وصلتني رسالة على بريدي الإلكتروني بعد نشر مقالي «نور على نور» يوم الخميس الماضي من رجل لقبه بومحمد، علق في رسالته عن كتاباتي بكلام لطيف -أشكره عليه- قبل أن يذيلها -وهو الذي لا يعرف شيئاً عن مؤهلاتي العلمية- بسؤاله عن سبب عدم سعيي وراء شهادة الدكتوراة؟
استغربت سؤال بومحمد في أول مرة قرأت فيها رسالته، بسبب الفجوة بين ما بدأ كتابة رسالته به وما انتهى إليه، وعن سبب كتابته لهذا السؤال بالذات واهتمامه بذلك خصيصاً، لكن تعجبي تبخر بعد قراءتي للرسالة مرة أخرى بروية، فكما يقولون: عندما يُعرف السبب، يبطل العجب!
والحقيقة هي أن المجتمعات الخليجية تعتبر حاملي شهادات الدكتوراة أشخاصاً كاملي العقل والروح، بحيث إنه لا يمكن لكلمتهم أن تحيد ولا يمكن لبحثهم أن يخطئ، ولا لمعلوماتهم أن تجانب الصواب، بل إن قدمهم في الموضع الصحيح أينما وضعوها وكيفما مشوا وارتحلوا.
وهذه فكرة خاطئة لأن الدكتور ليس ملاكاً مُنزّلاً ولا نبياً معصوماً، بل هو باحث خبير في مجاله، وله جُل الاحترام والتقدير والمكانة العالية، إلا أن المجتمع عظمه حتى أوجد فكرة عامة، تفيد أنه «لا يوجد من هو أكفأ من الدكتور»، حتى ولو كان ذاك الدكتور حاصلاً على شهادته بالأمس، ومن نقارنه به -وإن لم يكن دكتوراً- لديه خبرة 20 عاماً في نفس المجال.
وهذه الفكرة خلقت مشاكل سببها بعض الدكاترة، الذين كانوا منغمسين بين أبحاثهم ووراء مكاتبهم، وفجأة وجدوا أنفسهم في مناصب كبيرة في العالم الخارجي، بعيداً عن العالم الصغير الذي كانوا يعيشون فيه مع أبحاثهم، بالإضافة إلى خلق مصيبة أكبر وهي بلوى شراء شهادات الدكتوراة الوهمية التي يقدمها عديمو الضمائر لضعاف النفوس، حتى اتجه ذوو الأموال إلى شراء شهادات الدكتوراة ليحصلوا على دال الدكتوراة والاسم والمال والمنصب.
وتجلت ضخامة المصيبة عندما افتتح وسم «هلكوني» في «تويتر»، والذي نشر فيه المستخدمون أسماء النصابين الذين اشتروا الشهادات الوهمية وأسماء جامعاتهم الوهمية، بالإضافة إلى مناصبهم، والمبالغ التي دفعوها مقابل شهاداتهم.
هذه المصيبة مصدرها النظر بعين التقديس لأي رجل أو امرأة يسبق اسمهم حرف الدال، والتسابق على إعطائهم أعلى المناصب وترقيتهم، واعتبارهم خبراء في جميع المجالات التي بحثوا فيها والتي لم يفتحوا فيها مرجعاً أبداً، حتى أدت كل هذه العوامل إلى إهمال أهل الخبرة العملية، والذين كان بعضهم أكفأ من حاملي الدكتوراة، الأمر الذي جعل الفرقة الأولى تلاحق الدال أيضاً إما بالبحث أو بالمال، حتى انتشر المثل القائل: «أرخص من دال!» في إشارة إلى شهادات الدكتوراة التي أصبحت تُباع بكثرة في مجتمعاتنا العربية مؤخراً، حتى فقدت هذه الشهادة الرفيعة «ثمنها الغالي» المعنوي.
الحل الموجود للقضاء على هذه المشاكل، هو إعطاء كل ذي حق حقه، الدكتور الخبير في مجاله يبقى في محيطه، سواء أكان باحثاً أو أكاديمياً أو مديراً أو غير ذلك، ولا يتعدى بمنصبه على منصب غيره من الخبراء الذين يحمل بعضهم خبرات سنين طويلة في مجالاتهم وتخصصاتهم العلمية والعملية.
وأتمنى على أي حال أن نكون أقرب للغرب من الشرق في هذا الأمر، فلا هم يحطون من قدر الدكتور ولا يرفعونه فوق قدره، كذلك نجد لديهم حامل الدكتوراة يُعرف عن نفسه فيذكر اسمه ولا يقول الدكتور فلان، ثم يتبع قوله بالإشارة إلى عمله كباحث أو أكاديمي أو مدير شركة أو غيره، وهو لا يفعل ذلك تواضعاً بل وعياً منه بأن شهادته ستفيده في مجاله فقط، وأنه مهم بمقدار علمه وعمله لا بتكدس شهاداته في درج مكتبه دون عمل حقيقي.
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر
استغربت سؤال بومحمد في أول مرة قرأت فيها رسالته، بسبب الفجوة بين ما بدأ كتابة رسالته به وما انتهى إليه، وعن سبب كتابته لهذا السؤال بالذات واهتمامه بذلك خصيصاً، لكن تعجبي تبخر بعد قراءتي للرسالة مرة أخرى بروية، فكما يقولون: عندما يُعرف السبب، يبطل العجب!
والحقيقة هي أن المجتمعات الخليجية تعتبر حاملي شهادات الدكتوراة أشخاصاً كاملي العقل والروح، بحيث إنه لا يمكن لكلمتهم أن تحيد ولا يمكن لبحثهم أن يخطئ، ولا لمعلوماتهم أن تجانب الصواب، بل إن قدمهم في الموضع الصحيح أينما وضعوها وكيفما مشوا وارتحلوا.
وهذه فكرة خاطئة لأن الدكتور ليس ملاكاً مُنزّلاً ولا نبياً معصوماً، بل هو باحث خبير في مجاله، وله جُل الاحترام والتقدير والمكانة العالية، إلا أن المجتمع عظمه حتى أوجد فكرة عامة، تفيد أنه «لا يوجد من هو أكفأ من الدكتور»، حتى ولو كان ذاك الدكتور حاصلاً على شهادته بالأمس، ومن نقارنه به -وإن لم يكن دكتوراً- لديه خبرة 20 عاماً في نفس المجال.
وهذه الفكرة خلقت مشاكل سببها بعض الدكاترة، الذين كانوا منغمسين بين أبحاثهم ووراء مكاتبهم، وفجأة وجدوا أنفسهم في مناصب كبيرة في العالم الخارجي، بعيداً عن العالم الصغير الذي كانوا يعيشون فيه مع أبحاثهم، بالإضافة إلى خلق مصيبة أكبر وهي بلوى شراء شهادات الدكتوراة الوهمية التي يقدمها عديمو الضمائر لضعاف النفوس، حتى اتجه ذوو الأموال إلى شراء شهادات الدكتوراة ليحصلوا على دال الدكتوراة والاسم والمال والمنصب.
وتجلت ضخامة المصيبة عندما افتتح وسم «هلكوني» في «تويتر»، والذي نشر فيه المستخدمون أسماء النصابين الذين اشتروا الشهادات الوهمية وأسماء جامعاتهم الوهمية، بالإضافة إلى مناصبهم، والمبالغ التي دفعوها مقابل شهاداتهم.
هذه المصيبة مصدرها النظر بعين التقديس لأي رجل أو امرأة يسبق اسمهم حرف الدال، والتسابق على إعطائهم أعلى المناصب وترقيتهم، واعتبارهم خبراء في جميع المجالات التي بحثوا فيها والتي لم يفتحوا فيها مرجعاً أبداً، حتى أدت كل هذه العوامل إلى إهمال أهل الخبرة العملية، والذين كان بعضهم أكفأ من حاملي الدكتوراة، الأمر الذي جعل الفرقة الأولى تلاحق الدال أيضاً إما بالبحث أو بالمال، حتى انتشر المثل القائل: «أرخص من دال!» في إشارة إلى شهادات الدكتوراة التي أصبحت تُباع بكثرة في مجتمعاتنا العربية مؤخراً، حتى فقدت هذه الشهادة الرفيعة «ثمنها الغالي» المعنوي.
الحل الموجود للقضاء على هذه المشاكل، هو إعطاء كل ذي حق حقه، الدكتور الخبير في مجاله يبقى في محيطه، سواء أكان باحثاً أو أكاديمياً أو مديراً أو غير ذلك، ولا يتعدى بمنصبه على منصب غيره من الخبراء الذين يحمل بعضهم خبرات سنين طويلة في مجالاتهم وتخصصاتهم العلمية والعملية.
وأتمنى على أي حال أن نكون أقرب للغرب من الشرق في هذا الأمر، فلا هم يحطون من قدر الدكتور ولا يرفعونه فوق قدره، كذلك نجد لديهم حامل الدكتوراة يُعرف عن نفسه فيذكر اسمه ولا يقول الدكتور فلان، ثم يتبع قوله بالإشارة إلى عمله كباحث أو أكاديمي أو مدير شركة أو غيره، وهو لا يفعل ذلك تواضعاً بل وعياً منه بأن شهادته ستفيده في مجاله فقط، وأنه مهم بمقدار علمه وعمله لا بتكدس شهاداته في درج مكتبه دون عمل حقيقي.
جواهر بنت محمد آل ثاني.
صحيفة العرب القطرية.
المصدر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق