الخميس، 28 فبراير 2013

أرخص من دال!

وصلتني رسالة على بريدي الإلكتروني بعد نشر مقالي «نور على نور» يوم الخميس الماضي من رجل لقبه بومحمد، علق في رسالته عن كتاباتي بكلام لطيف -أشكره عليه- قبل أن يذيلها -وهو الذي لا يعرف شيئاً عن مؤهلاتي العلمية- بسؤاله عن سبب عدم سعيي وراء شهادة الدكتوراة؟
استغربت سؤال بومحمد في أول مرة قرأت فيها رسالته، بسبب الفجوة بين ما بدأ كتابة رسالته به وما انتهى إليه، وعن سبب كتابته لهذا السؤال بالذات واهتمامه بذلك خصيصاً، لكن تعجبي تبخر بعد قراءتي للرسالة مرة أخرى بروية، فكما يقولون: عندما يُعرف السبب، يبطل العجب!
والحقيقة هي أن المجتمعات الخليجية تعتبر حاملي شهادات الدكتوراة أشخاصاً كاملي العقل والروح، بحيث إنه لا يمكن لكلمتهم أن تحيد ولا يمكن لبحثهم أن يخطئ، ولا لمعلوماتهم أن تجانب الصواب، بل إن قدمهم في الموضع الصحيح أينما وضعوها وكيفما مشوا وارتحلوا.
وهذه فكرة خاطئة لأن الدكتور ليس ملاكاً مُنزّلاً ولا نبياً معصوماً، بل هو باحث خبير في مجاله، وله جُل الاحترام والتقدير والمكانة العالية، إلا أن المجتمع عظمه حتى أوجد فكرة عامة، تفيد أنه «لا يوجد من هو أكفأ من الدكتور»، حتى ولو كان ذاك الدكتور حاصلاً على شهادته بالأمس، ومن نقارنه به -وإن لم يكن دكتوراً- لديه خبرة 20 عاماً في نفس المجال.
وهذه الفكرة خلقت مشاكل سببها بعض الدكاترة، الذين كانوا منغمسين بين أبحاثهم ووراء مكاتبهم، وفجأة وجدوا أنفسهم في مناصب كبيرة في العالم الخارجي، بعيداً عن العالم الصغير الذي كانوا يعيشون فيه مع أبحاثهم، بالإضافة إلى خلق مصيبة أكبر وهي بلوى شراء شهادات الدكتوراة الوهمية التي يقدمها عديمو الضمائر لضعاف النفوس، حتى اتجه ذوو الأموال إلى شراء شهادات الدكتوراة ليحصلوا على دال الدكتوراة والاسم والمال والمنصب.
وتجلت ضخامة المصيبة عندما افتتح وسم «هلكوني» في «تويتر»، والذي نشر فيه المستخدمون أسماء النصابين الذين اشتروا الشهادات الوهمية وأسماء جامعاتهم الوهمية، بالإضافة إلى مناصبهم، والمبالغ التي دفعوها مقابل شهاداتهم.
هذه المصيبة مصدرها النظر بعين التقديس لأي رجل أو امرأة يسبق اسمهم حرف الدال، والتسابق على إعطائهم أعلى المناصب وترقيتهم، واعتبارهم خبراء في جميع المجالات التي بحثوا فيها والتي لم يفتحوا فيها مرجعاً أبداً، حتى أدت كل هذه العوامل إلى إهمال أهل الخبرة العملية، والذين كان بعضهم أكفأ من حاملي الدكتوراة، الأمر الذي جعل الفرقة الأولى تلاحق الدال أيضاً إما بالبحث أو بالمال، حتى انتشر المثل القائل: «أرخص من دال!» في إشارة إلى شهادات الدكتوراة التي أصبحت تُباع بكثرة في مجتمعاتنا العربية مؤخراً، حتى فقدت هذه الشهادة الرفيعة «ثمنها الغالي» المعنوي.
الحل الموجود للقضاء على هذه المشاكل، هو إعطاء كل ذي حق حقه، الدكتور الخبير في مجاله يبقى في محيطه، سواء أكان باحثاً أو أكاديمياً أو مديراً أو غير ذلك، ولا يتعدى بمنصبه على منصب غيره من الخبراء الذين يحمل بعضهم خبرات سنين طويلة في مجالاتهم وتخصصاتهم العلمية والعملية.
وأتمنى على أي حال أن نكون أقرب للغرب من الشرق في هذا الأمر، فلا هم يحطون من قدر الدكتور ولا يرفعونه فوق قدره، كذلك نجد لديهم حامل الدكتوراة يُعرف عن نفسه فيذكر اسمه ولا يقول الدكتور فلان، ثم يتبع قوله بالإشارة إلى عمله كباحث أو أكاديمي أو مدير شركة أو غيره، وهو لا يفعل ذلك تواضعاً بل وعياً منه بأن شهادته ستفيده في مجاله فقط، وأنه مهم بمقدار علمه وعمله لا بتكدس شهاداته في درج مكتبه دون عمل حقيقي.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 21 فبراير 2013

