الثلاثاء، 28 فبراير 2023

قيمة الانسان

 

 

نعيش اليوم في عصر مجنون سريع، ليس منفتحاً على الآخر و حسب بل داعياً الآخر إلى الدخول فينا و إلى عوالمنا الخاصة. و هذا الأمر ليس بطبيعي و لا بالصحي لنا و لصحتنا النفسية و الجسدية. و يبان هذا الشيء في أبهى صوره عندما نبدأ بقياس مستوى سعادة الناس. عندها نجد أن الأغلب ليس سعيداً بل و أن البعض وصل إلى بداية الاكتئاب! و من أهم الأسباب التي جعلت الناس غير سعيدين و غير راضيين، هي المقارنة بين حياتهم و حياة غيرهم.. المقارنة بين ممتلكاتهم و ممتلكات غيرهم.. المقارنة بين سفراتهم و سفرات غيرهم.. المقارنة بين أصدقائهم و عوائلهم و أصدقاء و عوائل غيرهم.. إلخ! مشكلة هذه المقارنات أنها تجعل الانسان يأخذ قيمته كانسان من الخارج لا من الداخل. عندها يكون الانسان ذا قيمة، فقط لو امتلك تلك السيارة الفارهة التي يشاهد مثيلاتها في الأفلام أو لو كانت لديه تلك الحقيبة النادرة، أو لو سافر كل سنة مرة أو مرتين لتلك الوجهة التي سافرها ذاك المشهور أو الفنان أو لو امتلك تلك الساعة التي يرى اعلاناتها في كل مكان! هكذا و على غفلة من الانسان، و بسبب تشبعه من الإعلانات و منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، يربط قيمته كانسان بالماديات التي يراها من حوله! و عندما لا يمتلك هذه الماديات و يصعب وصوله إليها، يصبح انسان مبتئس غير راضٍ على نفسه و لا على حياته. و هذا أكبر خطأ، أن يستمد الانسان قيمته من الخارج لا من الداخل. أن تُقاس قيمة الانسان بالأموال و المظاهر بدل الدواخل و الأفعال.

قيمة الانسان الحقيقية هي بمبادئه.. بقيمه.. بأخلاقه.. بتصرفاته.. أفكاره.. بأحلامه.. بقيمة الدروس التي يتعلمها من الدنيا. هذه القيمة التي لا تُقاس و لا تُبدل و لا تُقيّم و لا تتدهور و لا تهلك ولا يدور عليها الزمن. هذه القيمة التي ما إن يمتلكها الانسان حتى يصبح فوق الرضا و فوق السعادة.. لا يهمه إن ركب سيارة قديمة و أعز أصدقائه ركب سيارة أجدد موديل.. لن يهمه إن عمل في عمل يدر عليه أقل من عمل قريب له.. لن يعطي ذلك بالاً لأنه يأخذ قيمته من الداخل.. يعرف بأنه يبقى هو نفسه سواء أقاد سيارة فارهة أم سيارته القديمة.. يعرف بأنه يحب العمل الذي يقوم به و هو راض به.. يعرف من هو و أن قيمته أكبر من مائة سيارة و ساعة و سفرة و حقيبة و ملابس غالية! هو نفسه الذي لا يستطيع لأحد أن يكون مثله.. هو أفكاره و قيمه و مبادئه و رحلاته الداخلية و مشواره الخارجي، و هو راضٍ على نفسه بسبب كل ذلك!

 

جواهر آل ثاني 

صحيفة الشرق

المصدر


الثلاثاء، 21 فبراير 2023

مصدر السعادة


 

لو سُئل جيل الألفية و الأجيال التي تبعته: ماذا تريدون من هذه الحياة؟ لتوالت معظم الإجابات كالآتي: المال.. الشهرة.. الإنجاز.. السطوة.. القوة.. الجسم الرياضي.. و هكذا. قلة التي ستجاوب قائلة: السعادة! و قد يرد البعض علي قائلين: كل هذه الأمور تصل بالمرء إلى السعادة.. و لكن ذلك ليس صحيحاً في غالب الأوقات.

مصدر السعادة أو سبب السعادة هو موضوع تناقله و تكلم عنه الجميع من الفلاسفة و الأدباء و حتى العلماء و عامة الناس. الجميع لديه تصور حول السعادة! و قد عملت جامعة هارفرد دراسة راقبت فيها مجموعة من الرجال و من ثم النساء لمدة تزيد عن الثمانين سنة لتعرف أسباب السعادة!

وفي هذه الدراسة، تم مراقبة مجموعتين من الرجال، نصفهم من خريجي و مرتادي جامعة هارفرد و النصف الآخر من رجال بسيطين يسكنون في أفقر أحياء بوسطن. و على مر السنين بدأوا بمراقبة أبنائهم و أحفادهم و أبناء أحفادهم و هكذا.. من الرجال و النساء لتحديد سبب السعادة.

و قد وجدوا بأن سبب السعادة هو العلاقات الاجتماعية الثرية. و أقصد بالعلاقات الاجتماعية الثرية هي العلاقات التي تضيف معنى لحياة الإنسان.. العلاقات التي نكون فيها على طبيعتنا غير متصنعين لأمر ما أو صفة ليست فينا. هذه العلاقات الصحية التي قد تكون مع أفراد العائلة أو الأصدقاء، تجعلنا أسعد و تجعلنا نحيا لمدة أطول و نكبر بشكل أبطأ، بل و أنها تجعل صحتنا الجسدية أفضل، لأن العلاقات الطيبة تخفف التوتر على المرء و تشعره بأنه على ما يرام.

هذه الدراسة مستمرة حتى الآن وفق الدكتور روبرت والدنقر، و لكني أجزم بأن أسباب السعادة لن تحيد عن علاقات الانسان الجيدة. فالانسان منذ القدم يعيش مع الجماعة، و لا يحيا إلا معهم، و ما إن تنبذه الجماعة حتى يموت أو تأكله الوحوش. الانسان كائن اجتماعي. وجود العلاقات الاجتماعية في حياته يجعله حي، و إن كانت هذه العلاقات الاجتماعية ثرية، فإنه سيعيش حياة أسعد و أطول! فابنوا علاقات اجتماعية ثرية و صحية و طيبة! فهي ما سيقودكم إلى السعادة دون أن تشعروا!

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


  

الثلاثاء، 14 فبراير 2023

الكتاب شائق من عنوانه

 

 

 

 لا أذكر بالضبط السن الذي اكتشفت فيه عالم القراءة الساحر، و لكني أذكر بأنه كان في المرحلة الابتدائية.. في مرحلة الطفولة، السهلة التكوين و التشكل. أذكر أني انجذبت إلى مكتبة أمي القابعة في الصالة، حيث شدني منظر الكتب المتراصة و الملتصقة ببعضها البعض، حتى تكاد لا يبان منها شيء، و كأنها كلها تمثل كتاب كبير واحد. و لهذا السبب-ربما-أخذت أُخرِج كل كتاب على حدة لأخذ نظرة عليه.. كنت أتسائل، هل جميعهم متشابهين في المحتوى؟ و اتضح بأن لكل كتاب منهم، شخصه المستقل!

أول دليل، أكد لي بأن كل كتاب مختلف عن الآخر، هو الغلاف.. فعلاً الكتاب يبان من عنوانه! كان لكل كتاب، غلافه الخاص و المتميز. و أكثر ما دفعني إلى القراءة، كانت تلك الغلافات المميزة. بدأت طبعاً، بنجيب محفوظ و احسان عبدالقدوس، كيف لا، و صاحب الغلاف هو الفنان الرائع جمال قطب! الذي كان يرسم الغلاف أو "لوحاته" كما كان يسميها و كأنه يعمل على بوستر فيلم للسينما! و من هنا، و من بعد، أن مِلت غصب عني إلى عالم القراءة المزركشة بالغلافات الرائعة، بدأت أقرأ جميع أنواع الكتب، سواء أكان الكتاب رائع أو عادي الغلاف!

رحلتي مع القراءة، بدأت بغلاف الكتاب، لا المحتوى.. في الكثير من الحالات لم أكن أفهم المحتوى أصلاً لصغر سني! و لكني كنت أستمر مع الكتاب ذو الغلاف الرائع! و من هنا فهمت حقاً، أهمية غلاف الكتاب، ليس لي فقط، بل للجميع، و كما يجدر أن يكون عليه الوضع! ينبغي لغلاف الكتاب أن يكون رائع و مثير و جاذب للقراء، و في الوقت نفسه، مرآة للكتاب، و مختصر لأفكاره و محتواه! و هذا ما أراه ناقصاً في يومنا هذا، عندما أزور المكتبات و معارض الكتب. نادر ما نجد غلاف، يحمل كل هذه المواصفات، بل على العكس، في الكثير من الأحوال، نجد غلافات، تافهة أو بسيطة إلى درجة لا تعكس فيها حتى نصف أفكار الكتاب و الكاتب، أو نرى غلافات غير مبدعة و غير "متعوب" عليها! و أسوأ الغلافات في نظري، تلك التي تحمل صورة كاتبها! لا يجدر على أي كاتب أن يضع صورته على غلاف الكتاب إلا إذا كان الكتاب هو سيرته الذاتية! أما غير ذلك في نظري، لا يساعد الكتاب و لا يُساعد الكاتب، فماذا سأستفيد أنا كقارئة للشعر مثلاً عندما أشتري ديوان عليه صورة الشاعر؟! اسم الشاعر يكفي للتعريف بأن هذا ديوانه و لا أحتاج صورته كقارئة للتأكد من ذلك! إن كان هذا الهدف بالأساس!

لا يزال في عالم تصميم غلافات الكتاب، مبدعين مثل حلمي التوني و كريم آدم، و أتمنى للمزيد من الفنانين دخول هذا المجال الجميل، و من دور النشر و الكُتاب، إعطائهم الفرصة لذلك، فتصميم أغلفة الكتب، مهم بقدر، تصميم بوسترات الأفلام و بقدر أهمية إعلانات التلفاز. هناك عدد غير بسيط من القراء، لن يمسك الكتاب، إن لم يجذبه الغلاف! كما يجعلنا بوستر الفيلم نتهاون عن دخول الفيلم لسوء تصميم البوستر، و كما تجعلنا الدعاية السخيفة على التلفاز لا نشتري المنتج من السوبرماركت! غلاف الكتاب هو أول مُسوق للكتاب، و هو المنتج الذي يشتريه القراء بأعينهم قبل الكتاب! فلنوله الأهمية اللازمة!

 

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الثلاثاء، 7 فبراير 2023

منطقة التركيز!

 

تخيل معي، أنك تلعب لعبتك المفضلة، و سنفترض بأنها كرة القدم.. و جميع من في الملعب يهتف ضدك.. ضد فوزك.. ضد تأهلك.. ضد فريقك. تخيل أنك تسمع جميع أنواع الهتافات، بعضها يسخر من لعبك، بعضها عنصري، و بعضها بلا معنى سوى التقليل منك و من فريقك كي تخسر و يفوز الفريق الآخر! هل تعتقد بأن ذلك سيؤثر فيك و في لعبك؟ هل سيؤثر ذلك في نتيجة اللعبة؟ ماذا لو بدأ الجمهور برمي القمامة و الأحذية عليك و على فريقك إن سجلت هدفاً ضد فريقهم؟ هل ستتأثر وقتها أم ستظل مركزاً في اللعبة و على هدفك النهائي في الفوز؟

ما تتخيله الآن، ليس خيالاً بالنسبة للكثير من لاعبي كرة القدم. الكثير منهم واجه هذه المواقف. بعضهم تأثر بالجمهور و المكان الذي لعبوا فيه، و خسروا، و البعض الآخر، لم يتأثر، و فاز رغم كل الظروف و الهتافات و رمي النفايات و الأحذية عليهم! و من أهم الأسباب التي جعلتهم يفوزون رغماً عن الجميع و رغم كل شيء، هو أن عقلهم كان في مكان آخر بعيداً عن الملعب و الشغب الذي يحاول الجمهور المستفز أن يغذيه فيهم! كانوا في مرحلة من التركيز، بحيث لا يؤثر فيهم شيئاً حتى و إن كانت الهتافات لهم و ليس ضدهم! (فحتى هذه الهتافات قد تشتت عن اللعب لو سمح لها المرء بذلك).

لاعب كرة القدم أندريه شورل فاز بكأس العالم مع منتخب ألمانيا في عام ٢٠١٤، ثم تقاعد بعد ذلك في سن ٢٩ عاماً و دخل مجال التحديات و تسلق الجبال. و بالفعل تسلق شورل جبال سنيزكا أعلى قمة في جمهورية التشيك بصدر مكشوف، لابساً الشورت فقط! يقول عن هذه التجربة: "في اللحظات الأخيرة، لم أشعر بأي شيء، و لكني وجدت في داخلي أمراً عميق يدفعني إلى الاستمرار.. هذه التجربة لن أنساها أبداً! تعلمت بأني أنا و جسدي أقوى مما أظن.. و أني بعقلي و روحي أستطيع فعل أي شيء!".

ذكرتني قصة شورل بالطيار الأمريكي جون هول الذي تم القبض عليه في فيتنام أيام الحرب الأمريكية الفيتنامية. و حُبس لمدة سبعة أعوام في غرفة صغيرة. قضى هول أيامه يتخيل بأنه يلعب القولف في يقظته. و عندما تم اطلاقه، شارك في مسابقة للقولف و حاز على مركز متقدم في المسابقة رغم أنه لم يلعب القولف قبل سجنه!

العقل هو أقوى سلاح في حياة الانسان. لن يؤثر على الانسان سماع الانتقادات أو نزول درجة الحرارة أو ارتفاعها بشكل كبير أو حتى الضرب و الإهانة، إن لم يسمح لها الانسان بالتأثير عليه في داخله. في داخل الانسان ما هو أقوى من أي مؤثر خارجي قد يواجهه. و بسبب ذلك، يحيا البعض رغم الألم العضوي حياة سعيدة.. و بسبب ذلك يحيا البعض الآخر رغم توافر كل شيء لديهم حياة تعيسة. لأن الفئة الأولى استخدمت عقلها و ركزت على ما تستطيع تغييره، أما الفئة الثانية فأهملت عقلها و جعلت المؤثرات الخارجية تلعب به، فركزت على ما لا تستطيع تغييره!

ركز عزيزي القارئ على نفسك لا على الخارج، و اعمل من الداخل لا من الخارج.. فالداخل هو الأبقى!

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...