الثلاثاء، 31 مايو 2022

ثلاثة وجوه

 (الوجه الأول)

قال الله تعالى في سورة البقرة: "و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون"(٣٠). الانسان هو أكبر سر في هذه الدنيا. هو سر لنفسه و سر لغيره. عليه أن يكتشف نفسه، و يكون للآخرين أن يكتشفونه. و في خضم اكتشاف الانسان لنفسه.. سيعرف بأنه يرى نفسه من الداخل بشكل يختلف عن الطريقة التي يراها فيها غيره. قد يرى الشخص نفسه على أنه حنون، و يراه الآخرين غليظ القلب.. قد يرى نفسه سليلاً لحاتم الطائي، و قد يراه الآخرين حريصاً-زيادة على اللزوم-على المال. و لا بأس أن ترى نفسك بطريقة مختلفة قليلاً عن الطريقة التي يراها غيرك، أو أن يروك بطريقة مختلفة قليلاً عن الطريقة التي ترى فيها نفسك. هذا طبيعي، ففي النهاية تعاملات الانسان مع غيره دائماً ناقصة، يوجد دائما نص منسي.. فكرة غير مكتملة لم تقال.. شيء ما لم يعرفه أو لم يفهمه الشخص الآخر. و يجب أن نتقبل الفجوة بين الطريقة التي نرى فيها أنفسنا و الطريقة التي يرانا فيها الغير إن كانت فجوة بسيطة كما قلت، أما لو كانت الفجوة عميقة كأن يعتقد الانسان بأنه شخص جيد، و كل من يعرفه يقول بأنه شخص سيء.. فهنا يلزم الشخص أن يراجع نفسه، فلربما كانوا على صواب و كان غروره أكبر منه دون أن يعرف. و قد تكون الفجوة في أن يعتقد الانسان بأنه شخص رديء و جميع من حوله يراه شخص رائع.. هنا يجب مراجعة النفس أيضاً و محاولة التخفيف عليها حتى تطيب حياة الانسان.

 

(الوجه الثاني)

الانسان لن يرى أبداً شكله من الخارج. فهو ليس انعكاسه في المرآة و لا انعكاسه في الماء أو الهاتف. هو شكله الخارجي الذي يراه الآخرين من عيونهم، و لذلك لن يستطيع أبداً أن يرى شكله الخارجي بالضبط كما هو من الخارج. و في المقابل، لن يرى أحداً أبداً شكله من الداخل كما هو تماماً و كما يعرفه الانسان.

 

 

(الوجه الثالث)

تقول الحكمة اليابانية بأن للإنسان ثلاثة وجوه: الوجه الأول يريه العالم، و الوجه الثاني يريه عائلته و أصحابه المقربون، أما الثالث فلا يراه سوى هو. و هذا الوجه هو الوجه الحقيقي للإنسان و أصدق انعكاس لنفسه.

لربما يكون للإنسان أكثر من ثلاثة وجوه، يقسمها على زملائه و أحبابه و أعدائه و جيرانه و غيرهم.. و قد لا يتأثر هو ولا من حوله بتعدد وجوهه.. و لكن الأكيد بأن محاولة التوفيق بين هذه الوجوه طوال الوقت، هو أمر متعب، خاصة و إن كانت وجوه متناقضة!

فاعرفوا أنفسكم من الداخل و أظهروها للخارج، حتى لا تعيشوا بأكثر من ثلاثة وجوه!

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الأربعاء، 18 مايو 2022

شباب المستقبل

 

 

جيل شباب المستقبل.. كيف حالكم؟ هل ما زلتم على عهد الأصدقاء؟ هل كبر أخيكم الصغير و لم يعد صغيراً؟ هل هزمتم الرعد أم أن الرعد هزمكم؟ هل ما زلتم تغنون: "يأتي يوم.. يُطوى يوم.. يغدو ماضٍ أو خيال.. ماذا أريد.. ماذا أصير؟ هذا هو السؤال!"؟ ماذا فعلتم في هذا العالم أو على الأرجح ماذا فعل العالم بكم!

عندما أُفكر في طفولة جيل الألفية، أبرز ما يخطر في بالي هو أغاني قناة سبيستون التي كانت تُعدها للرسوم المتحركة. كانت أغاني قوية، لها معانيها.. مداخلها و قفلاتها.. لا يمكنك التحرر منها بسهولة و لا يمكنك سوى أن تغني معها في كل مرة تُعرض على الشاشة! و لربما و لهذا السبب لا تزال رشا رزق تُلاحق في حفلاتها من قبل شباب في الثلاثينات من عمرهم، كي تغني شارة بداية القناص و أنا و أخي!

