الثلاثاء، 24 يناير 2023

نحن و معتقداتنا

 

 

الانسان لا يُشكل و يتكون فجأة و مرة واحدة، فهو ليس روبوت. كل ما فيه من أحلام و أفكار و معتقدات و تساؤلات و علم و فن و حتى إيمانه، يُبنى طبقة طبقة أو طوب طوب طوال حياته، و لكنه بخلاف البناء، يبقى تحت البناء حتى يموت، عندها يكون قد اكتمل بنائه. و الانسان له الخيار فيما يبني في نفسه، هل يريد بناء قصر؟ برج؟ فيلا؟ قراج؟ حديقة؟ شارع؟ بيت صغير؟ فندق؟ أياً كان البناء الذي بناه الانسان لنفسه، ستكون أساساته قد وُضعت في الصغر، و حتى مرحلة المراهقة و الجامعة. و قد يكون والديه أو بيئته التي وُلد فيها، ساعدته في قرار وضع الأساسات و مكان وضعها و كيفية وضعها، و البناء المتصور له، و لكن ذلك لا يعني بأنه لا يستطيع تغيير ذلك. ذلك لا يعني أن الانسان لا يستطيع تغيير المنزل الذي بناه والديه في داخله إلى حديقة أو منزل أكبر! كل ذلك بيد الانسان و أكثر!

و أكثر ما على الانسان أن يعمل عليه، هو المعتقدات و الأفكار التي تم تغذيتها له في صغره إما بشكل مباشر أو غير مباشر. بشكل مباشر، كأن يُقال له في المدرسة أو عبر والديه: "لن تنجح إلا عبر العمل الجاد و المجهد و المتواصل!". أو "لم ينجح أحد في حياته بسهولة!" أو "الفقراء يزدادون فقراً و الأغنياء يزدادون غنى!" أو "الحياة صعبة و كلها مشاكل!" أو "الأقارب عقارب!". أو بشكل غير مباشر مثل أن يرى والديه دائمي التشاجر و الكره لبعضهما البعض، حتى ينفصلا في النهاية، فيعتنق فكرة "لا وجود للحب" أو "الانسان سيعيش وحيد و يموت وحيد!".

هذه المعتقدات و الأفكار التي تربى عليها الانسان، ليست أمراً بسيط، أو أمر بلا تأثير عليه، فهي تمد الانسان بالأفكار و المشاعر السلبية، التي تجعل حياته أصعب بمجرد وجودها في داخله. فالإنسان الذي يرى "الناس كلهم شر و ما فيهم خير" هو انسان خائف، تعيش فيه أفكار الشك و الخوف، و بالتالي فسيرى الناس مهما فعلوا ناس لا يستحقون الثقة! الانسان الخائف سيرى العالم المرعب الذي يؤمن به في داخله! و من هنا تأتي أهمية تغيير المعتقدات و الأفكار الداخلية للإنسان، من الخوف و الغضب و الشعور بالذنب إلى الحب و التقبل و السلام و الشجاعة. من "العالم الخارجي غابة، يفترس فيه الانسان أخيه" أو كما يقول الغرب: "IT’S A DOG EAT DOG WORLD"، إلى "العالم حديقة و واحة كبيرة، فيها سأعطي الحب و سأستقبل الحب الذي أستحقه!".

عندما يغير الانسان قناعاته و معتقداته الداخلية، يُغيّر العالم الخارجي من حوله، إلى عالم أفضل و أجمل و أسعد! وهذا هو حجر الأساس الذي يجب على الانسان العمل عليه اليوم و دائماً!

 

جواهر آل ثاني

صحيفة الشرق

المصدر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...