مع كل هذا التطور التكنولوجي الهائل و القدرة على التواصل و الوصول إلى أي شخص في أي مكان في الكرة الأرضية، أصبح هناك ضغط كبير على الانسان. فالإنسان اليوم، يعيش وسط ثورة و ثروة من المعلومات و الوسائط التي تمكنه من بلوغ أي هدف يطمح إليه. و لكنه سلاح ذو حدين، وضع الانسان في سجن مصنوع من توقعاته و آماله، و توقعات و آمال الناس. الانسان اليوم مع هذه التسهيلات و القدرة على الوصول إلى أي شيء، أصبح يريد كل شيء، في هذه اللحظة، كل يوم! و يعزز من ذلك ظهور الآخرين في مواقع التواصل الاجتماعي على أنهم "مثاليين" و حياتهم "مثالية" من جميع الجوانب.. و بذلك أراد أن يكون مثلهم! عملهم يدر عليهم بالألاف إن لم يكن الملايين.. أجسادهم رياضية و رفيعة.. أكلهم صحي و نظيف.. يتمرنون بشكل يومي.. ينامون جيداً.. لديهم هوايات متعددة يمارسونها أسبوعياً إن لم يكن بشكل يومي.. مقربين من عائلاتهم و أصدقائهم و حتى معارفهم! لديهم كل شيء، و هم كل شيء طوال الوقت! أصبح هناك ضغط من المجتمع و الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي و المدرسة و العائلة و الأصدقاء، أن يكون الشخص كاملاً و مثالياً و يستطيع أن يكون كل شيء و أي شيء طوال الوقت!
أن يكون الشخص مثالياً و كاملاً هو أمر صعب و مرهق، إن لم يكن مستحيل! لا وجود للمثالية و الحياة الكاملة. يستطيع أن يحاول الانسان أن يكون قريباً من عائلته و أصدقائه، و مهتماً بصحته النفسية و الجسدية، و ملماً بعمله، و ممارساً لشغفه و هواياته، و فعل كل جانب من جوانب حياته بالوقت نفسه بالدرجة نفسها! و لكنه لن يفلح في ذلك! الأكيد أنه سيقصر في جانب ما، و هذا طبيعي. لا يستطيع أن يكون الانسان كل شيء و يفعل كل شيء طوال الوقت! و لكنه يستطيع أن يحاول التخطيط و الموازنة في جانب من جوانب حياته، و في الوقت نفسه يُسامح نفسه إن لم يستطع أن يوازن بين كافة الجوانب في حياته! فذلك أمر صعب و تأثيره كبير على سعادة المرء!
ما يستطيع فعله الانسان هو أن يعادل كافة جوانب حياته. أن يقضي وقت العمل، للعمل، وعندما ينتهي منه ينساه ليركز على بقية جوانب حياته، كأن يرى عائلته، و يتواصل مع أصدقائه بشكل أسبوعي، و أن يتمرن عدة مرات في الأسبوع، و أن يحاول أن يطبخ لنفسه طعاماً صحياً في وقت فراغه، و أن يخصص ساعة في الأسبوع لممارسة هوايته المفضلة، و يوماً في الأسبوع للخروج و الذهاب إلى السينما، و هكذا.. عبر التخطيط و الموازنة، يمكن للإنسان أن يصل إلى أعلى درجات الإنتاجية في حياته، دون الحاجة في أن يهلك نفسه، أو أن يصل بنفسه إلى حافة الاحتراق و الاكتئاب!
لا يُفترض للإنسان أن يرغب أن يكون كل شيء طوال الوقت.. بل يُفترض به أن يرغب أن يكون هو نفسه، طوال الوقت و كل وقت! هذا ما سيجعل حياته ثرية بالرضا و الإنجازات!
جواهر آل ثاني
صحيفة الشرق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق