الخميس، 28 مايو 2015

محطة أولى

(١)
استلمت الخميس الماضي شهادة تخرجي من كلية القانون في جامعة قطر. في عمر الثانية والعشرين، وأنا في بداية عمري فكرت في كل الشهادات والمستندات وأوراق الخبرة والعمل والتدريب والدورات والقوائم التي قد تُعرفني كفرد في المستقبل حال بقائي أو زوالي مع الزمن، وأدركت أن أحداً لن يتذكرها، فأصحاب العمل والزملاء والعائلة والأصدقاء وحتى أنا قد أتذكرها مؤقتاً فقط، لتزول بعدها، حيث إن الذاكرة كالعمر، حالة مؤقتة. ماذا سيبقى إذاً غير رقم يمثل عمري ومجموعة علاقات تتوزع بين عائلتي وأصدقائي؟ ما الفائدة إذاً من عمل الملايين ودراستهم من أجل شهادة جامعية أو خبرة هنا وهناك؟
الفائدة هي في خلاصة هذه الشهادات والأوراق، وما يعملونه بسببها، أي محطتهم الأولى بعد ذلك.

(٢)
لن يتذكر أحد لقب الأستاذ أو الدكتور أو المدير أو المهندس إن لم يستحقه الشخص عن جدارة حتى يلتصق اللقب بالاسم لا العكس. وهذا سببه أفعال الشخص وأعماله خلال حياته، فمن يثري الناس يثري نفسه، ومن يثري حياته هو، بالضرورة، كان قد أثرى حياة الناس وإلا لما استطاع إثراء حياته. وثراء الحياة يكون باكتساب والحرص على الدين والأخلاق والعائلة والأصدقاء، وأخيراً العمل. والعمل غير محصور بالعثور على وظيفة والإخلاص لها -وإن كان ذلك جيداً- بل بالاستزادة على ذلك والسفر والاكتشاف والاستكشاف والتعلم بشكل دوري والإنارة والاستنارة والمثابرة والسفر والتطوع والتعرف على شعوب وقبائل مختلفة وكثيرة حول العالم. وقتها سيتذكر الناس، لأن الإبداع صديق الذاكرة والتاريخ عدو الناس العاديين.
ملايين الطلاب أنهوا دراستهم، ولا ولن يتذكرهم أحد، وفي المقابل من سينسى الرسام الإسباني سلفادور دالي؟ والأديب الأميركي إدجار آلان بو «كاتب الأعصاب»، كما وصفه الشاعر الفرنسي بودلير؟

(٣)
هذه ليست دعوة لرمي الشهادات و»الهويات»، ولكنها إشارة إلى كونها وسيلة لا غاية، نصل عبرها إلى الإبداع حول العالم والتأثير في حياة الإنسان، وخوض التجارب الروحية والعميقة والجريئة، حتى نصل إلى المحطة التالية، لنقول على الأقل قبل ابتلاع البحر لخطواتنا على الشاطئ بأننا حاولنا!


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 21 مايو 2015

حتى تبقى العربية

جميع لغات العالم المنتشرة والمعروفة كتلك التي لا تحتوي على أبجدية كالصينية، والتي تحتوي على أبجدية مثل الإنجليزية والعربية واليابانية وغيرها، من وضع الإنسان، مثلها مثل اختراع الكتابة. فحروف الأبجديات والرموز والكلمات و"الإيموجيز"، وهذه اللغات برمتها من خلق الإنسان، بعضها كانت ترسبات لمجتمعات متلاحقة على مدى طويل، وبعضها ابتُكرت من قبل الفعل الشخصي لأفراد، كالعالم اللغوي منشروب ميشدوتس (361-441) والذي أوجد أبجديتين جديدتين هما أبجدية أرمينيا وجورجيا المستعملتين حتى الآن، ومثل شكسبير الذي اخترع مئات الكلمات في مسرحياته.
وإذا ما نظرنا بدقة إلى اللغة العربية بالذات، وجدنا نقاطاً على الحروف بفضل أبي الأسود الدؤلي، والحركات على الحروف بتفضل من الخليل بن أحمد الفراهيدي مخترع العروض، وواضع طريقة ترتيب الهجاء "أبجد هوز.. إلخ". 
كل ما سردته من معلومات يحوم حول فكرة اختراع الإنسان للغته ولهجته وأبجديته وكتابته، وهذا يقودنا إلى رحابة اللغات لا استباحتها، فاللغات ليست مقدسة، لأنها مخلوقة، وإن كان لها احترامها ومكانتها في القلوب والعقول. هذه المكانة هي ما تتطلب منا العمل الذي يجب أن نقوم به تجاه اللغة العربية، من تجديدها وتنقيحها من الشوائب واستعمال كلماتها الجديدة المفهومة بدل القديمة المقبورة، ومراجعتها وتوسيع مدارك علمائها والإضافة إليها. هذه الأمور لن تنقص من قيمة لغة عريقة وغنية يتحدث بها أكثر من 500 مليون شخص حول العالم، بل سيزيد ذلك من انتشارها والحرص على المحافظة عليها.
تقلصت أراضي الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، حتى عادت جزيرة، وبقيت الإنجليزية في كثير من الدول كاللغة الرسمية الأولى، وفي دول عديدة أخرى لغة رسمية ثانية، إلى جانب دول تُدرس الإنجليزية بجانب لغتها في بعض أو كل المراحل الدراسية. هذه هي بريطانيا التي بقيت، والتي أصبحت لغتها اللغة التي لا تغيب عنها الشمس، لأنها مواكبة للعصر ومتجددة وحية، فعندما أفتح معجم أكسفورد الجديد للإنجليزية أجد كلمات مثل "تويتة" أو "تغريدة" كما تم تعريبها و"فاشونيستا" وغيرها من كلمات القرن الحادي والعشرين.
لا أكتب كلامي هذا بنفس متشائمة، بل على العكس، الأرقام والإحصائيات تبشر بالخير، خاصة مع زيادة المحتوى العربي على الإنترنت، واستخدام اللغة العربية من قبل مستخدميه بشكل كبير، ولكن أكتب كلامي هذا للتذكير وضبط البوصلة، لنحافظ على لغتنا عبر إثرائها وتجديدها، مع العلم بأن ذلك لا يكون عبر إشباعها بلهجات العرب المختلفة حتى تصبح مبتذلة، بل بالإضافات والتجديدات المدروسة والمتأنية، حتى تبقى لغة العرب.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الخميس، 14 مايو 2015

بين النقطة والكاتب اللقطة

الكاتب متحدث يتعامل مع الكلمات لا الجمهور، يضحك مع كلمة ويداعب الثانية، ويصافح أخرى، ويغضب على الرابعة، ويعتذر من النقطة إن استخدمها كثيراً، حيث إنها سيدة العرض الأخير، المرتبطة دائماً بالختام، والحريصة على إنزال الستارة الحمراء عليها، حتى يكون العرض كاملاً بلا أخطاء جسيمة.
ومن النقطة إلى الفاصلة «العازلة»، يستخدمها الكاتب بالحذر نفسه الذي ينظف فيه الأسلحة النارية، حتى لا تُطلق كلمة غير مفهومة أو تُحسب عليه، أو يسترسل فيضيع جل جهده. ورغم ذلك، غالباً ما سيشعر الكاتب بأنه أطلق النار على ساقه أو يده، لأنه لم يكتب كلمة بدل أخرى، أو لم يتأكد من مصادره الخفية. وفي أحيان نادرة لكتاب نادرين، سيشعر بأن الرصاصة وصلت حلقه، وأنه اختنق بالحق الذي حبسه في مكتبه، وأنه لم يعد يستطيع الكتابة أو على الأقل كما سبق.
الكاتب اللقطة جاد، وإن سال مداد السخرية من قلمه. الكاتب العظيم متواضع، وإن صرح بأن صروح الدنيا تقوم على كتفيه. الكاتب الذكي عميق، وإن كان منظر كلماته يلامس السطح فقط. الكاتب المتسائل حكيم، لأنه يعرف أنه لا يعرف كل الأجوبة، ولا كل الأسئلة، والكاتب الصادق هو من صدق خلايا جسده وهي تهمس له أنت كاتب! لا شيء غير كاتب! فترك أحلام العائلة وأحلام المكان، وسافر لحلمه.

نقطة
«قولي له: إن الشيء الوحيد الذي أريده في هذه الحياة هو أن أصبح كاتباً، وإنني سأصبح»، هكذا أجاب غابو ماركيز» لويسا «والدته» حول سؤالها: «إذن، ماذا أقول لأبيك؟».
نقطة



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الخميس، 7 مايو 2015

أخبار بلا فلسطين

منذ سنوات ومحطتي الرئيسية للأخبار اليومية هي الطرق التقليدية من صحف وتلفاز، إلا أن تركيزي كان على الأولى. ومع انشغالي في الآونة الأخيرة، اتخذت قراراً ظننته سهلاً فكان صعباً، فدراسات سابقة أكدت أن الأشخاص الذين يطالعون الأخبار اليومية أكثر من غيرهم هم أقل سعادة من الآخرين، ورغم هذه الدراسات، قمت بفتح التنبيهات الفورية الخاصة ببعض الصحف ووكالات الأنباء المحلية والعالمية في تويتر على هاتفي المحمول، وكأنني أنشد التعاسة! وفعلاً، حصلت عليها، فالأخبار تتدفق طوال اليوم، لا الناس تنام ولا الصحافيون والكتاب وغرف الأخبار تنام! إلا أن أسباب حزني لم تتعلق بالأخبار وحدها، بل بفهمي بأن الصحف التي كنت أقرؤها يومياً، لم تكن تنقل جميع الأخبار! خاصة تلك التي تتعلق بفلسطين وانتهاكات الكيان الصهيوني المحتل بشكل مستمر! وردتني أخبار حول قيام الكيان بهدم قرية فلسطينية واعتقال فلسطينيين في الضفة الغربية تارة وفي القدس تارة أخرى، وأخبار عن قيام المحتلين الذين يتم تسميتهم تجاوزاً وبشكل فج "بالمستوطنين" بدهس فلسطيني هنا وفلسطيني هناك!
هذه الأخبار بعضها لا تُنقل في صحف عربية، وبعضها يتم اختزالها كلها في فقرات صغيرة الخط في أسفل الصفحة العاشرة أو ما يليها في الصحيفة! ما السبب وراء ذلك؟ هل سئمنا هذه الأخبار، أم سئمت -واسمحوا لي بهذه الكلمة- الصحف من الإعادة والتكرار؟ لقد أصبحت بعض الصحف العربية كبعض الصحف ووكالات الأنباء الأجنبية التي ننتقدها لعدم عرضها أخباراً معينة أو للوجه الآخر من الخبر لجمهورها، إلا أن سببها معروف لمن يستخدم عقله، فيفهم بأنها بذلك تخدم أجنداتها وأجندات من وراءها من ممولين وغيرهم، فما أسباب الصحف العربية؟ هذا ما أصبحت عليه بعض الصحف، والتي غابت عنها أيضاً التنديدات والتشجيبات والاستنكارات، بكل أسمائها، التي كنا نخجل منها يوماً والمقدمة من دول العالم، وخاصة الإسلامية والعربية. ماذا حدث؟ هل كل الموضوع أن حرباً تطغى على حرب، وهدماً يغطي هدماً؟ أم أن المسألة جدية، وستؤول قضيتنا إلى النسيان كما يؤول كل شيء في النهاية؟ في الفرضين وغيرهم، الحال لا ولن يُغفر، فالمسألة مصير شعب، ومصير أرض، وماض ومستقبل، أياً كانت الزاوية المنظور منها، سواء أكانت إنسانية أم دينية أم قومية أم وطنية.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

السبت، 2 مايو 2015

هرم الحياة

طبيعة النفس البشرية تفكيرها الغالب فيما تريده لا فيما تحتاجه. فالحكومات حول العالم، مثلاً، تنظر في ملف السفر إلى الفضاء والتسليح قبل نظرها إلى تحسين البيئة أو تغيير أوضاع اللاجئين أو المهاجرين، والفقراء -لا المعدمين- يحلمون بالقصور قبل أن يفكروا في البيت الذي يعيشهم باستقرار نفسي عند تملكه، وحتى قبل أن يعيشوا فيه! لا حرج على من يحلم، لكن الحرج على من يستعجل تحقيق أحلامه بطرق ملتوية أو بطرق لا تعود بأي فائدة في النهاية على الشخص، بل وقد تضره في بعض الحالات، كمن كان حلمه السفر حول العالم، وهو بلا عمل، فيقوم بالاستدانة ليحقق حلمه، ليعود بعد ذلك، فلا يجد عملاً ولا يسدد ديناً أثقل به كاهله وكاهل عائلته. والدولة التي تحرص على ملف السفر إلى الفضاء أكثر من مشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ستقوم في النهاية بتقليص الميزانية المخصصة لهذا الملف لصالح مشكلاتها، إن لم يكن عاجلاً فآجلاً.
الإنسان يبني هرم حياته بوضع احتياجاته أولاً كقاعدة، لينتهي بأحلامه على القمة، فإن هو بنى الهرم بالمقلوب، سينهار عليه، فالجائع لا يمكنه اللعب قبل أن يأكل بضع لقمات، ولن تنفع المريض ترقيته إن هو ضحى بصحته من أجلها. من طريق آخر، الإنسان الحالم الواعي والواعي الحالم، يريد أن يعبر الحياة بسيارة رولز رويس فانتوم فارهة مريحة ممتعة، أو مرسيدس G65 AMG سريعة مغامرة محرضة، السيارتان مختلفتا الشخصية، ولكن كلاهما غاليتا الثمن، يصعب الحصول عليهما إلا أنه غير مستحيل، وبالتالي من يحلم بإحداهما سيسعى لها، حتى يجمع ثمنها، ويشتريها ثم سيقودها حتى يحصل على نقود يجلب بها سائقاً يقودها (لدواعي الراحة والجاه طبعاً!). سيقود السائق بعد ذلك السيارة تحت أنظار الحالم في أنحاء وأزقة الحياة، ومع الوقت سيُعَلم السائق الأماكن التي يريد الوصول إليها والسبيل إلى ذلك، وسيجلس الحالم في المقعد الخلفي بأعصاب باردة هادئة مطمئنة ومرتاحة إلى ما وصل إليه وما ينتظره من محطات. هذه السيارة هي مسيرة الجهد الذي قطعه وسيقطعه الحالم من جد وعمل وتعليم وتعلم لمهارات جديدة وتطبيق لمهارات قديمة حتى يصل إلى ما يطمح إليه، رغم أن الطامحين لا يصلون أبداً لأنهم ما إن يحققوا هدفاً حتى يركضوا باتجاه آخر!
اعرف ما تريد واسع وراءه، وقبل كل هذا اعرف ما تحتاجه وما تحتاجه عائلتك، واركض خلفه وطارده وانقض عليه. الطريق الطبيعي لأحلامك يبدأ بحصولك على احتياجاتك واحتياجات عائلتك المذكورة في هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية الأساسية. اضمنها أولاً ثم اشرع في تحقيق أحلامك، فمن يأخذ الطرق المختصرة يكون الضياع، في أغلب الأوقات، رفيق سفره.


جواهر بنت محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...