الجمعة، 28 أغسطس 2015

الجيل الساخط




مع عولمة الدنيا، و تفتح جميع أنواع قنوات التواصل بين الناس، أصبح البعيد قريب و الغريب مألوف. كثرت المطلات و المنصات و توالدت البرامج و التحديثات بسرعة حتى توافر كل شي و بكميات هائلة، و أصبح الحديث الجديد عن إنترنت مجاني يُمنح لجميع سكان العالم عبر طائرات بدون طيار.
من الأشياء التي تكاثرت حتى أصبحت من وفرتها جزء من يوم شريحة كبيرة من الناس، هي اليوميات الموثقة أو الذكريات المسجلة. فاليوم يمكن للفرد أن يوثق حياته بالكتابة أو الرسم أو التسجيل بالصوت أو الصورة أو الإثنان معاً. و أشهر اليوميات للأسف ليست اليوميات المفرغة في كتب السير الذاتية كتلك التي تعود لأنيس منصور أو عباس محمود العقاد، و التي يختلط فيها الأدب بالفلسفة و الفن و التاريخ، أشهر اليوميات هي التي تعرض في التلفاز تحت مسمى تلفزيون الواقع، أو اليوميات المبنية على صور استرقها البابارازي "مصوري المشاهير"، أو تلك التي ينشرها المشاهير أنفسهم أو الذين اشتهروا لهذا السبب في انستجرام و يوتيوب و سناب شات.
تُحَمّل و تُحْمل حياة الناس يومياً في جميع أنحاء برامج التواصل الإجتماعي و في الجيوب، حيث بات الإطلاع على حياة الآخرين سهل و سريع و ضروري عند البعض، و هذا خلق جيل ساخط غير قانع بما لديه، يرى دائماً النصف الفارغ من الكأس. فهو يريد أن يأكل و يشرب و يسافر و يلبس على الطريقة التي يسافر و يأكل و يشرب و يلبس فيها من يتابعه في سناب شات و الانستجرام. ساد عدم الرضا مع انتشار هذه اليوميات و أُهدر كنز القناعة. و لأختصر لكم وقتكم و فهمكم، نحن أمام جيل أمامه تفاحة خضراء و لكنه يريد التفاحة الحمراء فقط لأنها في يد الشخص الاخر!
هذا الجيل في ظل تمنيه ما يملكه غيره و اقتناعه بأن ذلك هو سر تعاسته، يجهل بأن قناعته بنفسه و بما يملكه هو سر السعادة التي تُشكل مرمى الأهداف و أقصى قمم رغبات الانسان. و لكي يقنع هذا الجيل و يسعد، عليه أولاً، ألا يُقارن أفراده أنفسهم بغيرهم، أو بما يملكه الآخر و ينقصهم، لأنهم قد يجهلون حقيقة ما يملكونه و ينقص الغير.
ثانياً، يجب أن تطغى الإيجابية و تحفيز الذات على المضي قدماً، و العمل و التفكير بأفكار سعيدة محبة للخير للجميع.
ثالثاً، عبر تحقيق أشخاص هذا الجيل لأهدافهم، و عمل ما يحبون حتى يصلوا إلى محبة العمل، سيحققون كفايتهم من القناعة. و إن لم يتوفر هذا الترف، فيكفيهم تعلم محبة العمل حتى يصلوا إلى عمل ما يحبونه.
أخيراً، ذَكِروا و تذكروا دائماً ما نملكه من نعم عظيمة كالصحة و الإيمان و الحب و الأمان و غيرها من النعم الكثيرة التي لا تقدر بثمن، ثم أصبحوا شاكرين و أمسوا حامدين!


صحيفة العرب القطرية

جواهر بنت محمد آل ثاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...