الجمعة، 25 نوفمبر 2016

حرفة في مهب الريح

نحن نشهد عصر النشر، سواء أكانت المعلومات المُشاركة صورة عبر الإنستجرام، فيديو عبر يوتيوب، أو أمنية مكتوبة في تويتر، أو كتاباً تم توزيعه على المكتبات. تكاثرت أعداد القراء حول العالم نظراً إلى زيادة عدد السكان، ومحاولات الدول الناجحة في محاربة الجهل ونشر التعليم الأساسي في كل مكان. وبالتالي زادت أيضاً أعداد الناشرين لكتبهم ذات الاهتمامات المنوعة. وأسهل موضوع يتم الكتابة عنه هو حياة المرء، فتجدهم يكتبون عن كيفية تغلبهم على الخجل أو الخوف أو الموت أو المخدرات أو السمنة.
كتب براين كوين في أحد كتبه: تخيل عالما تكون فيه الكتابة رياضة فوق كل الرياضات الأخرى. تخيلها ذات جماهير عريضة تُملأ في الندوات الشعرية أو حال توقيع الكتب المهمة، ملاعب رياضية تستوعب فوق ٣٠ ألف شخص. على أي حال سيكون هذا العالم؟ وكيف ستكون مسابقاته؟ وما تمارين رياضة الكتابة؟
عالم تملؤه الكتابة، واقع ترعاه القراءة، خاصة في ظل مسابقات يتم الحرص فيها على جودة الكتابة حال النشر. الأجيال المعاصرة ستكون مثقفة ومطلعة تحضر الصالونات الأدبية والثقافية وتدعمها. أما التمارين الرياضية للكتابة فهي القراءة والكتابة أولاً وأخيراً، ثم الكثير من السفر والتأمل ومشاهدة الأفلام والناس والمشي أو غيرها من الرياضات الجسدية التي تحرك الجسم، ليتحرك معها العقل.
العالم الذي تخيلناه مع كوين يختلف عن عالمنا اليوم. نعم، كلاهما يملؤه الكُتاب والنشر، ولكن يتمايزان في نوعية وجودة المواد المنشورة، وحجم الإقبال والتشجيع والاهتمام والتقدير المصوبين نحو الكاتب.
في عالمنا لا تطعم الكتابة بقدر ما يشبع الغناء أو كرة القدم. ولا تهتم وسائل الإعلام التقليدية والجديدة بالكتاب بقدر ما تهتم بمشاهير التلفاز وسناب شات. في وقتنا هذا لا يلقي أحد البال للمسابقات الأدبية المحلية والعالمية، ولا يهتم بها سوى دور النشر الحريصة على طباعة الكتب الحاوية لعنوان "فائز بجائزة أدبية أو واصل إلى القائمة القصيرة"! وهي لا تفعل ذلك إلا لأسباب تجارية.
الكتابة هي رياضة الكُتاب الأولى. هناك دوري أول وثان وثالث وعاشر يعرف مستوياته الكُتاب، ويتنافسون فيه على أعلى المراتب دون أن يلتفتوا ناحية المتفرجين. يعيش الكُتاب في العالم الذي تخيله براين كوين، ويعيش الآخرون في العالم الآخر.. ولهذا يستمرون في الكتابة رغم كل شيء.





جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



الجمعة، 18 نوفمبر 2016

من تويتر و حتى يوتيوب

تطورت وسائل الاتصال في السنوات العشرين الأخيرة بشكل سريع، ولم يعد أحد يتخيل الهواتف الثقيلة والرسائل النصية الطويلة المقسمة على عدة رسائل يحتوي كل منها حروفاً محدودة! ومع بداية الألفية الجديدة بدأ الهاتف الجوال يصغر مرة واحدة ليكبر شيئاً فشيئاً مع تحدي الشركات بعضها بعضاً في عامل وزن الجوال!
ومع ثورة الآي فون وجد الناس مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة على الكمبيوتر المكتبي أو المحمول، في أيديهم، لا تفارقهم ولا يفارقونها، والآن يعج الآب ستور وجوجل بلاي ببرامج التواصل الاجتماعي، بل إن لكل منها نسخاً شهيرة أو على الأقل صينية كالمستخدمة في الصين المانعة لسناب شات، وفيس بوك، ويوتيوب!
شئنا أم أبينا فقد أثَّرت برامج التواصل الاجتماعي بمجتمعاتنا العربية ونسيجها وبيوتنا وطريقة تفكيرنا وكلامنا، كيف لا والشباب المستخدمون لهذه البرامج يمثلون النسبة الكبرى من نسيج الشعوب العربية!
الآثار الإيجابية والسلبية لمواقع التواصل مرئية منذ ما يقارب الست سنوات، ومنها تغييرات اقتصادية واجتماعية وسياسية أهمها الربيع العربي، وسيكون التركيز على التغييرات الاجتماعية في هذه المقالة لتعقيد التغيرات الاقتصادية، واستفحال النقاش والجدال حول الربيع العربي.. أسبابه ونتائجه المستمرة.
أول الآثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي هو انعدام الخصوصية، وهذا نراه في كل أنحاء العالم، أصبحنا نرى البيوت قبل الناس ونعرف أحوالهم دقيقة بدقيقة قبل محادثتهم. لا شيء من المحظورات ولم تعد تصدمنا الأمور أو نشعر بالغرابة حولها.
ثاني الآثار، ظهور الكثير من المشاهير الجدد حتى مل الناس من ترديد: لا تجعلوا الأغبياء مشاهير!
ثالثاً، غياب الرضا والقناعة وبالتالي فقدان الكثير من السعادة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت الكثير من الناس يقارنون بين أنفسهم وغيرهم ممن يظهرون الأفضل فقط من حياتهم!
رابعاً، انتشار ظاهرة الفومو fear of missing outالتي تحدثت عنها كثيراً والتي لا أرى لها أي فائدة إلا إذا كان الشخص المصاب بها كاتب زاوية يومية يجب أن يجد شيئاً يكتب عنه يومياً!
وآخر أمراض مواقع التواصل الاجتماعي هو ظهور الأفعال السلبية والجرائم كالسب والقذف على السطح. ولا أدري إن كانت المواقع سبب زيادة أو سببا كاشف لهذه الأفعال غير المقبولة!
القول بأن كل آثار مواقع التواصل الاجتماعي سلبية مجحف، فالآثار الإيجابية حولنا وحوالينا، فبسبب الفيس بوك وتويتر وسناب شات ويوتيوب وغيره حصل انفتاح وتسامح وتواصل وتعايش لم نكن لنحلم به قبل سنين، عادات وتقاليد اجتماعية قديمة اختفت وأخرى ظهرت وتحسنت النظرة اتجاه المرأة والأقليات المختلفة دينياً وسياسياً واجتماعياً في الوطن العربي، يمكن اختصار الآثار الإيجابية بقول: ما كان مسكوتاً عنه من قبل، لم يعد كذلك الآن.
هل مواقع التواصل الاجتماعي شيء جيد أم سيء؟ هل حسنت في حياتنا أم أساءت لها؟ الجواب تحمله طريقة استخدامنا لبرامج الاتصال الاجتماعي.