نور على نور

سيأتي اليوم الذي يسأل فيه كل إنسان نفسه -أو غيره-: ما الهدف من الحياة؟ قبل أن يسأل: ما هو هدفي في الحياة؟ سيقول قائل: «هدف أي شخص في الحياة هو الوصول إلى قمة السعادة». وسيتذاكى عليه آخر، يقول: «وبما أن الحياة تضع كل العراقيل والمشاكل والمصائب أمام الإنسان كي تصعب عليه الوصول إلى تلك القمة، فيمكننا أن نقول إن هدف الحياة هو سحبنا إلى قاع التعاسة!».
أنا لست مع الأول ولا مع الثاني، ولا مع ثالث سيقول بشكل أوتوماتيكي: «غاية الحياة هي العبادة». مستشهداً بآية هي أكبر من أن تُتلى دون تدبر وفهم!
لست مع الأول رغم اقتناعي بأن وراء كل سعادة عبادة، فبعض العبادات تحتاج صبراً ومجاهدة نفس، وبالتالي تكون سعادة الإنسان الناتجة عنها مؤجلة للحياة الأخرى، ولست مع الثاني لتأكدي بأننا مخيرون لا مسيرون وأن الله لا يأخذ شيئا إلا ويُعطي عشرة بدلاً عنه، أما الثالث فأنا لست معه رغم موافقتي لما قاله، فالعبادة بجهل كالمشي في الظلام دون بصيرة؛ لأن العبادة لا تكون عبادة دون وعي وتدبر، ولا يكون المشي في الظلام مشياً بل تعثراً.
الهدف من الحياة هو وصول الإنسان إلى ذاك النور الذي يريح روحه في آخر النفق، أما كيفية الوصول إليه فيكون ذلك بالتسامح مع النفس قبل الغير، و»إشاعة» السلام والحب والعبادة التي تمتد من البيت إلى المسجد وما بعدهما، فكل ذلك يخلق النور في النفس ويجعله يشع في آخر النفق متسللاً إلى الطريق فيه، ليكون نوراً على نور. ولا يكون ذلك النور مضيئاً جميلاً إلا بملامسته لنور الله تعالى الذي أحسن -جل جلاله- وصفه، فقال: «اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».
من يقرأ هذه الآية الجميلة، والوصف الباهر يتأكد من أنه لو مسه ولو قليلاً، فقط، من هذا النور الخلاب سينعم في جنة الأرض قبل جنة السماء، ومن أجل ذلك اجعلوا أهدافكم «منورة» لطريقكم، ولطرق غيركم التي تتقاطع أو ستتقاطع معكم يوماً من الأيام، فكل الطرق طويلة ومتعرجة إلا أننا كلنا بلا استثناء، نحتاج نوراً عليها، ودليلاً فيها.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 14 فبراير 2013

كُل.. صلّ.. اعشق!

(مدخل)
عنوان المقال هو ترجمة لعنوان مذكرات إليزابيث قيلبرت التي نشرتها ككتاب اسمه eat pray love ونقل في ٢٠١٠ إلى الشاشة الكبيرة كفيلم كانت غرته جوليا روبرتس.
هذا الفيلم الذي شاهدته ما إن عُرض في صالات السينما، لفتت صديقتي انتباهي إليه مؤخراً بعدما وضعت إحدى القنوات الفضائية موعداً لعرضه في هذا الشهر في دعاية مكونة من مشاهد من الفيلم وصوت جوليا روبرتس وهي تقول: «أريد أن أبدع في شيء معين!».

