الجمعة، 27 يناير 2017

حُر…يااه!

- 1 -
يُخلق الإنسان في جسد وروح وعقل، يُخص بهم من الله. وفي ذلك كله يجد نفسه وحيداً، ونوعاً ما محبوساً في حيز، وإن اطلع عليه الغير، إلا أنه يبقى غامضاً وخافياً إلا على نفسه وربه. من ذلك تولدت مطالبته بحريته في عوالمه الداخلية قبل عالمه الخارجي، حريته في دينه، ومكانه، وزمانه، ومشاعره، وشعائره، ومبادئه، والأشخاص الذين يختار بعدهم وقربهم.

- 2 -
كيف للإنسان أن يملك حريته الكاملة، والحرية الكاملة خرافة؟ فكلنا نعيش حرية ناقصة، شئنا أم أبينا. نعيش محدودين بمكان ما لا نستطيع مفارقته لكثرة الذكريات فيه، أو لوجود من نحبهم عليه. نعيش في كبسولة أو حقبة زمنية أحببناها أو كانت فيها أجمل أيام حياتنا. نعيش متفكرين في العادات والتقاليد عند قيامنا بأعمالنا أو عند امتناعنا عنها. نحيا بحسب مبادئ الناس قبل مبادئنا. نتصرف بحسب مشاعرنا، فإن أحببنا شخصاً ما، ضيقنا على شخصنا من أجله، وإن كرهنا فرداً ما، ضيقنا عليه وإن عنى ذلك الإضرار به. وكل هذا مع حفظنا شعارات الحرية المسموعة في ميادين الشعوب وهتافات الزعماء والحكام.

- 3 -
هل تكمن الحرية في الحب؟ هل تكمن الحرية في الكراهية؟ أم في اختيار الحب والكراهية؟ إن كانت الحرية في الحب فقط، فحب الزعيم الأب الحاكم الأبدي، هو حب مؤبد. وإن كانت الحرية في الكراهية فقط، فالنتيجة الكامنة في إلحاق الضرر بالغير واردة وحاضرة. أما الحرية المرتبطة بالاختيار فهي حرية الفلاسفة والأدباء، وهي الحرية المحكي عنها والمتداولة بين الجميع، ولكن هل يجعل منها ذلك الحرية الحقيقية؟ هل الحرية اختيار أم شعور يلازم الشخص، سواء وُضع في زنزانة أو غابة واسعة يفعل فيها ما يشاء؟
الحرية تكون في اختيار الشعور باللامحدودية بالحياة في جميع النواحي، والحرية كل الحرية، تقف -قبل توقف كلماتي وكلمات غيري- وقت الإضرار بالآخرين.

جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية

الجمعة، 20 يناير 2017

النمر الورقي

التنمُّر لغة هو التشبه بالنمر، وتحديدا عند غضبه، فتنمر الشخص يعني سوء خلقه أو غضبه، ومعنى التنمر في واقع حياتنا وإن حمل تعريف سوء الخلق إلا أنه يمتد إلى ما هو أكبر وأكثر تعقيدا من الحنق والسخط، هو إساءة في شكل إهانة أو استفزاز له أضراره المادية أو النفسية أو الاثنان معا، وقد يكون عن طريق نظرة أو كلمة أو حركة. الهدف منه إما منع المتنمِّر للمتنمَّر ضده عن القيام بفعل، أو حضه على القيام بفعل ما، وكله لخدمة نفسه الأنانية المريضة.
خطورة التنمر تكمن في أسبابه مثل امتدادها في نتائجه، فالمتنمرون هم أشخاص تم التنمر ضدهم من قبل، وبشكل متواصل وشديد من قبل فرد أو أفراد العائلة، أو من مجتمع يتم فيه الحكم ضد أي شيء بالأوصاف السلبية. نادرا ما يكون التنمر من خارج العائلة أو في مجتمع متسامح ومتعايش مع غير المختلف، وفي هذا الحالة يكون احتواء المتنمر ضده -وهو المتنمر المستقبلي نفسه- صعبا.
من أخصب مهود التنمر العنصرية والخوف من المختلف، أو الخسارة، أو حتى الرغبة المحضة في تثبيت وترسيخ المكانة القوية للمتنمِّر في مواجهة المتنمَّر ضده، مثلما تفعل بعض الدول والشركات القوية للدول والشركات الأخرى الضعيفة. وكل هذا يمكن علاجه والتعامل معه بشكل أسهل من التنمر ضد الأطفال في المدرسة أو من قبل أفراد العائلة. فالطفل يرضخ بسهولة للتنمر، وينعكس ذلك على سلوكه من انطواء ومعاداة اجتماعية، وحتى على مستواه الأكاديمي. وقد تكلم أحمد الشقيري في إحدى حلقات برنامج «قمرة» عن التنمر، وعن كون أحد حلول مواجهته هو الاستعانة بصديق قوي يدافع عن المتنمر ضده ويحميه. ومن أهم الحلول تعليم الطفل عدم السكوت إطلاقا عن التنمر. فالمتنمر يقتات على ضعف وسكوت المتنمر ضده، ويتمادى وقتها أكثر فأكثر، لأنه في عينه هو شخص رضخ له ورضي أن يكون في هذا الموقف، وسيقبل المزيد منه دون مقاومة.
نرى التنمر وآثاره كل يوم على وسائل التواصل الاجتماعي في الإساءات والاستفزازات وحتى في النصح المقنع بالطيبة. وأي نصح هذا أمام الملأ؟!
إلى جميع المحافظين على بعض من عقولهم في عالم الجنون الحالي: 
قاوموا وتثبتوا ولا تسكتوا في مواضع الضعف. وإن كنتم في محل قوة فتذكروا الضعفاء وتذكروا بأنكم كنتم وما زلتم ضعفاء. وبأن وجه النمر الملبوس مجرد قناع يمكن إسقاطه من قبل القوي المكين.



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الأحد، 15 يناير 2017

مجرد رأي

لو طلبتُ من مواطن عربي إعطائي وصفاً معيناً لآرائه وتوجهاته السياسية، لضعت أنا وهو في دوامات أفكاره دون أن نصل لوجهة توجهاته!
يصعب على الكثير من العرب تحديد ميولهم السياسية حتى في وقتنا المتقدم هذا، وذلك لأسباب كثيرة أهمها غياب حرية التعبير والحرية السياسية والعوامل الاجتماعية والثقافية والجغرافية والتاريخية والاقتصادية. الكثير لا يعرفون ماذا يريدون من سياسييهم، أو إذا ما كانوا يريدون أن يكونوا هم أنفسهم سياسيين، ورجال حل وعقد في البلاد، فالسياسيون وإن كانوا ذوي سمعة سيئة في جميع أنحاء العالم، فهم في الوطن العربي تسوء سمعتهم أكثر وأكثر. ترتبط السياسة والسياسيون في البلدان العربية بالخطوط الحمراء (تابو)، فيكون الكلام عنهما في حدود معينة في الإعلام كالحديث حول الجنس والعنصرية والتشدد الديني، وغيرها من المواضيع الشائكة اجتماعياً في المنطقة.
يكبر العربي بلا هوية سياسية واضحة يعرف نفسه بها، مما يدفع البعض إلى ربط أنفسهم بمصطلحات لا يعرفون معناها بشكل تام. فهناك من يقول إنه يؤمن بالديمقراطية، وهو لا يستطيع أن يفرق بين النظام السياسي في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. وهناك من يقول إنه ليبرالي وهو لا يعرف أصلاً بأن لها شِقاً اقتصادياً بجانب شقها السياسي. هذا الجهل أو التجاهل الفكري لموضوع مهم كالتوجهات السياسية، له آثاره السلبية، فالجهل يولد العصبية والعنصرية وعدم تقبل المختلف. هذا الجهل والتجاهل هو ما جعل الأجيال السابقة من العرب تدعم القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه تدعم وتكيّف وتسبب مواقف القادة العرب المختلفة، كل بحسب قوته وتأثيره. 
هذا التجاهل هو ما سيولد أجيالاً جديدة قد يمتد جهلها إلى العجز عن الوقوف في وجه الإرهاب وأفكاره، لأنها لا تعرف موقفها من كل ما يجري حولها في العالم وفي موطنها.
يظن الكثير بأنه ليس بلازم بأن يكون للشخص رأي أو موقف، أو أن ينتمي إلى تيار أو اتجاه سياسي معين، والحقيقة بأنه ليس بلازم فعلاً الانتماء إلى تيار أو حزب سياسي، ولكن امتلاك الشخص رأياً سياسياً واجب عليه وحق على الأشخاص المرتبطين به. لا يجب عليه أن يعرف وصفاً محدداً لأفكاره وقناعاته، ولكن يجب عليه على الأقل أن يعرف ماذا يريد للعالم ودولته وللأفراد الذين يعرفهم والذين لا يعرفهم. رفض الشخص امتلاك رأي سياسي معين هو رأي سياسي بحد ذاته. وهذا أقل المطلوب.



جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر


الخميس، 5 يناير 2017

بوح المرآة السوداء

بدأت مؤخراً بمشاهدة المسلسل التلفزيوني «Black mirror» (المرآة السوداء). ويُقصد بعنوان المسلسل، شاشات الهواتف والأجهزة الذكية التي لا تفارقنا، حتى أصبحت كالمرآة لنا، نرى فيها وجوهنا وأخلاقنا وأرواحنا وعقولنا.
في إحدى حلقات المسلسل الحاملة اسم «الانحدار المفاجئ»، تترابط حياة الناس في المستقبل عبر برنامج تواصل يمكن للآخرين تقييمهم به. فقد يقوم نادل بتقديم القهوة بابتسامة إلى زبون، فيعطيه الأخير تقييماً عالياً ذا خمسة نجوم. وقد يرى شخص ما شخصاً آخر يشتم أحداً في مكان عام، فيعطيه تقييماً منخفضاً ذا نجمة واحدة. ومع كل هذه التقييمات يتكون رقم يصبح ملازماً للشخص كاسمه، ويمكن للآخرين أن يروه عبر البرنامج. في هذا العالم، يكون لأصحاب التصنيف العالي امتيازاتهم ومكانتهم، ولغيرهم مكانهم ووزنهم المساوي لعدد نجومهم.
شدني في هذه الحلقة مشهدان، الأول عندما يطلب الأخ من أخته إظهار حقيقتها، والتوقف عن التمثيل واستجداء رضا الآخرين للفوز بالتقييمات المرتفعة.
هذا المشهد التمثيلي هو واقع البعض في عالم اليوم. أصبح الكثير يركض وراء المشاهير وقائدي جيوش المشاهدين والفولورز، طلباً لرضاهم، حتى وإن عنى ذلك التمثيل وإظهار خلاف الباطن. فنراهم يتبعونهم ويقلدونهم ويحملون الأحلام والمشاعر والتعابير نفسها. كل ذلك من أجل أن يتقبلهم الآخرون، وما هم بمتقبلين المتملقين، المظهرين خلاف ما يبطنونه. هؤلاء لا يعرفون السعادة، ولا الحياة. فالإنسان لا يحيا إلا بنفسه كشخصه، ولا يسعد إلا عبر قيامه بما يحبه هو ويستهويه.
المشهد الثاني، كان وقت قيام البطلة بإعطاء تقييم عال لمدير المحطة الذي تبادلت معه بضع كلمات، وما كان منه إلا أن أعطاها تقييماً منخفضاً، تفاجأت به. سألته عن السبب، فقال ببساطة: «لأن اللقاء لم يكن مثمراً!».
كم لقاء غير مثمر تعرضنا له وقمنا بمجاملة الغير والكذب على أنفسنا كي يتقبلونا؟ في كم مقابلة تصرفنا على غير طبيعتنا، حرصاً على رضا الغير وسعادتهم، وإن عنى ذلك تعاستنا؟
في الحلقة تصوير سوداوي لمستقبل، لا أحد فيه يسامح من يبوح بما يدور في خلده. وفي وقتنا الحالي، بعض من هذا وذاك في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وفي الشارع، ولكن ليس بوضوح وصدمة ما روته «المرآة السوداء». يا ترى هل تنبأت «المرآة السوداء» بالمستقبل؟


جواهر محمد آل ثاني
صحيفة العرب القطرية
المصدر

الحقيقة الفلسطينية

        الشمس لا تُغطى بغربال، و الحقيقة كذلك. طوال العقود الماضية، كانت حقيقة ما يجري في فلسطين، و الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، يُملى على م...