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر




الاثنين، 14 نوفمبر 2016

الإقتصاد أولاً

من شاهد خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، في افتتاح دور الانعقاد العادي الخامس والأربعين من مجلس الشورى القطري، سيعرف أن المرحلة المارة بها قطر مهمة. وكانت أهم محاور حديث سموه الاقتصاد والتنمية في جميع المجالات، ودور المواطنين في كل ذلك وحصل الاقتصاد القطري على معظم دقائق الخطاب القصير.
لماذا الاقتصاد؟ لأن قطر كدولة غنية بالنفط والغاز، تأثر اقتصادها بنزول أسعار النفط وأزمة سنة ٢٠٠٨ بالإضافة إلى كل ما يحدث للاقتصاد العالمي في هذه الأثناء. وبالتالي كان تركيز سمو الأمير حول الاقتصاد وكيفية تحقيق أهداف الدولة في تقويته وإعلاء مركزها عبر الرؤية الوطنية ٢٠٣٠ الصادرة في ٢٠٠٨ والخطط الخمسية ٢٠١١- ٢٠١٦ و٢٠١٧- ٢٠٢٢ التي ستخرج قريباً والتي ذكر الأمير أهدافها وأولوياتها.
لم يكن مضمون خطاب الأمير بلا مقدمات أو تمهيد، فقد كان خطاب تسلمه للحكم إحدى المقدمات لمرحلة جديدة يكون فيها الاقتصاد القطري أقوى وأمتن مما سبق. والخطوات التي تقوم بها الحكومة من ترشيد للإنفاق وحرص على التعاون بين القطاع العام والخاص، أكبر دليل. ومن هذه الخطوات مقابلة رئيس مجلس الوزراء الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني لرؤساء مجالس إدارات شركات المساهمة العامة، مؤخراً، والدعوة إلى إزالة معوقات الاستثمار بجانب دعم المشاريع والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر بنك قطر للتنمية.
الدولة تشد على أيدي الشركات المساهمة الكبيرة من جهةٍ وتدفع الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من جهةٍ أخرى. جهود الحكومة تُشكر في هذا المجال ولكن ليس من الواقعية تصور وصول قطر للأهداف الموضوعة لها عبر الحكومة وحدها، ومن ذلك كان حديث الأمير للمواطنين وقوله: قطر تستحق الأفضل من أبنائها.
قطر تستحق الأفضل من الموظفين العموميين ورواد الأعمال وأصحاب الشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة. وقطر حالياً بيئة استثمارية رائعة للجادين من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خاصة المكونين لأساس أي اقتصاد قوي ومتين طامح للوصول للعالمية، فمعظم الشركات العالمية بدأت كشركات صغيرة ومتوسطة عبر جراج منزل أو موقع إلكتروني بسيط لا كشركة كبيرة عابرة للقارات.
الاقتصاد فالاقتصاد فالاقتصاد. هذه كانت رسالة سمو الأمير لقطر وأبناء قطر في حديثه للمواطنين والحكومة. وهذه هي شفرة عبور قطر للمرحلة القادمة.




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الأحد، 6 نوفمبر 2016

أوقات

عندما نتحدث عن الوقت نتحدث عن شيء لا نعرف عنه سوى القليل. كائن غريب يشبه الفيروسات التي تحط على جماد، فتكون ميتة، وما أن تنتقل على جسم حي حتى تحيا.
نشعر بالزمان ولا نشعر به، وستعرفون ما أتكلم عنه، عندما تتذكرون سنوات السعادة القصيرة وثواني الحزن الطويلة. إذاً، كيف نعرف بأن الوقت موجود؟ وأن ساعات ودقائق الفراعنة موجودة؟ بآثاره المادية والمعنوية. آثاره المادية هي ما يحدث للإنسان من تجاعيد وجه وما يصيبه من أمراض نتيجة العمر، وما يحصل للأرض وكل شيء عليها وفوقها. والآثار المعنوية للوقت هي الذكريات، الابنة البارة للوقت. ذكريات ولادة أول ابن يسمى على الجد وذكرى الحصول على الشهادة الجامعية، وذكرى خسارة أول حب، وفوز ثاني حب، وذكرى الزواج وصولاً إلى خاتم كل الذكريات، الموت. والموت يرث الوقت والذكريات، بعد موتهما. ولكن قبل كل ذلك، هناك أمل. يبدأ من الولادة، ويستمر حتى يختفي مع الوقت، شيئاً فشيئاً كلمعة العيون.
في عقدنا الأول، كل ما يهمنا هو ألا ينسى والدانا عيد ميلادنا، وأن نحظى باللعبة التي استعددنا لتلقيها عام كامل.
وفي عقدنا الثاني، نشعر بأننا كبرنا، ولا شيء يضاهينا غير أحلامنا التي تكبرنا حجماً وتتعدانا لتملأ الكون كله.
ليأتي العقد الثالث بكل الآلام وأفراح العشرينيات، فنشعر بأننا لم ننجز شيئاً نوعاً ما، وأننا ركزنا على التوافه دون الأمور المهمة، فنؤكد أن هذا العقد سيكون عقد الإنجازات.
وفي العقد الرابع، نحاول الحفاظ على الإنجازات والروابط العائلية وبعض الصداقات هنا وهناك.
وفي الخامس بعد ظهور العلل والأمراض، تلوح بوادر الحكمة تمهيداً لبعض الزهد في الحياة في العقد السادس، الذي يأتي في غمضة عين.
وما أن يأتي العقد السابع حتى نصدق ما قاله غازي القصيبي في قصيدته «سيدتي السبعون»: أواه! سيدتي السبعون! معذرة.
بأي شيء من الأشياء نحتفل؟!
أبالشباب الذي شابت حدائقه؟
أم بالأماني التي باليأس تشتعل؟
وفي الثامن والتاسع والعاشر وما بعدها، سنلتزم الصمت بعد رحيل العائلة والأحبة، حيث إن كلامنا سيبدو شكوى يتهم بها الوقت، وصمتنا فضيلة في مواجهة الوقت.
وبعد كل هذه التجارب وقصص الإخفاقات والنجاح المحمولة داخل حياة.. وقبل أن يتبخر الوقت.. أعظم ما يمكن تعلمه عند الوقوف على قبر ما، هو درس واحد أهم من أن يكتب على ضريح أو في ورقة أو في سجل الذاكرة. انس الزمان والمكان، كن شخصاً صالحاً ولا تضر كائناً آخر، وكفى!




جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية



الأربعاء، 2 نوفمبر 2016

مغامرة

في الفيلم القصير «عناصر المغامرة الخمس»، يتحدث ماثيو واكر متسلق الجبال الأميركي عن المغامرة، ويربط فلسفته حولها بخمسة عناصر هي: الشغف، والخروج عن المألوف، واللايقين، والصحبة، وأخيراً التركيز.
الشغف أولاً لأنه أهم العناصر، بدون شغف لا تكون المغامرة سوى فعل لا يعني للإنسان شيئاً، الشغف هو أقوى المحركات، وهو ما يجعل الإنسان إنسانا، لا يقوم بعمل ما لأن غيره قام به أو حتى يبقى على قيد الحياة كغيره من الكائنات الحية.
ثاني عنصر هو الخروج عن المألوف، وبه يقصد واكر تعدي دائرة الراحة comfort zone إلى ما وراءها، والقيام بغير المألوف أو الذهاب إلى مكان يختلف عن الشخص وبيئته التي أتى منها، كيف سيعرف الإنسان بأنه سيخرج أو خرج عن دائرة راحته؟ إذا شعر بانعدام الأمان والتردد والخوف من خطوته القادمة، هنا سيعرف الإنسان بأنه عبر تلك الخطوط غير المرئية، والمهم ألا ينسى بأنها خطوط خيالية، وضعها هو ومن حوله.
ثالثاً: اللايقين أو عدم التأكد من نتيجة المغامرة، هذا أكثر العناصر ارتباطاً في أذهان الناس بالمغامرة، خاصة الخطير منها كالغوص مع أسماك القرش أو تسلق الجبال العالية، وهو أيضاً من أكثر العناصر التي تجعل المغامرة مثيرة وعاملاً محفزاً لخوضها لا الابتعاد عنها.
رابعاً: المشاركة؛ فوجود الصحبة في المغامرة يجعلها أجمل وأسعد وأبعد عن النسيان، وفي الوقت نفسه تبقى المغامرة الفردية أو الشخصية مغامرة أيضاً، حيث أن المغامر قد يقوم بمغامرة ما من أجل شخص آخر، أو على الأقل سيحكي مغامرته وسينقل تجربته لشخص ثانٍ، وهذه بحد ذاتها مشاركة وصحبة يُحيا بها الحدث.
آخر عامل هو التركيز، وقصد واكر به التشبع باللحظة أو بالشيء بحيث يختفي كل شيء حول المغامر إلا المغامرة نفسها، بهذا التركيز والانتباه يرتاح المغامر ويهدأ بالمغامرة، فيُبدع ويحقق أفضل ما عنده.
في الفيلم وفي كتبه، يحكي واكر بأن المغامرة تساعد على تحسين حياة الفرد على المستوى الشخصي والعملي، وأتفق معه في ذلك، السفر إلى الهند أو القفز المظلي يغير من الشخص لكن بشكل مؤقت وعلى نحو طفيف لأنها مغامرات صغيرة.. الأهم منها هي المغامرات الكبرى أو التي تُسمى بأهداف الإنسان ككتابة كتاب أو افتتاح مطعم أو إنشاء عائلة، هذه هي مغامرات الحياة الحقيقية التي لن يفشل الإنسان فيها أبداً ما دام لم يتوقف عن المحاولة المرة تلو الأخرى، فبالمغامرات الكبرى يوجد عنصر خفي من أجله وبه نقوم بكل مغامراتنا الأخرى، وهو الرضا وتحقيق الذات.. وهذا هو هدف كل إنسان وعنوان المغامرة الكبرى.




جواهر محمد آل ثاني

صحيفة العرب القطرية



الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...