تعلم «المدن»، فهل هي مصادفة أن تكون الاثنتان إحدى الدول الخاسرة في الحرب العالمية الثانية؟ هل هي الصدفة المحضة التي قدرت تفوقهما بعد ذلك؟ تتبين هنا صناعة الإنسان أكثر، وأي صناعة أجدى!
صحيفة العرب القطرية
المصدر
في عام 2015، وبعد ما يزيد عن السبعين عاماً تقريباً على نهاية الحرب العالمية الثانية، يلاحق العالم ما يُصنع في ألمانيا لجودة المنتجات الألمانية وتفوقها في الإتقان والإحسان، فهي تملك اليوم واحدة من أقوى وأهم اقتصادات العالم، وتعتبر من أكثر الدول المؤثرة سياسياً في الاتحاد الأوروبي الذي تشكل جزءاً أساسياً منه اليوم، بعد أن كانت تحتل معظم أقاليم أعضائه الآخرين في أربعينيات القرن الماضي.
وأنا أتنزه في ميونخ إحدى أكبر المدن الألمانية بعد برلين وهامبورغ من ناحية الكثافة السكانية، خلال يوم الأحد، وجدت الأسواق مغلقة والمتاحف ودور السينما والحدائق العامة التي يملؤها الموسيقيون مفتوحة. تضايقت للبرهة الأولى لأني كسائحة أنتظر الحوانيت المفتوحة، إلا أنني سرعان ما انبهرت كإنسانة تطمح للتطور والتغيير، لأني فهمت حينها سبباً من أسباب تفوق الفرد الألماني، فالفن والثقافة والنظام يُدرسون في البيت والشارع، والإتقان والإخلاص والإبداع يُعلمون في المدرسة والعمل، لا سر هنا ولا مؤامرة هناك، دافع فقط في أن تصبح ألمانيا أفضل وأقوى دولة في العالم مرة بعد مرة دون الحاجة إلى رفع شعارات.
قالت لي مواطنة ألمانية وُلدت بعد الحرب العالمية الثانية، إنها عملت في مدينة فانكوفر الكندية لأكثر من سنة، فلم يعرف زملاؤها أصلها هناك بسبب لكنتها الألمانية بل بسبب طريقة عملها. ضحكت ثم أضافت بأنها خرجت مرة في رحلة مع مجموعة من الأصحاب، كان من بينهم ألمان وأميركيون وآسيويون وآخرون. قالت إن الألمان كانوا الوحيدين الجاهزين للرحلة، أما البقية فاضطروا لابتياع الطعام وحاجات الرحلة في الطريق!
هذا الالتزام والإتقان لمسته في زيارتي لليابان أيضاً، حيث تحدثت بعدها في مقالة في صحيفة «العرب» القطرية عن تعلم «المدن»، فهل هي مصادفة أن تكون الاثنتان إحدى الدول الخاسرة في الحرب العالمية الثانية؟ هل هي الصدفة المحضة التي قدرت تفوقهما بعد ذلك؟ تتبين هنا صناعة الإنسان أكثر، وأي صناعة أجدى!
صحيفة العرب القطرية
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق