السبت، 29 أغسطس 2015

حرية التحريض!


الحرية هي الأنشودة المقدسة، و هي شجرة الخلد. هي ما يغنيه الفقراء و يتقرب منه الأغنياء، و يطمع به الجميع. الحرية هي ابنة الثورة المفضلة، و هي إما الزوجة الجديدة المُخلص لها، أو الأم التعبة لوطن غير شرعي. تكررت الحرية بجانب الكرامة و العدالة الإجتماعية كثيراً في شعارات ثورات ما سُمي بالربيع العربي قبل أكثر من أربع سنوات، و بطريقة أو بأخرى ترابطت هي و معانيها ببعضها البعض في عقول الحكام و المحكومين، و لا شيء منطقي أكثر من ذلك، فلا كرامة و لا عدالة إجتماعية إن حلت العبودية على الناس بدل الحرية. و لا يمكن أن توجد الحرية و ضماناتها و لا تُوجد معها الكرامة و تلحقها العدالة الإجتماعية بالطلب و المطالبة. هذه معادلة دقيقة لا يُستبدل أحد عناصرها بعنصر آخر.
و عند الحديث عن الحرية، كثيراً ما يتم طرح أو “جمع “ مواضيع، و مناقشة ما إذا كانت جزء من الحرية الشخصية للإنسان، و هذا ما أثاره الكاتب الإقتصادي عصام الزامل يوم السبت الماضي، في تويتر عندما نشر تغريداته حول التكفير و كونه حرية شخصية و خاصة إذا ما كان بين مسلم و مسيحي، أو هندوسي و يهودي مثلاً، و أنه أكثر خطراً إذا ما كان بين المسلم و المسلم لأنه في هذه الحالة يمس السلم الأهلي أو أنه قد يعرض الشخص للخطر أو يتم استغلال التكفير من قبل الجماعات الإرهابية.
تعرض الزامل للهجوم من قبل البعض بسبب تعليقاته، و أنشأت أحد مخالفيه الرأي، الكاتبة سكينة المشيخص هاشتاق #عصام_الزامل_التكفير_حرية_شخصية، و الذي اتهمها فيه الكاتب الإقتصادي نفسه بالتحريض عليه.
الأكيد أن للزامل و المشيخص آرائهم في الموضوع، و للمجتمعات الإسلامية و العربية و الخليجية رأيها أيضاً. و في الخليج العربي خاصة، يتعايش الجميع رغم فتن داعش و أشباهم الطائفية، و تحاول الشعوب الخليجية قبل حكوماتها أن تحارب الطائفية بأشكالها مع أذنابها. و بهذا نرى نتاج عقود من التكفير “بحرية”، يحصدها أجيال يرفضونها، لأنها اقترنت عضوياً بالتحريض على الآخر، و بذلك لا تكون حرية شخصية لأن فيها اعتداء أو محاولة اعتداء على الغير.
في هذه القضية لا يمكن المقارنة بين تكفير شخص في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً و شخص آخر في دول تكثر فيها الصراعات و التشدد و التشنج الديني و المذهبي. و بسبب آثار التكفير، أصدرت دول كالإمارات العربية المتحدة قانون بشأن مكافحة التمييز و الكراهية، يتم عن طريقه تجريم الأفعال المرتبطة بإزدراء الأديان و مقدساتها و مكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل و طرق التعبير.
لا يكون المرء خادماً للحرية إذا أطلق يديها للفضاء، فهناك تخونها الجاذبية و اليد التي أطلقتها، و لكنه يكون قد خدمها و خدم نفسه و غيره إذا ما عرف معانيها الحقيقية السامية، و بأي طرقها الكثيرة تساعد في صنع الحضارة و الإنسان، و لا يكون ذلك لازماً بالتأكيد عبر حرية التكفير، المقترنة في بلادنا الواسعة بالتحريض و الإعتداء، و الدعوة إلى حرية التكفير ستكون دعوة إلى حرية التحريض، فلمادا نريد إطلاق رصاصة إضافية نحونا؟
قرأت مؤخراً هذه العبارة التي أجزم بأن السوريون يقولونها منذ سنين، و هي أن “في سورية لا أحد يتحدث عن الحرية الآن، كل ما يريدونه هو أن يبقوا على قيد الحياة!”. لو أراد السوريون أو أتيحت لهم فرصة الحديث عن الحرية بحرية، هل تتوقعون عندها بأنهم سيتكلمون عن حرية التكفير؟ فكروا قليلاً!

جواهر بنت محمد آل ثاني
موقع التقرير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...