الثلاثاء، 7 فبراير 2023

منطقة التركيز!

 

تخيل معي، أنك تلعب لعبتك المفضلة، و سنفترض بأنها كرة القدم.. و جميع من في الملعب يهتف ضدك.. ضد فوزك.. ضد تأهلك.. ضد فريقك. تخيل أنك تسمع جميع أنواع الهتافات، بعضها يسخر من لعبك، بعضها عنصري، و بعضها بلا معنى سوى التقليل منك و من فريقك كي تخسر و يفوز الفريق الآخر! هل تعتقد بأن ذلك سيؤثر فيك و في لعبك؟ هل سيؤثر ذلك في نتيجة اللعبة؟ ماذا لو بدأ الجمهور برمي القمامة و الأحذية عليك و على فريقك إن سجلت هدفاً ضد فريقهم؟ هل ستتأثر وقتها أم ستظل مركزاً في اللعبة و على هدفك النهائي في الفوز؟

ما تتخيله الآن، ليس خيالاً بالنسبة للكثير من لاعبي كرة القدم. الكثير منهم واجه هذه المواقف. بعضهم تأثر بالجمهور و المكان الذي لعبوا فيه، و خسروا، و البعض الآخر، لم يتأثر، و فاز رغم كل الظروف و الهتافات و رمي النفايات و الأحذية عليهم! و من أهم الأسباب التي جعلتهم يفوزون رغماً عن الجميع و رغم كل شيء، هو أن عقلهم كان في مكان آخر بعيداً عن الملعب و الشغب الذي يحاول الجمهور المستفز أن يغذيه فيهم! كانوا في مرحلة من التركيز، بحيث لا يؤثر فيهم شيئاً حتى و إن كانت الهتافات لهم و ليس ضدهم! (فحتى هذه الهتافات قد تشتت عن اللعب لو سمح لها المرء بذلك).

لاعب كرة القدم أندريه شورل فاز بكأس العالم مع منتخب ألمانيا في عام ٢٠١٤، ثم تقاعد بعد ذلك في سن ٢٩ عاماً و دخل مجال التحديات و تسلق الجبال. و بالفعل تسلق شورل جبال سنيزكا أعلى قمة في جمهورية التشيك بصدر مكشوف، لابساً الشورت فقط! يقول عن هذه التجربة: "في اللحظات الأخيرة، لم أشعر بأي شيء، و لكني وجدت في داخلي أمراً عميق يدفعني إلى الاستمرار.. هذه التجربة لن أنساها أبداً! تعلمت بأني أنا و جسدي أقوى مما أظن.. و أني بعقلي و روحي أستطيع فعل أي شيء!".

ذكرتني قصة شورل بالطيار الأمريكي جون هول الذي تم القبض عليه في فيتنام أيام الحرب الأمريكية الفيتنامية. و حُبس لمدة سبعة أعوام في غرفة صغيرة. قضى هول أيامه يتخيل بأنه يلعب القولف في يقظته. و عندما تم اطلاقه، شارك في مسابقة للقولف و حاز على مركز متقدم في المسابقة رغم أنه لم يلعب القولف قبل سجنه!

العقل هو أقوى سلاح في حياة الانسان. لن يؤثر على الانسان سماع الانتقادات أو نزول درجة الحرارة أو ارتفاعها بشكل كبير أو حتى الضرب و الإهانة، إن لم يسمح لها الانسان بالتأثير عليه في داخله. في داخل الانسان ما هو أقوى من أي مؤثر خارجي قد يواجهه. و بسبب ذلك، يحيا البعض رغم الألم العضوي حياة سعيدة.. و بسبب ذلك يحيا البعض الآخر رغم توافر كل شيء لديهم حياة تعيسة. لأن الفئة الأولى استخدمت عقلها و ركزت على ما تستطيع تغييره، أما الفئة الثانية فأهملت عقلها و جعلت المؤثرات الخارجية تلعب به، فركزت على ما لا تستطيع تغييره!

ركز عزيزي القارئ على نفسك لا على الخارج، و اعمل من الداخل لا من الخارج.. فالداخل هو الأبقى!

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...