(مائدة من طعام وصلاة وحب)
كتبت لي صديقتي العزيزة متسائلة بعد أن ذكرتني بهذا الفيلم الذي تكومت عليه الأفلام في ذاكرتي: «ألا يبدو لكِ أن الحب جزءٌ من الصلاة؟ أم أن الصلاة جزءٌ من الحب؟ أم كلاهما يحمل جزءاً من الآخر؟ ‎البيضة سبقت أم الدجاجة؟» ‎‫‬بدقة أكبر: نحن نؤدي الصلاة بدافع الحب.. والصلاة نفسها تبعث داخلنا حباً‫، ولكن أنخاطب الله بدافع الحب، أم أن الحب يسكننا حين نخاطبه؟ وقفت كثيراً عند تساؤلاتها الجميلة، والتي يمتزج فيها الحب بالصلاة في كل مرة بطريقة أو بأخرى، قبل أن أكتب لها عن الفيلم: لقد جعلني عنوانه فقط، أتلهف لمشاهدته في الماضي، فهو ليس مجرد عنوان، هو رسالة، وليست أية رسالة، هي رسالة حب!
فكُل، لأن الطعام فن ونعمة، ولذة لا يشعر بها إلا من يفتحون «نفوسهم» للحياة! وقد قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ»(172) البقرة.
وصلِّ، لأنه لا يمكنك أن تحيا، وأنت يسكنك فراغ أكبر من الفراغ الذي يحفك! صلّ، لأنك لا تستطيع أن تعيش بأمان وراحة دون أن تشعر بوجود قوة جبارة خفية تحتضنك وتخاف عليك أكثر من أم على طفلها!
واعشق؛ لأن الحياة بلا حب، كالتنزه في صحراء قاحلة!.

‫(‬مخرج)
- «هل يجتمع الطعام والصلاة والعشق والعلم والفن؟»
لا أعرف، لكني واثقة بأن من يجمعهم، سيحيا حياة شبه كاملة -على الأقل- ما لم يُغلب واحدة على الأخرى.
‫- «لمن أكتب كلماتي هذه؟»
أكتبها لي ولك، ولكل شخص كره الحياة، أو أضاع بوصلته أو طعنه الأمل في ظهره، وأقول لنفسي ولهم: كلوا وصلوا واعشقوا، واستمتعوا بكل دقيقة تمرون عليها، فالعمر قصير، والحياة لا تنتظر من يعلق في النفق، ولا يحاول الوصول إلى النور، بل تدهسه وتؤذيه، لأن الاستسلام عدوها الأول والأخير!


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الخميس، 7 فبراير 2013

قطر و الإخوان المسلمين!

منذ بداية بروز نجم قطر في ساحات السياسة وحلبات الاقتصاد، ومسارح الثقافة، والتُهم تُلصق بها من الأشقاء قبل الغير، للأسف! والسبب الذي كان يمنعني من الرد عليها، هو أن كل هذه التُهم تفتقر الإثباتات والأدلة، أي إنها تُهم ضعيفة لا تستند إلى حجة أو إلى مصدر، وكأنها تُكتب على ماء.
وتعددت التهم الموجهة إلى قطر في الإعلام حتى تمت «شيطنتها» بحسب تعبير الكاتب الزميل عبدالله العذبة، ومن التهم هذه أن قطر صهيونية، وأميركية، وماسونية وإخوانية، حتى وصل الأمر إلى اتهام قطر بدعم المسلحين في مالي! وأفضل رد على هذه الاتهامات كان من رئيس مجلس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الذي نفى بشكل قاطع خلال مؤتمر صحافي أن تكون قطر قد قدمت أسلحة لأنصار تنظيم القاعدة في شمال مالي، وأضاف في معرض رده على بعض الاتهامات الفرنسية بأن قطر تمول المسلحين في مالي: «نحن متعودون على هذه الاتهامات، ومع الأسف فإن جزءاً منها يأتي من دول شقيقة، لكنني أؤكد أن قطر ليس لها أي تدخل من هذا النوع». ثم استطرد قائلاً: «في موضوع الاتهامات يجب أن يكون لديه إثبات وحجة واضحة، وإلا ستصبح مثل اتهامات أخرى في قضايا أخرى». 
وأكثر التهم التي تلقى رواجاً حالياً بين أعداء الدور القطري في المنطقة، هي «الأخونة»، أي إن قطر «إخوانية الهوى»، ويضعها هؤلاء في خانة التهم مثلما يضع المتطرفون الإرهاب مكان الإسلام، ورغم ذلك هي دون الإثبات أو حتى الدليل، لكنها تبقى التهمة المحببة لمطلقيها.
يستند بعض من يرمي قطر بتهمة «الأخونة» إلى وصول الإسلاميين، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في دول الربيع العربي، وكأن ليس لهم الحق في ذلك، معتقدين -بقناعة كاملة- أن قطر هي من أوصلتهم مكانهم، وينسى هؤلاء وقائع مهمة تبدد تهمتهم، وهي، أولاً: أن بعض هذه الجماعات الإسلامية يمتد عمرها إلى 80 عاماً، وأنها جماعات منظمة، ذات أهداف محددة، لا تنتظر من غيرها توجيهاً أو أوامر.
ثانياً: قطر ساندت دول الربيع العربي منذ اليوم الأول، ولم تُفضل حزباً أو جماعة أو تعاملهم بشكل مميز على حساب غيرهم، ولم تتعامل بعد ذلك إلا مع الحكومات التي اختارها الشعب، وبدبلوماسية رفيعة.
ثالثاً: الدعم المادي الذي تمده قطر -وغيرها من الدول مثل السعودية- لدول الربيع العربي، لا تعطيه لجماعات بعينها، بل تعطيه للدول وشعوبها وفي العلن، بعكس ما يفعله البعض في الخفاء!
أما أهم هذه الوقائع، كون الثورة الليبية التي دعمتها قطر مذ البداية لوجستياً ومعنوياً -ولا تزال تدعمها- قد تقدمت فيها القوى الليبرالية على الإسلامية في الانتخابات التشريعية!
وأحب أن أقول لمن يُروج دعم قطر لجماعات «إخوانية» أو غيرها في دول الخليج: أثبتوا ما كنتم تزعمون لو كان كلامكم صحيحاً! وأضيف على ذلك قولي بأن علاقة قطر بشقيقاتها الدول الخليجية، علاقة عميقة، ولها جذور لا يمكن اقتلاعها بسهولة من قبل صحافة تكتب بلا دليل وتنشر بلا احترام لعقل القارئ الذي يعي ويحلل ويفهم. وهذه العلاقة تؤكدها الأرقام والوقائع لا الأهواء والادعاءات، ومنها خبر صدر في الأسابيع الماضية عن استعانة إمارة دبي بالمكثفات القطرية بدل النفط الإيراني، وقبلها نُشرت أرقام كبيرة تبين حجم الواردات والصادرات -المتبادلة- بين دولة قطر والإمارات العربية المتحدة، وقبلها كان تصريح سمو أمير الكويت صباح آل صباح وتشديده على علاقة الكويت وقطر العميقة عندما أوضح بأن قطر ليس لها أي دخل فيما يحصل في الكويت، وغيرها أمثلة كثيرة في البحرين والعراق وعمان، والسعودية التي أورد أمثلة على قوة علاقتها مع قطر الكاتب مهنا الحبيل في مقاله «حوار وميزان مع مقالة الزميل قينان» في صحيفة الوطن القطرية.
كلمة أخيرة:
قطر لا تدعم الفصائل والأحزاب، أو الجماعات، قطر تدعم الإنسان واختيارات الشعوب، وهي أكبر من تصنيف، أو خانة «إخوانية» أو غيرها، هي كما وصفها سمو الأمير حمد بن خليفة آل ثاني -ببساطة- كعبة المضيوم.


جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...