هذه الأغاني هي التي شكلت وعي جيل الألفية الذين كانوا يغنون بحماس: "شرف الوطن أغلى منا ومن ما قد يجول بفكرنا في أي زمن!". و من ثم نغني بحب لأمهاتنا: "أنت الأمان.. أنت الحنان.. من تحت قدميك لنا الجنان.. عندما تضحكين.. تضحك الحياة.. تزهر الآمال في طريقنا.. نحس بالأمان!".

كنا نشعر بما نشاهده كأطفال و كان له معنى و قيمة، و كنا نعرف ذلك. فهل يوجد ما يشابه هذه الأغاني و الرسوم المتحركة قيمة و معنى لجيل اليوم؟ هل لديهم بوصلة ترفيهية ترشدهم إلى الغايات و المعاني التي يجب أن يبحثوا عنها في هذه الحياة؟ قد يكون لهذه الرسوم المتحركة المُعتبرة وجود اليوم، و لكن هل يشاهدها الأطفال أم أن عيونهم ملتصقة بمقاطع فيديو اليوتيوب التافهة و برقصات التك توك؟! و من المُحاسب اليوم على قيمة ما يشاهده الأطفال؟ هل هي شركات الإنتاج و عدم قدرتها على التكيف مع متغيرات العالم الجديدة و نزوح الأطفال إلى الانترنت و ألعاب الفيديو و وسائل التواصل الاجتماعي؟ أم أن المسؤولية تقع على الوالدين و حرصهم على تتبع ما تقع عليه أنظار الأطفال؟ هل المشكلة اليوم في تدهور نوعية الرسوم المتحركة و جودة البرامج التي يشاهدها الأطفال أم أن أطفال اليوم لا يريدون أن يشاهدوا البرامج و الرسوم المتحركة البناءة؟ و كيف وصلنا إلى مرحلة رفض الأطفال مشاهدة ما ينميهم و يرسخ في داخلهم القيم و المعاني الثمينة؟! هذه بعض الأسئلة التي قد تساعدنا في الحفاظ على جيل اليوم.. فقد كبر جيل شباب المستقبل.. و نحتاج الآن الالتفات إلى الجيل الجديد من شباب المستقبل.

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


 

السبت، 14 مايو 2022

لا تجعلوا الأشرار مشاهير!

  

 

القصة الأولى تتحدث عن سيمون ليفيف وهو محتال اسرائيلي قضى أيامه مدعياً بأنه رجل أعمال كي يخدع النساء و يأخذ أموالهم و القروض التي يحصلن عليها من أجل إعطائها له دون أن يرد لهن شيكلاً واحد!

القصة الثانية عن آنا ديلفي و هي وريثة أموال أبيها في ألمانيا أو هذا ما جعلت كبار مستثمري نيويورك يظنونه كي يضخوا أموالهم في جيبها لتعيش حياة الأثرياء المترفة.

القصة الثالثة هي عن جو اكزوتيك. جو اكزوتيك هو بالضبط كما يدعي. رجل أرعن أحمق مزعج، سيحارب كل من سيقف في وجهه و في وجه أحلامه.. الناس.. الحكومة.. و حتى الحيوانات!

قد يبدو أبطال هذه القصص الثلاثة بلا قواسم مشتركة لمن لا يعرفهم، و لكن من سمع عنهم، سيعرف بأن بينهم الكثير من القواسم المشتركة. فجميعهم سيئين و محتالين و كاذبين و أضروا الكثير من الناس حولهم، و لكن القاسم الكبير المشترك بينهم، بأنهم جميعهم مشهورون! جميعهم أُعدت برامج و مسلسلات حولهم و أصبحوا معروفين للناس. و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استفادوا من شهرتهم هذه التي أعطاها الناس لهم. سيمون ليفيف أصبح يواعد عارضة أزياء و وكل مدير أعمال ليبحث له عن فرص تمثيل في هوليوود.. آنا ديلفي دفعت لها نتفلكس ما يزيد على ٣٠٠ ألف دولار لقاء الحصول على حقوق قصتها.. جو اكزوتيك يتلقى الهدايا و زيارات المعجبين في سجنه بل أن بعض المعجبين يحاول إطلاق سراحه اليوم!

من السهل جداً لوم نتفلكس و شركات الإنتاج على جعل هؤلاء مشاهير.. و لكنها شركات في النهاية، جُل هم أصحابها هو المردود المالي، و لكن ما عذر الجماهير و المعجبين الذين يركضون وراء هؤلاء و يجعلونهم أكثر شهرة و غنى؟!

قبل عدة أعوام انتشرت عبارة "لا تجعلوا الأغبياء مشاهير" على أنحاء مواقع التواصل الاجتماعي، و كانت تلك إشارة إلى بعض من اشتهروا بسبب مقاطع فيديو غبية أو أمور غبية تلفظوا بها و انتشرت، فأصبحوا شهيرين بسببها لا لسبب آخر مقنع مثل القيام بعمل عظيم أو التفرد بمهارة مميزة. و اليوم انتقلنا من جعل الأغبياء مشاهير، إلى جعل الناس السيئة، مشاهير و أغنياء!

هذا الجو العام الذي نعيشه، و الذي فيه يتم مكافأة الأشرار بالشهرة و المال، سيكون له تأثير كبير على الأجيال القادمة التي ستظن بأنه من المسموح لها أن تكذب و تحتال و تسرق من أجل المال و الشهرة، و أنه لن يطالها العقاب بل ستُكافئ كما تمت مكافئة من أتى قبلها-أو على أكثر تقدير-ضربها على الرسغ كتحذير قبل أن تستلم جوائز الشهرة و المال!

يجب أن نعرف و أن نُعلم غيرنا بأن هذه القصص هي قصص تحذيرية لا قصص خيالية في نهايتها يفوز الأمير بيد الأميرة! و أننا نحن من يغذي شهرة هؤلاء الأشرار الذين يملئون شاشتنا، و نحن من نستطيع أن نسحب البساط من تحتهم!

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الثلاثاء، 3 مايو 2022

اختر جوعك!

  

 

شاهدت الأسبوع الماضي صدور خبر في قناة الجزيرة عن يوتيوبر قفز من طائرته الخاصة و تركها تتحطم وسط الجبال بغرض زيادة نسبة مشاهدات قناته في اليوتيوب. هذا الخبر ذكرني بقصة شخصية الانترنت (نيكوكادو أفوكادو) الذي انتقل من كونه انسان نباتي يصور مقاطع فيديو عن الأكل النباتي و أسلوب الحياة الصحية إلى عمل مقاطع فيديو (الماكبانق)، و هي مقاطع فيديو انتشرت أولاً في كوريا الجنوبية لأناس يأكلون صنفاً واحداً أو أكثر من الطعام أمام الكاميرا مع تفاعلهم مع الجمهور.

اُشتهر نيكوكادو أفوكادو بعد عمل مقاطع فيديو الماكبانق، شهرة لم يحلم بها أثناء أيامه النباتية، فازداد أكله النهم أمام الكاميرا، لترتفع شهرته مع وزنه، حتى مرض، و أصبح لا يستطيع المشي كثيراً ولا يقدر على النوم إلا بمساعدة جهاز تنفس! بل أن حتى ضلوعه التي تكسرت لم تمنعه من الأكل أكثر و أكثر في سبيل المشاهدات و الشهرة!

هذه الشراهة إلى الشهرة نوع من أنواع النهم، و ليست كلها.. هناك الشراهة إلى المال.. النساء.. الطعام.. الشراهة لأيٍ من ملذات الدنيا البعيدة عن ملذات الروح..

هذه الشراهة هي ما تضيع الانسان.. و تدخله في دوامات قد يعجز عن الخروج منها لأنها كلها رغبات خارجية هدفها إشباع فراغ داخل الانسان. المستميت على الشهرة قد يكون طالباً لانتباه فقده في طفولته.. عاشق النساء قد يكون باحثاً عن عاطفة ما تهون عليه جرح قديم.. عبد المال قد يكون فرد أثرت عليه ماديات العالم اليوم، و يريد أن يقارع البقية بنقوده و ممتلكاته.

يجهل البعض نهمه للدنيا، و آخرين يجهلون الأسباب وراء نهمهم.. الأخير له فرصة التحسن و إعادة نفسه إلى التوازن و الاعتدال.. و الأول أمامه طريق طويلة، فيه قد يضر نفسه أو حتى غيره!

قال الرسول عليه الصلاة و السلام: (منهومان لا يشبعان، منهوم في العلم لا يشبع منه و منهوم في الدنيا لا يشبع منها). و قد أثنى الرسول على الأول و ذم الثاني.

هناك أمور محمود السعي ورائها بشتى الطرق مثل العلم.. صلة الرحم.. عمل الخير.. تحسين حياة الناس و العالم! و هناك أمور أخرى.. لا يُسمى السعي ورائها بشتى الطرق "سعياً" بل نهم أو إدمان أو شراهة، تُنفر و لا تقرب!

اختر جوعك الذي لن يشبعك و لن يلتهمك من الداخل! اختر أن تكون منهوم في العلم لا الدنيا! اختر سعيك بإتقان!

 

جواهر محمد آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...